بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
لغرض علمي أو ديني كما توهمه البعض أو يريد أن يصوره للآخرين، بل لغرض سياسي بحت، هو إضفاء صفة الشرعية على حكمهم، فكان أن ارتاد بلاطهم الكثيرون من المستجدين فتات موائدهم، بهدف إزواء فقهاء أهل البيت عليهم السلام. كما أن الدولة شخصت بشكل أو بآخر نمو الكثير من المذاهب والمعتقدات المختلفة لأغراض شتى متفاوتة، بين الجهل، وإضفاء صفة الحرص على العلم على دولتهم، وإيجاد البدائل الممكنة قبالة مذهب أهل البيت عليهم السلام. بلى إننا عندما نجزم بحقيقة توجه الدولة العباسية المعادي لخط أهل بيت النبوة عليهم السلام لا يعني ذلك مخالفتنا الفكرية والعقائدية لتطور الأفكار ونموها بقدر ما أردنا الاشارة إليه من تدبير خطير تعاهدته أيدي العباسيين بالرعاية والاهتمام. ولذا فإن البذور الأولى لنشأة المذاهب الفقهية الاسلامية قد تكونت إبان حكم الدولة العباسية، وأخذت تشتد بمرور الأيام ثم تبين استقلالها وتفرقها بوضوح بعد تردي أوضاع هذه الدولة، وانقسام الحياة الفكرية العامة لدى المسلمين، وسعي تلاميذ أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة الدؤوب في الدعوة إلى مذاهبم، بعيدا عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، وحيث بقي طوال تلك المدة عرضة للمطاردة والتنكيل، يقابله اعتناق البعض من الحكام لمذاهب معينة وفرضهم على الساحة أن تكون خالية مما عداه من المذاهب الأخرى إلا المذهب الذي يؤمن به. [IMAGE: 0x01 graphic] [ 14 ] المذاهب الاسلامية وأدلتها الشرعية لعله من نافلة القول إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد رحل من هذا العالم بعد السنين التي عاش فيها بين المسلمين، يتأملون عبادته من طهارة وصلاة وصوم وحج وغير ذلك فيتبعونه في ذلك، ويرجعون إليه فيما اختلفوا فيه أو شكوا في صوابه، وأما ما يروى من الروايات المذكورة في مظانها من مفهوم الاجتهاد في عصره صلى الله عليه وآله فإنه كان لا يتجاوز عملية بذل الجهد لا كما أصبح عليه الآن مما يدل عليه اصطلاحا من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. كما إننا لا نتفق مع الرأي القائل بوقوع الاجتهاد من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله كما ذهب إلى ذلك الآمدي في الأحكام (1) وغيره، لأن ذلك يتنافى صراحة مع قوله تعالى (وما ينطق عن الهوى). وما رواه أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شئ اسمعه من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله صلى الله عليه [ وآله ] بشر يتكلم في الغضب والرضا! فأمسكت عن الكتاب! فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم، فأومأ باصبعه إلى فيه فقال: " أكتب، فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق " (2). ولأن الاجتهاد كما نعلم يفيد الطن، وقد اتفق على ذلك الجميع، ومنهم الآمدي في الأحكام حيث قال: الاجتهاد مخصوص باستفراغ الوسع [IMAGE: 0x01 graphic] (1) الأحكام في أصول الأحكام 1: 398. (2) سنن أبي داود 3: 334 / 3446. [IMAGE: 0x01 graphic] [ 15 ] في طلب الظن بشئ من الأحكام الشرعية على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد فيه (1). فإذا كان كذلك فلم كان صلى الله عليه وآله يتوقف في العديد من الأحكام حتى يرد عليه الوحي من قبل الله تعالى، وقد كان بإمكانه الاجتهاد في ذلك وعدم الانتظار؟ ثم إن في الاعتقاد بذلك مدخلا خطيرا يضعف القول القطعي بأن الشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله هو من الله تعالى، كما أنه يوهن الثقة المطلقة بأحكامه صلى الله عليه وآله طالما أن الاجتهاد محتمل الحالتين: الخطأ والصواب، وذلك منفي عن الرسول صلى الله عليه وآله قطعا. نعم لقد رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وخلف لامته شيئين اثنين، جعلهما المرجع السليم لهذه الأمة عند الاختلاف، ألا وهما: كتاب الله عز وجل، وعترته أهل بيته عليهم السلام، بنص قوله صلى الله عليه وآله: " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (2). إلا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يتخلفوا عن امتثال أمره حتى قبيل موته صلى الله عليه وآله، فكانت أولى هذه المسائل قضية الخلافة الشرعية عنه صلى الله عليه وآله، فخالفوا في ذلك النص الصريح، والأمر الواقع، فكان في ذلك أول خروج عن الخط النبوي القويم، وأوضح انحراف عن الالتزام بالشق الثاني المتمثل بالثقل الآخر الذي خلفه رسول [IMAGE: 0x01 graphic] (1) الأحكام 4: 396. (2) سنن الترمذي 5: 662 / 3786، 663