نستبعد من هذا المستوى النظري زمن دراسة لا يمكن نسيانه ضمن برنامج الأدب العام والمقارن، ولكنه لا ينتمي تحديداً إلى المقرر.يتعلق الأمر بتعلم شعريات مختلفة منذ أرسطو . نأخذ أولاً ثلاثة أمثلة على التفكير الشعري، استخدمت كثيراً من قبل المقارن لأنها تتقاطع، في جزء كبير منها مع التساؤلات الأساسية التي يوجهها إلى الأدب.يقترح ميخائيل باختين نظرية للأشكال الروائية أو للجنس المتعدد الأشكال بعمق والذي هو الرواية، يمكن أن يبدو شاذاً أن نريد القيام بمقاربة نظرية للجنس الأكثر تغيراً في الشكل، والذي يبدو أن تطوره عبر القرون يتحدى كل مقاربة تركيبية، وحتى كل تاريخ إذا أخذنا بعين الاعتبار أصوله المتعددة، وغير الأكيدة.يمكن أن نجرب الكشف عن اللحظات الرئيسية لتقليد أدبي بالمعنى الأوسع للتعبير، منذ الروايات اليونانية وحتى الرواية الجديدة من أجل التحقق من صحة ادعاء بول فاليري غير المشجع كثيراً والذي يعتبر أن (كل الانزياحات تنتسب إلى الرواية). ولكن منذ كتاب (علم الجمال ونظرية الرواية) ، يُفهم بصورة أفضل طبيعة نوع متعدد الأشكال، وجمالية متناقضة، على خلاف الأجناس الأخرى التي وُضعت في (الفنون الشعرية)، الرواية ليست (جنساً قائماً)، وهي غير مفهرسة، وإن لم تكن تستمد أصولها، فهي على الأقل تستمد شرعيتها من هذا المجال الغامض الذي كان القدماء يسمونه (الكوميديا الجادة)، وأصبحت جنساً مسيطراً، وغازياً، ومتداخلاً مع منظومة أدبية، مع بقائها جنساً بصورة عميقة في صيرورتها، وأكثر من ذلك، لا تنسجم جيداً مع الأجناس الأخرى، وتهدف إلى تفكيكها، وتعيش فيها عن طريق تحريفها.استطاع باختين أن يعطي من هذه الشعرية المعجزة، ثلاث سمات تكوينية:1- عالم صغير من لغات مختلفة (حوارية وتعدد الأصوات).2- تنظيم الفضاء والزمن ضمن بنية متميزة تسمى (CHRONOTOJE).3- جنيس وحيد يتكون من الاتصال بالواقع، إنه هذه القصة التي تريد أن تكون صحيحة، وواقعية، على الرغم (أو بسبب) من خاصيتهاالتخيلية (رائعة، خرافية، روائية، أسطورية، بحسب العصور)، إن هذا الوجود لهذا العالم الآخر، الذي تسعى إليه كل رواية (ونجد حدس باختين الأساسي حول العلاقات الخاصة للرواية مع الواقع)، هو الذي يجعل عبثاً مشكلة الواقعية المطبقة على الرواية، القصة الروائية غير صحيحة بصورة إجبارية وجوهرية؛ لم يكن العالم الذي يشكله الروائي قد وصف عن طريق النظر إلى الواقع كنموذج، ولكن عن طريق الاستماع إلى الكلمات مع ذلك، تسعى هذه القصة لأن تكون صحيحة؛ سواء كان ذلك يحدث أم أنه واقع يمتلك حدث الروائي الجرأة في أن يُقارن بقرار الخالق.ولكن في حين أن الكلام الشعري يعرض الأساسي، نجد أن الكلام الروائي يُبرز، اختياراً، الأسمى، أو المبتذل، أو الحياة ببساطة.كل رواية، وكل قصة حقيقية تسعى لأن تعيد خلق عالم ثانٍ، وهذا يجب أن يضع المشاكل التقنية، والشكلية في المعنى الضيق للتعبير، في مكانها الحقيقي، لا تقوي الرواية التجديد ولا الموروث في ذاته، ولا التجديد الآلي، ولا التقليد غير المتميز: إنها تهدف إلى تأسيس عالم جديد، ولهذا فإن مايسمى بأزمة الرواية، منذ مطلع العصور الحديثة تفرز من المشاكل التقنية أو الخيارات الجمالية، أقل مما تفرزه من إعادة الطرح للبحث الدوري، لأسباب فوق- أدبية، ذات طبيعة فلسفية أو سياسية، للخيال الإبداعي وطبيعته وقدرته، وبصورة أساسية للعلاقات بين العالم والإنسان، سواء كان هذا الإنسان مبدعاً أم قارئاً.