عندما تصير القرية قصيدة - ادباء مکرمون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ادباء مکرمون - نسخه متنی

نزار بریک هنیدی، ابراهیم عباس یاسین، جمال الدین الخضور، خلیل الموسی، درغام سفان، راتب سکر، رضوان القضمانی، سعدالدین کلیب، سلمان حرفوش، فاروق ابراهیم مغربی، فواز حجو، محمد عبدالرحمن یونس، محمد قجه، نبیل سلیمان، یوسف الصمیلی، جمانة طه، حسن حمید، خالد ابوخالد، شوقی بغدادی، عبدالکریم شعبان، وفیق خنسه، فاید إبراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عندما تصير القرية قصيدة

د. فاروق إبراهيم مغربي

ليس ثمة أحد يمنع شاعراً من إضفاء هالة من القدسية على قريته، وجعلها بوابة العالم التي يدخل من خلالها إليه؛ ولئن خلد السياب "جيكوره" عبر مجموعة من القصائد، وخص محمد عمران "ملاجته" بديوان كامل خلدها فيه أيضاً، فإن الشاعر محمد حمدان قد نحا نحوهما عبر عمله الجديد الصادر عن اتحاد الكتاب العرب، عام 2005م: "بتغرامو... وشرفة الأبجدية". وهذا الديوان هو السادس لـه بعد الفارس والعتمة، والميناء الموبوء، بين يدي المحيط، صلاة للبحر الأحمر، ألفان أو من نقطة في القلب".

ولئن كان نصيب هذه القرية، من حيث الكم أو العنوان، قصيدة واحدة من مجمل قصائد الديوان؛ فإن الشاعر قد لفها بجميع قصائده، وحملها معطيات نفسه المثقلة بالهموم الذاتية والوطنية والقومية... وعطرها بأجمل ما يمكن أن يبقى لإنسان أمضته السنون: ذكريات الطفولة التي تشكل الأكثر حضوراً للبشر جميعاً. يتميز هذا الديوان باختلاط الهم الخاص بالعام، والشاعر يبدأ عبارته الأولى قائلاً:

دوري أني سائسُ خيلِ الملكةْ

مولاتي

إني

إني

أرفضُ

هذا الدورْ. ص 5.

وهذه البادئة التي تلتحف بشعار الحرية، وعدم الإذعان للأدوار المفصلة التي تجعل الآخرين دمى خشبية تتحرك كما يريد لها صانعها، ستهيمن على أجواء الديوان كله، وستعبر عن فكر المؤلف وقناعاته التي ينضح بها هذا العمل.

وبتغرامو بالنسبة للشاعر هي رمز للدفء، ولذكريات الطفولة؛ تلك المرحلة المفعمة بالبراءة التي لوثتها المدينة:

يقود خطايَ هذا الطينُ

هذا الطين كائن لذّةٍ

تتبرجُ الآثام في ساحاتهِ

تنداحُ في طرقاته اللممُ

تأوَّدَ غصنُ بأن الهيفِ دون الغمدِ

كنت هناك ألطو

بين شوك الديس والبلانّ والصخرِ. ص 21.

يظل الطين على المستوى اللغوي الصرف صورة للقرية البعيدة عن إسفلت المدينة، وعلى المستوى الرمزي يمكن أن تتباعد المدلولات عن هذا الدال وقد تقترب ولكن رمز الطين هنا تطابق مع الحد اللغوي ذلك أن القرية نفسها تحولت إلى رمز عند الشاعر، هذا الرمز الذي يجسد القائمة الخيرة من الثنائيات المعروفة. والشاعر يستمتع حين يردد هذه الأسماء القروية الخاصة التي تشكل تراثاً يعتز به كل قروي في تلك المنطقة:

.....

تصطفُّ الزواريبُ التي ارتعشتْ

على بصماتها ألعابُنا البيضاءُ:

(الشِّرْكيكُ) و (القاموعُ) و (المشتكُّ) و(القيَّا). ص 16 ـ 17.

وفي مكان آخر يقول:

.....

ليس لدي من عصر الهوى عرشٌ

سواك

فأنتِ....

بي سغبٌ إلى السيباطِ والساموكِ

والباجور والباطوسِ

والخرنوب والزَّعرور والزُّوفى (ص 26).

واستعمال هذه المفردات الخاصة بالقرية يعد إضافة إلى ما قدمه كل من "بدر شاكر السياب" و "محمد عمران"، في عمليهما المشار إليهما آنفاً، وهذا يعكس مدى اندغام القرية في لا شعور الشاعر. واحتلال هذه الألفاظ مساحة مهمة من وجدانه، ولا يفتأ الشاعر يردد في كل مقطع اسم قريته التي تغزو كيانه، يكرر اسمها ثماني مرات، وبعد كل تكرار يعالج فكرة يخصها بها، فتارة يناجيها مستذكراً طبيعتها الخلابة، (ص 23). وتارة يطوف على مزارها (شمعة الميلاد)، وبيادرها، وعنادلها، (ص 25)، وأحياناً يناجيها مناجاة المتصوف الولهان:

بتغرامو

هربت إليك من فتك الليالي

صيرتني أحرف البشرى وجاقا

لا يفارق جمره وعدي

وأنت الوعدُ

أنت الجمر والقبّار والبشرى. (ص 26).

وهاهي ذي القرية، مثل أية أم، تشكل الصدر الحنون الذي يستقر الابن المتعب عليه، ففيها سينهي رحلته الطويلة:

بتغرامو

أعود إليك مولاتي

لكي نمضي معاً في موكبٍ

يرنو إلى الإسراء والمعراجْ (ص 27).

هذه الاستشهادات التي تبدو مكثفة بعض الشيء دعت إليها الحاجة الاستدلالية لقصيدة تمثل لب الديوان، وهي في الحقيقة تاريخ لهذه المنطقة، يعكس تراثها الذي بات لا يعرفه إلا قلة قليلة من الناس المسنين فقط.

يمضي الشاعر في مجموعته الشعرية بعد هذه القصيدة ليستعرض همومه الذاتية ومواجده، ليتسرب منها إلى همه الوطني الذي يثقل كاهله، وكمعظم الشعراء، فإنه يعيش داخل وطنه اغتراباً، وهذا الاغتراب ناتج عن هيمنة تاريخ، كثير منه مثقل بالخزي، وعادات هي سبب مهم في تأخيرنا عن ركب الحضارة:

غريبٌ أنا في بلادي وداري

... أمام حراك المرايا

فهل كنت تلك الصحارى التي عبرتها الشعوبُ؟

وهل أنا إلا سليلُ المتاهةِ

من عصر آدمَ، قابيلَ، نوحٍ عليه السلامْ؟

ـ وأيضاً: علينا السلامْ! ـ (ص 49).

إن مثل هذا المقطع الذي يكثف كثيراً من هموم الشاعر مبثوث في ثنايا الديوان كله، فأي جدب أكثر من هذه الغربة التي أدت إلى تقزيمنا، وأي سوء أكبر من أن يكون الواحد منا سليل المتاهة منذ تشكلت نطفة العروبة الأولى، وأي ألم أكبر من مقولة الشاعر الأخيرة في المقطع الأول: "وأيضاً علينا السلام"، لقد نفقنا وانتهينا ولم نبق إلا أجساداً لا تقدم ولا تؤخر.

أما الهم القومي فيبرز لدى الشاعر من خلل التوليفة التي أسماها (مواويل عراقية)، وفيها يتحدث عن أم قصر هذه المدينة الصغيرة التي قاوم أبناؤها الغزو (الأنكلو ـ أمريكي) ببسالة، وفي لوحة ثانية يصنع لها "جدارية" على غرار "جدارية" محمود درويش، ويتحدث عن البصرة بلوحتين أيضاً ويردفهما بثالثة أسماها "من مقابسات المسالك والممالك"، وكذلك ثمة لوحة عن الناصرية، والنجف، ونينوى،... والشيء المسيطر على أجواء هذه القصائد كلها هو النفس المتفائل، والحس المقاوم الذي لا يركع، وكل هذه القصائد إنما حملها الشاعر نفسه وفكره منذ بداية المجموعة، عندما رفض أن يكون سائساً للخيل، كما أشرنا، وهذا هو الخط الناظم لقصائد المجموعة كلها، وهو يصرح بهذه الحقيقة بعد أن يتماهى بالعراق ويصبح وإياه واحداً:

يكتب القلبُ للقلبِ

هم يقتلون العروبة باسم العراقِ

فكن أنتَ أنتَ

صراطي صلاتُكَ يا قلبُ:

إن العراقَ أبي

والعراقُ أنا

والعراقُ حفيدي الذي سيسطِّرُ

فوق جدار الحضارةِ

ـ للمرةِ الألفِ ـ

... عنوانَهُ. (ص 126).

هاهي ذي نظرة الشاعر التي لم تشوشها الأحداث، إنه راء وعرّاف قدر أن العراق على الرغم من كل المحن التي مرت عليه سيبقى موجوداً، وسيبقى رمزاً للحضارة؛ إن لم يكن في هذا العهد، ففي عهد الأبناء، أو الأحفاد الذين لن ينسوا تاريخهم المشرق الذي كان موجوداً، وسيبقى على الرغم من كل حملات الاستلاب.

بعد هذه الرحلة الشعرية الثرة يختتم الشاعر مجموعته بالشق الثاني لعنوانها، "شرفة الأبجدية" (رأس شمرا)، وهذه الحركة الفنية مقصودة لذاتها، فالشاعر الذي بدأ بتمهيد عرج بعده على قريته التي حملها ذكرياته، وآماله وهمومه، انتقل إلى القضية التي تهيمن على تفكيره، وهي القضية العراقية؛ ثم ختم بأم التاريخ: "رأس شمرا"، التي انبثقت منها أول أبجدية في العالم.. وهذا الانتظام هو الذي يجعل العراق ضمن المنظومة المكانية والعقيدية للشاعر وكأنها تدخل مكانيا إلى صلب بيئته، وتتربع منتصبة بين بتغرامو ورأس شمرا.

إن إنهاء الشاعر مجموعته بهذه القصيدة لـه دلالة كبيرة، لأن رأس شمرا بالنسبة لكل مواطن سوري إنما هي بمنزلة عودة مشرقة للجذور، وهي تاريخ مشرف، ورمز للحضارة والثقافة: إنها تحكي قصة الإنسان الذي لم يستسلم لمصيره.. والشاعر ـ كما فعل مع قريته ـ يقوم بمناجاتها، وبثها شكواه:

"لقد صاعنا الهمُّ يا سيدَ الغمرِ" (ص 140)

"إنني منه ـ عفوك يا سيدي ـ وهو مني" (ص 141)

ويستعرض تخوم الجبل الأقرع المطل على هذه القرية / المدينة، بتخوم شعرية تستقطب التاريخ:

ألم تكُ من ركب البحرَ

من أرز كنعانَ حتى تخومِ التخومْ؟

بلى يا شفيعي... (143)

إن رأس شمرا بالنسبة للشاعر حكاية تاريخ ناصع من حقه التمسك به، والتغني له، لأنها المنبع الأول للضوء والمعرفة، و هي التي حركت العقل البشري وجعلته ينطلق باتجاه العلم والبحث، إنها المؤسس لكل ما وصل إليه إنسان القرن الحادي والعشرين.

إن بتغرامو وشرفة الأبجدية مجموعة تعبق بالشعر الذي يمتلك مقوماته الموضوعاتية، فكيف هي أدواته الفنية؟.

ينتظم هذه المجموعة الشعرية وحدة من التناغم الإيقاعي، أثرت النص بغنائية موارة يلمسها القارئ بوضوح، ولعل ما يلفت النظر أن هذا التناغم جاء على الرغم من التنوع الكبير في موسيقا الشاعر، حيث إنه استعمل كثيراً من البحور الصافية والممزوجة مثل البحر "المحدث، والكامل، والسريع، والوافر، والمتقارب...، وهذا الاستعمال جاء على قدر كبير من الإتقان، فهو في القصائد المطولة استعمل البحور الغنائية، إذ إنه نظم "بتغرامو" على البحر الوافر، و"وردة الفاتحة"، و"سيرة مخيم اسمه الوطن"، و"شرفة الأبجدية"، على المتقارب، وهذه القصائد الأربع أطول قصائد المجموعة، أما القصائد الأخرى فقد نوع فيها الشاعر بحوره.

إن اللافت للنظر أن هذه المجموعة الشعرية حفلت "بالومضات"،( ) والومضة الشعرية عبارة عن دفقة شعورية سريعة تتناسب مع تسارع الأشياء المذهل في هذه الحقبة الزمنية التي تحاصرنا حالياً؛ إنها أشبه ببرقية شعرية صار لها أنصار وأعلام، وتتميز بالكثافة والتركيز، حيث إن الشاعر يقول بوساطتها أشياء كثيرة، بعبارات موجزة جداً. والشاعر محمد حمدان وفق في فن الومضة إذ تميزت لديه بالأصالة وعدم السير في الإطار الذي رسمه أعلامها، وعلى رأسهم محمد مطر، وأدونيس، ولقد كانت أهم ومضاته في قصيدته "بتلات الحناء والرند"، و"مهرجان المطر"، والحقيقة أن الومضات في القصيدة الأخيرة تنهمر مثل زخات المطر، وفيها جل القيم المعيارية لفن الومضة الشعرية، هاهو ذا يقول في "سؤال":

من ذا يعلمني صلاةَ الريحِ:

أوتارُ الكلامِ

أم الدروبُ إلى تراتيل الجهاتْ؟ (ص 65).

ويقول أيضاً في "تعاريف":

كثيرون

... جندَ الولاةِ

قليلون:

... رهطُ الحسينْ. (ص 70)

نلاحظ المقدار الكبير من الكثافة الشعرية في هذين المثالين، بل إنه في الومضة الأخيرة "تعاريف" وضعنا أمام مأساتنا الحقيقة، وهي مشكلة الولاء الأعمى الخالي من المبادئ والقيم لذوي النفوذ، والشاعر استلهم العبرة لنا فيها من تاريخنا، ومما هو ملاحظ فالأزمة كلها (شعرنها) الشاعر بست كلمات فقط.

لعل من التقنيات الفنية الأثيرة لدى الشاعر في هذه المجموعة استعماله بعض ألفاظ اللغة العامية، وكما هو معروف فإن مثل هذا الاستعمال يصبح وبالاً على القصيدة إذا كان موضوعاً دون رؤية فنية، بينما يضفي على الشعر جمالية رفيعة في حال كان الشاعر ملماً بلغته الفصحى، وعارفاً ماذا يريد من جراء استعماله الألفاظ العامية، ولعلنا نتذكر في هذا الموقع الشاعر اللبناني "شوقي بزيع" الذي وفق أيما توفيق في تضمينه شعره مثل هذه الألفاظ، وشاعرنا يستعمل مفردات القرية دون أي حرج، وبتوفيق كبير، وهو لا يتصنع مثل هذه المفردات، بل إنها تأتي طبيعية مناسبة للسياق الفني التي تسير القصيدة وفقاً له:

تزدحم الحواكيرُ التي امتلأت:

عتابا، ميجانا، ليا

وفي يسراهُ

تصطّفُ الزواريبُ التي ارتعشتْ.... (ص 16)

إن مثل هذه الألفاظ (الحواكير، الزواريب، العتابا، والميجانا)، والتي يعرفها أولاد المنطقة فقط، تثري النص الشعري، وتضفي عليه الأبعاد الواقعية التي يريدها الشاعر لنصّه، فهو يرتد عبر نصه إلى ذكريات تمثلها في قريته، ويتكفل اللاشعور بجعلها تطفو كلما عاد بذاكرته إلى ذاك المكان، ولعل القارئ يدرك أكثر فحوى ما نقصده، إذا عرف أن الشاعر عاش بعيداً عن قريته ( ) أكثر من عشرين عاماً، ولكن هذه السنوات لم تستطع أن تمحو هذه الألفاظ التي حفرت في ذاكرته مكاناً لها، ولم يقتصر استعمال الشاعر العامية عبر ذكره لأسماء فولكلورية فقط، وإنما أضاف بعض التعبيرات العامية كقوله:

أحبّكِ

ياما أحبك أيتها الواو!

يا وردةَ الفاتحةْ. (ص 54)

فهذه المفردة (ياما) التي يتوخى منها الشاعر (التكثير)، لفظة عامية لا تستعمل في المناطق العربية جميعها، بل لعل الأكثر طرافة أن الشاعر يضمن شعره (في الهامش) موالاً شعبياً (له)، والناس يرددون أمثاله بكثرة في المناطق الساحلية:




  • عندْ بابك أنا تركعْ وصلّي
    ألف مكتوبْ من غيركْ وصل لي
    وما في غيرك حدا تلقى جوابْ (ص27)



  • وناجي الحق تيكون الوصال لي
    وما في غيرك حدا تلقى جوابْ (ص27)
    وما في غيرك حدا تلقى جوابْ (ص27)



ثمة تقنية أخرى استعملها الشاعر في قصيدته "بتغرامو"، والحقيقة أن الشاعر فرغ ضمن هذه القصيدة طاقات شعرية كبيرة، وتقنيات فنية متنوعة، وهذه التقنية هي استعمال الهامش الشعري ضمن القصيدة الواحدة، وعلى الرغم من أن هذه التقنية معروفة وقديمة، بل إن الشاعر نفسه قد استعملها في قصيدة أخرى قبل أكثر من عشرين عاماً، إلا أنها تظل حالة شعرية جميلة وفيها إدهاش، ربما لأنها غير مألوفة واستعمالها قليل. إن الهوامش التي وصلت إلى ثلاثة عشر هامشاً شعرياً شكلت إضافة فنية، وإضافة معنوية للقصيدة، وقد أثرتها ووصلت بها إلى درجة عالية من السبك الفني، فهو عندما يتحدث عن ألعابه البيضاء في متنه الأصلي ويذكر (الشركيك، والقاموع، والمشتك، والقيا)، يضع هامشاً توضيحياً مفيداً جداً للذي يريد معلومات إضافية لأسماء ألعاب أخرى كان الشاعر وأترابه يقومون بها وهم صغار، وهذا الهامش يدخل ضمن التفعيلة العروضية نفسها ولو أننا أدخلناه نسيج المتن الأصلي للنص لما حدث هناك أي خلل باستثناء الطول الإضافي الذي سيحدث، يقول متابعاً أسماء هذه الألعاب:

ومن ألعابنا البيضاءِ:

(المسعودُ والمنحوس) و(الختيارُ والحسناءُ)

و(الخذروف) و (المقلاعُ)

و(الدوّام) و (الدبقُ)

... وقد نسطو على خمّ الدجاجِ

وقد ندخنّ قبل أن يشتدّ فرعُ التبغِ

... نضرم مَلَّة الكانونِ

كي نبدو شباباً في مرايا اليانعاتِ

وقد... (ص 17)

إن هذه الإضافة التي وضعها الشاعر في الهامش على درجة كبيرة لقارئ النص من منظار "علم اجتماع النص الأدبي" ذلك أننا نستطيع أن نرى من خلاله، شقاوة الأطفال التي تمارس في تلك القرية من حيث السطو على خمّ الدجاج، والتدخين بعيداً عن عيون الأهل، حتى يشعر هؤلاء الأطفال بالكبر قبل الأوان ليس في أعينهم وحسب، ولكن من أجل صبايا القرية اللواتي ينظرن إلى هؤلاء الصبية عند مرورهن من أمامهم. واللفتة الفنية الكبيرة التي نقدرها للشاعر أنه ختم الهامش بحرف (قد) ووضع بعده عدداً من النقاط، وهو بهذا يفتح أفقاً للذاكرة كبيراً بينه وبين المتلقي الذي لا شك أنه سيتفاعل مع الشاعر، ويرجع إلى أيام طفولته من أجل أن يحدث جسراً بينهما حتى وإن كان من مكان آخر، وليس فيه مثل هذه الألعاب، أو الشقاوات. وعندما يصل الشاعر في متنه إلى عبارة "مناديل تلوّح لي"، يضع هامشاً ليفسر قوله:

مناديلُ الحريرِ لها حكايتُها:

لقد عاينتها وودتها

يرقانةً، قزّاً، وشرنقةً

وخيطاً في مغازلهن حيناً

ثم وشياً في مناسجهنَّ أحياناً. (ص 17 ـ 18)

فهنا ينظر الشاعر إلى المنديل، ويرى فيه الطبيعة التي كونته، وإلى حاملة المنديل التي كانت تلوح لـه فيه، إذ إن الشاعر هنا يمارس طقساً قد لا يعيشه في مكان ثان، إنه يمارس فعل الحياة على حبته في القرية، قريته التي يشعر فيها بأن دفئها مختلف، وبردها مختلف، وطعامها مختلف، ولذلك كانت ضرورة هذا الهامش الشعري الذي أغنى، كما أشرنا، النص، وأضاءه بشكل إيجابي.

لعل هذه القراءة السريعة لهذه المجموعة الشعرية قد أضاءت بعض جوانبها، ولكنها، من دون شك، تحمل قراءات نقدية أخرى، لأن النص الشعري الأصيل نص غني، وذو مستويات متعددة، ولا يمكن لقراءة، أو اثنتين أن تغلقا عليه باب الاجتهاد، والنظر فيه تباعاً.

الحواشي:

للشاعر محمد حمدان رأي آخر في استعمال هذا المصطلح، ويفضل عليه مصطلح "بتلة"، أو "بتيلة" على اعتبار أن مصطلح "ومضة" يحمل داخله حكم قيمة. ونحن عمدنا إلى استعمال هذا المصطلح لأن الومضة الشعرية يمكن أن تكون ذات ضوء قوي، ويمكن أن يكون ضوءها خافتاً، إضافة إلى أننا نرى هذا المصطلح مناسباً أكثر لحالة الخلق الشعري.

رأي الشاعر موجود في جريدة الرأي الأردنية التي أجرت معه لقاء بتاريخ: 14/ 8/ 2004، وأجرى اللقاء معه الشاعر الأردني محمد ضمرة.

عاش الشاعر بعيداً عن قريته لسنوات عديدة، قضى منها عشرا في حلب / مدرساً ومديراً / وعشر سنوات أخرى عاشها في المغرب.

/ 82