لكي تستطيع الدراسة الموضوعاتية خدمة التاريخ، يجب أن يوجد مواجهة بين النص والتاريخ. تؤدي مواجهة الموضوعاتية للتاريخ إلى فهم وقبول كيف يستطيع موضوع وظاهرة أو لحظة تاريخية أن يوضح بعضها بعضاً بصورة متبادلة. في هذه الحالة، قد تكشف الدراسة الموضوعاتية، بطريقة محددة ومادية، وجهاً من تاريخ الأفكار، أي عقيدة عصر معين، وأدباً محدداً. قد يخدم الموضوع ككاشف عقائدي. يمكن مواجهة موضوعاتية نص مع موضوعاتيات نصوص أخرى (أمر مقارني)، ومع موضوعاتيات أخرى من أجل فهم خصوصية عمل، وكيف تستطيع مجموعة من النصوص أن تؤلف خيالاً خاصاً، من خلال معالجة موضوع أو موضوعات متعددة. وبذلك تخدم الموضوعاتية تاريخ المشاعر والعقليات، لأنها تسمح بفهم كيف يمكن التعبير عن خيال معين، في الزمن، وعبر أشكال أدبية محددة، وضمن فضاء ثقافي معين (إنه الخيال الاجتماعي الذي طرح في الفصل السابق) .يسمح الموضوع، كالصورة، بتمييز العقيدة عن المتخيّل. هذا التمييز ضروري بين هذين المفهومين (وسندرسهما كما هما)، كلما اختفى الأول، وبدا الثاني منتصراً، ويستخدم، شيئاً فشيئاً، بصورة تعسفية.ويجد الموضوع نفسه، كالصورة أيضاً، منجذباً مرة إلى هذا المفهوم، ومرة ثانية إلى المفهوم الآخر، متنقلاً بين الوثيقة بالنسبة للمؤرخ الذي يدرس العقائد، وبين العنصر البديل، مشاركاً في فضاء اجتماعي، وثقافي، وفضاء نصي في الوقت نفسه، ويجب على الموضوع أن يخضع شعرياً لهذا الفضاء النصي. تسمح جولة في التاريخ بالتمييز جيداً بين المفهومين. أخذ جاك لوغوف المختص بالقرون الوسطى، في الحسبان كتاب جورج دوبي الذي يدرس المخطط الأساسي الذي بُني على أساسه مجتمع القرون الوسطى : التقسيم إلى ثلاث طبقات (الطبقة التي تصلي، والطبقة التي تحارب، والطبقة التي تعمل).الوثيقة التي قامت عليها هذه الأبحاث، وإشكالية الكتاب كله تنتقل بصورة دائمة من تحليل مجتمع إلى دراسة الأشكال التي يقدم هذا المجتمع نفسه تحتها، ومن مخطط للفكر الاجتماعي إلى حلم هيئة اجتماعية عن نفسها. يفكر جاك لوغوف، بحق، أنه عندما يتعلق الأمر (بمخططات تصورية )، و (عقلية) (تشكلت خارج النص المحلل)، من المناسب الحديث عن العقيدة. أما بالنسبة للخيال فإنه يقترب من دراسة النصوص، والبحث الأدبي تحديداً. من المناسب إذن التمييز بين العرض التصوري، أي التعبير عن بنية المجتمع، وأداة مصنوعة من أجل التفكير به وفرضه لصالح أولئك الذين لهم السيطرة على هذا المجتمع (العقيدة )؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى (الخيال) الذي سيحتفظ به (من أجل الرموز التي هي شخصيات حقيقية لأعمال الخيال تحديداً). ويجب أيضاً التحديد أنه عندما (يدخل مخطط الأنظمة الثلاثة في الخيال، فإنه يتخلى عن التصور لصالح المواد الرمزية)لا تسمح هذه الجولة في التاريخ بتصنيف الموضوعات، ولكنها تجعلنا نكتشف استخدامها، ووظيفتها، ونميز بين ما هو مخطط، وبنية في نص معين (دراسة أدبية)، أو في فضاء اجتماعي (دراسة تاريخية)، وبين ما هو مادة خيالية ضمن النص نفسه أو ضمن الفضاء الاجتماعي نفسه الذي لم يعد موضوعاً مفضلاً في الدراسة التاريخية، ولكنه يمكن أن يكون مطلوباً من الأدبي، والمقارن. إذا أردنا أن نضع، بين هذين المجالين أو المستويين اللذين هما العقيدة والخيال، الحقل المفضل في الدراسة الأدبية (والحالة هذه، هنا، الموضوع كعنصر بنيوي للنص)، فإننا نحدد ثلاثة نماذج لمقاربة الموضوع واستجوابه.