بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الذبياني بين الشعراء الفتّاك الشجعان، ثم نعته - في الوقت نفسه - بالشجاع الفاتك الصعلوك المتسرَع إلى الفتن، في حين عدَّ صاحب (معجم الشعراء) مالك بن الريب: " ظريفاً أديباً فاتكاً، أصاب الطريق مدّة ثم نسك فأمَّنه بشر بن مروان "^(^^) ولعله أراد القول إن (مالكاً) تاب عمَا كان عليه، لأن النسك - مثلما هو معروف - يعني الانصراف إلى العبادة وليس التوبة بعد إصابة الطريق، وقد أكدَت حياته حقيقة توبته لا تنسُّكه مثلما عُرف عنه. وعندما درس الدكتور نوري حمودي القيسي حياة (عبيد الله بن الحر الجعفي) بعد أن حقَّق أشعاره،، أبقى على نعوت مترادفة ومتباينة كان الرواة والمؤرخون قد ألحقوها به، فنقل عن (البلاذري) في (أنساب الأشراف) أنه " الشجاع الفاتك " وأنه " كان لا يقاتل لديانةٍ، وإنما همُّه الفتك والتصعلك والغارات " بينما نقل عن (الطبري) أنه عدَّه رجلاً " من خيار قومه صلاحاً وفضلاً وصلاةً وجهاداً، لا بل رأى فيه رأياً واضح التباين مع رأي (البلاذري) حين وصفه بأنه " ما كان في الأرض عربيِّ أغيَرَ عن حُرَّة ولا أكف عن قبيح وعن شراب منه "^(^^). إن هذه الأمثلة القليلة، تؤكد ولا شك أن الرواة والمؤرخين القدامى كانوا يطلقون النعوت التي تبدو مترادفة ومتباينة في الوقت نفسه، على هؤلاء الشعراء وأمثالهم، استناداً إلى ما سمعوه عنهم مما كان يتناقله الآخرون، على اختلاف وجهات نظرهم فيهم، التي تعدَّدت وتشعبَّت بعد ظهور الإسلام ورسوخ أشكال النظام وتطوُّر أساليب الحكم، في عصرَيْ صدر الإسلام والعصر الأُموي. وإلا فما معنى أن يكون شاعر مثل (عبد الله بن الحجَاج) شجاعاً فتاكاً وصعلوكاً متسرِّعاً إلى الفتن في الوقت نفسه ؟! ثم ماذا يعني هذا التناقض الواضح بين رأيَيْ (البلاذري) و (الطبري) في شاعر واحد مثل (عبيد الله بن الحر) ؟! إن العصر السابق للإسلام كان يقرن الفتك بالصعلكة، الفتك بمعنى الشجاعة والفروسية وجرأة الصدر والإقدام على فعل " ما همَّ من من الأمور ودعَتْ إليه النفس "، مثلما عرَّفه صاحب (لسان العرب) واوردناه، والصعلكة بمعنى الشجاعة والجرأة - لا الفقر وحده - ما دامت العرب وقتها عدَّت الصعاليك ذؤبانها، مثلما ذكر صاحب (اللسان) أيضاً، بينما جُعِل اللصوص من بينهم لأنهم مثلهم يتحصّلون أرزاقهم بسلوك أساليب النهب المعروفة نفسها، وإن اختلفت في جوانب رئيسة منها، إذ قد لا يحتاج عمل اللص إلى شجاعة وفروسية واستخدام سلاح، بل يعتمد المكر والمراوغة والاحتيال على ضحيته، إنساناً كان أم حيواناً جعله هدفاَ لـه، وإذ قد لا يكون الفاتك لصّاً يسرق أموال الناس ويُغير على ممتلكاتهم ليغصبها، بل يسارع إلى إنفاذ ما همَّ من أموره، ودعَتْه إليه نفسه على سبيل الثأر - شأن الحارث بن ظالم- في العصر السابق للإسلام، وشأن عبد الله بن الحجّاج وعبيد الله بن حر، في العصر الأُموي . من هنا، يمكن القول إن التداخل بين النعوت قديماً، كان من الأسباب الرئيسة لوقوع الدارسين المعاصرين في إشكالية تسمية هذه الطائفة من الشعراء، التي دُرست بين ما دُرس من طوائف الشعراء الأُمويين، في ضوء عوامل ودوافع مختلفة، وفي إطار وجهات نظر محدَّدة إلى تلك العوامل والدوافع التي لم يكن الترادف والتباين الذي أحدث التداخل قديماً، إلاّ واحداً من محدّداتها. فلو توقفنا عند دراسة الدكتور عطوان، التي سبقت الإشارة إلى العوامل التي عرضها، والتي رأى من خلالها أن الصعلكة " لم تتوقف ولم تضعف في العصر الأموي، بل استمرّت فيه وقوِيَت^(^^) "، وهي اختلال الحياة الاقتصادية، واضطراب الحياة السياسية، والتمسّك بالروح الجاهلية^(^^)، لأمكننا القول إن الفتك - وليس الصعلكة - هو الذي استمر وقويَ في هذا العصر، وأن الصعلكة واللصوصية كانا من بين ظلاله من جهة، وأن هذه العوامل والدوافع تكاد تكون عاملاً واحداً، وإن اختلفت زوايا النظر إليه، من جهة اخرى . ذلك أن الدكتور عطوان نفسه يقرّر عند حديثه عن الناحية الاقتصادية، أن الأموال التي كانت ترِد إلى بيت المال لم تكن قليلة بحيث لا يتمكن الخلفاء الأمويون من الإنفاق منها على المصلحة العامة، ولكنَّ خيانة بعض العمال والسعاة الذين كانوا يجمعون تلك الأموال، واستصفاءَهم لها لأنفسهم، وتأثر بعض الخلفاء بالسياسة في تطبيق النظام المالي وجباية الصدقات وأموال الخراج، أدَّت -بحسب رأيه- إلى