بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
بالوحدة، وتضيف محاربة التجزئة إليه حبّ أمته كلّها، وتصور الطمأنينة في ظل وحدتها، وبذلك يتطور الانتماء القطري ليشمله الانتماء القومي، ويكون الولاء للأمة متضمنّاً الولاء للقطر. وبذلك تتنوع المشاعر داخل دائرة الانتماء الواحد تنوّعاً لا يفقده وحدته بل يؤكد أنه ظاهرة إنسانية متطوّرة بالجدل الإنساني الذي يقود خُطا الناس نحو الأفضل. إن الحديث عن العلاقة بين الانتماء والولاء متشعب، ولكنّه لا يخرج عمّا ذُكر آنفاً، ويمكن توضيح ذلك بمثال آخر، فقد ينتسب شخص ما إلى حزب معين وهو مؤمن بأهداف ذلك الحزب، ثم يقوده نضاله إلى مرحلة تتعطل فيها إرادته في التطوير داخل مؤسسته الحزبية، فماذا يفعل؟ قد يستكين للظروف التي تعطّل إرادته، وقد يحاول التدخل لمنع استمرار تلك الظروف العائقة لإرادته في التطوير، ولكن انتماءه الحزبيّ لن يفقد الولاء، ولن يكون شكلاً بغير محتوى، بل شكلاً له المحتوى القديم مضافاً إليهما تصورات ذلك الشخص عن طرائق حزبه وتقدمه، ومحذوفاً منهما ما يعوق ذلك التطوير، فالناس المنتمون إلى رابطة إنسانية معينة متقاربون، وليسوا متطابقين في المشاعر والأفكار والسلوك. والتقارب يعني وجود الخلاف، وعمل الإرادة قائدة الإنسان نحو التطور والتحرر. إن الانتماء يُوجد الولاءَ وجوداً ظاهراً أو خفياً، فالظاهر يدل على توازن شخصيات المنتمين، وتوافقها مع قيم الرابطة الإنسانية التي ينتمون إليها؛ والخفيّ يوحي بقلق شخصيات المنتمين، وبحثها عن الأفضل غالباً. إنّ الشخصيات القلقة تعبر غالباً عن مشاعرها الرافضة لبعض قيم انتمائها التي تعوق رؤيتها للتطور، وتحدّ حرّيتها، أمّا الشخصيات المتوازنة فإنّ مشاعر ولائها لرابطتها الانتمائية تكمن في النفوس، وإن كانت قوية، ولكنها تظهر حين تواجه الأخطار والنقد، كأن يتعرض المنتمون إلى رابطة إنسانية معينة إلى خطر اعتداء أو وباء يهدّد وجودهم، أو تتعارض مشاعر أحد المنتمين المغتربين عن أوطانهم مع القيم السائدة في المهجر، فتثور تلك المشاعر في المهجر تارة، وتهدأ أخرى، معبرة بذلك عن جدل إنساني قد ينتهي بإضافة انتماء جديد، وبذلك نصل إلى أن علاقات الانتماء هي أكثر العلاقات الإنسانية أساسية كالانتماء إلى الأسرة، كما أنها أكثر العلاقات الإنسانية عموميّة كما هو الحال في انتماء الغريب إلى مجتمع الاغتراب إذا استقرّ فيه(^(^^)). وبعدُ، فما الانتماء؟ الانتماء ظاهرة إنسانية فطرية تربط بين مجموعة من الناس المتقاربين والمحددين زماناً ومكاناً بعلاقات تشعرهم بوحدتهم، وبتمايزهم تمايزاً يمنحهم حقوقاً، ويحتّم عليهم واجبات، وهو متطوّر بالإرادة الإنسانية الباحثة عن الأفضل تطوراً ينوّع، ويوسّع، ويربط دوائره بالحذف والإضافة وليس بالإلغاء، ولا بالخلق الجديد. 2 - الانتماء في العُرفِ الجاهلي: إنّ الانتماء بصفته ظاهرة إنسانية متطوّرة بالجدل الإنسانيّ- لا يلزمه الوعي بحقيقة وجوده، فالانتماء في الأصل موجود بقوّة وجود ناس تربطهم علاقة ما، ومحدّدين بزمان ومكان معينين. وبذلك لا يكون النظر في انتماء الإنسان الجاهلي تمحُّلاً، ولا تنقيباً عشوائياً، ولا إنطلاقاً لأوابد بما ليس فيها، فمن الحقائق الثابتة وجود الإنسان الناطق باللغة العربية في شبه الجزيرة العربية، وفي مناطق واسعة من بلاد الشام والعراق قبل الإسلام. وكان جدل الإنسان العربي آنذاك عنيفاً بالصراعات الحربية تارة، وهادئاً في ظل التقاليد والعهود المتعارف عليها تارة أخرى، ولكن الجدل في كلا الحالين كان إرهاصاً بتحوّلات كبرى، تُطوّر الوجود الإنساني العربيّ، وتُحرّره من قيود التشرذم، والتناحر الداخلي، والعدوان الخارجي، وهي قيود تدفع الأمن والسلام والاستقرار، وتضعف قدرات الإنسان الجاهلي، بل تهدد وجوده أحياناً كثيرة. كان جدل الإنسان الجاهلي يمحور بالإرادة الإنسانية الفاعلة، والباحثة عن الأفضل ضمن الظروف والقدرات المتاحة، والمشروطة بالفهم الجاهلي النسبي للأفضل، وذلك يستدعي وجود الانتماء الجاهلي، ويستدعي تنوّع ذلك الانتماء، لأنّ الانتماء ظاهرة إنسانية توجد بقوة وجود الإنسان نفسه، وتتنوّع بتنوّع الروابط التي تشدّ بعض الناس إلى بعض آخر، وتميز بعض الناس من غيرهم.