شهادة في الشاعر الصديق محمد حمدان
شوقي بغدادياكتشفتُ "محمد حمدان" بفضل صديقي الراحل القاصّ المجدّد "محمود موعد" ـ رحمه الله ـ حين أخذني مع آخرين في سيّارته إلى اللاذقية منذ ما يقارب العشرين عاماً على ما أذكر، وهناك همس في أذني قائلاً: سآخذك إلى زيارة شخصٍ سوف تحبه بالتأكيد لأنه شاعر موهوب وإنسان كبير في آن معاً..."!لك الله أيها الصديق الراحل، لكم كنت مُحقّاً فيما قلته لي، فأنا منذ ذلك الحين لا يُذكَر أمامي محمد حمدان ـ أبو مازن ـ إلاَّ تصوّرت مع ذكر اسمه الرقّةَ والشاعرية والرجولة والنظافة الفكرية والأخلاقية وغيرها من القيمَ الرفيعة في إهاب شخص متميّز يملك من المواهب اللطيفة ما يجعله نموذجاً ولا أجمل للإنسان والشاعر.هكذا صرتُ حريصاً كلّما مضيتُ في الصيف مع أسرتي إلى شاطئ اللاذقية أن أجتمع بأبي مازن وأعانقه وأجلس إليه كي نتبادل حديثاً حميماً خاصّاً لا أشعر بمتعته مع كثيرين في هذا الزمن العابس.وكنت قد انتبهتُ لـه كشاعرٍ موهوب حين قرأتُ لـه بعضاً من قصائده التي كتبها في "المغرب" أو عن المغرب حيث عمل هناك مدرّساً للعربيّة ردحاً من الزمن كافياً لفهم روح المكان الذي توقف على شاطئه الأطلسي عقبة بن نافع ذات يومٍ بعيدٍ لا ينسى. وهكذا توحّدت لديّ صورة الشاعر، والإنسان في سياقٍ وطني اجتماعي كان مع نفسه كما هو مع الآخرين.قلائل هم الذين يملكون الآن القدرة على إشعاري بالطمأنينة والثقة أنّهم يتعاملون معي، أو مع غيري، بوجهٍ واحد، وأن لا أقنعة صفيقة لديهم يسدلونها على وجوههم متى شاؤوا حسب تغيّر الأشخاص والمناسبات. كان محمد حمدان واحداً من هؤلاء القلائل، ولم يتولّد لديّ هذا الشعور بسببٍ من حدّسٍ أو انطباعٍ غامضٍ أو عابر بل من خلال السلوك العام في حياته اليوميّة مع مختلف المواقف حين أكدّ لي ولغيري جرأته على رفع صوته بكلمة الحق في وجه الباطل المتجسّد في القوّة الغاشمة المتسلّطة، فإذا لم يستطع النطق بها لسببٍ قاهر آثر الصمت، وكثيراً ما يكون الصمت أبلغ من النطق.وربّما لهذا السبب كان محمد حمدان أيضاً واحداً من القلائل الذين كان ممكناً أن أختلف معهم في الرأي فلا يغضبني الأمر ذلك لأنه كان قادراً على إقناعي بأنه يصدر في اختلافه عن قناعاتٍ نزيهة، وهذا معناه أنه ربما كنت أنا المخطئ وهو المصيب، وأن التفكير بهذا الاحتمال كان حاضراً لديه أيضاً، وكان هذا ما يجعل من الاختلاف مسألةً وجدانيّةً قابلةً للحلّ المنصف ما دام الطرفان يتمتّعان بموهبة احترام الرأي الآخر من خلال قبول فرضية احتمال كونه على صواب.ها أنذا أتقدّم بشهادتي هذه في محمد حمدان وقد بلغتُ من العمر عتيّا كما يُقال فأشعرُ أنني أتقدّم بما يشبه الاعتراف الذي نبوح به عادةً قبل رحيلنا عن هذه الدنيا "الفانية" بأمدٍ قصير، ومن هنا ينتابني هذا الشعور العالي بالمسؤولية أنني أقوم بعملٍ جيّد أسهم به في مساندة ما بقي من الرموز الأصيلة للخَير والقدرة على مواجهة طوفان الفساد الذي يكاد يُغرق العالم أجمع ووطننا العربي على الأخص، وأنّ "أبو مازن" هو واحد من هذه الرموز الجديرة بأن نحافظ عليها بكل قوانا، فليكن الله والوطن، والشعر معك يا أبا مازن...