وتجدر الإشارة إلى أن ديوانه الأول: (الفارس والعتمة) الذي صدر في أواخر السبعينات نجد فيه قصائد قصيرة مذيلة بتواريخ تتراوح بين عامي 1967 ـ 1979 أي بين عقدي الستينات والسبعينات، الذي كتبت فيه هذه القصائد القصيرة، مما يجعله من أوائل من كتب القصائد القصيرة، وذلك على الصعيدين المحلي والعربي. ولا نريد أن نتتبع الريادة في هذا المضمار، فإن الامتياز في الإبداع للإجادة، مع عدم التقليل من قيمة الريادة. وإذا كانت هناك دراسات عدة حول تتبع الريادة في هذا الشكل الفني الذي طرحته حركة الحداثة الشعرية، وأكثر ما التصق بقصيدة النثر، فإن الشاعر محمد حمدان أخلص لشكل قصيدة التفعيلة وكتب القصيدة القصيرة بهذا الشكل كما أخلص عمر أبو ريشة من قبل للشكل العمودي في كتابة القصيدة القصيرة.ويكفي أن نذكر بعض أسماء الشعراء الذين أشير إلى ريادتهم في هذا المضمار وهم: علي الناصر وأورخان ميسر وكمال خير بك وعز الدين المناصرة، وتوفيق صايغ وجبرا إبراهيم جبرا وأدونيس ونذير العظمة ونزار قباني وشاكر مطلق وشوقي بغدادي وغيرهم... وأما بالنسبة للظهور الأول لهذا الشكل الفني الوليد فلا يتعدى منتصف الستينات، ويكون الشاعر محمد حمدان ضمن كوكبة الرواد، مع أن دوره في هذه الريادة قلما يذكر، أو ربما لم يشر إليه بحدود اطلاعي، ومنذ الديوان الأول نجد القصيدة القصيرة في شعر محمد حمدان تأخذ شكلين:1 ـ شكل القصيدة القصيرة الموغلة في القصر أو القصيدة القصيرة جداً وقد أطلق عليها الشاعر محمد حمدان مصطلح (البتلة) أو (البتيلة) وهي لا تتجاوز بضعة أسطر مثل افتتاحية الديوان ومثل القصائد التي حملت العناوين: (أضعف الإيمان) و (مثل).2 ـ شكل القصيدة القصيرة التي تتراوح بين صفحة وصفحتين مثل القصائد ذوات العناوين: (أل التعريف) و (جديلتان) و (درب) و (الفارس والعتمة).وضمن هذا الشكل الأخير نجد شكلاً آخر يمكن أن ينضوي تحت هذا الشكل، ويمكن أن يتحرر ويستقل بشكل منفرد ليكون شكلاً ثالثاً وهو الشكل المركب من عدد من المقاطع، وهو الذي يجعل القصيدة مقطعية أو مركبة من عدد من القصائد القصيرة....ويكفي أن نشير إلى قصيدة (برقيات إلى فصائل المقاومة) التي تتألف من ثلاث برقيات، وكل برقية شكلت مقطعاً لـه رقم، أو انفردت برقم داخل القصيدة لتصبح كل برقية بمثابة قصيدة قصيرة جداً. ولا يخفى على القارئ أن الشاعر حين اتخذ من البرقية شكلاً أدبياً فإنه استفاد من خصائص البرقية وشرط الإيجاز فيها، وهذا ما يتلاءم مع شرط التكثيف في القصيدة القصيرة، وهو بذلك يوظف تقنية فنية جديدة ويفيد منها في التشكل الفني للقصيدة، وبعد ذلك وجدنا من سمّى الومضة الشعرية بتسمية (برقية) وهي تسمية ملائمة، تضاف إلى التسميات التي أطلقت على القصيدة القصيرة جداً. وكما استفاد الشاعر من أسلوب البرقيات استفاد أيضاً من الأمثال ووظفها في بنية القصيدة القصيرة، وهذا ما وجدناه في قصيدة (مثل) كما استفاد من الحديث النبوي في (أضعف الإيمان).