بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
نفسها رجع صدى المنادى في الحكاية التي لم تجد صوتاً سوى صوت الغريب، ومع ذلك لابد من كوة ضوء حتى وإن كان الرجاء مغلفاً بالنهي في: يا سامعين الصوت لا تقسوا على صوتي لا تجرحوا موال من عشقوا في موتهم موتي، لأن النتيجة تؤمل بإشراق فجر جديد فقابض الجمر من تنورهم زيته، وراكب الخيل ظهر مطيهم بيته، أما المنادى "أنت" ففيه الجملة "القفل" بعد كل المفاتيح: يا أنتَ لا ترحل إلى غرب المحيطِ * * * يا أنتَ بطنُ الحوت قومُكَ * * * يا أنتَ أرضكَ ثم أرضَكَ قبل أن يرث الدياراتِ الخرابُ. وإذا كان الشاعر قد عمل على توظيف أسلوب النفي والنداء، كتنويع لاستدرار فعل الجهاد أو المقاومة أو الانبعاث، فإنه آثر تكملة الدائرة بأسلوب الاستفهام: هل أنت مسؤول عن الوهم/.. هل.. هل.. هل أنت أنت؟ وقد بدا السؤال الأخير كجواب عن المنادى الأخير../يا أنت.. هل أنت أنت؟ وهي المفارقة الصارخة بين حاضر قاهر وماضٍ باهر، لتتنوع بعد ذلك إيحاءات النص من زمن على زمن، ومن موت على موت ومن حجر على حجر، وصولاً إلى نقطة في القلب يسكنها الجنوب، حيث اتسعت كوة الضوء، وأينع فعل المقاومة، واتسع الموقف للعشق الذي لا يخلو بعده من فعل الولادة وفعل الانبعاث. احتشدت في النص إشارات كثيرة، تراصت، بعضها إلى جانب بعضها الآخر، لترحل بالمتلقي إلى رحاب الدين والدنيا معاً، من إسماعيل ومضمون فديته، والمعراج ودلالة رمزيته، وقرطاج الموغلة في البعد اسماً ومسمى، وصيدون لؤلؤة المياه جميعها، إلى جنوب التبغ والتفاح حيث يمتد حبل دمي إلى حقل البشارة، إيذاناً بالعبور إلى فجر جديد، بعد دوامة الإبحار من كفني إلى كفن الدروب، وبعد التيه الذي أطلقه غياب المهر، وبعد الوهم الذي ينتاب كالحمى فؤاد الوقت، وبعد أن مد الضباب جسور القمع من جسدي إلى جسد البنفسج، وبعد أن زفوا إليَّ هزائمي، وقلت إن السكر أمتع. كذلك تحتشد في النص صور الحاضر مشفوعة بتعبيرات مجازية، وتضمين لـه مدلوله في سياق النص: لستَ ابن أم القاطنينَ ولا ابن عمٍ للبلادْ * * * إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً، لتضفي على البعد المعنوي بعداً وجدانياً محوره الذات الحاضرة: ارفع رايتي البيضاءَ كي يرضى الشمالْ * * * يبكي النيلُ عبدَ الناصر، الشهداءَ، * * * الجوعُ في بغداد أزمنَ * * * هل أنتَ أنتَ.. وتتدرج في السياق نفسه صور طريفة ومُرَّة من شدة قتامة الواقع: الحلماتُ مسبحةُ من البن المعتقِ * * * كان شتاءُ هذا الطين أسودَ كنتُ مختبئاً وراء العري * * * وكان العريُ أحمرَ.. والمدائحُ.. تبيعُ في سوق الضياع حليب أمي. لكن هذه الذات ستستيقظ لتقترب البداية من بدايتها، ولتبتعد النهاية عن نهايتها، وليورق التيار سنبلة الولادة في الطريق: والعالم السفليُّ يهجر نعشهُ والأرضُ تبعث وحيها من نقطةٍ في القلب يسكنها الجنوبْ. إن النص الذي كانت بدايته الجزيرة، امتد حبل تاريخه من نقاط انبعاث بعينها، وكأن التاريخ الصعب، الذي تعاني منه هذه النقاط بالتحديد، إنما هو ثأرٌ منها، لذلك انتفت المسافة بين الماضي السحيق والحاضر، لأن الصلة بينهما تكثفه مفردة واحدة هي الجهاد الذي مر عليه موسم النسيان، لكنه عاد إلى نقطة في القلب يسكنها الجنوب، وكل نقطة انبعاث هي نقطة في القلب من الجزيرة إلى الشام فبغداد فسمرقند فغرناطة، فالجنوب في لبنان. شهادات محمد حمدان: موقف حرّ لم يتبدل جمانة طه لم أكن أعرفه ولم يكن يعرفني، مع أننا نبتنا في تربة منطقة ساحلية واحدة، هي جبلة. وإذا كان للذكرى رائحة الزمان والمكان، فمكان اللقاء والتعارف هو جامعة دمشق، والزمان هو عام 1962 من القرن المنصرم. هذان الضدان الحليفان الزمان والمكان أراهما اليوم بعيون قلبي فأجدهما يرفلان بهاء حتى الترف، ولا عجب، أليس هما رفيقا الصبا والشباب؟