شعرت الأرض بسعادة عارمة لأنّها وبقليل
من حركات شفتيها رسمت ما يبعث على البهجة
والإبداع، لكنها خافت إن تابعت حركاتها أن
تتحوّل قشرتها بالكامل إلى جبال وهضاب
وتلال ووديان وبحار ومحيطات.
وتصبح الحياة على وجهها السهل المنبسط
صعبة معقدة. فقطعت على نفسها عهداً حرصت
على تنفيذه والالتزام به أن لا تبتسم ولا
تقهقه ولا تزم شفتيها بعد اليوم كي لا
يتشوّه المنظر البديع الذي رسمته في ذاك
الصباح المشهود. لكنّها أجازت لنفسها
الاهتزاز كسرير طفل على وشك النوم تهزه يد
أُمّ حنون، شريطة أن لا يغضبها أحد فتكون
مضطرة للاهتزاز بعنف وقسوة.
الأرض دائمة الحركة فكّرت بعقد تحالف مع
السماء رغم بعد كل منهما عن الأخرى، شروطه
أن تتساعدا في حل مشاكلهما صغيرة كانت أم
كبيرة.
سألت الأرض السماء: ماذا بمقدورك أن تقدمي
لي؟
أجابت السماء: لديّ المطر والثلج والبرد
والبرق والرعد. أمّا أنتِ فماذا لديك؟.
أجابت الأرض: الطيور والأسماك والأشجار
والأعشاب والأزهار والثمار والحيوانات
وغيرها الكثير.
قالت السماء: ماذا سأستفيد منك؟ إذا كنتِ
غير قادرة على أن ترسلي لي شيئاً.
شعرت الأرض بأن السماء على حق فكان
الإنسان صلة الوصل بينهما.
وقد اعترفت الأرض بينها وبين نفسها بأن
تربية الإنسان في غاية التعقيد ولا تدري
إلى متى بمقدورها تحمله. فهو قوي وضعيف
ولامت الآباء والأمهات على سهولة تربيتهم
لأبنائهم وتمنت عليهم أن لا يتساهلوا في
تجاوزات أبنائهم صغار السن للأمور
الصغيرة كي لا يتشجعوا عندما يكبرون ويشتد
عودهم على تجاوز الأمور الكبيرة.
وهكذا نجحت الأرض والسماء في هذا العناق.
10/1/2003
الاندماج
في عصر يوم ربيعي جميل، تجرأ حمل وديع علىأن يجري حواراً مع ذئب مسن عركته الأيام،
وزادت خبرته التجارب. كان الذئب يقف على
ريف صخري مطلّ على سهول، ووديان غنية
بالأشجار الباسقة، ويكسوها العشب السندسي
الجميل، بينما يقف الحمل على بعد أمتار من
الراعي الذي يتظاهر بالنوم، فيغمض عينا،
ويتفتح أخرى. ويده على الزناد، كي يحافظ
على الهدوء والطمأنينة في قلوب قطيعه
المعرض للخطر.
سأل الحمل الذئب: لماذا نواياك شريرة
تجاهي أيّها الذئب؟. فكّر الذئب قليلاً
بينه وبين نفسه وأجاب: لا تتهمني بإضمار
نوايا شريرة تجاهك أيّها الحمل. صدقني أنا
أحبك، أحبّ لحمك، وهل يضمر المرء النوايا
الشريرة لأصحاب اللحم اللذيذ؟!.
قال الحمل: لماذا إذن تحدثني نفسي بأنّك
ستفترسني إن اقتربت منك؟. قال الذئب: بسيط
أنت أيّها الحمل، تحكم على النوايا، وقد
تكون هذه الأخيرة في غير مكانها. ها نحن
نتحدّث كندين، ولو أنّ حديثنا يجري من
مسافة بعيدة نسبيّاً، إنّي أمدّ يدي لك،
وأدعوك بحرارة لصداقتي. كنت دائماً أقول
بيني وبين نفسي: إنّ صداقتي مع أبناء جنسك
تبعث السرور والانشراح في نفسي. أنصحك بأن
لا تدع الشكّ أو الخوف يتسرّبان إلى نفسك،
حتماً ستجدني على حق عندما سأشرح لك الأمر.
وستقتنع بخطتي وأفكاري.أولاً: أنا أكره الجوع ولا أرغب في تحمله،
وأنت توافقني الرأي بأنّ القوي يجب ألاّ
يجوع.ثانياً: عندما نندمج أنا وأنت ستنتقل أنت
إلى حالة أرفع وأسمى مما أنت عليه الآن.
قال الحمل: فهمت ما قلته أولاً، أمّا ما
قلته ثانياً من انتقالي إلى حالة أرفع
وأسمى مما أنا عليه الآن فهذا ما لم أستطيع
فهمه. اشرحه لي من فضلك.
قال الذئب: أنت في وضعك الحالي، قليل
الحيلة والذكاء، بطيء الحركة، ضعيف
الجسم، سهل العريكة.. أمّا عندما نندمج على
طريقتي، أي عندما سيغذي لحمك الطري خلايا
عضلاتي، وأنسجة أعضاء جسمي، ستصبح أنت
جزءاً مني، وستندمج خلايا جسمك مع خلايا
جسمي، لا تخف أيّها الحمل، فأنت بهذه
الحالة ستتطور، وستنتقل من حالة الحمل
الضعيف إلى حالة الذئب القوي.
لذا أنصحك بالابتعاد عن الراعي كثيراً،
والاقتراب منّي لنصبح أنا وأنت جسداً
واحداً.
واعلم أيّها الحمل أنّك آجلاً أم عاجلاً
ستندمج مع غيري إن لم تقبل بالاندماج معي،
لذا أدعوك وفي هذه اللحظة بالذات للإسراع
لعملية اندماج تكون أنت الرابح الأكبر
فيها.
فكّر الحمل بكلام الذئب وركض مسرعاً
باتجاه الراعي قائلاً:
أَليس من الأفضل لي أن أندمج مع الإنسان
الذي يفكر ويبني ويصنع وأُغذّي خلايا مخه
المبدع، وقلبه المحب، ويده الكريمة