بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وتاقوا إلى حياة الكوخ، واعتزلوا المدينة، وتغنوا بالألم، وصار الحزن نديماً لهم.
ومن هنا فقد وجد الشعراء، وبخاصة منهم الرواد: بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي، وبلند الحيدري، أنفسهم في عالم مقفر، تراجعت فيه المثل الروحية، وافتُقِدَت أواصر الحب الإنساني الذي يتشوفون إليه، فعانوا من الاغتراب أيما معاناة، وحاولوا -كل على وفق طاقاته المادية والروحية- مواجهته والرد عليه، ومن هنا بدأت أتحسس -بصفتي شاعراً- عمق تجربتهم الإبداعية التي رسمتها وبدقة تجربتهم الحياتية مثلما قادني ذلك إلى فحص منجزهم الشعري بحثاً عن الثيمات الاغترابية فيه، قصد الإحاطة بمكوناتها، ومن ثم الوقوف على المناهج التعويضية التي اعتمدوها، فكانت هذه الدراسة المتواضعة التي اشتملت على أربعة فصول:
اختص الفصل الأول بأنماط الاغتراب التي عاشها الشعراء الرواد الأربعة: بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وهي: الاغتراب الاجتماعي والعاطفي، والسياسي والمكاني، والروحي، ثم استعرضت المنهج التعويضي الذي استعان به الشعراء للرد على الاغتراب، والذي اشتمل على العودة إلى الطفولة والماضي، وتأسيس المدن الحلمية واستلهام التراث فضلاً عن صيغ أخرى تفرد بها الشعراء.
وحمل الفصل الثاني عنوان ((البنية اللغوية))، وقد تحدثت فيه عن القصيدة موضوعاً لغوياً، وعن مكونات المعجم الشعري عند الرواد، وهي ألفاظ الغربة، وألفاظ الطبيعة وألفاظ الصوت، فضلاً عن ظاهرة التجسيد والتشخيص، وختمت الفصل بالحديث عن مستويي الأداء اللغوي عند الرواد، وهما: الأداء بالكلام المحكي والأداء بالموروث على صعيد اللفظة وعلى صعيد التركيب.
أما الفصل الثالث فقد خصص للبنية التصويرية، وقد تناولت في مستهله المهاد النظري للصورة الشعرية، وموقع الصورة في البناء الشعري وعلاقتها بكل من المجاز والخيال، والرمز الأسطولي، وختمت الفصل بأمثلة تطبيقية على التشكيل بالقصة، والتشكيل بالموروث، والتشكيل بالرمز الأسطوري والتشكيل بالرمز الأدبي والتشكيل بالقناع.
وفي الفصل الرابع الذي اختص بالبنية الإيقاعية، تحدثت عن أثر الموسيقى في البناء الفني ودورها في تثبيت الانفعال، وكيف تتعامل الشعراء الرواد في موضوع الاغتراب مع الإيقاع الداخلي، عبر وسائل تحقيقه وهي:
تكرار الأصوات، وأصوات ..؟.، والتدويم، وتجزئة الوزن العروضي وإلباس الألفاظ إيقاع النواة، وكذلك من خلال موسيقى الإطار، ودور الوزن في البناء الشعري، مثلما تحدثت عن أثر القافية الموسيقي، وموقف الشعراء الرواد منها، مستشهداً بأمثلة تطبيقية محددة.
وفي ختام الفصل تناولت ظاهرتين موسيقيتين لفتتا نظري تلكما هما: تنوع الأوزان، وتناوب شعر البيت وشعر التفعيلة في القصيدة الواحدة، لضرورات فنية وانفعالية، اجتهدت في تفسيرها بعدد من الأمثلة التطبيقية.
أزعم أني استخدمت المنهج التحليلي الفني، مركزاً على النص بالدرجة الأولى، مع الاستعانة -كلما دعت الحاجة- بأقاويل الشاعر ونقاده، في تحليل النص وفهمه، أو في تحليل الموقف وفهمه، شريطة أن لا يتعارض ذلك مع روح النص الذي هو جوهر العملية النقدية، بما يمتلكه من عناصر التكامل اللغوي والفني والجمالي.
ولا أزعم -بعد ذلك- أني استكملت الموضوع، فما زال فيه الكثير مما لم يُدرس، أو مما لم يُتَعَّمق في دراسته، وحسب هذا البحث أن يكون لبنة في بناء يتكامل تباعاً.
والله ولي التوفيق.
الفصل الأول
أنماط الاغتراب لدى الشعراء الرواد
يعرف بعضهم الاغتراب: ((بأنه عملية صيرورية تتكون من ثلاث مراحل متصلة اتصالاً وثيقاً)).^(^^) فالمرحلة الأولى تتكون نتيجة لوضع الفرد في البناء