الرهين والغولة - ادباء مکرمون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ادباء مکرمون - نسخه متنی

نزار بریک هنیدی، ابراهیم عباس یاسین، جمال الدین الخضور، خلیل الموسی، درغام سفان، راتب سکر، رضوان القضمانی، سعدالدین کلیب، سلمان حرفوش، فاروق ابراهیم مغربی، فواز حجو، محمد عبدالرحمن یونس، محمد قجه، نبیل سلیمان، یوسف الصمیلی، جمانة طه، حسن حمید، خالد ابوخالد، شوقی بغدادی، عبدالکریم شعبان، وفیق خنسه، فاید إبراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الرهين والغولة

نبيل سليمان

يبدو أن الألفية الثالثة قد أهلّت على الشاعر محمد حمدان بالنوستالجيا التي تلامحت بقوة في ديوان (ألفان أو نقطة من القلب ـ 2000) ثم راحت تعصف في ديوانه (بتغرامو وشرفة الأبجدية ـ 2005). فخلال أكثر من عقدين انقضيا على صدور ديوانه الأول (الفارس والعتمة ـ 1979)، وعبر دواوينه الثلاثة التالية، يبدو أن الزمن قد فعل فعله، وفجّر أسئلته في تجربة الشاعر الروحية، فكان أن كواه الحنين الرومانسي إلى المكان الأول / الرحم، كما يجلو ديواناه الأخيران، وحيث سيتوالى أيضاً:

الحنين العريق في أعماله السابقة إلى مكان أول /رحم آخر، هو عينه الزمان الأول، أي تلك الومضات التاريخية المتقدة في الفضاء العربي الإسلامي وفيما سبقه.

الحنين إلى مكان آخر وشم الشاعر في زمان آخر، متعنوناًَ بخاصة بالمغرب حيث قضى الشاعر غرّة شبابه.

لقد صدَّر محمد حمدان ديوانه (ألفان...) بقصيدة (فاتحة لكتاب الربيع) التي أسرعتْ في مقطعها الثاني إلى صبح القرى، وإلى الحبق في رموش أفاريزها، والنرجس في لهاث صخيراتها، والسنديان على شرفة التلّ... وتتوّج ذلك بتوق الشاعر إلى أن يتوحد بالطبيعة:

"ليتني جبلٌ، غابةٌ، طائرٌ

ليتني أنهرٌ سبعةٌ

تستحمُّ بها الكائناتْ

وهذا ما تتوجت بها القصيدة في مقطعها العاشر والأخير دعوة إلى العودة إلى حكمة الأرض، بينما كان قد توالى في المقاطع الأخرى من القصيدة لحن الهزاز وسكر النبع ونهد الشقائق والقبرات والرباب الذي يغني العتابا... إلى أن يبلغ ذلك المقطع السادس، فتتعيّن القرى في (قريتي) التي يعيّنها زمن الهزائم وطناً: حزيران (إشارة إلى هزيمة 1967) وأيلول (إشارة إلى انفصال الوحدة السورية المصرية 1963، وإلى وفاة جمال عبد الناصر 1970).

لكنّ غرّة النوستالجيا ـ مع غرر أخرى سنتبينها ـ تأتي في القصيدة التي حملت اسم قرية الشاعر (بتغرامو) ونازعت (شرفة الأبجدية) على عنوان الديوان. فالشاعر يعلن عودته خائباً إلى المكان الأول / الرحم:

"بتغرامو!

هربت إليك من فتك الليالي"

وكذلك:

"بتغراموا!

أعود إليك أدراجي

لأكشف فيك عن مستقبل الماضي"

وباسم بتغرامو يوقع الشاعر لقصيدته، وباسمها يفتتح المقاطع متهجداً، فتبدأ الحركات في البناء وتطرد المحفّزات على القول، حيث يحتشد الطيّون والدلب والبطم والسمّاق والرجم والتوت والديس والبلاّن والدوّام.. ومن ذلك ما جاء في قصائد أخرى، وإن يكن هذا الاحتفاء بالطبيعة قد بلغ مداه في قصيدة (بتغرامو) مثلما بلغت مداها أيضاً ذكريات الطفولة والمراهقة:

الحكايات والألعاب والغناء والأعياد الشعبية والتلصص على المستحمّات...

على نحو آخر يلوب الحنين على ما في ذلك الماضي/ التاريخ، ممجداً دوماً ولاجئاً دوماً من زلازل الحاضر السياسي العربي، وهو ما يعنونه بعضهم بالنزوع القومي العربي، هذا النزوع الذي أخذ يتجذّر في لحظات سابقة، كاللحظة الأوغاريتية في قصيدة (على شرفة الأبجدية في رأس شمرا) حيث يتلامح كنعان وأتونبشتم وحورس. أما اللحظات العربية الإسلامية، فلوفرتها حسبي أن أشير إلى غرناطة في فاتحة ديوان (ألفان)، وحيث تنبغي الإشارة أيضاً إلى حضور قرطاج توكيداً على تجذير النزوع القومي العربي، بينما تنبني القصيدة (زمناً على زمن) بالإذن من بناء فوزية شويش السالم لروايتها (حجر على حجر).

وقد يكون أكبر أهمية ما فعله هذا اللون من الحنين في جسد القصيدة التي يكتبها محمد حمدان، حيث يمور المعجم ولا يعدم أن يوقع الشاعر في غوايته، وهكذا تتدافر مفردات الأعتوبة والغلس والأجاج والقتاد والعنم والأصر والمارج والروانف والفواخت والرأد والجدد... وقد يستمرئ الشاعر ملاعبة مفردة بتفتيقها، وقد يُضطر إلى الشرح، وقد تكون القصيدة أو المقطوعة منسابة بأمان الله فإذا بالمفردة تنتأ وتغلظ، كما في بتلة (صبيب) التي أصابها المعجم في بيتها الأخير بحجرين: "يشعل جمر الجوى في صليل الأنين".

على نحو ثالث يأتي الحنين إلى المكان الذي وشم الشاعر في حياته، دون أن يبلغ مبلغ الرحم وإن ألحت الصبوة إلى ذلك. وتتميز هنا تجربة الشاعر المغربية في قصيدة (تغريبة العشق) إذ يتوضأ "ليل الرباط بأنفاسه الأطلسية" وتلك مراكش: "ضحكتها دفتر من حرير الصبابة". ولعلها سانحة لي ألوّح فيها للأيام التي عشتها مع هذا الذي تغرّب "من قاسيون إلى الأطلسي" وتشرّق "من فاس نحو دمشق" وبصحبة حيدر حيدر والميلودي شغموم ومن جمعني بهم المشبوح في تغريبته وتشريقته: محمد برادة وعز الدين التازي وخناته بنّونة ومحمد بنيس و... وفاطمة الزهراء وحسنية والقهوية السمراء التي لا تزال بلا اسم و.. في هذه التلويحة تجذّرت صداقتي مع محمد حمدان، وإن تكن سنوات سابقة قد جذّرت لها أيضاً، ليترامى العمر من بعد في الاختلاف حدّ القطيعة، وفي تباين المزاج والسلوك والمواقف، وفي الجرح الفاغر الذي يدّعي كل منا أن الآخر قد أصابه به، ولكن ليبقى الشعر ولتبقى الرواية أولاً وأخيراً، أي لتبقى الصداقة، وإن تكن "قافلتانا تباعدتا" كما قال.

أما هذا اللون من الحنين، فربما بلغ الغاية في قصيدة (فينيسيا) التي رسمها الشاعر كما شيدها "ولدٌ في عزّ لهوه" فجاءت "سحابة من فضة تلتف حول سرة بيضاء من زبد" و"غلالة من حلمتين" و"معجونة بشهوة الجغرافيا". إنها فينيسيا محمد حمدان، إنها الحكاية المرصودة من عصر ألف ليلة وليلة، وقد عبّأها الحكّاء في قارورة!.

من بتغرامو إلى فينيسيا أخذت الشاعر غواية المكان، لكنه ملص من دبق الريف والمدينة مما استبد بالشعر العربي وابتلاه بحمّى النوستالجيا، فإذا بتغرامو تلوّح لـ (جيكور) بدر شاكر السياب، و(ملاجة) محمد عمران، وإذا بفاس تلوّح لـ (قسنطينة) عز الدين المناصرة أو لأي من مدن سعدي يوسف والنوستالجيا تتلامح أو تعصف، ولكن يندر أن تصير حمّى / داءً.

على أن كل ما تقدم لا يستقيم إن لم يمض القول إلى العلامات الأخرى لتجربة محمد حمدان الشعرية. فإذا كانت غواية المعجم مثلاً تنادي المحافظة أو التقليدية، فللغة القصيدة نداؤها الحداثي الجهير باللسان المثقف (سرّ الزمرد ـ وجع الكيمياء ـ فستق الثغر ـ فطر الأنوثة...) وباللسان الشعبي (يا سامعين الصوت ـ أبرطله ـ الحرز ـ أصوّل الحنطة ـ طبول الخليلة...). وباللسانين تلعب القصيدة لعبة التناص، كأن تمتص من معلقة امرئ القيس (بكى صاحبي ـ أفاطم مهلاً) أو تمتص من القرآن (ثم دنا فتدلت نوائبه ـ باسم الله مجراها ومرساها..) أو تمتص من الغناء الشعبي بيتاً من العتابا ولازمة أغنية (سكابايا دموع العين).

ويتعزز الحداثي في بناء قصيدة محمد حمدان مرة باستثمار الحكاية ومرة باستثمار المحاورة (قصيدة عاشق من صفورية، كمثال). وإذا كانت عمارة القصيدة تأتي في هيئة (بتلات) حيث المقطوعة بتلة، فقد جاءت أيضاً مركّبة، وبالتالي طالت وتفرعت كما في (مقام العبق) التي توزعت نوبات تنبض بالأبوة الحارة الشفيفة، وكذلك هي قصيدتا (بتغرامو) و(على شرفة الأبجدية..). بل إن بناء ديوان (بتغرامو) جاء في هيئة كتاب تقدم لـه القصيدة الأولى ـ وليس ما أراده الشاعر (كأنها المقدمة) ـ وتختمه الثانية، لكأن المسرى ابتدأ بالمكان الأول / الرحم/ القرية وانتهى بالفضاء الأكبر الضارب في التاريخ والملفوع بالصوفي، وهنا تأتي علامة أخرى لتجربة الشاعر. فالخضر يتجلى للشاعر على شرفة الأبجدية، فيشعل "جام البخور" ويلملم "ما ورقته النذيرة" مقيماً في "برزخ الشط" ومناجياً مغيثة.. ولكن كل ذلك لا يرقى إلى (الصوفي) في قصيدة (بتغرامو) التي بنيت من متن وهامش، مما لعبته الحداثة السردية في روايات رجاء عالم وصنع الله إبراهيم وإلياس فركوح.

يعلن الصوفي عن نفسه في قصيدة بتغراموا ابتداءً بالسلام:

"السلام على الترائب والذوائب والحجاب

ورقصة الحناء

والخوخ الشهي

وآية المعنى

السلام على بتغرامو"

وكان هذا (السلام) قد تقدم في قصيدة (تغريبة العشق) من ديوان (ألفان): "السلام عليك/ السلام على حجل العتبات..". أما بتغرامو فقد ناجاها الشاعر بقوله:

"أعود إليك مولاتي

لكي نمضي معاً في موكب

يرنو إلى الإسراء والمعراج"

وفي واحد من هوامش القصيدة تصير المناجاة هذا البيت من العتابا:

"عند بابك أنا تركعْ وصلّي

وناجي الحقْ تيكون الوصالْ لي"

ومن قبل جاءت "قصيدة السر" عام 1996 لترسم أفقاً

"من عطش الروح

يناجي موكب الأسئلة الأولى

ومشكاتي على قارعة الوقت".

وتمضي المناجاة لتقول:

"إن السرّ يا مولايَ

في أروقة الصمتِ

التي طرزها الخلق

على باب المكانْ"

وفي عام 1999 جاءت قصيدة (الليل) بالشاعر حارساً لمولاه، والشيء يختلط بالشيء اختلاط الضد بالضد، فيستوي المهد واللحد، وتزلزل الأرض زلزالها، ويصير السؤال النصف الآخر للمرء. أما قصيدة (نون المعنى) فتلاعب "معارج الحروف" وتروم "مهرجان الكشف"، بينما تناجي قصيدة (الأجيل) صاحب هذا الزمان الذي ما زال (قافه) يكتب سيرته بين عين الشاعر وعين البصيرة. وترسم هذه القصيدة رحلة الظمأ إلى النور في رحلة الشاعر إلى حضن الأم، إلى "الكاف والنون والبسملة".

لعل الزمن قد فعل فعله حقّاً، فلفعت النوستالجيا تجربة محمد حمدان كما لفعها الصوفي. بيد أن ما هو أهم هو ما أنضجه الزمن في تجربة الشاعر على نار هادئة، حتى تقطرت قصائده (اصطفاء ـ ضجر ـ ألف المثنَى) غرراً بين قصائد العشق العربية. بيد أن هذا المنجز الشعري لازالت لـه شكواه أو بلواه. كأن تزلق غواية المفردة إلى النثرية، فلنقرأ:

تبعثرني مفاتنها

... وغمزتها

وتهزمني مناعتها

ومنعتها

فالزلق هنا في (مناعتها/ومنعتها). وقد يكون الزلق في الجناس بين (أَلِف) يموت وإلْفٍ ترنو إليه الحمامة وأَلْف مضت على النبع (من قصيدة لهفة). وكان الشاعر قد لعب هذا الجناس في (تغريبة العشق) بين أَلف البدء في رأس شمرا والرسالة الألف بعد بريد السكوت. وقد عادت لعبة الألف والياء في قصيدة (لهفة) فجاءت في قصيدة (سيرة مخيم اسمه الوطن) دون أن تضيف شيئاً. ويظل ذلك هيناً إزاء زلق السياسة بالشعر كما يبدو في (مواويل عراقية) من (ليالي النزال) و(البطاح) و(شحذت عزيمتها)، وكما يبدو في (جدارية لأم القصر) من (سرج من القضب) ومن (ضرام الأَجيج) ومن (أَثخن فيها العدو)، أو من النداء (أي أُخيّة) في مقطوعات البصرة. ومثل ذلك (أزيز العلوج) في قصيدة (نينوى) والهتاف (لا... للدخلاء) في قصيدة (الأسود والأحمر) والنثرية الصحافية الحماسية في (عنقاء الحزن) حيث نقرأ من أصداء الاحتلال الأمريكي للعراق:

"إن هذا السقوط الفظيع المدوّي

هو الطيران الأخير إلى درك القاع".

ولعل جلاء جريرة السياسي على الشعري في تلك القصائد يكون أكبر بالمقارنة مع تألق قصيدتي (من مقابسات المسالك والممالك) فيما عدا خاتمتها، و(نجمة الناصرية)، ومن قبلهما قصيدة (من نقطة في القلب) التي يترجَع فيها الصدى الدرويشي ـ من محمود درويش ـ في توقيعتها (فاختر دمك) كما في قولها "من يسترد دمي من دمي".

لقد أكدت تجربة محمد حمدان مغالبة الذات، مغالبة الماضي كما أكدت معانقة المستقبل بالاغتناء والتجاوز، وهذا ما سيجعلني لا أفتأ أصدعه بسؤال شعره:

من لنا يا رهين الحروفِ

سوى غولة() الخربشاتْ؟

/ 82