بيان موجّه الى الامة الاسلامية عموماً والى الشعب العراقي
خصوصاً من قبل ثلة منعلماء العراقبسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد البشرية محمد النبي الامين وآله الطاهرين وصحبه الاكرمين ومن تبعهم باحسانالى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
ففي خضم الاحداث الدامية التي يمر بها عراقنا الجريح، من تكالب الاعداء وتنفيذ المؤامرات علىوجوده وهويته، وترويع نسائه واطفاله وشيوخه، الى قتل شبابه ونهب خيراته، وتحويله الى ساحة تجارب عسكرية، وضرب ابنائه بعضهم بالبعض الآخر لينشغلوا بانفسهم ويسود العدوالامريكي الصهيوني الغادر، وتتفتت وحدته، وينمحي الوئام السائد بين افراده.
وفي معمعان الهجوم الثقافي لاعداء الامة على هويتها وثقافتها وتعليمها وعملهاالخيري ونشاطاتها الانسانية ووحدتها المذهبية والمصيرية، وذلك عبر التحديات الكبرى التي تواجهها من قبيل تحديات العولمة والعلمانية والتخلف والتفرقة
المذهبية والعنصرية والقومية واللغوية والتاريخية والجغرافية وغير ذلك،
وفي جو الهجوم العسكري الذي تواجهه هنا وهناك، يطلع على شعبنا العراقي بيان من قبلشخص يسمى بـ (ابي مصعب الزرقاوي) ليدعي انه يحمل راية الجهاد ضد العدو الامريكي، وانه يمثل صرخة الجهاد الاسلامي وقيادة الابطال الفرسان وما الى ذلك، ولكنه بدل ان يصب جامغضبه على امريكا راس الاستكبار العالمي والدول الحليفة لها، ويدعو لوحدة جحافل الشعب العراقي بكل قومياته ومذاهبه واديانه بوجه العدو المحتل, وبدل ان يوحد المسلمين خلفالرافضين للاحتلال ، بدلاً عن كل ذلك ركز على سب الجميع سنة وشيعة، واتهام الرافضين للاحتلال علماء ومثقفين وآخرين غيرهم بشتى التهم الممزقة والمقرفة، التي تبعثالحزازات وتعيد عهود التاريخ الدامي الملأى بالالام والدموع وتكفير الآخرين وغير ذلك.
واننا اذ نحذر من مثل هذه المحاولات المشبوهة والتي تخدم العدو المحتلالغاشم لنذكر ببعض الامور التي ركز عليها البيان آنف الذكر ليعرف الجميع الحقيقة بكل موضوعية:
الأمر الاول:
اننا قبل كل شيء نؤيد ماذكره البيان منالاهداف الامريكية الدنيئة من قبيل: أ- الطمع بثروات البلاد.
ب - الرد على الصحوة الاسلامية واسكات صوتها ونشر الثقافة المنحطة.
ج - تحقيق الحقدالصليبي الدفين.
د- توفير الامن لربيبتها اسرائيل.
ونضيف اليها اهدافاً آخرى من قبيل:
تحويل العراق الى قاعدة استعمارية لتنفيذالمخططات الصهيو - امريكية في كل المنطقة، وضرب كل المواقع التي تقف امام نفوذ امريكا وغير ذلك. ولكن ماالذي يضمن للامة الاسلامية ان تواجه هذا المخطط الاستكباريالعنيد، غير عودتها الى اسلامها، والى وحدتها الاسلامية، وتنفيذ استراتيجية واعية تستوعب بها الضربة، ومن ثم تنطلق لبناء قوتها في كل المجالات واستعادة مكانتهاالحضارية، امة شاهدة على الناس.
فاذا كنا نغرقها بالصراع المذهبي، ونتهم كل رجالاتها بالعمالة، ونستعدي بعضها على بعض، ونعيدها الى عصور الظلام والدماءوالتكفير، فهل نكون قد ساهمنا في مقاومة العدو، او اننا سنكون قد مهدنا له الطريق؟! اليس من الاجدى ان ندعو الى وحدة هذه الامة وتكاتفها، وان نتمسك جميعاً بالقرآنوالسنة، وان اختلفت اجتهاداتنا في الاستفادة منهما، فلا مانع من ذلك بعد التزامنا بضوابط الاجتهاد، وحينئذٍ نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنافيه. اما على الصعيد العملي فيجب ان يكون الموقف واحداً لا اختلاف فيه، وذلك في كل قضايا الامة المصيرية . لنستطيع تحقيق مانصبو اليه.
الامر الثاني:
ان اكبر تهمة يوجهها البيان للشيعة هي تهمة سب الصحابة والصالحين وهي تهمة يتنزه عنها العقلاء والواعون بل يركز الشيعة بخطهم العام على احترام الصحابة، والجيل الطليعيالاول، تبعاً لأئمتهم من اهل البيت(ع) وتعليماتهم التي شهد لها المسلمون جميعاً بالسمو، فيدعو الامام زين العابدين(ع) للصحابة ويصفهم بانهم المنتجبون. ويقول الامامعلي(ع) (في الخطبة -97- من نهج البلاغة) واصفاً الصحابة (لقد رايت اصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما ارى احداً يشبههم منكم: لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداًوقياماً.. ) والشيعة يرددون كلام نهج البلاغة ويعشقونه؛ لان علياً كان تلميذ رسول الله(ص)، وربيب القرآن، وإمام الغر المحجلين، واحد الصحابة الاجلاء.هذا عمل الواعين، ودعك من عمل الجاهلين.
ورغم هذا الاتهام ونفور البيان مما يدعى بالسب واللعن فانه مشحون بالسب واللعن والهمز واللمز والتهم فهو يردد مثلاًمايلي:
ــ وصف الشيعة بالرافضة وهو مصطلح عصور الصراع المقيت.
ــ ادعاء ان التشيع - كما يقول - دين لا يلتقي مع الاسلام (هكذا بكل بساطة) في حين يصرح كبارالعلماء بان نقاط الالتقاء بين الشيعة والسنة تتجاوز الـ 90% من المساحة العامة للاسلام.
ــ انهم الحاقدون على الاسلام، المستبيحون دماء المسلمين
ــانهم العدو، والكفرة، والقتلة وانهم يحبون التتار وانهم وانهم..
ويصف العالم الزاهد السيد السيستاني بانه امام الكفر.
بل نجد البيان يسب علماء السنةالداعين رص الصفوف، ويرميهم باشد الصفات من قبيل وصفهم بـ: (الحثالات من اهل السنة) (الرادة الكذبة) (علماء السوء) (المخدرون ، المخذلون) الى غير ذلك من اقذع الالفاظواسخفها. فهل ينسجم هذا السلوك مع ادعاء الدفاع عن كرامة الصالحين ومجد الامة وعلائها وخلقها النبيل؟!
الامر الثالث:
ويفترض البيان في الشيعة تهماًواوصافاً باطلة، ثم يعمل على التحريض عليهم، ووصفهم بانهم العدو الحاقد على الامة، والكفرة الذين يجب تطهير الارض منهم، وما الى ذلك. انه يطلق عليهم التهم الكثيرة وهوترديد لتهم رددها الممزقون من قبل، وفي طليعتها القول بتحريف القرآن. والحقيقة التي اكدها علماؤهم أنه كان هناك في الماضي من يتجه الى مثل هذا القولالباطل، ولكن التيار العام من علماء الشيعة رفض ذلك، واقام اقوى الادلة على عدم التحريف، ومنهم العالم العراقي الكبير الامام الخوئي فهو بعد ان يستدل بقوة على بطلانالقول بالتحريف يقول في كتابه البيان (صفحة 233): »وقد صرح بذلك (عدم التحريف) رئيس المحدثين الصدوق، وقد عد القول بعدم التحريف من معتقدات الامامية، ومنهم شيخ الطائفة..الطوسي ونقل القول بذلك ايضاً عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى« ثم ذكر اجلة العلماء الشيعة كالمرحوم الطبرسي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والعلامة الجليل الشهشهانيوغيرهم وختم ذلك بقوله (بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف).
فما الداعي اذن لطرح هذه التهمة من جديد، واصدار ا لفتاوى التكفيرية من قبل من ليس اهلاًللفتوى والعلم.
وقد ايد فتواه التكفيرية بنصوص لابن تيمية وغيره وهي ايضاً مبنية على تهم من هذا القبيل، أو موجهة لبعض الغارقين في الباطنية، او تعبر عن وضعسياسي خاص. فلماذا نتناسى كل ذلك ونعيد الكرة ونكفر خمس المسلمين؟ ولمصلحة من هذا التكفير، واهدار الدماء الاسلامية؟ الا يصب ذلك لصالح العدو؟
الامرالرابع:
ينظر البيان الى الواقع اليوم ويصب جام غضبه على الشيعة ويصفهم بانهم الممالئون لامريكا والصهيونية، وان امريكا تسعى لدعمهم، وان اسرائيل تتودد اليهم،وانهم ممثلين بفيلق (بدر) قتلوا المجاهدين من اهل السنة واحتلوا مساجدهم، وان الايرانيين الشيعة عذبوا اسرى اهل السنة الذين قاتلوا مع صدام ضد الجمهورية الاسلامية، وانالشيعة مزقوا وحدة الامة، الى آخر ذلك من قائمة التهم الطويلة.
ولكن البيان تناسى الحقائق التالية:
أولاً: ان الجمهورية الاسلاميةالايرانية بقيادة الامام الراحل الخميني (رحمه الله تعالى) كانت حصيلة ثورة اسلامية هزت قلاع الكفر والاستكبار العالمي وفي طليعته الاستكبار الامريكي، واطاحت بنظامالشاه العميل الامريكي الاسرائيلي، وحولت ايران من قلعة امريكية اسرائيلية الى اكبر سند للامة الاسلامية والقضية الفلسطينية، كما فجرت صحوة اسلامية عالمية اقضت مضاجعالكفر العالمي، وكان من نتائجها المقاومة البطلة في افغانستان ولبنان، والانتفاضة الباسلة في فلسطين، وعودة الامل الى الجماهير الاسلامية في انحاء العالم بالغدالاسلامي. ويعجز القلم عن تبيان آثارها الايجابية على الصحوة، وعن توضيح الضربات وانماط الحصار السياسي والاقتصادي والهجوم العسكري ضدها، ومن ذلك هجوم النظام الصداميعليها نيابة عن الاستكبار العالمي، في حرب دامت ثماني سنوات ، وقتلت وشردت مئات الالوف من المسلمين بايدي اناس يتباكى البيان على اسرهم ويدعي تعذيبهم في حين ان الشعبالايراني المسلم اعتبرهم - رغم مافعلوه - ضيوفاً لديه. ومواقف الجمهورية من قضايا المسلمين في ارجاء العالم الاسلامي واضحة ويكفي ان نشير الى البوسنة وكشميروغيرها لنذكر بانها مناطق غير شيعية، ولكنها حظيت باكبر الاهتمام.
ثانياً: ان حزب الله البطل واكثريته من الشيعة دافع عن كرامة الامة ومرغ انف امريكا بالترابوارغم العدو الصهيوني على الهزيمة لاول مرة في حياته الاجرامية. ولا نجدنا بحاجة للتفصيل لوضوح الامر. ولكن البيان اغفل هذه الحقيقة تماما .
ثالثاً: فيلق بدروجهاده ضد صدام خلال سنوات المحنة امر يعرفه كل
العراقيين، ومواقفه الرائعة في خدمتهم لا يمكن ان تغطيها هذه التهم الباطلة، وشهداؤه الابطال ينيرونتاريخ العراق الحديث.
رابعاً: اما جهود الجمهورية الاسلامية وعلماء الشيعة في مجال وحدة الامة فلا غبار عليها. ويكفي ان نذكر هنا بان الوحدة الاسلامية هي خطاستراتيجي ثابت في دستور الجمهورية الاسلامية ومسيرتها العملية، وانه لم تصدر فتوى واحدة من عالم شيعي معتد به بتكفير اهل السنة رغم فتاوى التكفير المستمرة عبر العصورضدهم.
خامساً: ان المقاومة الاصيلة في العراق اليوم بتنوع اساليبها لا تقتصر على فئة دون فئة، بل يعمل العراقيون جميعاً على طرد المحتل وعلى كل الصعد، فلا احتكارللمقاومة ولا معنى لاتهام هذا او ذاك بالرضوخ . واننا لنعتقد ان امريكا مالم تلملم جيوشها وترحل فانها ستغرق في الوحل العراقي القاتل لها ولمن وقف معها.
الامر الخامس:
يفتخر البيان بانه صنع مجزرة الجمعة في النجف الاشرف وقتل سيد المجاهدين اية الله السيد باقر الحكيم ومعه عشرات القتلى ومئات الجرحى. ولعله تغافلعن جريمة كبرى اخرى وهي ضربه الملايين المتجمعة في عاشوراء لاحياء ذكرى استشهاد الامام الحسين(ع) (والذي يدعي الدفاع عنه)، وذلك بصواريخ تسعة أوقعت ايضاً المئات منالاصابات والقتلى. ولا ندرى بم نصف هذه الاعمال الاجرامية وكيف ننسبها للجهاد؟
ان عظمة الجريمة تتجلى حينما نعرف من هو آية الله السيد محمد باقر الحكيمعلماً وجهاداً ودعوة ونذراً للحياة في سبيل الاسلام وكرامة الشعب العراقي المهدورة على يد صدام المجرم.
وهي حقائق يعرفها الشعب العراقي و لا تحتاجالى توضيح.
انها عمليات اقل مايقال فيها الوصف بالارهاب الاعمى الذي لا يرضاه الاسلام، ولا ندري كيف يلقى صانعوها الله تعالى يوم الجزاء؟
واخيراًنتساءل:
اليس ايقاع الفتنة في صفوف الشعب العراقي يخدم الاهداف الامريكية الاسرائيلية؟
اليس القيام بقطع راس الرهينة الامريكية يبرر لامريكا جرائمهاالبشعة في سجن ابي غريب؟
اليس اتهام الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتحامل عليها، وهي الدولة الوحيدة التي ترفض الكيان الاسرائيلي كله، وترفض حتى اقامةالعلاقات السياسية مع امريكا، اليس ذلك خدمة كبرى لأمريكا واطماعها في المنطقة؟ والاسئلة كثيرة كثيرة، وهي تجعلنا نطمئن بان اليد الامريكية الاسرائيلية هي التي تصنعهذه الالعوبة الجهادية والله تعالى اعلم.
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين)
صدق الله العلي العظيم
ثلة من علماءالعراق
الاول من جمادى الآخرة عام 1425 هـ
الموافق 20/6/2004م