بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
والواقع لفحص النظرية الماركسية لنرى ما إذا كانت وسائل الإنتاج هي التي كانت المحرك الأول في نشوء الماركسية ذاتها، وفي البلدان الاشتراكية على وجه التحديد لنحكم من خلال التطبيق على صحة النظرية، وبالتالي درجتها من المحتوى العلمي. ولابد لنا -في بادئ الأمر- من لفت النظر إلى الفرق الشاسع بين الباحث التاريخي والباحث العلمي في مجال العلوم الطبيعية (كالفيزياء، والكيمياء والرياضيات،... الخ)، فإن الباحث التاريخي الذي يريد أن يفسر المجتمع البشري ونشوءه وتطوره لايستطيع أن يفحص هذه الظواهر بصورة مباشرة، كالعالم الطبيعي (في مخبره الخاص)، وإنما هو مضطر إلى تكوين فكرة عنها بالاعتماد على النقل والرواية وشتى الآثار العمرانية وغيرها. كما أنه لايملك لتحريها مايملكه العالم الطبيعي من إجراء التجارب وتقديم الدليل التجريبي على نظرياته، وعلى هذا، فهو لايملك سوى الملاحظة التي تعتمد -كما ذكرنا- على الرواية. فمن ناحية الملاحظة بالذات، فإن الماركسية لم تكن تملك حين وضعت مفهومها الخاص عن التاريخ، سوى الملاحظة المحدودة في نطاق ضيق لاكتشاف قوانين التاريخ كلها واليقين العلمي بها. فقد قال (أنجلز)^* : "وبما أن البحث عن الأسباب المحركة في التاريخ مستحيلاً تقريباً في سائر المراحل السابقة بسبب تعثر علاقتها واختلاطها مع ردود الفعل التي تؤثر بها، فإن عصرنا قد بسط هذه العلاقات كثيراً بحيث أمكن حل اللغز: فمنذ انتصار الصناعة الكبرى في انكلترا، لم يعد خافياً على أحد بأن النضال السياسي كله يدور فيها حول طموح طبقتين إلى السلطة: الاستقراطية، والبورجوازية". ومعنى هذا، إن ملاحظة الوضع الاجتماعي، في فترة معينة من حياة أوروبا، بل وفي انكلترا وحدها بصورة خاصة، كانت كافية في رأي المفكر الماركسي (انجلز) لليقين العلمي بأن العامل الاقتصادي، والتناقض الطبقي، هو العامل الأساسي في التاريخ الإنساني كله، بالرغم من أن فترات التاريخ الأخرى لاتكشف عن ذلك لأنها غائمة معقدة، كما اعترف هو نفسه، مع أن سيطرة عامل معين، على مجتمع معين، في فترة معينة، لايكفي لتعميم سيطرته الرئيسية في كل أدوار التاريخ، وفي كافة المجتمعات^* . أما الناحية التطبيقية، فهي المقياس الذي سنلجأ إليه لاختيار صحة النظرية الماركسية، على أرضها بالذات، أي في البلدان الاشتراكية وذلك تماشياً مع الأهمية الكبيرة التي يعطيها ماركس نفسه للناحية التطبيقية في كشف مدى صحة المقياس العلمي، وقبل أن يطول العهد ونعتمد على الروايات السليمة منها أو الفاسدة. فالناحية التطبيقية -حسب الماركسية نفسها- هي المقياس الأعلى لاختبار صحة كل نظرية. وكما قال (ماوتسي تونغ): "إن نظرية المعرفة في المادية الديكالتيكية تضع التطبيق في المكان الأول. فهي ترى أن اكتساب الناس للمعرفة يجب ألا ينفصل في أية درجة كانت عن التطبيق، إذ أن إهمال التطبيق يوقع في المجرد الذهني.." ولنأخذ القسم الخاص من التطبيق للنظرية في المجال الذي يتصل بتطور المجتمع الرأسمالي ونشوء الاشتراكية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل حصلت الثورة الاشتراكية نتيجة لنمو الرأسمالية الصناعية وبلوغها الذروة؟ في الواقع، كلنا نعلم أن الثورة الاشتراكية، في البلدان التي طبقت فيها الاشتراكية تطبيقاً جزئياً مثل: بولونيا، وتشيكوسلوفاكيا، والمجر، لم تنبثق عن تناقضات المجتمع الداخلية، وإنما فرضت فرضاً من الخارج بقوة الجيش الأحمر، أي بواسطة الحرب الأجنبية والغزو العسكري المسلح. وإلا فأي قانون من قوانين التاريخ شق ألمانيا نصفين، وأدرج قسمها الشرقي ضمن العالم الاشتراكي، وجزءها الغربي ضمن العالم الرأسمالي؟ أهو قانون القوى المنتجة (التي هي واحدة في الشطرين) أم قوة الجيش الفاتح؟ وأما في البلدان التي طبقت فيها الاشتراكية بشكل كلي عن طريق الثورات الداخلية، فإن هذه الثورات لم تحصل طبقاً للنظرية التي حل بها الماركسيون كل ألغاز التاريخ وهي: "المادية التاريخية". ففي روسيا مثلاً، وهي البلد الأول في العالم الذي سيطر عليه النظام الاشتراكي عن طريق الثورات الداخلية، فإن هذه الثورات لم تحصل نتيجة نمو وسائل الإنتاج والقوى المنتجة. فالقوى المنتجة فيها لم تكن لتبلغ الدرجة التي تحددها النظرية لإمكان التحول واندلاع الثورة الاشتراكية. لقد كانت روسيا -في الواقع- في مؤخرة الدول الأوروبية من الناحية الصناعية لكي يلعب تزايد القوى المنتجة دوره الرئيسي في تقرير شكل النظام، بل -على