بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
أولادهم عنه، ويحتجون بقصة امرئ القيس مع أبيه، وأن أباه نهاه عن قول الشعر، فلمّا خالف أباه في وجوب ترك الشعر، واستمر على قوله، طرده بسببه، وأخرجه من داره. "وقد غفل أكثر الناس عن السبب، وذلك أنه كان خليعاً، متهتكاً شبّب بنساء أبيه، وبدأ بهذا الشعر العظيم، واشتغل بالخمر والزنا عن الملك والرئاسة، فكان إليه من أبيه ما كان ليس من جهة الشعر، لكن من جهة الغي والبطالة، فهذه، وقد جازت كثراً من الناس، ومرّت عليهم صفحا"^(^^) . وربما أعرض عنه بعض الأشراف، لكن ليس لعيب فيه، بل لأنه وسيلة للتكسب. وكانوا يدركون قيمته تماماً ويعيبون من يتكسب به فهو "لجلالته يرفع من قدر الخامل، إذا مدح بهن مثلما يضع من قدر الشريف، إذا اتخذه مكسباً كالذي يؤثر من سقوط النابغة الذبياني في امتداحه النعمان بن المنذر، وتكسبه عنده بالشعر، وقد كان أشرف بني ذبيان. هذا وإنما امتدح قاهر العرب،وصاحب البؤس والنعيم"^(^^) . وهكذا فإن عالماً "تخطى الكلمة فيه بأهمية كبرى هو عالم يقدر الموهبين. فربّ خطبة أو كلام مرتجل يقعان في محلهما، قد يغيران مجرى الحوادث. إن الشعر يستمد قوته من ذاته وتبقى مكانة الشاعر الملهم الاجتماعية ثانوية^(^^) . ويبقى نفوذ الشعر ذا دور مهم في حياة العرب العقلية، وتصرفاتهم الاجتماعية، وربما أهلك الشعر قبيلة برمتها، وهل أهلك عنزة وجرما وعكلا، وسلول، وباهلة، وغنيا إلا الهجاء؟!.. وهذه فيها فضل كثير وبعض النقص، فمحق ذلك الفضل كلّه هجاء الشعراء. وهل فضح الحبطات، مع شرف حسكة بن عتاب، وعباد بن الحصين وولده، إلا قول الشاعر: رأيت الحمر من شر المطايا كما الحبطات شرّبني تميم^(^^) وإذا كان الشاعر مدركاً مكانته في المجتمع، فإنه مدرك أثر شعره وهيبته أيضاً، فيطالب بمنزلته الخاصة. "كتب هوذة بن علي الحنفي، إلى النبي يجيبه على رسالته التي أرسلها إليه: (ما أحسن ما تدعو إليه، وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني،فاجعل لي بعض الأمر أتبعك^(^^) ". وربما قلل التحضر من مكانة الشاعر، فلم يعد الناس يخشون لسانه كما هو الأمر في مجتمع البداوة، ولكن هذا لا يعني انتهاء نفوذ الشعر إنه "ديوان العرب، وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها"^(^^) . وجاء الإسلام، وبقي أثر الشعر في المجتمع كما كان، تلهّى عنه الناس مدة من الزمن، ثم عادوا إليه. وربما حث الخليفة على تعلمه واتقانه، فقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري واليه على البصرة قائلاً: مُر من قبلك بتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب"^(^^) . ومن الملاحظ أنه مهما تكن المكانة التي يمثلها الشاعر في قبيلته فهو يهم بالتظاهرات الأساسية في حياة الجماعة"^(^^) . وإذا ثبت بالدليل مقام الشعر والشاعر في البيئة العربية، فهذا عزّ مطلبنا لتثبيت خط جديد، ولتصحيح الفكرة القائلة بأن موقف الالتزام في الشعر المعاصر، هو وليد مفهوم سياسي معاصر، وفي مخالفة صريحة لكثير من الباحثين^(^^) ، وحين نؤكد صحة ما ندعيه، ونجد فيه إقناعاً كافياً، نكون قد أسقطنا تلك الفكرة، و حققنا هدفنا بأقدمية المواقف الصحيحة التي اتخذها الشعراء من أمهم، والتي تسمح باتخاذ مواقف جديدة بموجبها. إن الشعر تعبير عن حالة نفسيّة يعيشها الشاعر، تظهر تحت تأثير المفاهيم التي يستقيها من البيئة؛ وهناك علاقة متبادلة بين المفاهيم والمواقف، فكلما ظهر مفهوم جديد في أمّة من الأمم، اتخذ شعراء تلك الأمة منه موقفاً ما، قد يكون سلبياً وقد يكون إيجابياً. إن دور شعراء العرب من المفاهيم المتجددة في حياتهم أمر كبير، ربما تجاوز دوره في الأمم الأخرى. ويتبين للباحث أن دور الشعراء كان شاملاً لكثير من جوانب الحياة. إنه نفوذ اجتماعي، وسياسي، وفكري واقتصادي. بمعنى أن مناحي الحياة العربية