الهوس. يعد الواقع الأجنبي، بالنسبة للكاتب أو الجماعة، متفوقاً حتماً على الثقافة الناظرة، الثقافة الأصلية. هذا التفوق يؤثر، جزئياً أو كلياً في الثقافة الأجنبية المنظورة. ومن نتيجة ذلك بالنسبة للثقافة الأصلية أن الكاتب أو الجماعة تعدها أقل مستوى. في موازاة التفضيل الإيجابي للأجنبي هناك رؤية سلبية، انتقاصية للثقافة الأصلية. يوجد (هوس)، ويقوم تقديم الأجنبي على (وهم) أكثر مما يقوم على صورة. يفسر الهوس الإنكليزي لفلاسفة الأنوار الفرنسيين، في قسم كبير منه، عبر الشعور بالتفوق الإنكليزي والدونية الفرنسية، وحتى عبر الشعور بالنقص (حريات وتسامح أقل). والأمر نفسه بالنسبة (للهوس الروسي) (الذي درسه سابقاً. أ. لورثولاري، فلاسفة القرن الثامن عشر وروسيا، الوهم الروسي في فرنسا في القرن الثامن عشر، بوفان، 1951) والذي يقوم على تفضيل أحادي الجانب لبعض الشخصيات مثل بيير العظيم، أوكاترين الثانية. ويوضع الهوس الإسباني لبعض الرومانسيين الفرنسيين في موازاة ذلك مع تسربات دخيلة في الزمن والفضاء (حالة إغرابية خاصة) تؤدي إلى الإعجاب بشدة بإسبانيا الفروسية ضمن فضاء اجتماعي بورجوازي مخيب للآمال (مرض العصر - اغتنوا ... بغيزو).وكذلك يربط الوهم الكاستيلي (أو الروماني) لمونثيرلانت في مسرحه مع إزدرائه لمظاهر الحياة الحديثة والديمقراطية.
- الموقف الأساسي الثاني : الرهاب (la phobie) :
إن الرهاب عكس الهوس، ويؤدي إلى اعتبار الواقع الأجنبي متدنياً مقابل تفوق الثقافة الأصلية. هناك (رُهاب)، ويؤثر الوهم الخادع هذه المرة، في الثقافة الأصلية. إن الرهاب الالماني لفرنسا نتيجة طبيعية (للوهم) اللاتيني مقابل البربرية الجرمانية. وعليه، فالتخلف حقيقي لأنه كان هناك هزيمة وضم أراضٍ. وهذا تقدير بعيد عن منطق التقديم، جاء عمل العقيدة ليدعم الخيال (أوالعكس) من أجل تشكيل صورة إيجابية لفرنسا في مواجهة بروسيا، فالأولى تمتلك قيماً معروفة ومحددة مبدئياً، ومتفوقة بصورة أساسية مثلما هو موجود في روايات موريس باريس. إن (الهوس الشمالي) لبعض المثقفين الإسبان - الأمريكيين، الذي أدانه الباحث جوزي إنريك رودو (من الأرغوي)، يفسّر أيضاً ضمن سياق السياسة العدائية للولايات المتحدة التي أدت إلى هزيمة إسبانيا عام 1898 واحتلال الأولى للمستعمرات الإسبانية القديمة (كوبا، بورتوريكو، والفيلبين ).
- الموقف الأساسي الثالث : التسامح (La philie) :
هنا ينظر إلى الواقع الأجنبي، ويحكم عليه بصورة إيجابية، ويدرج ضمن الثقافة الناظرة التي تعد هي بدورها إيجابية ومكملة للثقافة المنظورة. التسامح هو الحالة الوحيدة للتبادل الحقيقي والثنائي.إننا نفهم أنه من المهم عدم خلطه بالهوس. ففي حين أن الهوس يعيش على الاستعارات (سواء تعلق الأمر بأفكار أم بملابس، أم إذا تأملنا الهوس الإنكليزي (الملابسي)، وهذه الكلمة لم تترجم تحديداً لأنه ليس لها مقابل في الثقافة الفرنسية مثلاً، واعتبرت سلبية، وأقل مستوى)، فإن التسامح يعيش على المعارف، والمعارف المتبادلة، والتبادلات النقدية، وحوارات الند للند. إن المثاقفة الآلية التي يفرضها الهوس تتعارض مع (حوار الثقافات) الحقيقي الذي يطوره التسامح.ففي حين أن الرهاب يفترض إبعاد الآخر وموته الرمزي، فإن التسامح يحاول فرض الطريق الصعب، الموجب، التي تمر عبر الاعتراف بالآخر الذي يعيش إلى جانب الأنا، وفي مقابلها، لامتفوقاً، ولا متدنياً، ولكنه متميز، ولا يستغنى عنه. إذا فكرنا في التأملات الأخلاقية للفيلسوف إيمانويل ليفيناس، نرى أن التسامح نظر إلى الآخر واكتشاف بأنه (وجه) وذلك لأن النظر إلى الآخر يؤدي، دون شك، إلى عودة إلى الذات، والنظر إلى الذات لم ينس التحول عبر الآخر. إن الآخر للتسامح، هو تحديد آخر، لايمكن التفكير به بصورة أخلاقية.
- احتمال رابع ..؟
تبقى حالة رابعة للرمز تنتفي فيها مثلاً ظاهرة التبادلات والحوارات لإفساح المجال أمام مجموعات أخرى في طريق الاندماج، أو في طريق إعادة بناء وحدة ضائعة : وحدة لاتينية، وحدة جرمانية، وحدة سلافية، وكذلك أممية، وعالميات من كل الألوان حيث يبدو من الصعب الكشف عن الحركات الإيجابية أو السلبية. في حالة المجموعات التي في طريقها إلى الاندماج (وحدة)، من الواضح أن العلاقات إيجابية بين الأخوة والأخوات من اللغة نفسها (أخوة جرمانيين، وسلافيين، وأخوات لاتينيات). ولكن الأخوات اللاتينيات يرين أنفسهن (إيجابيات) لمعارضة الجرمانيين، الذين يعدون سلبيين. نحن نعرف ما الذي يجب التفكير به عن الوحدة الجرمانية في الثلاثينيات ... وهكذا يتشكل الرهاب على سلم أكبر من سلم بلد. في حالة الأممية، وهي موقف نستطيع عده مفتوحاً وكريماً، يجب الانتباه إلى التاريخ : تستلزم أممية الأنوار (تسامحاً) بين جماعات نخبوية ومركز إيجابي : باريس (أوربا الفرنسية ... من أجل إعادة أخذ عنوان كتاب كلاسيكي للويس ريو ).أما فيما يتعلق بالباقي (مثل أوربا الجنوبية)، فإنها غرقت في ظلمات التعصب (هكذا نظر إليها) يمكننا أن نضيف إلى ذلك نوعاً من (Démomanie) (كل شيء للشعب دون الشعب). نكون حذرين إذن إزاء التبادلات التي تقدم غالباً وفق مظاهرها الجزئية أو التحيزية. لن ننسى، للذاكرة، حالة الرمز التالية : ينظر إلى الثقافة الأجنبية بصورة عامة على أنها سلبية، وكذلك الثقافة الناظرة.إذا تأملنا في حالة كاتب مثل سيلين : تتغير الثقافة الأجنبية ضمن دورة معادية للسامية. مع ذلك، لايمكن للثقافة الفرنسية الناظرة أن تكون إيجابية : إنها سلبية بسبب ديمقراطيتها العميقة، والبرجوازية وينظر إليها على أنها (ميالة لليهود). يبقى تطوير الوجه الإيجابي الوحيد (يجب تتبع كثرة الدراسات عن الكاتب)، والخطاب، والهذيان اللفظي الذي يشق طريقاً بين هوتين من الاحتقار والحقد، ويمكن وصف هذا المسار، اختياراً، بالجني، والذهان الهذياني ، والفصامي ... هناك ما هو أكثر فائدة بسبب السمة الأقل خصوصية : يشار إلى أن بعض علماء الاجتماع - اللغويين لايترددون في نزع التصرفات الفصامية في حالة ازدواجية اللغة غير المستفاد منها أو يستفاد منها بصورة سيئة: " تحتقر لغة الآخر وثقافته، ولكن يتوجه الاحتقار ضد اللغة والثقافة اللتين تعدان أصليتين) مثل هذا الشاهد يظهر إلى أي حد يستطيع علم الصورة معرفة امتدادات متعددة، وأن مجالاته متنوعة.