بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الاجتماعي، ويتدخل وعي الفرد لوضعه في تشكيل المرحلة الثانية، أما المرحلة الثالثة فتنعكس على تصرفه إنساناً مغترباً على وفق الخيارات المتاحة أمامه.^(^^)
وغربة الشعراء الرواد الأربعة لا تخرج عن نطاق المراحل المذكورة، فقد ربطت المؤسسة السياسية القائمةآنذاك العراق بعجلة الاستعمار، وصادرت الحريات العامة والشخصية، وأفقرت الشعب، كمااتسم الوضع الاجتماعي بسيادة القوى المحافظة، وجمود التقاليد. وكان على الشاعر أن يدخل معركة الحرية والتقدم ضد القوى والمؤسسات الحاكمة والمتنفذة. وليقين الشاعر بأن معركته خاسرة لانعدام تكافؤ قوى الصراع، فقد وجد نفسه غريباً في محيط قاس، بعد أن وعى المأساة، وكافح من أجل الخلاص دون جدوى. ومن هنا فقد تشكل في داخله رد الفعل المناسب على وفق قدرته ووعيه، فقد يتابع مواجهة التحدي ومن خلال أساليب تتخذ طابع التمرد الفردي حيناً، وتندمج في البؤر الثورية الجماعية حيناً آخر، وقد ينكفئ على نفسه لائذاً بها، هارباً من الواقع، ومعتزلاً المجتمع.^(^^)
ولم يخرج الشعراء الرواد الأربعة عن هذا التشخيص: فقد تابع السياب والبياتي والحيدري مواقفهم الرافضة، كل بطريقته الخاصة وإن ضمها إطار واحد، بينما استدارت نازك نحو ذاتها تلهبها جلداً وكأنها تقتص منها.
ومن خلال دراسة النص الشعري أولاً، والإحاطة بما تيسر من أحداث ومواقف عاشها الشعراء، وجد الباحث أن اغترابهم لم يكن واحداً في تصنيفه بل اتخذ عدة أنماط: فهناك الاغتراب الاجتماعي، والسياسي، والعاطفي، والمكاني، والروحي.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنّه من التعسف توصيف كل غربة على حدة لأن مظاهر الغربة عموماً هي واحدة: مثل العزلة أو شبه العزلة، والشكوى، والتطلع إلى مثال غير موجود، والبحث عن يوتوبيا خاصة. أما تسمية الغربة بالاجتماعية، أو بالسياسة، أو بالعاطفة فذلك راجع -كما يعتقد الباحث- إلى دواعي الغربة نفسها التي أمدتها بعناصر النمو.
على وفق هذا التبسيط سيتناول الباحث اغتراب الشعراء الرواد من خلال النص الشعري ومن خلاله مايدعمه من رأي أو موقف جاء على لسان الشاعر أو بأقلام نقاده ودارسيه.
الاغتراب الاجتماعي:
-1-
في جيكور تبدأ غربة السياب الاجتماعية، والتي ستقوده إلى ((تجارب مشبعة بالمرارة والألم.. ومن أبرزها تجاربه في الحب، والثورة، والحاجة، والحنين إلى الماضي، والمرض الوبيل)).^(^^)وقد ولدت هذه الغربة من رحم ظروف وأحداث لم يكن للسياب يد فيها، أولاها دمامة وجهه وهزال جسمه، فها هو يصف نفسه قائلاً:
واهي الكيان كأنّ خطباً هدّه
ذاوي الشفاه لطول ما يتنهّد
وهو المعطَّلُ من قوامٍ فارعٍ
يسبي العيون ووجنةٍ تتورَّدُ^(^^)
ولو كان السياب إنساناً اعتيادياً لقنع بالانزواء في إحدى زوايا المجتمع وكان نسياً منسياً، ولكنه شاعر يعتلي المنابر، ويتصدر المناسبات، ويتعقب الجمال، لذلك كان قبحه خنجراً في خاصرته، وربما سمع بسبب ذلك مالا يسره لأن هيئته الخلقية كانت ناتئة في حياته إلى الحد الذي عجز عن التغاضي عنها أو التقليل من شأنها.^(^^) إن هذا الأمر وحده كاف لأنْ يشكل بؤرة اغتراب حاد^(^^) فكيف لو تضافرت معه عناصر أخرى في مقدمتها: وفاة أمه، وهوفي السادسة من عمره،^(^^) فيفتقد بذلك حناناً هو أحوج مايكون إليه في حياته الأولى التي تصورها خريفاً طويل الليالي بعدها، يقول: