بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
والاتصال والاتجاه إلى معنى كلي. وهذا ما جعل عالمه الروائي حافلاً بالرموز. ثالثاً: إن رواياته الثلاث: «الشمس في يوم غائم» و«الياطر» و«مأساة ديمتريو» حديثة الشكل، وهي حداثة تقوم قبل كلّ شيء على تلك العلاقة التي ينشئها النص مع القارئ. لا يريد الجهيم لنقده أن يثقل بالمراجع والهوامش، لأنه كما أشرت، موجه للقارئ العادي، ومن هذا المنطلق يختار لنقده إحدى الزوايا، وتعيد إلينا هذه الممارسة النقدية فكرة أساسية طالما جرى تجاهلها، وهي أن الناقد قارئ لقارئ، وتصحّ هذه الفكرة مع اتجاه النقد التذوقي الذي يعتمد على خلفية ثقافية، وعلى ثراء مدهش من اللغة والأفكار، وقد بدا ذلك جلياً في نقد الجهيم. إن نقده ثقافي، بمعنى من المعاني، يبتعد عن مزاج الناقد وأهوائه. وهكذا تصبح التصنيفات التعليمية مزية تجعل الذاتي والتقريرية تعبيراً عن الوضوح والبساطة الدالة. وهذا يفسر لنا نفور الجهيم من الأحكام والمباشرة، وإن ظهرت بين الحين والآخر أصوات التبشير الفكري والعقائدي. ويقدم نقد الجهيم في هذا المجال، صورة عن التحول العميق الذي أصاب النقد الإيديولوجي في الثمانينيات باتجاه تنقيته وتعزيز الفعاليات النقدية المستقلة. والكتاب مثال جيد للنقد التذوقي الذي يقرّب الرواية من أوسع جماهير القراء، ويساعد حقاً على فهم أصح لأدب حنا مينة. ولم يقتصر الكاتب على النقد التذوقي، بل أثراه بالميول الثقافية الناجمة عن معرفة عميقة بالأدب والنقد عربياً وعالميا، والملاحظ أنه حلل الروايات وحدها ومنطوقها الاجتماعي والإنساني والسياسي، وابتعد عن الأحكام الخارجية، وأضاء بعض أدلجة هذه الروايات مما تتيحه تراكيبها الفنية. وأضفى على نقده الخصائص البنيوية النصية، على الرغم من انخراطه في الواقعية الاشتراكية في بعض المواقع، وحاول أن يثمرّ تقانات أخرى تندرج في القبليات النقدية، مثل التماهي السيري وتحديد المدلولات السابقة على التشكل الروائي أو المضافة إليها. 7- الاتجاه اللساني والأسلوبي: 7-1- طبيعة الاتجاه الأسلوبي: تقوم الاتجاهات النقدية الحديثة على مبدأ أن النقد يتصل بداخل النص، وتبتعد كثيراً أو قليلاً عن العوامل المساعدة في دراسة النص كدراسة حياة الكاتب والظروف الاجتماعية والسياسية التي تحيط به، لأن الكاتب في النقد الحديث يموت لدى طباعة النص، وهذا ما تسميه البنيوية موت المؤلف. ترتبط اتجاهات النقد الحديث بالمناهج المعرفية شأن التحليل النفسي بعلم النفس، والتحليل الاجتماعي بالنظريات الاجتماعية، والاتجاه الأسلوبي واللساني باللغة والبلاغة وعلم البلاغة وما يتصل بها من أشكال المجاز والتمثيل الثقافي والرمز والدلالة والنحو. والأبرز فيه، هو: النقد اللساني ومناهجه، وأول منهج ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار هو: أ- منهج النظم: ويقوم على علم المعاني والنظم، وهو صوغ علائق الكلام والكشف عن المعنى ومعنى المعنى، فالمعنى يعطي ظاهر الكلام، وما وراء المعنى يعطي باطن المعنى، وعند دراسة علم المعاني نخرج عن ظاهر الكلام إلى معانٍ متعددة ومختلفة يعطيها نظم الكلام، وتتصل هذه النظم بالتمثيل الثقافي الذي تعبّر عنه نظرية الجرجاني (نظرية النظم). ب- منهج إمكانات النحو: ويمضي في النظرية الحديثة إلى التحويل أو التوليد بمعنى أن الوحدة اللغوية في استعمالاتها قابلة للتبدل والتغيّر من خلال الانتقال من المعنى المعجمي إلى الدلالي بالاستفادة من نظرية الفروق الدلالية، وهذا متصل بقواعد الاستصحاب (أصل الوضع، الخروج عن الأصل، العودة إلى الأصل (التأويل)...). وهذه القواعد متصلة بمنهج النظم وبمنهج إمكانيات النحو في النقد الألسني. جـ- منهج الشيفرات (codes): ولا سيما الكلمات، المفاتيح، ويطلق عليها في بعض مناهج النقد العتبات النصية. يبدأ النص مثلاً بالعنوان وقد لا يكون هذا العنوان ظاهراً في النص، أو مشاراً إليه إشارة مباشرة، فالعنوان عتبة نصية. إذ يذكر الكاتب في مقدمة العمل (كلمة أو مقدمة) إما تكون لـه أو لشخص آخر، قد لا تكون لها دلالة ظاهرة في النص، ولكن تعانق المعاني يكشف عن استثمار هذه (المقدمة) ودلالتها داخل النص. فاللغة هي التي تحمل الدلالات والمعاني، وقد لا تكون ظاهرة سطحياً، وإنما تظهر بالتغلغل داخل النص. والإهداء أحياناً يثير معنى وكذلك الهوامش والإحالات. ونصل بعد ذلك من العتبات النصية إلى استخدام الكلمات المفاتيح داخل النص، فكلمة تتكرر وعبارة تتكرر، وعبارة تذكر