بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
اختلافاً كُلياً عن المُقدِم على القتل وسلوك سبيله من أجل الحصول على لقمة العيش، عَبر الإغارة والغزو ووسائلهما وأساليبهما، وهذا ما كان أيضا وراء اختلاف وجهات النظر إلى فتاك العصر الأُموي، من الشعراء تحديداً . فهل كان الشعراء الأُمويون الذين نعتوا بـ( الصعاليك) أو (اللصوص) فتّاكا بالمعنى الذي ذكرنا ؟ أم كان هذان النعتان أدق وأكثر صواباً مما أردنا لهم وتلمسناه فيهم ؟ ثم: هل إن لظروف حياتهم في العصر الأُموي ومتغيّراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لا بل حتى الفكريّة (العقيدية)، علاقة مباشرة بأيٍ من النعوت الأنسب للكثيرين منهم ؟ من الواضح أن الإجابة الدقيقة يمكن أن تتحقق بشيء من الجلاء، إذا ما حاولنا استجلاء الآراء التي قال بها الدارسون السابقون، بشأن هذه الطائفة من الشعراء، ومن ثم مناقشتها من أجل الوقوف على حقيقة هؤلاء الشعراء، قبل الدخول في الفصول الإجرائية الساعية إلى التعرّف على مدى جدّة ما قدَّموه في أشعارهم وما أضافوه من إبداع إلى الشعر العربي . لقد اعتمد الدكتور حسين عطوان - مثلاً - في نعته هذه الطائفة من الشعراء بـ" الصعاليك "، على عدد من الدراسات التي استعان بها وأفاد منها، والتي جعلته يقرر " أن الصعلكة قد ضعفت في صدر الإسلام ضعفاً شديداً "، إذ أزال الإسلام أسباب وجودها، حين ساوى بين الناس وأعطى لكلًّ حقَّه ووفّر عليه حظّه من الحياة الكريمة، ووضع القواعد والقوانين الشرعية (الحدود) لمعاقبة السارق وقاطع الطريق والخارج على الجماعة، ولمحاسبة المُفسد في الأرض وغير أولئك من المخالفين لشريعة الإسلام^(^^). لكنه لم يبتَّ بأمر توقُّفِها - أي الصعلكة - توقُّفاً تامَاً في عصر صدر الإسلام الذي جعل من استعراضه لحركة الصعلكة فيه مدخلاً لدراسة صعاليك العصر الأموي من الشعراء، إذ توقف عند أسماء عدد من الشعراء الذين ظلَّت رواسب الصعلكة تتبدَى بوضوح عندهم، لعدم تعمُّق الإسلام في نفوسهم وعدم استقامة سلوكهم معه، ومثَّل لهم بـ" أبي الطمحان القيني وفضالة بن شريك وشبيب بن كريب الطائي وحسَكة بن عَتاب الحبَطي التميمي وعمران بن الفصيل البرجمي، الذين " أقصر بعضهم عن التصعلك القائم على الإغارة والغصب " وبقي في أنفسهم شرٌّ كثير عَّبروا عنه بمواصلة هجاء الآخرين، وهو - عند الدكتور عطوان - أهم مظهر " من رواسب الصعلكة "^(^^)، بينما استمر بعضهم الآخر في التصعلك القائم على سلب الناس أموالهم وقطع الطريق وشن الغارات على سكان بعض المناطق. بينما رأى إحسان سركيس، أن الصعلكة اختفت في عصر صدر الإسلام، لانتفاء ما أسماه بـ" الدواعي الحادية عليها " ولاستقرار سلطة الخلافة الراشدَية، بحيث لم تعد أية قبيلة تجرؤ على حماية أيِّ خارج على ما أسماه بـ" النظام والقانون " أو إجارته، فضلاً عن اجتذاب الفتوحات الإسلامية كلَّ نفسِ مستوفزة ثائرةً وتحوي طاقاتها إلى أهداف " يشترك فيها الجميع وينعم بخيرها "^(^^) . وثمَة رأي ثالث، قال به عبد المعين الملَوحي، مفاده أن اسم (الصعاليك) أُطلق على لصوص العصر السابق للإسلام، وأن أسلوب اللصوص استمر في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي، مشيراً إلى أنّهم " سُمُّوا بهذا الاسم لأسباب دينية " يبدو أنه فاته تحديدها، لكَنه أوضح أنّهم قَّلما سُمّوا باسم (الصعاليك) لأنهم " كانوا يعتمدون على السيف والثورة في تحصيل أقواتهم، لا بل زاد على ذلك بقوله: أو ربما استُحدِثت أنماط من الغارة جديدة، هي الغارة على أموال الخراج أو الأموال المجموعة لتذهب إلى الخلفاء في بيوت المال"^(^^) . هناك أسماء لعدد من الشعراء المخضرمين، من المحسوبين على هذه الطائفة، أي الصعاليك، أو الفَتاك أو اللصوص، الذين عاش بعضهم في مطلع العصر الأموي، واختلطت على الرواة والمحققين والدارسين لحياتهم وأشعارهم النعوت والتسميات، إذ ظهر هذا الترادف واضحاً في عدد من المصادر القديمة، فقد عدَّ صاحب (المحبَّر) مثلاً كُلاً من: مالك بن الريب والقَتال الكلابي وعبيد الله بن الحر الجعفي وقران بن يسار الفقعسي وعقيبة بن هبيرة وعبد الله بن خازم السلمي وعبد الله بن سبرة الحرشي وعبد الله بن الحجَاج الذبياني، فتّاك الإسلام ^(^^) بينما كان صاحب (الأغاني) مثلاً قد عدَّ عبد الله بن الحجّاج