بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
كما أن هذا الوعي لا قيمة له إن لم يكن مصحوباً بإرادة تعمل على تحقيقه. وعلى ذلك فإن الوعي والإرادة عاملان جوهريان في كل فعل إنساني، وهما ضروريان في كل نهضة اجتماعية أو حضارية. وأعتقد أن الوعي العربي في القرن العشرين قد تعرض لتزييف وتغريب، وهو ما جعله غائماً مشوشاً مقلقلاً لا يعرف على وجه الدقة من هو ولا ماذا يريد، فقد قُدِّمت له ثقافة بديلة حاولت دفع ثقافته إلى الوراء واتهمتها بالرجعية، وعزت إليها أسباب الجمود والتخلف، وكانت تلك الثقافة الغربية ثقافة فردية تعلي من شأن الفرد وتمجد العلم ومفرزاته على حساب الجماعة وإنسانية الإنسان، على حين أن الثقافة العربية الإسلامية تمجد الإنسان فرداً في إطار الجماعة من خلال منحه بعداً إلهياً مطلقاً يربط وجوده بوجود الله ويجعله خليفة له في الأرض. وقد ساهمت السلطات السياسية العربية في كل ذلك فكانت هي وراء التغريب من خلال تبني أنظمة كونية غريبة عن المجتمع ومن خلال الدفاع عن فئة من المثقفين كانوا الممثلين الفاشلين لهذه الأنظمة. ونحن نعتقد أن ما يعانيه الفرد العربي، أس المجتمع، من غربة وتغريب وفقدان هوية أو غموضها، إنما يرجع إلى السلطات السياسية في الوطن العربي على اختلاف تسمياتها أو أنظمتها السياسية والاقتصادية. ولذلك فقد كان على من يريد حل المشكلة أن يعرف جذورها ومكوناتها. وكان لا بد لذلك من العودة إلى التاريخ لنرى فيه أصول المشكلة وأسبابها الإشكالية التي ما تزال، على اختلاف الوجوه، تتحكم في سوء أوضاع المجتمع العربي فلا توفر لأبنائه الظروف التي تساعدهم على تحقيق معنى وجودهم بل إنما تضعهم في أطر سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تبعدهم عن ذلك وتتركهم في حالة من الضياع والفوضى فيسهل قيادهم على أنظمتهم الحاكمة التي لا ينظر معظمها إلى البلاد التي يحكمونها إلا على أنها مزارع خاصة يستثمرونها ويرسلون ما يجنونه من أموال إلى بنوك الغرب الذي يدعمهم في نشاطهم هذا كله. إنا إذا أردنا أن نخرج بهذه الأمة مما هي فيه من ضياع فإن علينا أن نعيد بناء الإنسان من خلال توفير الوسط الفاضل الذي يمكنه من استعادة الثقة بنفسه بعد معرفة هويته. ولذلك فقد كان هذا الكتاب يعرض المشكلة، فيبحث في أسباب نشأتها وعوامل استمرارها التاريخية، ليقدم في القسم الثاني منه تصور الحل في العودة إلى الذات. فالإنسان يعيش في وسط يؤثر فيه ويتأثر به. ولا بد لمعالجة مشاكله من فهم هذا الوسط وتصحيحه وإلا فإن أي محاولة تأتي من الخارج لن تتمكن على الإطلاق من إنقاذ الوضع. وقد بدأنا الكتاب بعد المقدمة بمدخل نظري، رصدنا فيه الواقع السياسي الذي أحاط بالفرد العربي من أواخر القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين. وهو رصد ضروري في رأينا لوضع القارئ أمام صورة عامة لمراحل التغريب التي مر بها الفرد العربي في العصر الحديث. ثم كان علينا أن نقدم تعريفاً لمجموعة من المبادئ النظرية/ السياسية/ الثقافية والمفاهيم المعرفية التي اعتمدنا عليها في الدراسة. وجعلنا القسم الأول لدراسة العلاقة بين السياسي والثقافي الذي يقابل في اعتقادنا امتداداً للعلاقة بين السياسي والاجتماعي، فالمثقف كان على الدوام صلة الوصل بين السلطة السياسية والنظام الإنساني باعتباره يمثل النظام الكوني. فنحن نسلم مع ابن خلدون في مقدمته بضرورة وجود الحاكم الذي يستحيل بقاء التجمعات البشرية دونه، إذ تقع في الفوضى، ولما كان الأمر على ما تقدم فقد كان لا بد من التعامل مع تلك الضرورة من داخلها، لا من خارجها، فتطرح العلاقة بين الحاكم والمحكوم على بساط البحث في ضوء ضرورة المعايشة، والتعاون بين الطرفين على تطوير المجتمع بعد المحافظة عليه. ولما كان المجتمع متعدداً فقد كان لا بد ممن يختارهم لتمثيله عند الحاكم فيكونون صلة وصل بين الطرفين. تلك الفئة من الوسطاء هي ما اصطلحنا على تسميته في هذه الدراسة بالسلطة الثقافية التي تمثل مرجعية المجتمع في التعامل مع ظواهر الحياة وجوانبها المختلفة ولا سيما السياسية، وإذا فرقنا بين السلطة السياسية والأخرى الثقافية فليس لأننا نضع الواحدة في مقابل الأخرى وإنما توضيحاً منهجياً للمسألة إذ