بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
من مجتمعنا، ومن الطبيعة التي يعيشان في كنفها. وهكذا تتكوّنُ الأسرة في المجتمع الإنساني. إنها وليدة ظروف (تاريخ) مشتركة ولها أهداف (مصير) مشتركة، ومن تلك الظروف والأهداف يَتَولّدُ لدى أفراد الأسرة شعور مشترك هو شعور الانتماء إلى الأسرة التي تستغرقهم، وتجعلهم مُدركين بصفتهم وحدة إنسانية متميزة^(^^). والانتماء إلى الأسرة هو نقطة الارتكاز والانطلاق في بناء الانتماء، فكلّ إنسان ينتمي إلى أسرة، تنجب في الغالب أفراداً يبنون أسراً جديدة، والأسر الجديدة ذات الأصل الواحد، والظروف والأهداف المشتركة- تؤلّف مجتمعة أسرة كبيرة، أو عشيرة، يقودها امتدادُها الأفقي بالتوالد، وتاريخها ومصيرها المشتركان إلى طور القبيلة المؤلفة من عدة عشائر، ترجع إلى أصل واحد، وتشترك في اللغة والمنازل، وتتملّك بالجدل الخاص بين أفرادها داخل القبيلة، وبالجدل الخاص بين أفرادها وغيرهم، وبالجدل الخاص بين أفرادها والطبيعة التي يعيشون فيها، عاداتٍ وعقائدَ وأفكاراً توحّدُ أبناءها، وتمنحهم تكويناً نفسياً مشتركاً، يشعرهم بالتمايز بالانتماء إلى قبيلتهم. وهو انتماء مضاف إلى انتماءاتهم السابقة إلى أسرهم وعشائرهم، انتماءٌ يشمل هذه الانتماءات ولا يلغيها، بل يغنيها بمكتسبات تطوّر أولئك الأفراد، أفراد القبيلة، وتضعف القيود التي تمنع تحرّرهم، وانطلاقهم نحو حياة أفضل.(^(^^)). إن الانتماء إلى الأصل المشترك، ولا سيما الأسرة، هو الأول والأكثر أصالة واستمرارية في تاريخ الإنسان، وهو قسري وفطريّ معاً، لا خيار للإنسان فيه، ولا سويّة له بدونه، فالإنسان يولد منتمياً إلى الأسرة مضافاً إليها انتماءاتها إلى عشيرتها وقبيلتها وأمتها، وإلى الإنسانية جمعاء. وذلك الانتماء الأوّل هوانتماء مغلق، فأفراده يتفاعلون ضمن دائرة أصلهم المشترك، وهي دائرة تتوَسّعُ لتَستوعب دوائر صغيرة جديدة، تظهر بالإنجاب داخل دائرة الأصل الأوّل. ولكن الإنسان أوجد ثغرات في دوائر ذلك الانتماء المغلق. فكيف تمت تلك الثغرات؟ وماذا نتج عنها؟ إن كلّ إضافة بالولادة إلى المجتمع الإنساني، ولا سيما حين يكون صغيراً، تعني ولادة مشكلة جديدة، تحتاج إلى حلّ، غايته الحفاظ على وجود ذلك المجتمع، والسماح له بتطوير نفسه، ولذلك يجب إلى تلك الإضافة بالولادة أن تتفاعل إيجابياً مع مجتمعها، فتسهم في الحفاظ على وحدته وأمنه. ولكن بعض الإضافات تتفاعل سلبياً مع مجتمعها، فتهدّد وحدته وأمنه، وعندئذٍ تتوحد قوى المجتمع لمعارضة تلك الإضافة الخطرة، وقد تنبذها خارج دائرة انتمائها، وعند ذلك تبدأ الإضافة المنبوذة البحث عن الأمن في ظلّ انتماء آخر، فتطرق أبواب جماعة يشعر أفرادُها بالحاجة إلى تلك الإضافة المنبوذة، فيسمحون لها بدخول دائرة انتمائهم، كما هو الحال في ظاهرتي الخلع والجوار. ولكنّ الخروج من دائرة انتماء ما، لا يعني استبدال انتماء جديد بآخر قديم، بل يعني إضافة انتماء إلى آخر في عملية جدلية تنتج انتماءً متطوّراً؛ فخروج عشيرة من دائرة قبيلتها ودخولها في دائرة انتماء قبيلة أخرى -لا يلغي انتماء تلك العشيرة إلى رابطة الدم التي تربطها بأصلها المشترك، بل يضيف إلى ذلك الانتماء انتماءً آخر مؤسّساً على رابطة الأصل المشترك مضافاً إليها رابطة الجوار أو التحالف أو غير ذلك. وهكذا تظهر علاقة إنسانية متطوّرة، تُكسب أفرادها تكويناً نفسياً مشتركا وخاصّاً، يمنحهم شعوراً بالانتماء إلى تلك العلاقة، وهو شعور يضاف إلى المشاعر الانتمائية السابقة وجوده، وبذلك تتنوع ظاهرة الانتماء. كذلك تتنوّع ظاهرة الانتماء حين تختلف ظروف أبناء الأصل المشترك، فتقسيم العمل -مثلاً- في مجتمع ما يُدخل إضافات جديدة تُنوع انتماءات أبناء ذلك المجتمع، وقد تلتقي تلك الإضافات مع أخرى تحصل في واقع مجتمع آخر مجاور، فتتشابه المشاعر لتشابه الظروف التي توجب تشابه الأهداف، وتمهد سُبُل تلاقي الجهود التي تخترقُ دوائر الأصل المشترك، وتقيم صلاتٍ توجب تشابك تلك الدوائر (الأصول) بدوائر تطوّرها بالإضافة والحذف، كما هو الحال في رابطة الطبقة الاجتماعية؛ فهي إضافة إلى الأصل المشترك، وهي حذفٌ لبعض المضامين التي تمنع ترابط أبناء الطبقة الاجتماعية، وتعوق تطورهم. إن تنوع الانتماء هو نتاج جدل الإنسان،