بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وهو يبحث عن الوسائل التي ترقى به نحو التحرر، والانفلات من الظروف التي تعوق تطوره، فالإنسان يولد ضمن ظروف لا إرادة له فيها، وهذه الظروف تلزمه انتماءات لا إرادة له فيها أيضاً، وهي انتماءات قسرية كالانتماء إلى الأسرة والقبيلة والدين وغير ذلك. ولكن بني الإنسان ليسوا آليين، فتعامُلُهم مع تلك الانتماءات القسرية ليس واحداً، فبعضهم يستكين إلى تلك الظروف والانتماءات، وبعضهم يرى في جوانب منها ما يعوق تقدّمه، وبعضهم يرى ما يعوق تقدمه، ويتصوّر حلاً لمشكلته، وبعضهم يرى ما يعوق تقدمه ويتصور الحلّ، ويقرنه بالعمل اللازم لإزاحة ما يعوق التقدم، وفي أثناء ذلك يحدث الجدل، فيكون حاداً بالصراع أو هادئاً بالحوار، وفي كلا الحالين تظهر إرادة الإنسان القادر على التدخل في سير الظروف، مسلّحاً بالمعرفة البسيطة أو العميقة للقوانين التي تحكم الطبيعة والوجود الإنساني معاً. فالإنسان يُوجدُ بالعمل ظروفاً جديدة تصورّها، وقدّر أنّ وجودها أفضل من استمراريّة الظروف القديمة. ولكن خلق تلك الظروف حين تتسع دائرة المجتمع -لا يقدر عليه شخص واحد، بل يكون بتضافر جُهد مجموعة من الناس تلتقي أفكارها، ويتوحّد جهدها، فيتملّك أفراد المجموعة شعوراً مشتركاً بالانتماء إلى تلك المجموعة، وهو انتماء تملّكهُ أصحابه بإراداتهم، وأضافوه إلى انتماءاتهم السابقة. وهكذا يمكن القول بأنّ الانتماء ليس قسرياً دائماً، ولو كان كذلك لما تطوّر المجتمع الإنسانيّ، ليس إراديّاً دائماً، ولو كان كذلك لا نقطع الإنسان عن ماضيه، والماضي تاريخ لا يمكن إلغاؤه.(^(^^)). إن الانتماء وجودٌ ماديّ ينعكس لدى الإنسان فكراً وشعوراً وسلوكاً، لأن الإنسان يملك تاريخاً، لا يستطيع الانفلات منه، وهذا التاريخ هو الوجود المادي المحقَّق للانتماء. وقد يكون الانتماء فكراً وشعوراً يسبقان وجوده المادي، وذلك في فكر القادة ورجال الفكر وشعورهم وهم يتصوّرون أوضاعاً إنسانية مُتَطوّرة، يرغبون في إيجادها بالإرادة الإنسانية. إن قيام مجموعة من الناس بقيادة مجتمعها -كبيراً كان أم صغيراً- نحو ظروف جديدة، تقطع استمرارية الظروف القديمة- يطرح تساؤلاً عن العلاقة بين الانتماء والولاء. يرى د. فرج عبد القادر طه (أنّ الانتماء يعنى بالمستوى الشكلي أكثر من عنايته بالمضمون الجوهري التلقائي، بمعنى أنّ الفرد قد يكون عضواً في جماعة، ومحسوباً عليها إلاّ أنه لا يرتضي معاييرها، ولا يتوحد بها، ولا يشاركها ميولها واهتماماتها، فهو ينتمي إليها شكلاً، وليس قلباً، وفي هذه الحالة يصبح منتمياً إلى هذه الجماعة بينما يكون ولاؤه... لجماعة أخرى أو لزعيم آخر أو لمبدأ مغاير للجماعة المنتمي إليها)(^(^^)). ولكنّ تغليب الشكل على المضمون في ظاهرة الانتماء ليس دقيقاً فالعلاقة بين الشكل والمضمون في الانتماء ليست آليّة، فنحن لا نستطيع أن نقول بوجود انتماء شكلي وآخر قلبي، فالإنسان يتفرد بين المخلوقات بأنه يتطور بتملّك الإرادة الباحثة عن الأفضل، فإن توافق مع الظروف التي ينتمي إليها تَوَلّد لديه الولاء مع المحبّة والطمأنينة والاستعداد للتضحية دفاعاً عن تلك الظروف، وإنّ عَطّلَتْ الإرادة الإنسانية ظروفٌ فسوف يتغير مظهر انتماء الإنسان إلى تلك الظروف، وقد يستبدل بالمحبة وبالطمأنينة القلقُ أو العداءُ أحياناً، ولكن الإنسان مع ذلك لا يفقد جوهر الانتماء إلى ظروفه المتضمنة ظروفاً عائقة لإرادته. ولتوضيح ذلك يمكن الحديث عن الوحدة والتجزئة في الوطن العربي. إن الذين يوالون التجزئة في قطر ما، يمثلون ظرفاً تاريخياً يعوق تطلّعات الناس في ذلك القطر إلى الوحدة، أي يعوق الانفصاليون إرادة الوحدويين في تحقيق الوحدة، وسوف ينتج عن ذلك صراع بين الوحدويين والانفصاليين، ولكنّ هذا الصراع لا يجعل انتماء الوحدويين إلى قطرهم انتماء شكلياً، ويستوي في ذلك أن يكون الوحدويون أقلية أو أكثرية في قطرهم، فلماذا لا يكون انتماء الوحدويين إلى قطرهم انتماء شكليّاً؟ إن الإجابة عن هذا السؤال يسيرة، فالانتماء إلى الوطن العربي لا يلغي الانتماء إلى القطر العربي لأنّ القطر جزء من كلّ، والكلّ يشمل الجزء ولا يلغيه، فالوحدوي يوالي قطره، ويوالي أهل قطره، ويرى أن الوحدة هي المستقبل الأفضل لقطره ولأهل قطره، لكنّ محاربة التجزئة لاتفقده جوهر انتمائه إلى قطره بل تفقده بعض مظاهر ذلك الانتماء إذ يشعر بالقلق، وبالعداء للانفصاليين ما داموا يقفون عائقاً أمام إرادته بالتطوّر، أي