إذا كان الأدب العام والمقارن في تطور دائم (وهذا لا يعني أبداً حصول تغيرات كبيرة ومستمرة، ولكن تحولات ثابتة تحت تأثير التغيرات التي يدخلها النقد على الدراسات الأدبية) فهل من الضروري تقديم خاتمة؟ لنفكر عندئذٍ بالمهمات التي تنتظره، والتي تستطيع أن تطوره بسرعة أكبر، وبصورة أكثر يقيناً. منذ قرن وهو يدرس الآداب في علاقاتها مع العالم الخارجي، والفنون، والممارسات الثقافية والاجتماعية، وليس في ذاتها. يستطيع في الوقت الحاضر، أن ينفتح على العلوم الإنسانية، وعلوم الإنسان، والأنتروبولوجيا، والتفكير الفلسفي، خالقاً بذلك، ربما، تاريخاً جديداً للأفكار. يجب عليه أن يدرس الأدب ليس بوصفه كتلة من الوقائع والظواهر، أو كتلة من النصوص فقط، ولكن بوصفه فعلاً خلاقاً، وتأكيداً لخيال إبداعي: البعد الشعري المعثور عليه.يستطيع الأدب العام والمقارن، من خلال جعل الرابطة، والعلاقة، والمقارنة، موضوع تأملاته، أن يخط طريقاً أصيلاً بين تجربتين: إذ يستطيع أن يقدم نظرية انطلاقاً من عمل أو عدد قليل من النصوص، ويكثر جداً من الأمثلة بحثاً عن منظور عام، تركيبي يعاد النظر فيه باستمرار.إنه يتعلم أن يضع المفرد ضمن سلسلة، ويمارس الوصف والتفسير: ويجب عليه أن يتعلم أيضاً الإعجاب، وما يتجاوز المقارنة. عبر حركة معرفة تكبر مَنْ يقبلها.إنه يدرس منذ وقت طويل البعد الأجنبي، وتنوع اللغات والثقافات، ويعلم النظر إلى الآخر ودراسته. وهو بذلك يسمح لنا بالتعرف على خطرين متناقضين ومتكاملين، يوجدان في عالمنا اليومي: خطر تشظية هذا العالم إلى كتل مبعثرة، وعولمة الظواهر، والنشاطات الثقافية، وردود الفعل الفيزيائية عبر توحيد الحساسيات. إنه يُظهر، في مستواه الأدنى، ضرورة التغلب على التوترات بين المتعدد والمفرد، وبين غموض بابل ومونولوج أي معبد من المعابد. ويعد الأدب العام والمقارن في هذا علماً للإنسان، وفي المعنى الدقيق والكامل للكلمة، حقلاً معرفياً ديمقراطياً. يمكن إذن أن نتمنى له، في الألف الثالثة (ولكي لا تفقد الدعابة والمقارنة حقوقهما، للمرة الأخيرة)، مستقبلاً شبيهاً بمستقبل الشعب، الذي عُرِّف، في مطلع العصور الحديثة، بهذه الكلمات: إنه كل (أثر أخير للطموح المركب للنظام) ولكنه ليس شيئاً أيضاً (الصدى الأخير للقلق المقارني) ويريد أخيراً أن يكون شيئاً.