للوطن أولاً. للعذاب - ادباء مکرمون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ادباء مکرمون - نسخه متنی

نزار بریک هنیدی، ابراهیم عباس یاسین، جمال الدین الخضور، خلیل الموسی، درغام سفان، راتب سکر، رضوان القضمانی، سعدالدین کلیب، سلمان حرفوش، فاروق ابراهیم مغربی، فواز حجو، محمد عبدالرحمن یونس، محمد قجه، نبیل سلیمان، یوسف الصمیلی، جمانة طه، حسن حمید، خالد ابوخالد، شوقی بغدادی، عبدالکریم شعبان، وفیق خنسه، فاید إبراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

للوطن أولاً. للعذاب

زهير جبور

القادم من المغرب، أستاذ اللغة العربية، دخل اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية معلناً بأنه حضر لينضم إلى الجوقة منشداً بعد غياب، وهو الشاعر الذي تنقل بمدارس حلب، واغترب.. دخل حياتنا اللاذقانية ـ بمزيد من التفاصيل وهو الوجه المعروف ـ والاتحادية برغبة التغيير والمناقشات، مقنناً في موافقاته على مشاريعنا، وخططنا، ناقداً باحثاً عن نص شعري، متحرراً من قصيدة بداية الشباب وهي إرثه الأول، مجدداً في ديوانه (بتغرامو) اسم قريته المطلة على البحر بسحرها، وكان عبد الناصر الرئيس القومي الراحل، ينتقل معه من الرباط إلى دمشق وعلى امتداد المساحة القومية التي من المفترض أن تجمع الأمة العربية وهي خيبته، بل وفاجعة حياته، وحين يتحدث الشاعر محمد حمدان صديق المتناقضات الثانوية حيناً، أو الأساسية أحياناً عن ذلك فهو يتأجج، يلتهب، ويمكن أن يُدرَس نفسياً بتفاصيل وجه غاضب، وثائر، وساخط ضد ما يجري في الوطن، ويجرف بتياره اللفظي العنفي الحكام، والنفط، والأحزاب، والدشداشات، والإثراء غير المشروع، وهو الطليق في فضاء فكري متجنباً طاقة صغيرة يطل من خلالها بعض المثقفين العرب لطرح آرائهم على عجل، ثم ليحتموا تحت يافطة الانتماء الضيق، وغياب المنطق، ومن هنا انفرد بصوته النقي ولغته الشعرية التي تخاطب العقل وتمتزج بالعاطفة، وتحث النبض على قوة ضخ وطني نحتاجه في ظرف كهذا، وهي المساحة التي جعلته يتوهج بالمفردة، ويسكبها جملة شعرية منسابة في تركيبة إبداعية ليست الفريدة، لكنها التي تحمل أنفاسه وخصوصيته، وتوحي بثروته المتدفقة في كتاب الشعر الذي تعددت اتجاهاته، وطمست ملامحه، وغابت معانيه، لكن حمدان حافظ على أصالته، وجدد فيها فخاطب العصر بما يستحق، وأخذ من التراث ما يريد.

اختلف مع أبي مازن كثيراً، والتقى معه بهذه النقاط الحاسمة في حياتنا العامة، وعلى الصعيد الشخصي فهناك ولده مازن، وولداي موزارت ولجين، وقد ضمتنا المائدة الواحدة، وجمعنا (الخبز والملح) بمفهومه الشعبي الموروث، ضحكنا معاً، وحزنا، واللقاء الدائم عبر ذرات من هواء نستنشقها عشقاً للوطن أولاً، قبل أي عذاب آخر، فلا الجوع أبعدنا عنه، ولا عرباتهم الفاخرة، وهم يدفعوننا لنفتش عن كسرة حلم، تعني لنا الكثير ولا يعيرونها أي اهتمام، وسوف أختلف معه في رؤية هي ليست الحسم حتماً، لتبقى علاقتنا متأرجحة بين مد وطني كبير، وجزر ضيق كخرم الإبرة، وعبر تجربتي.. عرفته الوفي.. المتصالح مع نفسه.. والذي ينهي حالة الفردية فيما يخص الأكبر، ويرسي رأيه عند ميناء العقل ليتخذ قراره الصحيح، بعيداً عن الضغينة، والأنانية.

إذاً فعدسة عينه الملتقطة لصورته الشعرية قادرة أيضاً على التقاط الحالة السليمة، وهو يمزج بين حياته وشعره، يومه ومفرداته، أحلامه وأمانيه، وقد تلاشى معظمها بقرار من الزمن، ولم تستطع قامته الطويلة تحقيق ما رغب، فظلت الرغاب مرارة أمنية الماضي، والمستقبل لعبة تفرضها الظروف على الرغم من مواجهتها، وكان من الممكن أن يحيا كما يشاء، وبواقع آخر، وأمان من السهل عليه تحقيقها لكنه آثر الترحال، والمغامرة، والاغتراب، والصراخ، والصمت، والهجوم، والانهزام، ليعود أخيراً ويغفو على حلم الوطن الذي هو سيد الأحلام لديه، ومحمد حمدان من الشعراء الذين آمنوا بالقصيدة العظيمة، وبالموقف المنسجم معها، وتجنب الصخب الإعلامي، لأنه أدرك بأن هذه الأضواء لا تثمر، ولا تعطي، وهي تدمر أكثر مما تبني، وتسلط كيفما اتفق بعيداً عن المنطق، ولذلك اعتذر عدة مرات عن لقاءات متلفزة، أو مكتوبة، وابتعد عن التنظير، والتهويش، والاستعراض العضلي، وآمن دائماً بقوة العقل وخطابه، مع علمه بأن هذه اللغة لا تجدي في زمن الدمار، والوطنية.

إن في شخصه ما يبعث على الخوف للوهلة الأولى، لكن هذا ينجلي رويداً رويداً حتى تظهر بقوة عناصر طيبته الطفولية، تمقت فيه غضبه السريع، ويتلاشى حين تراه قد تراجع كي لا يترك أثراً لحالة انفعالية عابرة، ويدخلك في تفاصيل قد تكون مملة، والمرء غير مستعد في كل الأوقات لمثلها، وينتبه فيختصر مردداً (مجرد ثوان وسوف أختم) وهو حسب اكتشافي لا يحب النهايات، وهذا ما نراه في بعض قصائده التي تبقى مفتوحة، وهنا عليّ أن أستشهد ببعضها، لكني سأترك ذلك للدارسين، والنقاد، فهذا الموضوع ليس من اختصاصي، وما أسجله مجرد انطباع شخصي عن إنسان عرفته وكُرّم في جمعية الشعر، وهو صديق، وعملنا معاً كأعضاء منتخبين لمجلس اتحاد الكتاب العرب، وقد جددت ثقة الزملاء في دورة عام /2005/ وسنبقى حتى نهايتها إن لم يفرقنا الموت، وستظل جسور التواصل قائمة، وعليه فسوف نختلف ونتفق كما هو حالنا القديم وتلك هي سُنّة الديمقراطية، ومتعة الصداقة المتنافرة أو المتوافقة، وقد خرج حمدان عن ثوبه الشعري حين كتب دراسة عن أدب النكبات في الوطن العربي، ويمكننا ملاحظة اهتمامه فيما يخص الموضوع، وعكسه على الواقع، وهو يعلم بأن الوطن لم يخرج من نكباته وعلى مبدأ كره النهايات، فرغب بالتذكير علّه يفيد في إيجاد مخرج للنجاة، للخلاص، للنهوض، لكنه وكما هو محبط مما يرى يدرك أن مسيرة الحدو، لن تجدي نفعاً، ومن لا يتعظ من مأساة البارحة، لن يهمه ما هي عليه اليوم، وهي الوقفة الطبيعية لمن لا يستفيد من ماضيه، ويكرسه لحاضره، ويتطلع من خلاله إلى مستقبله، وهو السؤال الذي يطرحه الشاعر في كل مناسبة، ويجده مغلقاً، خانقاً، فيضحك كديك مذبوح، وهذا ما نراه أيضاً ببعض القصائد، وهو يتألم مما وصلناه من فساد، وتدهور، وانحلال.

هو باختصار حمل الهم العربي منذ بداية شبابه، مؤمناً بقوة الوحدة، وخطر التفرقة، مدافعاً ضد الظلم، حاملاً الحق كشعار يومي يطرحه ورقة لمائدته المستديرة، فمعادلته أن لا قصيدة بلا هدف، وأن لا وطن دون من يطلق رأياً نسرياً يحلق في السماء شامخاً، ولا موقف لمن لا يحاول الوصول إليه، وسيظل دائماً في الأسفل الانتهازي، يتحين الفرص للوصول الذليل السهل، ومهما طال الزمن فمصيره السقوط، ولن تنفع كل أضواء الفضائيات، أو وساطة المتنفذين.

تكريم شاعر مثله فكرة تبناها الاتحاد مشكوراً كي يجسد القيم الأدبية التي تكاد أن تفقد حتى بين الأدباء، وهم يتصارعون على مكسب فردي، وقد تجاهلوا النص الإبداعي، والقصيدة الضمير، وعملوا على تسليط ضوء الإعلام السطحي على تجاربهم الفجة التي تفتقر لأبسط مقومات النجاح، وهم يسعون لترويج بضاعتهم وتكريسها على أنها البديل، الذي يصل للمتلقي باهتاً وغير مقنع وثمة طموحات ينبغي أن تتحقق، ولا بأس من تشكيل مجموعة لإعادة الحياة في نبض النقد المقتول، وبسببه امتزج الرث مع الثمين، واختلطت الخيول الأصيلة مع البغال المعقورة، وضاع الجوهر، ولنحاول إيجاده عند من يستحقون التكريم الذي يقام ضمن احتفالية متواضعة، في ندوة تتحدث عن الأعمال الإبداعية ولساعات معدودة، ثم يقدم لـه الدرع التذكاري، ويصدر هذا الكتاب، وتنتهي المسألة.

ومن المفيد أن نعمل على جعل التكريم استمرارية متواصلة، وهو الأمل الذي يسعى لتحقيقه المبدع، حتى ولو لم تكتمل درجة إبداعه.

وبما أنه على قيد الحياة، فما المانع من تكريمه برحلة سياحية خارج البلاد بمرافقة شخص على الأقل يختاره هو، أو منحه مبلغاً من المال يتصرف به كما يرغب، ونحن أدرى بحالنا من غيرنا، وما تملك أيدينا، ولن ننتظر من أحد أن يمنحنا، والأدب، والثقافة، من العناصر التي لا تثمر ولا تغني في مثل وضعنا الذي لا تقدير فيه إلا للمسطح من الفنون، ولو قارنا كل ما كتبه حمدان وغيره مادياً بأغنية واحدة لأية مطربة جسد، فسوف نجدها متفوقة بكل الجوانب، وعلى الرغم من هذا الحال فإنني من المؤمنين بأن ثروة الشاعر والمفكر والأديب الحقيقي هي فوق كل شيء.

رحلة محمد حمدان مستمرة، وهو يزداد نشاطاً، وتألقاً، ومتابعة، وما قدمه حتى الآن يعتبر هاماً إذا ما رغب الشعر في تدوين تاريخه من أجل الأجيال القادمة، ولعله المراقب لما يجري ويدفعه للنزف الداخلي، فلن يجعل موقع مداس قدمه إلا في المكان الذي يختار، ولن يحيد عن تسليط سياطه شعراً وأدباً إلا حين يطمئن لرسالته التي حملها مؤمناً، فهل يتحقق ذلك؟ ويختم بالقصيدة الكبرى التي ستنقشها رموش العين، وتبدعها لغة الحضور، بما يعنيه من إنسان، وفكر، وعذاب، ألم يكن الوطن أولاً.. فماذا يهم بعد ذلك؟

أرجو أن أكون قد تمكنت من تقديم القليل جداً مما يليق بشخص صديقي المكرم.

/ 82