بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
إننا نعتقد أن العلاقة بين السلطتين جدلية، وليس لواحدتهما غنى عن الأخرى. وقد سعينا في هذا القسم إلى تقديم عرض سياسي فكري لمعنى الخلافة ومفهومها عند كل من الشيعة وأهل السنة والخوارج. ثم تتبعنا تطور العلاقة بين السلطتين، في ضوء تلك المقدمة، على طول التاريخ العربي الإسلامي ابتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام، وبالخلفاء الأربعة الكرام ثم بالخلفاء الأمويين والعباسيين ومن في ظلهم من السلاطين إلى نهاية القرن الرابع الهجري. ثم انتقلنا إلى بداية العصر الحديث في التاريخ العربي المعاصر فبدأنا بطلائع عصر النهضة لننتهي في نهاية القرن العشرين، وقد أجرينا في خلال ذلك، وحيث وجدنا الأمر مناسباً، مقارنة بين النظرية الشيعية في الإمامة والنظرية السياسية عند أهل السنة فكان الفرق بعيداً وخاصة عندما كانت المقارنة في خلال النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد قيام أول جمهورية إسلامية في العصر الحديث. وقد ألحقنا الدراسة بنموذجين وضّحنا فيهما تاريخياً العلاقة بين السلطة والمثقف فكانت الأولى للعلاقة بين سيف الدولة الأمير، والفارابي الفيلسوف المثقف. أما الثانية فكانت بين عضد الدولة البويهي والقاضي ابن الباقلاني. أما القسم الثاني فقد خصصناه لعرض تصورنا في العودة إلى الذات. فنحن نعتقد أن الذات العربية إنما تمتد في التراث، الذي يشكل ذاكرة الأمة. ولا بد لمن يعرف نفسه من أن يبحث في ذاكرته مستودع ثقافته وتجاربه ومخزن العناصر المكونة لوجوده الذهني والمادي. ونحن نعتقد أن التراث إنما هو مرجع هذه الأمة الذي يشكل نظامها الكوني، وهو مصدر قوتها إن وعته، وغيابه عن وعيها يشكل مصدر ضعفها وضياعها. ولذلك فقد عدنا إلى التراث للانطلاق منه مرجعاً ومقياساً في سعينا إلى تصحيح مسار الهوية العربية. فطرحنا مسألة مفهوم الإنسان في هذا التراث من خلال العقيدة الإسلامية متمثلة بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، لنكمل بعدها بعرض تطور هذا المفهوم في الفكر العربي الإسلامي من خلال ثلاثة من أشهر ممثليه هم: أبو حيان التوحيدي الأديب الفيلسوف، والشيخ الرئيس ابن سينا شيخ الفلاسفة العرب المسلمين، والشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي شيخ المتصوفة. وبعد فإن هذه الدراسة لا تدعي الإحاطة بالموضوع وإنما تريد أن تساهم في الجهود المبذولة هنا وهناك في إعادة النظر في شروط النهضة العربية وهو ما بدأت أولى مؤشراته في الظهور بعد حرب الخليج الثانية التي أظهرت إفلاس الأنظمة العربية في مختلف مستوياتها وأشكالها السياسية والمعرفية والثقافية والعلمية والاقتصادية. وبدأ التململ يظهر في أبناء الأمة ولا سيما الشباب منهم، وتجسد في انطلاقة حزب الله في جنوب لبنان وانتفاضة إخوتنا في فلسطين المحتلة. إلا أن كل هذه البواكير لن تشكل خطراً حقيقياً على أعداء الأمة الذين يملكون زمام معظم الأمور فيها سواء أكانوا في الداخل أم في الخارج، فهم تنبهوا إلى خطرها على مصالحهم، وعرفوا أنها ستنسف كل ما جهدوا في إقامته وترسيخه عبر قرن ونصف من الزمان في ذات الأمة. إن التذكير بهذه الحقائق ما هو دعوة إلى اليأس وإنما هو تنبيه وتحذير وصيحة تحاول جمع شمل المفكرين العرب اليوم للوقوف معاً والظهر إلى قلعة التراث أملاً في إنقاذ هذه الأمة التي تتعرض في بداية القرن الواحد والعشرين إلى خطر إبادة بالمعنى المجازي واللغوي للكلمة. ولعل ما يشفع لهذه الدراسة فيما قد يرد فيها من تصورات غير مرضية لبعض القرّاء هو أنها تطرح قضية واسعة جداً من المستحيل الإحاطة بها، ليس في دراسة واحدة وإنما في عدد ضخم من الدراسات يشرف عليها مجموعات من الباحثين. فهي لذلك قاصرة عن بلوغ كل ما يمكن أن يقال في هذه القضية. ومن المسلّم به أنه ليس من السهل على أهل العصر أن يعرفوا حقيقة عصرهم، إذ إنّ من يعمل على إخفاء هذه الحقيقة وتمويهها أو تزوير الباطل ليبدو حقيقة والإمعان في الكذب حتى يصدقه الناس، كثيرٌ في كل زمان، وإنما تُعرف حقيقة العصر أو يُكشف عنها بعد زوال أصحاب العصر ومجيء من لا مصلحة له في التزوير والكذب أو من مصلحته في الكشف عن ذلك.