شهدت العقود الأولى من القرن (التاسع عشر) تعدد العلوم التي تسعى إلى ممارسة التحليل المقارني بين الأصناف والأنواع مثل :" علم التشريح المقارني " لكوفييه (1800-1805)، و " النحو المقارن للغات أوربا اللاتينية " لفرانسوا رينوارد (1821)، و " الفيزيولوجيا المقارنة " لبلان فيل (1833). ومنذ عام 1816 يمكن أن نذكر " دراسة في الأدب المقارن " لنويل ولابلانس، وأعيدت طباعتها مرات عديدة، و " دراسة تحليلية في الأدب العام " (1817) لنيبوموسين لوميرسيية. ولكن من الأفضل ذكر " راسين وشكسبير " لستاندال، و " تمهيد كرومويل " لفيكتور هوغو، ونظريته في السخرية، لأن هؤلاء مارسوا مقارنية عفوية وهاوية، في مواجهة الآخر، الجامعي الذي كان في طريقه إلى الظهور.قدم فيلمان، في محاضرته العامه في السوربون عام 1828 -1829، مشهداً للقرن الثامن عشر تابع فيه تأثير انكلترا في فرنسا وبالعكس. ويمكننا بفضل هذا المشهد المقارني رؤية " ما تلقته الروح الفرنسية من الآداب الأجنبية وما أعطته لها". مع فيلمان بدأ مشوار طويل مع الأساتذة الذين سيعرّفون بالآداب الأجنبية في فرنسا، مثل آداب الشمال والجنوب، وسيعملون على مقارنتها بالأدب الفرنسي، ومن هؤلاء : كلود فوديل في السوربون بين عامي 1830-1844، وفيلاريت شاسل في الكوليج دوفرانس الذي شغل مكانه فيما بعد كلود بيشوا، أو إدغار كيني، وفي المدن الأخرى هناك مثلاً إكزافييه مارمييه في رين. عندما أدخل فرديناند برونتيير الأدب المقارن إلى الكلية الطبيعية العليا في نهاية القرن، فإنه أراد بذلك مقارنة تطور الأدب الفرنسي بتطور الآداب الغربية الأخرى، ومتابعة تطور الأجناس الأدبية (كما فعل آخرون مع البشر)، وفهم كيف تلقى الأدب الفرنسي التأثيرات الخارجية .بهذا نكتشف مفهومي التطور والتغذية اللذين عاش عليهما وازدهر الأدب المقارن. وفي وقت لاحق، يطيب للمقارنين أن يستشهدوا، للدعابة، بجملة فاليري التي تظهر في كتاب بيشوا - روسو عام 1967، وكذلك في نسخة عام 1983، وهي : " صُنِع النمر من الخروف المهضوم ". تنقض حقيقة علم الحيوان هذه الحكمة، ولكنها تلخص أحد الأنشطة الأساسية للمقارنية وهي الاهتمام بالنمر دون نسيان أن دراسة الخراف تقودنا إلى فهم ماهو النمر. إذا كان للعبارة بعض الفائدة، فذلك بسبب كلمة " مهضوم "، لأن ملك الوحوش يطيب له أن يتغذى بلحم ثاغٍ، ولكنه يبقى مع ذلك الوحش المرعب والمهيب الذي نعرفه. إن جملة فاليري تحد رهيب بالنسبة للمقارن. ما الذي يمكن أن يعنيه هذا " التمثّل" الذي يأخذ أسماء " المصدر "، و " التأثير "، أو "الثروة " ، التي هي مفهومات أساسية للمقارنية الأولى؟ إنه يرسم تطوراً معقداً أمكن لعلوم أخرى أن تسميه مثاقفة، ويجب علينا أن نتذكر أنه في عام 1913 عرّف بول فان تييغم العمل المقارني في عبارة مضيئة : " وصف عبور ". حتى وإن ذكر " حدوداً " يجب على المقارن تجاوزها، فإنه يطيب لنا مقارنة هذا " العبور " مع عبور مونتين : " لاأصف الكائن، ولكنني أصف العبور ".