بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
على اتخاذ مسير سلوكي معين لم يكونوا مجبرين عليه قبل ذلك.فالإنسان يمتلك حرية أخلاقية في أن يسلك ما يشاء ويحقق ما يريد، مستفيداً من قدرته التكوينية على أن يريد أو لا يريد، ويفعل أو لا يفعل.فالوجدان الإنساني لا يمنع الانسان من أي تصرف ولا يحد من حريته إلا على أحد أساسين: الأول: أمر الله ونهيه: فإن الإنسان المؤن يعتقد بالملكية الحقيقية والقيمومة الكاملة لله تعالى عليه، وأنه لا يملك بشكل تشريعي أن يتخلف عن أمره ونهيه.وحينئذ فإن وجدانه لا يمنحه حرية التصرف إلا في اطار ما سمح به الله تعالى.وبكلمة أخرى أن الوجدان يمنح للفرد حرية التصرف في قبال أفراد البشر الآخرين لا في قباله عز وجل.الثاني: حرية الآخرين: إذ يرى الوجدان الإنساني أن حرية الانسان متوفره له الى الحد الذي لا يعتدي فيه على حرية غيره، فإذا تجاوز الانسان ذلك أوقفه الوجدان على خطأ تصرفه، وتعدي حدوده الصحيحة.وليس هناك وراء ذلك تحديد وجداني، بينما نجد أن من الطبيعي أن تقوم الحكومة بتوسيع نطاق تحديد الحريات وعدم الاكتفاء بالدائرة الوجدانية؛ فتقوم مثلاً بفرض حظر عام على سلوك خاص، أو تأمر باتباع سلوك غيره، كما نجده في قوانين المرور وغيرها.هذا من ناحية.ومن ناحية أخرى (2) فإن هذه الهيئة الحاكمة ـ في مجتمع يؤمن بالملكية الفردية ـ لابد وأن تضطر أحياناً الى تحديد حرية الناس في التصرف بممتلكاتهم، وذلك كالأمر بتحديد الأسعار، ولزوم التصريف لسلعة معينة وأمثال ذلك، رغم اعتراف المجتمع بملكيتهم للسلع، وسلطتهم عليها.واعتراف المجتمع هذا بنظام الملكية يدعو للمطالبة بمصدر السلطة التي خولت الهيئة الحاكمة الخروج على النظام المتفق عليه بين الحاكم والمحكوم.وهناك أمر آخر وهو اضطرار الدولة ـ لا محالة ـ وفي كثير من الأمور الى الضغط على الأفراد، ودفعهم لاتخاذ مواقف معينة يرون ضرورة عدمها.وبالتالي تكون وظيفتهم العملية ترك تلك المواقف، ولكن الدولة ترى لزوم اتخاذها، إما لتوحيد الكلمة، أو لتحقيق هدف آخر؛ كما لو رأت الدولة لزوم تجميع القوى وضرب العدو في مواقعه قبل أن يتصدى هو لمهاجمة المجتمع، في حين رأى البعض من الأفراد أن هذه العملية لا مبرر لها وأنها تصرف الأمة عن بناء المجتمع اقتصادياً، وأمثال ذلك.فإن من غير المتوقع أن تترك الحكومة هذا البعض على العمل وفق ما توصل إليه استنتاجه، وعند ذلك يثور التساؤل عن المبرر الذي يمنح الحكومة هذه القدرة على الضغط لاتخاذ مواقف كانت ـ لولا أمر الحكومة ـ محظورة على الفرد.والواقع أنه لا يمكن افتراض قيام هيئة عليا على حكم مجتمع ما وافتراض بقاء أفراد ذلك المجتمع على حرياتهم الأصلية في تصرفاتهم وممتلكاتهم وأنماط سلوكهم التي يتخذونها وفق قناعاتهم الشخصية، فلابد من افتراض سلطة تفرض، وتحدد، وتوجه.وإذا كان هذا الواقع الذي لا ريب فيه، كان التساؤل عن سلطة الدولة هذه ومبررها أمراً في غاية الوضوح، وهذا ما سنعبر عنه في بحوثنا التالية بـ(مصدر الولاية) أو (مبدأها)، أي : المنبع الذي تستقي منه الحكومة سلطتها وولايتها على المجتمع، وأهليتها لتحديد الحريات الأولية.إذن، فلابد من البحث عن مبدأ صحيح تستمد الحكومة منه سلطتها وولايتها الواسعة، لتخرج في الحقيقة عن كونها حكومة متحكمة ظالمة.أساس الحكم لا يمكننا أن نتصور لقيام الحكومة بأمور الحكم من أساس غير أمرين لابد من توفرهما معاً كي تصبح سلطتها على الناس وما تقوم به من أعمال نفوذ، مما يؤيده الوجدان الكامن في أعماق الانسان ذاتاً: الأول: ما سبقت الإشارة إليه، وهو أن تكون واجدة لمصدر مشروع تستمد منه الولاية.الثاني: أن تكون سلطتها وبرامجها وفق المصالح الاجتماعية.الدكتاتورية ومنطق القوة وبحثنا المنطقي هذا لا معنى له مع "الدكتاتورية" التي لا تعتمد إلا منطق القوة والعنف سبيلاً لتنفيذ سلطتها وفرض أوامرها على المجتمع.ولا يمكننا أن نلتمس لها أي مبرر منطقي وراء ذلك، لا من مصدر تستمد منه الولاية ولا من المصلحة الاجتماعية.وربما تدعي الحكومة الدكتاتورية أحياناً أنها تمتلك مبرراً وجدانياً لفرض سلطتها، وهو أداء ذلك الى عمل إنساني هو منع الظالم عن ظلمه، والضرب بيد من حديد على يد المعتدي، وإلغاء عملية تحكم بعض أفراد المجتمع الآخر، وأمثال ذلك.