(2) القرار: (سفيرَ دمي/ أيها الآسرُ/ الفارهُ/ الألوفُ/ النفورُ/ العنودُ/ النزوعُ/ البعيدُ/ القريبُ/ الـ../ ... سلاماً/... سلاماً.../ ... سلاماً/ثانياً ـ تراجع استخدام الفعل إلى المقام الثاني. وإذا قارنا الأمثلة السابقة بمثال من قصيدة (بور سعيد) الطويلة لبدر شاكر السياب سنلمس الفارق الشاسع، إذ يحتوي المقطع الأول المؤلف من سبعة وعشرين بيتاً على ستة وخمسين فعلاً, ولا يخلو بيت واحد فيها من فعلٍ واحدٍ على الأقل. إلى جانب ذلك نلمس في قاموس محمد حمدان سيادة الفعل المضارع على الماضي والأمر, فالمضارع يفيد الحضور المستمر والمتجدد. ويظهر هذا واضحاً في المثال الآتي: (تتراءى المواعيدُ في سكرة النبع أعتوبةً/ حين تخطر أمسية الوصلِ/ وهيَ تَرُجِّع لحن هزارٍ /يطوِّفُ بين العناقيد/ ينقرها/ فيذوب السّنا في محاراته/ خاتماً لجديلتها/...).ثالثاً ـ ندرة اللجوء إلى التركيب النعتي, وفي هذا رفض واحتجاج على لغة القصيدة الرومانسية التي تسم بنيتها اللغوية بالرخاوة والانتفاخ لما فيها من حشوٍ وميل شديد إلى استخدام الكثير من الصفات, التي لا يجوز استعمالها إلا عندما تقوم بوظيفة التحديد, أي عندما تضيف سمة دلالية جديدة على المعنى: (عتاب مُدَمّى ـ ص 16, المطايا السّروح ـ ص 12, الدروب السّوافي ـ ص 24, ...).رابعاً ـ شيوع استعمال التركيب الإضافي, لأنه التركيب الذي يمكّن من خلق مصاحبات لغويةٍ مبتكرة وجديدة وتتسم بالجرأة أو الطرافة، من مثل: (رموش الأفاريز, حُمَيّا الأظافر, مزادة الصوم, لهاث الصخيرات, قدور الونى، أروقة الصمت, صليل المكان، تُمَّرُ الشعر, بوابة الدمع, قارعة الوقت، نيلوفر الخيل, زُلَّيْج المنبر، ارتعاش السِّخاب, شال الخباء, عزيف المحارة، همس نعناعة، أرخبيل الذكريات، مزامير الغريب, باب عيني, حلم الدراري, عِتْرَةُ النجم...).خامساً ـ كثرة المصاحبات المبتكرة التي تشكل بنيتها المجازَ في الديوان وتمنح التشكيل الدلالي تأثيراً بالغاً متميزاً: (انْتَحَبَتْ نجمةٌ, يستوطن الحلقَ, تزقو الأنامل, يصاديني التراب, عتّقت ولهي, يستمطر الخوف، فَلَكَ النهدُ, ترامت حماماً, ترامق سري, يسرج الدَّجْنَ, زَخَّ اليباب, من لوحةٍ بَغَمَتْ, يخبُّ قطارٌ, يطفو الوَقَد...).سادساً ـ العودة إلى اشتقاقات وصيغ فصيحة مهجورة تحقق عنصر الجدّة والمفاجأة عبر استخدامها استخدامات جديدة: (يستمطر الخوف، يتعاورها الأصدقاء, يوصوص, أوريتُ طرفي, يتقاطر, يصاديني التراب, تماطرهُ, أُمَّات (ج أم), النكوب (ج نكبة)، أعتوبة...) وقد ترافق ذلك مع استخدام ألفاظ فصحى في العامية تغذي المستوى الكلامي في التعبير وتقربه من لغة الحديث, مثل: هَشَلَ ـ يهشل: (والقرن يهشل في محفة هاجَرٍ... ـ ص 29) والهشلة من الإبل وغيرها ما يأخذه الرجل من غير إذن صاحبه, يبلغ عليه حيث يريد ثم يرده إلى صاحبه, وقد استخدم محمد حمدان الفعل استخداماً أدخله في المستوى الكلامي, أي مستوى الشيوع في الاستعمال. ومن مثل ذلك أيضاً استخدامه كلمة (بِرْطيل) بمعنى الرشوة، وهي مفردة فصيحة شائعة في العامية. والبرطيل حجر خَشِنٌ يُسَنُّ عليه السلاح الأبيض كان قُدِّمَ رشوة إلى قاضٍ, فانزاحت اللفظة عن دلالتها التعيينية إلى دلالة ما استعملت من أجله. ومن أمثلة ذلك أيضاً الزُّلَّيْجُ والمباطحة, والزَّخ.. فالزُّليج في العامية المغربية لفظة فصيحة تعني حَجَرَ البلاط الأملس الناعم الزلق, أي ما نسميه اليوم (سيرامكيا)، والفعل يباطح بمعنى يصارع, الزَّخ بمعنى انصباب المطر غزيراً ومن ذلك أيضاً تعدية الفعل (اشتاق) باللام لا بإلى، إدخالاً لـه في المستوى الكلامي: (قمران يشتعلان في عيني سمرقند/ التي اشتاقت لبر الشام. ص ـ 26). فالمستوى اللغوي يقتضي أن يتعدى هذا الفعل بحرف الجر إلى، بينما شاعت في المستوى الكلامي تعديته باللام.سابعاً ـ الإمساك بزمام الموازنة التي يجمع المتن اللغوي فيها بين الواقعية اللغوية المرتبطة بالعصر, وأصالةِ اللغة المرتبطة بالتراث, بعيداً عن المثالية اللغوية التي يتسم بها الشعر الكلاسي, مما يخلق تمايزاً حازماً بين الواقعية اللغوية في الشعر ولغة الواقع. وهي ظاهرة واضحة في ديوان محمد حمدان تشكل مخرجاً واضحاً في انكماش القاموس الشعري للعودة به إلى زهوه، من خلال إحياء موات اللغة باستخدام هذا الموات استخداماتٍ حية جديدة، من دون أن يدخل الشاعر في صراعٍ مجهور ومكشوف مع اللغة الكلاسية، ومن دون أن يتخلى عن حداثة اللغة الشعرية. إنه صقل بارع لمفردات كلاسية منتقاة نكاد نصادفها في كل صفحة من صفحات الديوان, حيث يتواكب نوعان من الكلمات: العريقة التي صار بعضها عتيقاً, والبسيطة السائرة على الألسنة، أي تلك التي يمكن لها أن تنقل النص من مستوى اللغة إلى مستوى الكلام. وإذا كان شعراء الحداثة قد سعوا سعياً حثيثاً إلى التحرر من تراث الأربعينات, وأظهروا ميلاً واضحاً نحو استعمال الكلمات استعمالاً أكثر مواربة، فإن المتن اللغوي في ديوان محمد حمدان الأخير يبدي علاقة غير متوارية بلغة الشعر القديم, التي يتغذى قاموسه الشعري منها. ويتميز شعر محمد حمدان بقدرة فائقة على اصطياد الكلمة التراثية التي يمكن توظيفها في القصيدة المعاصرة بحيث تفوق سواها في تعبيرها عن دلالة بعينها, والشعراء ـ كما يقول أرشيبالد ماكلش: "يدأبون دائماً على الخوض والاصطياد على حافة نهر اللغة البطيء الجريان لعلهم يعثرون على ما يمكنهم اصطياده وتسخيره لاستعمالهم الخاص". إنه اصطياد من نهر راكد ينقل صيده إلى نهرٍ جارٍ فيعيد إليه حراك حياةٍ كاد يفقده. ويكفي للتدليل على ذلك أن ننظر في المتن اللغوي لقصيدة كاملة من قصائد محمد حمدان, عدد مفرداتها 40 مفردة، وعنوانها (العندم) لنجد فيها مفردات مثل: العندم (دم الأخوين), الأَدَم (تراب وجه الأرض)، العَنَم (شجر لين الأغصان)، السِّناج (الهباب)، الدروب السوافي... ومن الأفعال: تزقو الأنامل, زَمَّلَ العين (ملأها)... ومن التراكيب: فُلُّ الحمى، أرخبيل الذكريات:/تظللني/ عندما أتذكرُ فلَّ الحمى/ قبةٌ من آَدَمْ/ وتزقو أناملك العشرُ في جسدي/ ثم تحبو/ فيمتد في جسدي حيث تحبو العَنَمْ/ يبيت على ساعدي/ أرخبيل من الذكريات/ ويستيقظ الصبح من كوّة الشوقِ/ أبيضَ/ لكنّ ليل السِّناج الذي زمَّلَ العينَ/ يأسرهُ/... وعويلُ الدربِ السوافي يباغتني/ وهو ينضح دمعاً/ ودمْ/.وتكاد لا تخلو قصيدة بل صفحة في الديوان من مثل هذه المفردات:أعتوبة (ص 6)، السَّروح ـ الإصر (ص 12)، العوّلة (ص 13)، الحُميّا (ص 17)، ضَفَا, الأغانيج, صَوَّحَ (ص 21)، العندم, الأدم, العَنَمْ, سِناج, زَمَّل, السوافي (ص 23)، القَتَب, الرميم (ص 31)، الأقانيم (ص 37)، يصاديني, المشكاة (ص 40)، القطوف (43)، السدرة (44)، النطع (50)، يتعاور(51)، الصَلَف, الزرابي, العترة (ص 56)، المُلاحاة, الدراري (ص 57)، الوكف (69)، التباريح (70), أَمتاحُ, كَرَّزوا الصقر (77)، فَلَك النهد (78)، يَدْرَمُ(94)، النكوب(95)، الونى (101)، الوَشَل(102)، تِلاع (103)، الدَّجْن, الواكف, الرَدَح (104)، العباب (106)، الحندقوق, الوَكْن (107)، الهبو، الشعاف (108) بغمت الغزالة (109), خبَّ, اليواقيت (111)، الصِّوَّة(112))، الفتار, الفتور, الطِّلى، السِّخاب(113)، الوَقَد (114)، الدَغَل, السمندل(115)، الأُخذة, الرَتَم(116)، الجَوْنة، وهرتني, الحَدَب(117)، العزيف(118).إنّ مثل هذه المفردات في شعر محمد حمدان تجعل القارئ المعاصر يفتقد أحياناً نوعاً من ألفة تعود عليها بينه وبين كلمات القصيدة المعاصرة، إذ يجد نفسه دائماً ـ أو في أكثر قصائد الديوان ـ أمام المفردة التي لا يمكن لـه أن يتوقّعها, بل ربما رأى هذه الكلمة مختلفة في صياغتها عن المعهود://يدقّ على باب عينيَّ/ يلقي عباءته فوق كاهله صَلَفاً/ تحشد الأرض سندسها تحت نعليهِ/ ثم تمدّ الزرابيَّ/ من عِتْرة النجم/ حتى السفوح القصيةِ في شرفةِ الآسِ/ ـ إني مقيمٌ هنا فرسخاً/ فرسخين.../ ثلاثاً../ إلى آخر الكائناتِ/ ـ نداماكَ كنا!/ خلوتُ بقوسك فردينِ/ والعشقُ تربي/ نبذت المُلاحاةَ/ عانقنا حلم تلك الدراريِّ/ نشرب حتى الثمالةِ/ كأسَ بشارتنا سَحَراً/ فلماذا؟/ لماذا تنيخ على صدر قافلتي/ منذ أمسِ المدى/ لا تريمُ؟/ لماذا أطعتَ التنانين فيَّ؟/ وأسرفتَ/ أسرفت في عتباتِ الغَوايةِ/ حتى أكلتَ عشائي الأخيرَ/ وحين غصصتَ ابتلعت هلالي//(ص 57).ثامناً ـ ميل واضح نحو الواقعية اللغوية يتمثل بالخروج من الحيّز اللغوي إلى الحيز الكلامي بتضمين اللغة الشعرية شعراً وغناءً شعبيين وأحاديث وأمثالاً محكية: تبدأ قصيدة مكان بـ (كان فيما مضى...) وكأن الشاعر كان يريد أن يبدأ القصيدة كما تبدأ الحكاية بـ (كان يا ما كان في قديم الزمان...)، ثم تنتهي القصيدة بغناء شعبي: /(يا ليل/ يا عين/ يا حادي العيس)/ حاصره وجع من غبار البيادر/ آن ارتمى موسمُ العشقِ/ في طلل الأزمنةْ//.وفي قصيدة طويلة عنوانها (من نقطة في القلب) تمتد من الصفحة 25 إلى الصفحة 37 من الديوان يُضَمِّنُ الشاعر فاصلاً من الغناء الشعبي بين كل جزء وآخر من القصيدة، يقول: //يا سامعين الصوت/ لا تقسوا على صوتي/ لا تجرحوا موّال من عشقوا/ في موتهم موتي// (ص 32)ثم يقول في نهاية جزء آخر, قبل بداية الجزء الذي يليه://يا قابضين الجمر/ مِنْ تنوركم زيتي/ يا راكبين الخيل/ ظهرُ مطيِّكم بيتي/ (ص 34).ومن هذا أيضاً استعمال فصيح العامية الذي توقفنا عنده في فقرة سابقة.ومنه أيضاً أن بعض القصائد تبدأ مطالعها بألفاظٍ وتراكيب سرديةٍ على نحوٍ خالص, وهو ما يقرِّبها من الحكاية ويدخلها في حيِّز الكلام:/كان فيما مضى.../ مطلع قصيدة (مكان) ص 19؛/... وكنا طليقين كالريح/ مطلع قصيدة (رسالة) ص 21؛/أمرُّ به كل يومٍ/ صباحاً/ مع العابرين.../ مطلع قصيدة باب ص 46؛/وأذكرُ/ يكرج في الصبح/ حتى تخوم الطوار المقابل// مطلع قصيدة نوبة الطفولة ص 92.ومن معالم هذه الواقعية اللغوية أيضاً استخدام مفردات من الدخيل إلى العلم والتقانة والفلسفة مثل: هيولى: أي المادة الأولى، من اصطلاحات العلم والفلسفة وهي يونانية؛نيلوفر: من حقل علم النبات, وهي اسم النبات من فصيلة زهرة اللوتس يدعى: آلهة الماء, وهي فارسية عن السنسكريتية؛رادار: من حقل التقانة، وهي من اللاتينية؛أرخبيل: من حقل الجغرافيا، وهي اليونانية؛أقانيم: أي الأصول, من حقل الفلسفة، وهي من السريانية...ويدخل في هذه السمة, سمة النزوع نحو الواقعية اللغوية، استعمال الأسماء والرموز الدينية والدنيوية من الحكايات والأساطير واستخدام أسماء المواضع والمدن والبلاد فالأسماء, كما يقول كمال خير بك, كلاليب الواقع(12):(لا صبحَ يحفر في سرير النهر أغنيتي/ ولا أفلاكَ تحملني إلى الجوديّ/لا مصباحَ في ليل الجزيرةِ/ والجزيرةُ غلّقت في موسم النسيانِ/ذاكرةَ الجهادِ/ ليرتوي صدأُ المدى/) ـ ص 25 ـ(قمران يشتعلان في عينَيْ سمرقندَ/ التي اشتاقت لبرِّ الشامِ/) ـ ص 26 ـ(.../ يا غرناطةُ الأولى/ وزريابُ الذي أضناه دجلةُ/ يستعد لرحلةٍ أخرى/) ـ ص 26 ـ(ضحّوا بإسماعيل كي يشتدّ قرن الكبشِ/ إسماعيلُ يبلع ظلّه/ والقرنُ يهشل في محفَّةِ هاجَرٍ// وسلالةِ المعراجِ/ أرفع رايتي البيضاءَ!/ كي يرضى الشمالْ// ـ ص 29 ـتاسعاً ـ ترداد المفردة سمة بارزة من سمات المتن اللغوي في شعر محمد حمدان. ويمكن لنا أن نقسم هذا الترداد إلى قسمين: ترداد تكراري, وترداد مقولاتي. ونقصد بالترداد التكراري أن تتكرر المفردة الواحدة لفظياً في القصيدة الواحدة أو المقطع الواحد, أو السطر الشعري الواحد, لإفادة تأكيد حالاتها المختلفة، وهي ترداد يتبع نواةً دلالية واحدةً في النص الشعري. أما الترداد المقولاتي فيعني أن كل مفردة معجمية كثيرة الترداد في النص الواحد, أو الديوان الواحد (ونحن هنا نعد الديوان نصاً واحداً) تشكل نواةً دلالية Noyau Semantique. وعندما تنصهر في بنية النص تصبح مقولة Categorie تجسد مفهوماً Concept. انطلاقاً من هذا تصبح دراسة ترداد المفردة وإحصاء هذا الترداد وتصنيفه وتبيان نوعه مدخلاً إلى اكتشاف الدلالة عبر تحديد النوى الدلالية فيه, من خلال تحديد المفردات التي يكثر تردادها في النص.لنأخذ مثالاً عن الترداد التكراري في شعر محمد حمدان مقطعاً من قصيدته (من نقطة في القلب)://هل أنت مسؤول عن الوهم الذي/ينتاب كالحمّى فؤاد الوقتِ/ تكرار أداة استفهاممن مدن السعال/ إلى مدارات الهجير/ تكرار حرف الجر (من)ومن صلاة القنب الهندي/ تكرار شبه الجملةحين قبّعات (الدُّوم) في المكسيكِ/هل...؟/(لست ابن أمِّ القاطنينَ/ ولا ابن عمِّ للبلادْ)/ أداة الاستفهامقال: ادنُ من قدمي/ دنت قدماي منه/ قدمي ـ قدمايفَخَلَفَتْني جبهتي شبحاً/ (تكرار صيغة)وطار حمام روحي في فضاء الغيبيبحث عن فضاءْزمنٌ على زمن/ ... مضى/ زمن على زمنموتٌ على موتٍ/... أتى/ موت على موت تكرار بنية0x08 graphicحجرٍ على حجرٍ حجر على حجر0x08 graphicزرعتُ الرمل ملحاً/ والغزالة تستحثُّ خطايَ/0x08 graphic0x08 graphic0x08 graphic0x08 graphicهل...؟ تكرار مفردة0x08 graphic0x08 graphic0x08 graphicمن ألف عتم يا غزالة/ والسؤال هو السؤال/ تكرار أداة استفهاممن ألف عتمٍ يا غزالةْ/ والأمير هو الأمير/ تكرار جملة0x08 graphicأعيادها تسطو على فرس النوارس/0x08 graphicوالضباب يمد جسر القمع/ من جسدي إلى جسد البنفسجِ/ تكرار لفظة وتكرار إضافة0x08 graphicقلت ما أبهاك يا قرطاجُ/ ما أبهاك!/ تكرار التوكيدوالعينان تتسعان في عينيكِ/ تكرار لفظة في صيغتينيا امرأةً من الرمانِ/ والنيران/ والصمتِ المثيرْ/( ص 27 ـ 29)يخلق الترداد التكراري في شعر محمد حمدان شكلاً تعبيرياً يحمل عبئاً دلالياً يقوم على الإيحاء ويرتبط بتشكيل جمالي تصوغه غنائية ذات نغمة مختلفة وإيقاع بنائي صياغي ودلالي خاص ذي بعد شعوري يقدم للمتلقي بعداً تصورياً يكوِّنُهُ الإحساس بالجمال وأشكال التعبير عنه. ويقوم هذا الترداد أيضاً بدورٍ إيقاعي يذهب أبعد من الدور الموسيقي البحت للإيقاع. ليقدم دفقة شعورية انفعالية واضحة تحمل دلالة محددة:/ منذ بحرٍ من الموت أعبر تلك المتاهةَ/لكنني لم أجدْ أحداً/لم أجدْ أحداً/لم.../أجدْ./أحدا/ (ص 48)ينطلق الترداد المقولاتي من تحديد مفردات تتكرر على مدى النص بعد أن تشكل نُوى دلالية تتجمع في مقولات يسعى التحليل إلى اكتشافها عند تحليل القاموس الشعري. وليس الترداد هنا ترداداً يتبع نواةٍ دلالية واحدة كما لاحظنا في النوع الأول: التكراري, بل ترداد يقوم على نُوىً تتجمع في حقولٍ دلالية عدة تشكل مقولات تجسدها مفهومات.إن الحقول الدلالية: (صوت، سكون، رائحة، ماء, نار, حركة، دم...) تشكلت منها نوىً دلالية مثل: (صوت، صمت, صدى، مدى، دمع, دم, موت...)، وقد شكلت هذه النوى مقولاتٍ تقابلية: (الصدى/ المدى،الدم/ الموت) جسدتها مفهومات تقابلية: (فضاء مفتوح/ فضاء مسدود, الوجود/ التلاشي, الحركة/ السكون...) وقد تبيّن لنا هذا من التحليل الإحصائي والدلالي للمتن اللغوي في الديوان (النص الكلي)، فالحقل الدلالي الأول مثلاً الذي تشكلت منه النواة الدلالية (الصوت) تألف من مجموعة مفردات/ دلالات تكررت في النصوص الجزئية (القصائد) مثل: (لحن، هزار, لهاث, ترجيع, سكوت, قول (قلتُ)، تعالى، غنّى, الرباب, اللغة، العتابا, الصمت, الكلام، النحيب (انتحبت) همس, عَوْلة، صوت المدى، قيثارة الصدى، الهديل, العزيف, بَغَمَتْ, تزقو، عويل, ناي, فم, وتر, نغم...)، ومن هذه النواة (الصوت) ونواة أخرى (الحركة) تشكلت من المقولة التقابلية: (المدى/ الصدى) وعنها نتجت مفهومات تقابلية مثل الوجود/ التلاشي.لكنْ, قد يتساءل متسائل: هل يقرأ الشعر هكذا؟ ونحن نجيب, بلا! إذا لم يقرأ الشعر هكذا لن تصل إلينا شعريته.. إن ما يريده مثل هذا التحليل للبنية اللغوية تحليلاً مقولاتياً يهدف إلى أن يحدد المقومات اللغوية التي قامت عليها هذه الشعرية، فالنص أولاً عمل في اللغة، من اللغة، وإلى اللغة.