وإذا انتقلنا إلى ديوان (الميناء الموبوء) وجدنا فيه عدداً من القصائد القصيرة التي تأخذ أشكالاً مختلفة، وهي في النهاية تلتقي مع أشكال القصيدة القصيرة التي ظهرت في ديوانه الأول، فهناك شكل القصيدة القصيرة جداً، أو ما أطلق عليه الشاعر مصطلح (البُتيلة) ونرى نماذج لـه في الديوان مثل القصائد التالية:(اللات ـ بطاقة معايدة ـ حكمة حمامة) والتي لم تتجاوز فيه هذه القصائد الصفحة، وهناك شكل القصيدة القصيرة التي تراوحت بين صفحتين ولم تتجاوز ثلاث صفحات مثل: (الحب والثورة ـ أمنية ـ القات ـ فراق الدار ـ وثالثنا الحب ـ رحلة الصمت ـ همسة) وهناك شكل القصيدة المقطعية المركبة من بضعة مقاطع، وكل مقطع ينفرد بعنوان، مما يجعل هذه القصائد أقرب إلى القصيدة القصيرة جداً، ومن هذه القصائد المقطعية المركبة نجد القصيدة الأولى في الديوان (زفرات مسافر) المؤلفة من سبعة مقاطع، وقصيدة (الميناء الوبوء) المؤلفة من خمسة مقاطع وقصيدة (مغارة الدراويش) المؤلفة من ثلاثة مقاطع. وكل مقطع من هذه القصائد لـه عنوان مستقل، وبإمكان كل مقطع أن يستقل هو الآخر ليشكل بمفرده قصيدة قصيرة لها استقلاليتها من جهة، ولها ارتباطها بمجمل المقاطع من جهة ثانية، لتشكل في النهاية إلى جانب المقاطع الأخرى قصيدة مركبة تتعاضد أجزاؤها لتعطي صورة متكاملة لجو القصيدة الذي يريد أن يرسمه الشاعر من خلال تآلف مقاطعها المختلفة وتلاحمها.وإذا عدنا إلى القصائد القصيرة جداً أو (البتلات) أو (البُتيلات) على حد تعبير الشاعر وجدناه في قصيدة: (اللات) يتخذ من السخرية والتهكم وسيلة لتعرية هذا اللات، ويعمق السخرية بالتعرية الحقيقية له، وإبراز المفارقة في حالتين لهذا الصنم حالة ارتداء الجبة والعمامة الخضراء، وحالة خلع الرداء وكل ما عليه، لمضاجعة السماء العارية. وفي قصيدة (بطاقة) يجعل من القصيدة القصيرة بطاقة معايدة، وهذا يتناسب مع طبيعة البطاقة ويلائم شكلها وحجمها، ولا ننسى أن القصائد القصيرة سميت فيما بعد (بطاقات). أما في قصيدة (حكمة حمامة) فيوظف الحكمة في القصيدة القصيرة، كما وظف من قبل المثل.