محمد حمدان: موقف حرّ لم يتبدل - ادباء مکرمون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ادباء مکرمون - نسخه متنی

نزار بریک هنیدی، ابراهیم عباس یاسین، جمال الدین الخضور، خلیل الموسی، درغام سفان، راتب سکر، رضوان القضمانی، سعدالدین کلیب، سلمان حرفوش، فاروق ابراهیم مغربی، فواز حجو، محمد عبدالرحمن یونس، محمد قجه، نبیل سلیمان، یوسف الصمیلی، جمانة طه، حسن حمید، خالد ابوخالد، شوقی بغدادی، عبدالکریم شعبان، وفیق خنسه، فاید إبراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

محمد حمدان: موقف حرّ لم يتبدل

جمانة طه

لم أكن أعرفه ولم يكن يعرفني، مع أننا نبتنا في تربة منطقة ساحلية واحدة، هي جبلة. وإذا كان للذكرى رائحة الزمان والمكان، فمكان اللقاء والتعارف هو جامعة دمشق، والزمان هو عام 1962 من القرن المنصرم. هذان الضدان الحليفان الزمان والمكان أراهما اليوم بعيون قلبي فأجدهما يرفلان بهاء حتى الترف، ولا عجب، أليس هما رفيقا الصبا والشباب؟

لقد أظلتنا محمد وأنا أفياء جامعة دمشق وجمعتنا مقاعد مدرجات قسم اللغة العربية في كلية الآداب، ووحدنا حب الوطن والحلم بوحدة عربية شاملة.

ففي تلك الفترة كانت أحلامنا تفترش مساحة أرض الوطن العربي، وتمتد على فضاء سمائه. لكن عندما تمكن الانفصاليون من تمزيق الوحدة بين مصر وسورية، انهارت الأحلام وانكسرت الآمال وانكمشت الأرض وضاقت السماء على رحابتها، ومع ذلك بقينا متمسكين بمبادئنا وبإيماننا بالمستقبل.

كانت أيامنا في الجامعة جميلة، توزعت فيها أوقاتنا بين المحاضرات العلمية ومناقشتها والتعليق على أسلوب الأستاذ المحاضر مدحاً أو قدحاً، وبين المظاهرات التي كنا نشارك فيها سواء أكانت احتفالاً بمناسبات وطنية أم كانت تنديداً بأي زيارة مشبوهة يقوم بها مسؤول غربي أو أميركي إلى المنطقة. وبين الحوار الذي يدور حول الوضع السياسي الخارجي والوطني الداخلي، والذي كان يقودنا في معظم الأحيان إلى الصدام والشجار.

الآن وأنا أستذكر الماضي أرى كم كنا أغراراً نحن أبناء ذلك الجيل، حين توهمنا بأننا قوة شبابية تملك رؤية ولها صوت مسموع وقادر على التغيير، ولم ندر بأن السياسة ما هي إلا خدعة ومداورة، ولا تحاك كما تخيلنا، بخيوط من الصدق وحسن النوايا.

بعد سنوات قليلة، طارت لحظات الفرح عصافير في سماوات بعيدة وقريبة، وتفرفطت سنوات الدراسة أوراقاً في دروب الحياة، وتفرق الزملاء ـ الأصدقاء والزميلات ـ الصديقات من مختلف الكليات والأقسام، كلٌّ في طريق. بعضهم دخلوا السجن بسبب مواقف لا ترضي أولي الأمر، وبعضهم تقلدوا مناصب قيادية في الحكومة، وبعضهم ذهبوا للتدريس في بعض الدول العربية، وبعضهن تزوجن وعملن في التدريس أو في وظائف أخرى، في حين تركت أنا الجامعة قبل التخرج وتزوجت.

ولابدّ من الإشارة إلى أن عدداً من زملاء تلك المرحلة، صاروا علامة مميزة في المشهد الثقافي السوري والعربي، في الشعر وفي أجناس أدبية أخرى.

وفي ذات يوم ومنذ عشر سنوات لعبت المصادفة لعبتها، والتقيت بمحمد في إحدى المناسبات الثقافية، فنهضت المودة مجدداً وكأننا لم نزل طلاب الأمس في جامعة دمشق، لتتكرر اللقاءات بيننا في اتحاد الكتاب العرب بوصفنا عضوين فيه. ففي البدء على الكلمة التقينا وفي مهدها تجدد اللقاء، يزينه الوفاء ويرسخه الاحترام.

جاء محمد حمدان من قريته إلى دمشق غصناً طرياً، وكبر في تلك الأجواء المضطربة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. فهو ينتمي، وما يزال، إلى ذلك الجيل النقي المسكون بالهمّ الوطني والقومي، ذلك الجيل الذي سحره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بخطابه القومي وبرؤيته التقدمية وبسعيه الحثيث إلى تحرير الأرض المغتصبة وتوحيد الوطن العربي من الماء إلى الماء.

اجتهد محمد على نفسه فكرياً وشعرياً، فصقل موهبته وثقفها حتى اشتد عوده شجرة قوية الجذور تواجه الريح والصعوبات. ولاشك في أن تلك المرحلة الجياشة بالأحداث الوطنية والقومية، أثرت على موهبته فانغمس في أتونها وأطلق أشعاره واضحة كفكره، صادقة كقلبه، صلبة كالحجارة التي كان يطلقها على الانتهازيين وأعداء الوحدة.

ولا يزال محمد حمدان، شاعراً وإنساناً، يحمل ألق تلك المرحلة في نفسه وفي شعره، يقيناً منه أن الشعر هو انتصار للحياة وملاذ للنفس المتصدعة. وإذا كانت الظروف السياسية التي شهدتها المنطقة عموماً، لم تستطع أن تغير مبادئ محمد الفكرية والأخلاقية ولا أن تسلبه حلمه بوحدة عربية، فإن الحداثة الشعرية استطاعت أن تجذبه إليها وتحفزه على التخلي في بعض قصائده عن سنَّة الخليل إلى شعر التفعيلة، لكنه في كلا الحالتين حافظ على سويته الشعرية صورة وبلاغة وموسيقا.

عندما ينسحق في أعماقنا الفرح، نعود إلى الشعر واحة نرتاح في فيئها، نتنفس شميم عرارها، ونبحث فيها عن نور يزيح العتمة عن صدورنا.

فالشاعر الحقيقي ساحر يصنع من الورق فراشات، ومن الريح ناياً، ومن السماء بساط نجوم، ومن الطين آنية صيني يتردد صدى رنينها في كل الجهات.

ولا أجد لكلماتي ختاماً أجمل من استراحة في إحدى خمائل محمد حمدان، المشيدة بصفصاف بتغرامو والمزينة بأزهار بريتها وثمر حواكيرها:

بتغرامو!()

على عتبات سيدة الزهور وقفتْ

رفرف بيرق السنواتِ

منذ حَبَتْ بنا السنواتُ

في يمناهُ

تزدحم الحواكير التي امتلأت:

(عتابا)، (ميجنا)، (ليَّا)

وفي يسراهُ

تصطف الزواريب التي ارتعشتْ

على بصماتها ألعابنا البيضاءُ:

(الشِّركيكُ) و(القاموعُ) و(المشتكُّ) و(القيَّا)

وعرسُ الحندقوق يرشّ في الواحات بلسمهُ

سلاماً ـ قلت ـ يا صفصاف ضيعتنا

سلاماً أيها (الحجر الكبيرُ)

تحية يا مرقب (الدرجهْ)

مرابعُ لا يملّ اللحظ عشرتها

غياضٌ يستجير الطلُّ من حرِّ النهار بها

مناديلٌ تلوِّح لي

أراها أينما اتجهت بي الدنيا

/ 82