نركز انتباهنا على عام 1931 عندما أصدر بول فان تييغم كتابه " الأدب المقارن " في دار " أرمان كولان ". ما الذي كان عليه هذا الحقل المعرفي؟ بعد ليون التي أدخلت (هذا المقرر) إلى الجامعة مع جوزيف تكست، جاء دور جامعة السوربون، وكوليج دوفرانس (مع بول هازار)، وستراسبورغ. ثم أوجدت الولايات المتحدة وظائف جديدة شغلها جزئياً فرناند بالدنسبرجر.منذ نحو عقد من الزمن، أصبح للأدب المقارن منبر جديد هو " مجلة الأدب المقارن " الفصلية التي تمتلك سلسلة من الدراسات مثل مكتبة مجلة الأدب المقارن، التي طبعت عند ديدييه.ظهر عام 1930 نحو ستين مجلداً. إن ذكر العناوين يعطي صورة عن البحث المقارني الأول : " الكتاب الفرنسيون في هولنده "، " رواية الرعب الرواية السوداء من والبول إلى آن راد كليف، وتأثيرها في الأدب الفرنسي حتى عام 1840" ، " تين في إنكلترا "، " الموروث والدخيل في عمل شارل نودييه " " المصادر الفرنسية لغولد سميث "، " الترجمات الإيطالية للمسرح التراجيدي الفرنسي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر "، " سويفت في فرنسا " تحت خطر سوء التفسير، من الممكن تخيّل أنه نحو عام 1830 كانت الدراسات المقارنة المنشورة في فرنسا أكثر من عدد الطلاب الذين يعدون دبلوماً في الدراسات العليا في الأدب المقارن ضمن إطار الإجازة في الآداب. يشير فان تييغم في كتابه إلى أن " كل شيء جديد تقريباً "، وأن هذا الحقل " مازال يساء فهمه " وأنه " غير معروف "، بصورة جيدة، من قبل بعض الأشخاص المثقفين".إن ما يثير الدهشة اليوم، الحظوة القليلة التي أعطاها فان تييغم لدراسة الموضوعات أو الموضوعاتية أو تاريخ الموضوعات.يجب هنا رؤية آثار المناقشات التي دارت بين فرديناند برونتيير وغاستون باري، المتخصص في العصور الوسطى والممثل لنوع من المقارنة النابعة من دراسة الفلكلور والتقاليد الشعبية، وتحت هذا العنوان قام بدراسة الموضوعات والأساطير. يجب أن نذكر أيضاً أن بول هازار، أحد مؤسسي مجلة الأدب المقارن، نادراً ما قام بدراسات تهتم بالتأثيرات الأدبية، بل اهتمت " بالمادة أكثر من اهتمامها بالفكر والفن ".وعليه فإن دراسات الموضوعات تشكل حالياً، دون مبالغة، الجزء الأكبر من مناهج الأدب المقارن، من ذلك مثلاً المناهج التي تصدر كل سنة لطلاب دبلوم الآداب الحديثة. تركز الاهتمام، عام 1931، على دراسة المصادر والتأثيرات وأخذت " النصيب الأكبر من الأعمال في الأدب المقارن " يجب قبول أن الأدب العام والمقارن ليس له اليوم القلب نفسه. مع المصادر (التي تفسر كيف استطاع نص، أو بالأصح، مؤلف أن يستوحي من نصوص سابقة وأجنبية)، ومع التأثيرات (التي تفسر كيف يتجه كاتب نحو نص أجنبي)، يدرس المقارن العلاقات بين سلسلتين من الواقع. إنه يبحث عن فهم هذه العلاقات، واكتشاف أسباب بعض التماثلات والتشابهات، ويستعين بكتاب مبتدئين أو من الدرجة الثانية، (وسطاء) استطاعوا أن يؤدوا دوراً في نقل النصوص والأفكار ونشرها. وكان قد درس " الاستعارات " و " الديون "، معطياً حقاً هنا أيضاً لبول فاليري، الذي استخدم، ليس دون إثارة، مصطلحاً اقتصادياً في محاضرته عن الشعرية في " كوليج دوفرانس". استطاع " ببراعة " القيام ببحوث دقيقة (قرائن، تشابهات، تقاربات ..) هناك اعتراف ذو دلالة لفان تييغم من أجل تحديد الطريقة المتبعة : " سيبقى هناك دائماً مكان للتنبؤ، والفطنة " تُسجّل المقارنية، إذن، بين البحث الصامت، والدؤوب، وبين المفاجأة الرائعة للقاء بين شرلوك هولمز والسريالية. يمكننا الابتسام أيضاً أمام اكتشاف هذه التأثيرات أو تلك، والتفكير بالتعريف (غير المهذب) الذي أعطاه للمقارنية الناقد الموسيقي الأمريكي فيرجيل تومسون : إنها دراسة مثمرة مثلها في ذلك كمثل معرفة مَنْ أخذ الزكام مِن مَنْ، عندما يكون كل الناس موجودين ضمن مجرى هواء واحد. لنلاحظ بجدية أكثر، لاشيء يميز الأدب المقارن في مسعاه عن التاريخ الأدبي الأثير عند غوستاف لانسون أو عند دانييل مورنيه، ماعدا إيثار البعد الأجنبي .عام 1951، تحدث جان ماري كاريه أيضاً عن الأدب المقارن " كفرع من التاريخ الأدبي " يرتكز النشاط النوعي إذن على دراسة الآداب ضمن علاقاتها فيما بينها، خاصة الآداب الحديثة (بدءاً من القرن السادس عشر، غالباً، وحتى القرن السابع عشر). (تستخدم كلمة علاقات أكثر من استخدام كلمة مقارنة)، وتغيرت دراسة هذه العلاقات إلى إشكالية صيغت على الشكل التالي : إنها دراسة تعنى بحقيقة " أن شيئاً أدبياً نُقل خارج حدوده اللغوية ".برز مفهوم " الحدود " بصورة عرضية، وأمكنه أن يبرر المقارنة التي جرت بين المقارن والجمركي الذي يراقب الواردات وطرق انتقال الأفكار والأشكال، والأجناس ... إلخ .. من أدب قومي إلى آخر.كان الهدف النهائي للأدب المقارن، من وجهة نظر فان تييغم، هو إكمال مختلف التواريخ الأدبية وتوحيدها. ويضيف: " سينسج الأدب المقارن بين (هذه التواريخ) وفوقها عقد تاريخ أدبي أكثر شمولاً ".هكذا ظهرت طريقة في " الأدب العام "، تقوم على جمع مختلف التواريخ الأدبية، وعلى شكل من التركيب العُلوي (فوق)، في الوقت نفسه.ونكتشف مباشرة طبيعة هذا " الأدب العام " الأول، ومداه الغامضين. هل يتعلق الأمر بتركيب ممكن (بين)، أو بمنظور قريب من" نظرية أدبية " (فوق)، لم تهمل التاريخ؟ ليس من المؤكد أن هذه الأسئلة قد حلت جميعها .