بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى في كتابه الكريم (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) (3) أي لا نعلم ولا نفهم حقيقة كثير مما تقول (4). يقول ابن القيم: والفقه أخص من الفهم، وهو فهم مراد المتكلم من كلامه، هذا قدر زائد على مجرد وضع اللفظ في اللغة، وبحسب تفاوت مراتب الناس في هذا تتفاوت مراتبهم في الفقه والعلم. ويقول الآمدي: الفهم عبارة عن جودة الذهن، من جهة تهيؤه لاقتناص كل ما يرد عليه من المطالب، وإن لم يكن المتصف به عالما، كالعامي الفطن (5) وأما اصطلاحا فإن كلمة الفقه في أول الأمر كانت تطليق على معارف الشريعة، حيث فسر بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ". وبهذا المعنى فسر قوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم أذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (6). وكذلك قوله صلى الله عليه وآله: " من يرد الله به خيرا يفقهه في [IMAGE: 0x01 graphic] (1) القاموس المحيط 4: 289. (2) لسان العرب 13: 522. (3) هود 11: 91. (4) تفسير الطبري 12: 64. (5) الأحكام في أصول الأحكام 1: 7. (6) التوبة 9: 122. [IMAGE: 0x01 graphic] [ 8 ] الدين ". إلا أن التمايز التدريجي للمعارف الدينية المختلفة، وتبلور الشكل المستقل لهذا العلم، واستقلاله بقواعد وأحكام حيث انحصر بحدود الأحكام الشرعية الخاصة بأفعال المكلفين أدى إلى خروج الفقه اصطلاحا عن حدود المعنى السابق ليدخل مرحلة أخرى من مراحل تطوره، وليصبح له مدلوله المقتصر على الأحكام العملية، أي ما يسمى بالعبادات والمعاملات، وحيث يستمر في التطور والترقي عند ما يتوسع الفقهاء في مدلول كلمة الفقه هذه، وذلك الاجتهاد المختص، فأصبحت هذه الكلمة تطلق على العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية بطرقها المختلفة، أو المستمدة من الأدلة التفصيلية (1) ومن خلال هذا الاستعراض الموجز يظهر بوضوح أن الفقه هو - تحديدا - العلم بالأحكام العملية دون الاعتقادية، وأن الاجتهاد يتأطر ضمن المواضع التي ليس لها أحكام قطعية تدل عليها النصوص الثابتة التي لا تحتمل الخارجية، بل يختص بالأحكام الفرعية الظنية المستنبطة. بين الفقه والفقهاء لعل التأمل في المكانة التي تحتلها الفقه والفقهاء في نظر الشارع المقدس إليهما تظهر بوضوح عمق الأثر الذي لا يمكن الاعراض عنه في حياة البشرية جمعاء، والمسير الحثيث نحو الآخرة المطمئنة السعيدة. [IMAGE: 0x01 graphic] في كتب معالم الأصول (ص 66): والفقه في الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية. [IMAGE: 0x01 graphic] [ 9 ] أجل إن للفقه وحملته مكانة عظيمة قد لا يرقى إليها شأن آخر، مهما علا، ولا غرو في ذلك، فالفقه يعد - بلا شك - القانون والمعيار الذي يستطيع من خلاله المسلم إدراك حقيقة عمله أحلال هو أم حرام، بل أصحيح هو أم فاسد، وما أدق وأعظم هذا الأمر في حياة المسلم. ولذلك نجد الأحاديث تنهال على هذا العلم المقدس وأهله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " (1). وقال صلى الله عليه وآله: " فقيه أشد على الشيطان من ألف عابد " (2). وقال أيضا: " إن رجالا يأتونكم من أقطار الأرضين يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا " (3). وقال صلى الله عليه وآله: " خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه في الدين " (4). وقال صلى الله عليه وآله: " خياركم أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا " (5). وسئل صلى الله عليه وآله: من خير الناس؟ فقال: " أفقههم في دين الله... " (6). [IMAGE: 0x01 graphic] (1) أمالي المفيد 1: 158 / 9، صحيح البخاري 1: 16، سنن الدارمي 1: 74، مسند أحمد 1: 306. (2) سنن الترمذي 5: 48 / 2681. (3) أمالي الطوسي 2: 92، سنن الترمذي 5: 30 / 2650، سنن ابن ماجة 1: 92 / 249. (4) أمالي المفيد 1: 274 / 5، سنن الترمذي 5: 49 / 2684. (5) مسند أحمد 2: 467. (6) مسند أحمد 6: 68. [IMAGE: 0x01 graphic] [ 10 ] وقال صلى الله عليه وآله: " أفضل العبادة الفقه... " (1). وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: " من اتجر بغير فقه فقد ارتطم في الربا " (2). وقال عليه السلام: " القرآن جعله الله... وربيعا لقلوب الفقهاء " (3). وقال الامام الصادق عليه السلام: " ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام " (4). الفقه الاسلامي ونشأة المذاهب الفقهية لقد كانت الحقبة الزمنية الممتدة من بدايات القرن الثاني وحتى منتصف القرن الرابع الهجري تقريبا مقطعا هاما، وانعطافا ملحوظا في تبلور ونشأة