بین عالمیة الاسلام و العولمة المعاصرة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بین عالمیة الاسلام و العولمة المعاصرة - نسخه متنی

محمد المختار السلامی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بين عالمية الاسلام والعولمة المعاصرة(1)

بين عالمية الاسلام والعولمة المعاصرة(1)


أ. محمد المختار السلامي

باحث من تونس



منهجان ما عرفت البشرية في تاريخها الطويل مثيلا لهما، منهج نزل به الروح الأمين على قلب خاتم المرسلين ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنهوسراجا منيرا، ينظم بمبادئ واضحة وقواعد ثابتة، شؤون الإنسان وعلاقاته بالكون، وعلاقة الكون به، وعلاقاتهما بالخالق. عمره من يوم إيقاظه للبشرية أربعة عشر قرنا وثلثقرن. هو الإسلام. ومنهج جديد انبثق من روح الحضارة المعاصرة بعد أن تقلبت في أطوارها حتى بلغت الحداثة، ثم أفضت إلى ما أطلق عليه. العولمة.

يتفق المنهجان في نقطةهامة، هي أن العموم قاعدتهما. وأن كل واحد منهما يهدف إلى جمع البشر تحت رايته. ثم يسير كل واحد منهما بعد ذلك في خط مساره الذي يتميز به.

عبر المنهج الأول عنامتداده، وذلك أولا، بشموله للإنسان وللكون بما يتألف منه من حيوان ونبات وأرض وسماء، وكواكب ومجرات، ومن مخلوقات منظورة وغير منظورة، ليؤلف بينها ويحكم التصرف فيهابميزان واحد عدل، هو ميزان لا يتأثر بالمصالح الخاصة ولا يراعي الظروف الوقتية، ولا السلطة المبنية على القوة ولا التحكم المستند إلى نوازع الهوى، بل هو الميزان النابعمن الأصول التي قررها خالق الجميع، والتي تحقق ما أراده الله من تعمير الكون.

وثانيا في امتداداه ليشمل الكل في جميع الأزمان والأمكنة.

ينبني ما قدمناهعلى الجميع بين قوله تعالى (رب العالمين) وبين قوله (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله : خص الله الشريعة الإسلامية بوصف الرحمةالكاملة، وأقيمت شريعة الإسلام على دعائم الرحمة والرفق واليسر. حتى القصاص والحدود هي في حقيقة أمرها رحمة بالعالمين ليأمنوا في حياتهم، والأمن أول شروط النجاح فيالاستخلاف في الأرض. وهذه الشريعة رحمة بالحيوان الذي سخره خالقه للإنسان ، فحماه من العبث به أو تعذيبه ، وقرر في ضمير أتباعها أن الرأفة والرحمة بالحيوان طريق لمرضاةخالق الأكوان(2). ويقول سيد قطب: وضع المنهج الدائم لحياة إنسانية متجددة، وترك للبشرية أن تستنبط الأحكام الجزئية التي تحتاج إليها ارتباطات حياتها النامية المتجددة،ووسائل استنباط وسائل تنفيذها، كذلك بحسب ظروف الحياة وملابساتها، دون اصطدام بأصول المنهج الدائم. وهو منهج متوازن متناسق ، لا يعذب الجسد ليسمو بالروح، ولا يهمل الروحليستمتع الجسد، ولا يصادم طاقات الفرد ورغائبه الفطرية السليمة، ولا يطلق للفرد نزواته وشهواته الطاغية. فكان رحمة لقومه ولمن جاء بعدهم، وقد أخذت البشرية تقترب شيئافشيئا من آفاق هذه المبادئ، وتنفذها ولو تحت عناوين أخرى(3).

عبر المنهج الثاني عن نفسه (بالعولمة) وهي ترجمة لكلمة (GLOBALIZATION) المرتبطة بالكرة الأرضية. هو نتاج ماحققه التقدم العلمي والتقني من مكاسب، قربت بين المسافات واختزلت الأبعاد، ونقلت الأفكار والصور والحوادث، فجمعت بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب. ووصلت إلى أن سكانالأرض قد يتأثرون بالحادثة أو المشهد في لحظة واحدة. وتصل المعلومة إلى سكان الأدغال والصحاري، وإلى المدن في نفس الوقت. فالأصل الذي انبنى عليه مصطلح العولمة هوالإمكانات العلمية والتقنية التي قربت بين البشر. والقرب بينهم يتبعه القدرة على التفاعل بينهم ، في ميادين الاقتصاد وتبادل خيرات الكون، وفي المعرفة، فتسري المعلومةعبر وسائل تزداد كل يوم اقتدارا على السرعة في تعميم النفع لهم، وفي الثقافة بصفة عامة وأنماط الحياة، وبالتالي في السياسة بتقليص الحواجز بين الأقطار، وتحجيم سلطانالحكومات على تكييف الرأي العام بما تنشره أو تحجبه عن شعوبها، فخرج عن سلطانها أخص ما هو لها قبل العولمة، وهو أن تكون السياسة المحلية هي التي تكيف الرأي العام، وتدفعهبالتالي إلى الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسطرها ليسهل عليها التنفيذ.


غايات العولمة

للعولمة أهداف ظاهرة لينة الملمسمشرقة المظهر ناعمة جذابة، سوف أتتبعها، ثم أعرض الصورة التطبيقية التي جرى عليها تنفيذ ذلك، لأقارن بين العولمة والعالمية الإسلامية.


1- العولمةالاقتصادية:

هي الفاتحة لحرية انتقال رؤوس الأموال عبر القارات، وما يتبع ذلك من تقليص أثر البطالة بما تنجزه من مشاريع وتجلبه معها من تقنيات، فترفع من كفاءةالشغالين ومن مستوى عيشهم. فهدفها هو رخاء المحرومين المهمشين وخاصة في العالم الثالث الفقير المحتاج لرؤوس الأموال. والعالم الإسلامي واحد من هذا العالم البائس.

فعلا إن العالم انكمشت أپعاده، وإن رؤوس الأموال أخذت تجول في أرجاء العالم بحرية، وإن هذه القوة المندفعة الهادمة للحدود والقيود تمثلت أولا وبالذات في الشركاتالعملاقة العالمية المتعددة الجنسيات . وإن الإطار القانوني الحامي والمنظم لها هو اتفاقية التجارة العالمية التي انبعثت سنة 1995 بمدينة مراكش، وما تبعها من اتفاقيات.


إن التقلبات الاقتصادية هذه التي تمت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه بسرعة مذهلة في الظاهر، هي في الحقيقة تطور حث خطاه ودفع بما كان معدا في الخفاء من قبل، أمورإغتنمتها الدولة العظمى المتفردة بالزعامة العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية) وبطرق مدروسة للتأثير ويتمثل ذلك في الأمور التالية:

أولاً: في انتهاء الحربالباردة بسقوط حائط برلين، الذي يعني أن النظام الليبرالي انتصر انتصارا ساحقا بالضربة القاضية على غيره من النظم والإيديولوجيات، وأنه تربع على عرش اقتصاد العالميقوده آمنا على انفراده بالقيادة، مؤمنا أمر اتباع الدول كلها له. والزعيمة الولايات المتحدة الأمريكية.

ثانيا: في حرب الكويت تلكم الحرب المشؤومة على العالمالتي تفردت فيها أميركا أيضا بقيادة العالم كله وراءها. فكانت القرارات الأممية من إنشائها وتلحينها، والخطط العسكرية القتالية بسلاحها وتخطيطها. والتي غسلت بواسطتهاهزيمتها في فيتنام، فبرزت بعد انتصارها على العراق، لا الدولة المنتصرة على بلد صغير من العالم الثالث، ولكن الدولة التي سارت الدول العظمى والصغرى وراءها. فهي زعيمةالعالم بلا منازع.

ثالثا: ما أعلن في أعقاب هزيمة العراق. ففي نشوة الانتصار، والعالم كله يرقب التحولات - التي تعقب عادة الحروب - أعلن الرئيس الأمريكي : أن العالممقدم على نظام دولي جديد، يختلف عما كان عليه الأمر أيام الحرب الباردة، يقوم على احترام المبادئ الديمقراطية ، ويعلي من شأن حقوق الإنسان، ويكون فيه للأمم المتحدةومنظماتها الدور الفعال في تحقيق السلام والأمن في العالم. وسكت عن المنهج التطبيقي لمضامين هذا الإعلان في شكل دقيق. ولذا كان وزير خارجية صادقا مع نفسه حين اعترف بأنهلا يستطيع أن يصف ماسيكون عليه شكل هذا النظام الجديد. فالغموض ظاهرة تطلق أيدي أصحاب القرار في طريقة التنفيذ، بعد أن تكون أفسحت للآمال المجال حتى تطوع الرأي العامالعالمي لقبول مايقرر فيما بعد.

رابعا: أسطول إعلامي عالمي يسيره خبراء متميزون في التزييف وتصوير الواقع وإبرازه في شكل جذاب، بما يمكن الدولة العظمى والشركاتالعملاقة من المكاسب التي تسعى للحصول عليها. كالدعوة للاستهلاك بشتى الطرق المؤثرة، مع التشكيك في جودة الإنتاج المحلي، وكقيود الحماية التي تستطيع وحدها فرضها. كماحصل في السنة الماضية من فرض ضريبة على توريد الصلب إلى أمريكا من الدول التي كانت عظمى ، رغم إعلان الاتحاد الأوروبي في شهر مارس 2003 أنه سيقرر عقوبات ضد الولايات المتحدةالأمريكية، إن هي لم تتراجع عن قرارها. فجنون العظمة خول لأمريكا أن تجعل مايقرره الكونغرس ملزما للعالم.


نتائج العولمة الاقتصادية:

إن الشركاتالعملاقة الخمسمائة قد قسمت خيرات العالم بينها فهي تفرض على الدول والحكومات ما تشاء من قيود. تنتقل من مكان إلى مكان تبعا لمؤشر واحد هو مغانمها المادية والأرباح التيتجمعها، فهي ترغب في يد عاملة رخيصة الثمن، تضمر حقوقها الاجتماعية إلى أدنى حد، وضرائب منخفضة أكثر ما يمكن ، وتحويل الصناعات الملوثة إلى العالم الثالث الذي لايستطيع(4) أن يفرض عليها المواصفات التي تفرضها حماية الإنسان والبيئة، وتهدد الدول التي تقيم فيها بالانتقال عنها إذا لم ترضخ لمطالبها، تاركة وراءها تضخم البطالة،والفقر والديون التي حشرتها فيها، كما حصل في دول شرق آسيا. وبجانب ذلك تتدفق السلع إلى البلدان الفقيرة لتعطل صناعاتها المحلية، التي لم تتهيأ بعد للمنافسة؛ فهي حريةمغشوشة، مكنت هذه الشركات من السيطرة على التجارة العالمية. تستقل في سياساتها عن سياسة ومصالح الدول التي تنشط فيها.

إن مانادوا به من تمكين العالم الثالث مناكتساب المهارات التقنية سراب خادع. فالأسرار الصناعية يحتفظ بها بواسطة براءة الاختراع، وتنفرد الولايات المتحدة كل سنة بما يقارب 80% منها . قد أصبح مفهوم الحريةالاقتصادية يتماهى أكثر فأكثر مع التجارة، رغم أن هذه قسمت العالم إلى 20% في المائة تتمركز في أيديهم 80% من القرارات الشرائية والرساميل ، و80% منهم يسعون وراء لقمة العيشدون جدوى في كثير من الأحيان(5).

يقول المفكر وعالم الاجتماع السويسري (جون زيغلر): إن منظمة التجارة العالمية تجسد الليبرالية الجديدة في صورتها المتطرفة. وهيتعني ضمن ما تعني . موتا محققا للعالم الثالث (بما فيه من العرب والمسلمين) وتذكر الإحصاءات أن عدد العالم يصل إلى ستة مليارات نسمة، يعيش أكثر من ثلثهم في دول الجنوب،والغالبية العظمى لا تعيش عيشة إنسانية. والدليل على ذلك أن 13% فقط من سكان العالم ينفقون 68% من الانتاج العالمي. ثم يقول: إنها عدم مساواة صارخة ورهيبة فضلا عن صنوفالاستغلال والاضطهاد التي يتعرض لها الآدميون من العالم الثالث.

إن عالم السوق الرأسمالية الموحدة الذي نحياه أفرز (رأسمالية الغاب) التي تعني نهاية الدولةالوطنية والسيادة الشعبية، ونهاية التنوير والقيم المصاحبة له، مثل التضامن والعدالة الاجتماعية، وتعني أيضا ضياع مائتي سنة من الثورة الديمقراطية . وهكذا يجد العالمنفسه يعيش ليلا رهيبا تجسده بعمق (منظمة التجارة العالمية) (6).

إنه إذا قارنا العالمية الإسلامية بالعولمة في الناحية الاقتصادية ، فإن الفوارق بينهما تبدو :


1- في أن الإسلام يقوم في تشريعه الذي أراد به إصلاح الأوضاع العالمية على الوضوح الكامل. يقول الله تعالى: فتوكل على الله إنك على الحق المبين(7). ويقول: وإن تطعيوهتهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين(8). فكل تشريعاته لا يتأخر فيها البيان عن وقت العمل أپدا. وهي قاعدة مجمع عليها.

2- أن الأصل في الإسلام أن الأموال تنتقلتبعا لقاعدتين: (أ) حرية المالك في التصرف في أمواله (ب) عدم الإضرار بالغير. فالحدود الوطنية التي تولدت عن الحداثة، هي مخالفة لما قرره رب العزة من أن الأرض لله، وأنالإنسان مستخلف فيها، وأنه مأمور بالسعي في أرجائها قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من زرقه وإليه النشور) (9). ونوه بالذين يحركونالاقتصاد وينقلون السلع من مكان إلى آخر، فقال تعالى: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله)(10).

صياغة الآيتين تربط التجارة ونقل السلع والأموال بأمرينأساسيين. أولهما : أنه لا بد أن يكون حاضرا في وعي الساعي أن المال مال الله والرزق رزقه. وثانيهما أنه محاسب على تصرفاته. فعمله مستمر في المستقبل إلى أن يلقى ربه يومالجزاء. وبهما معا يصبح نشاط الإنسان الاقتصادي داخلا تحت دائرة الثواب والعقاب الإلهي الذي يقوم فيه الرقيب من داخل الإنسان ومن إيمانه. وهذه الرقابة لا تختص بالتجاروأصحاب رؤوس الأموال بل هي تتعداهم إلى ولي الأمر الذي ينظم الشؤون الاقتصادية. يقول ابن عبد السلام: فإن قيل: لم منعتم الزيادة على العشر في أموال الكفار، وقلتم: لا تؤخذفي السنة إلا مرة واحدة؟ قلنا: لأنا لو خالفنا ذلك لزهدوا في التجارة إلى بلادنا، وانقطع ارتفاق المسلمين بالعشور، وبما يحملونه مما يحتاج إليه من أموال التجارةوالأقوات وغير ذلك(11). فالضرائب التي تحمل على السلع ينظر فيها بمقياس المصلحة العامة، يراعى فيها ما يكون أرفق بحال عامة الناس من وفرة السلع، وما يشجع التجار على جلبالسلع والأقوات، وما هو أصلح لميزان الدولة في آن واحد، دون أن تجور ناحية على بقية النواحي، ولا أن تهمل مصلحة من الاعتبار. ثم إن النسبة التي توظف على مايجلبه غيرالمسلمين لبلاد الإسلام ترتفع وتنخفض تبعا لمعاملتهم لتجار المسلمين.

وبما قد مناه يبدو ما انبنى عليه التشريع الإسلامي وتنظيماته من الرحمة والعدل ومراعاةالمصالح العامة دون تضحية بالمصلحة الخاصة. وتبدو الفوارق بين العالمية الإنسانية للإسلام. والعولمة المتمردة على الإنسان المحطمة لقيمته الموهنة لها في مقابل المكاسبالمادية التي يزداد بها الأثرياء ثراء.


2- العولمة العلمية:

يقول الباحث عبد الخالق عبد الله: لقد وجدت العولمة الثقة في العلم والتكنولوجيا،وأكدت ولادة العولمة أن هذا العصر هو، وربما أكثر من أي وقت آخر، عصر العلوم والثورات العلمية. فالعلم أثر في هذا العصر كما لم يؤثر فيه أي عامل آخر. وكل النجاحاتوالإنجازات التي تحققت للبشرية، وربما كل التقدم المادي والمعنوي الذي تحقق خلال المائة سنة الأخيرة، وبالذات خلال العقد الأخير من القرن العشرين، لم يكن له أن يتحققلولا العلم الذي أصبح اليوم الحقيقة الأساسية في الحياة، والمحور الذي تدور حوله كل الحقائق الحياتية الأخرى.


العالمية والعلم:

إن الصورةالمشرقة الواعدة التي بسطناها باختصار والتي انتهت إلى اتحاد وجودي بين العلم والعولمة، هي صورة التبس فيها الحق بالباطل وامتزجا.

أولا: إن أول مايتعين رفعه مناللبس والمغالطة. هي دعوى الارتباط المنفرد بين العلم والعولمة. فالحقيقة أن العولمة اعتمدت في انتشارها وإلزام الدول والشعوب بها نسبة التقدم العلمي لها، إذ التقدمالعلمي في كثير من الجوانب لم تنفرد به العولمة الرأسمالية ، بل نجد أن النظام الاشتراكي البلشفي قد هوى على ركبتيه كما يهوي الثور في حلبة المصارعة، وهو يحمل مكاسب فيالتقدم العلمي، وأقماره الصناعية تدور في الفضاء الرحب، ومركبته الفضائية هي الأولى والأكبر والأقدر في مدارها يوم سقوطه، وترسانته النووية والصواريخ العابرة للقارات، قادرة على تخريب العالم مرات.

ثانيا: إن وراء هذا الوجه المشرق الباسم وجه مظلم كالح شرير. لقد جرت التجارب والاختراعات العلمية في خطين متضادين، خط يعمل للحياة، وخط يعمل للموت والتخريب، خط إنساني نبيل، وخط همجي شرس.

إن ما تحقق لحد الآن من تقدم في ميدان الكشف والعلاج، وتخفيف معاناة المرضى، والتغلب على بعض الأوبئة،والبحوث الواعدة للتغلب على أمراض ماتزال تقاوم، ولكن الضوء يتبين أكثر فأكثر مبشرا بقرب تجاوز نفق الجهل المظلم والعجز المستسلم، هي مكاسب للبشرية وآمال سعد العالمبتحققها ، وفتح لكتاب جديد من الثقة في المستقبل. وكذلك ماتم في ميادين الاتصال والنقل، وما اكتشف من الفضاء الخارجي. نعم لم يعد الإنتاج مرتبطا بالمجهود العضلي والفكريالبشري ، بل إن الآلة المعتمدة على البرمجة الإلكترونية أخذت مكانها، لتقدم للإنسان مايلبي كثيرا من حاجاته ورغباته مع السرعة والدقة، مع انخفاض التكاليف.

هذاهو الوجه الذي ينوه به دعاة العولمة ويقدمونه على أن العالم يودع كل يوم بهذه المكاسب الحرمان والبؤس.

ولكن الوجه الآخر المعتم على شراسته وقبحه ولا إنسانيته ،مما يتحتم رفع الغطاء عنه وكشفه رفعا للمغالطات حتى يكون العالم يقظا لما يراد به.

إني لا أهدف إلى تتبع كل قبائح العولمة ومفاسدها، فذلك أمر فوق طاقة فرد واحد،ولكني ألفت النظر إلى بعض مظاهر التطبيق العملي للعولمة.

ففي ميدان العلاج، هو ميدان الشركات العملاقة في الأدوية، والتي لا تقدر إلا ما يدره عليها الدواء منأرباح، تسعره كما تشاء لتمتص إلى الإفلاس مدخرات المرضى والمكروبين، ولا يثور لهم ضمير إذا مات مئات الآلاف من الذين لا تمكنهم قدراتهم المالية من الاستمرار على تناولما يمسكونه من أدوية. مع أن ثمنها لو بيع بربح معقول لتمكن كل المرضى من علاج أمراضهم . ولأنقذوا حياة الملايين من المصابين مثلا بمرض نقص المناعة المكتسبة.

وفوقهذا بلاء وعداء للإنسانية، ماتقوم به شركات إنتاج السلاح وتطويره بما يزيد فتكا بالبشرية ، وتخريبا لأنسجة الجسم، وتشويها للأحياء وللأجيال القادمة.

أسوق لذلكمثالين:

أ) اليورانيوم المنضد (U.A) مشتق من نتاج الوقود المخصب للمفاعلات النووية. ويدخل في صنع الأسلحة كالقنابل المضادة للدبابات، وفي القنابل والذائفوالصواريخ.

وبما أنه أثقل من الصلب فإن القذائف التي تحتوي عليه تكون قادرة على خرق أقوى الدبابات المصفحة صلابة. ولكنه مع فاعليته القتالية يحتوي على ضرر كبيرهو أنه (مشع) واليورانيوم كجميع المعادن الثقيلة، هو مادة كيميائية سامة. ففي الوقت الذي يتصل بالهدف ، ينتشر اليورانيوم المنضد على شكل ضباب لطيف كجزيئات يمكن أنيستنشقها الإنسان أو أن تسري إلى أجهزته الداخلية ثم تختزن في الرئتين ، أو في الكلي أو في باقي أجهزة الجسم. وهذا مايمكن أن يولد سرطان الرئتين أو العظام، وأمراض الكلى،أو تشوهات جينية، وأنواعا عديدة من المشاكل الصحية العويصة. كما يمكن أن تدخل شظية من القذيفة في داخل الإنسان، ويبقى مشعا في جسمه. وقد أكد فيزيائي نووي أن ذراتاليورانيوم المنضد المفرغة في الجو بعد الارتطام أو بعد التفرقع يمكن أن تنتشر على مساحة أربعين كيلومتراً. وكشفت دراسة (لجمعية عملية عاصفة الصحراء) أن من بين - 1051- منجنود حرب الكويت الذين أصيبوا بأمراض غامضة، 82% منهم دخلوا في السيارات التي غنمت والتي كانت أهدافا للقذائف المشحونة باليورانيوم المنضد، وما كان لهؤلاء أي علم عن بقاءفاعلية اليورانيوم ولا عن أخطاره(12).

ب) القنابل العنقودية : وهي قنابل يلقى بها من الجو فتنحل كل واحدة منها إثر ذلك إلى مائتي قنبلة في حجم فراخ البط صفراء ، ثم إنكل قنبلة تنفجر، لتنبعث منها مئات السهام المسننة التي تغطي مساحات كبيرة بحكم اندفاعها بسرعة فائقة. والفعالية القتالية لكل سهم تصل إلى خرق دبابة فضلا عن لحم الإنسانوعظامه. والخطر العظيم هو أنه يبقى عدد غير قليل من هذه القنيبلات سالمة تنتظر من يقترب منها فيحركها لتنفجر عليه. ونظراً لصغر حجمها فهي تصل إلى الأماكن الخفية فيالحدائق وزوايا ساحات المدارس، وتغري بلونها وصغر حجمها الأطفال. ولوصف أثرها يقول أحد أطباء العظام في كوسوفو: (ما شاهدت ولا شاهد أحد من زملائي جراحات مفجعة كالجراحاتالتي أحدثتها القنابل العنقودية. إن آثارها في غالب الأحوال هو العجز. تكون الأعضاء مطحونة بشكل لا يمكن لنا إلا أن نبترها. إنه فظيع! (13).

وأما في ميدان الفضاءالذي انطلقت منه الأقمار الصناعية تخترق الحدود وتنتقل الأخبار، وتمكن من المعرفة بأيسر طريق وأخصره، فإن الغاية منه لا تخرج عن الهيمنة ، وإن حصل من ذلك بعض المكاسب فهيحادثة بالعرض.

يقول كيث. ر. هيل الكاتب العام للقوة الجوية الفضائية للولايات المتحدة الأمريكية: فيما يخص السيطرة الفضائية ، قد تحصلنا عليها ، ونحن مرتبطون بها، وإننا محتفظون بها. ويقول: الجنرال جوزاف أشي القائد الأعلى للقوات في الفضاء: في يوم من الأيام سنهاجم أهدافا في الأرض - البواخر، الطائرات ، وأهدافا فوق الأرض - منالفضاء وسنقاتل في الفضاء ، وسنقاتل من الفضاء، وسنقاتل داخل الفضاء(14).

والأمم المتحدة قد قررت منذ 1963: أن على الدول جميعها أن لا تدخل للفضاء الكوني أسلحة نوويةولا أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، أو أن تركز أي نوع من هذه الأسلحة على الأجرام السماوية، أو أن تثبت في الفضاء شيئاً من ذلك بأي طريقة كانت(15) ولكن قائدة العولمة تسخرمن تلكم القرارات هذه هي العولمة في ميدان العلوم مزاياها ومضارها، والأهداف التي يسعى إليها أصحابها.

أما العالمية التي أجعلها المعادل للعولمة فإن العلم يضبطشؤونه ثلاث آيات من كتاب الله . ويوضح تطبيقاتها آيات عديدة في القرآن وعمل الرسول (ص) وما اهتدى به المسلمون فعملوا عليه، عندما ساروا بالعلم أشواطا، وبلغوا ما بلغوه مماهو بإجماع المنصفين قاعدة انطلقت منها وبنت عليها الحضارة الغربية في شقها المعرفي. وهذه الآيات هي:

ولا تقف ماليس لك به علم(16) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا(17)وقل رب زدني علما(18) .

الآية الأولى: تتوجه إلى كل فرد بذاته أن لا يتبع إلا ما ثبت علميا صدقه. والخلافة التي هي شرف كل فرد، والتي تحمل بها مسؤولية إعمار هذا الكونتقتضي منه أن يربط تصرفه بالعلم. وكل ما ينفيه العلم لا يعول عليه المؤمن استجابة لمقتضى أمر ربه من ناحية، وجريا على ما يوجبه ما ميزه الله به من عقل. فانهدم بذلك كل طريقغير طريق العلم في الإثبات أو النفي، وبالتالي يسقط اعتماد ماهو مهدوم ومهزوم من الأوهام، أو الظنون التي لم ترق إلى مرتبتها بالعقل. فانحصرت الإمامة في العلم في حياةالمؤمنين . وأنها قاعدة نجاح الإنسان عموما أما الآية الثانية فإنها تتوجه إلى مجموع المخاطبين أينما كانوا وحيثما حلوا لتذكرهم بحقيقة كثيرا ما تقع الغفلة عنها، وخاصةعندما يبلغ فرد من سعة العلم وجودة الذهن مبلغا كبيرا، فيظن أنه عالم كبير جدا، وأن حظه من العلم الحظ الموفور العظيم، أو عندما تنتشر المعرفة وتتابع آثارها في شعب منالشعوب، فيتملكه العجب ويظن أنه قد استحوذ على العلم من أطرافه ويزهو بمكتسباته، فتذكره الآية بقاعدة هي حقيقة التقدير لعلم البشر - أنه كلما اتسع وتعمق هو بعيد عنالكمال بعيد جدا عن الإحاطة -الآية الثالثة: وقل رب زدني علما فهي التي تفتح أمام البشرية الآفاق لمواصلة السعي لتحصيل المعرفة. إن سعة الآفاق العلمية ، والكم الهائل الذيلا يحد الإنسان حدوده من المجهول، ومحدودية العقل البشري ، ومحدودية عمره، يدعو الإسلام البشر في كتابه القرآن أن لا يهولهم هذا التحدي ، وأن عليهم أن يتدرعوا بالإيمان،بأن يوفقهم الله في جهادهم العلمي إلى الظفر بالحقيقة العلمية.

وبهذا يتبين الفرق بين العولمة التي لا تفتح للعالم من مكتشفاتها العلمية إلا ما تجاوزه الزمن ،ولا تمحض علمها للنفع العام، ولا ترعى للحياة البشرية بصفة عامة قيمة، والقيم التي توجهها وتحد لها حدودها لا تخرج عن الهيمنة والثروة، وبين العالمية الإسلامية التي وضحمن مبانيها ونصوصها أنها الخير للعالم كله مؤمنه وكافرة.


2) العولمة الثقافية:

إن الذي يمهد لنجاح فرض الهيمنة، ويروض على قبولها، ويفرغ الإنسانمن مقوماته وخصائصه هو العولمة الثقافية. لقد قام فرنسيس فوكويا ما الياباني الأصل الأميركي الجنسية مقدما للعولمة الثقافية لما قال: لقد انتهى التاريخ من حيث أنه لم يعديوجد هناك مجال لمعارك إيديولوجية كبيرة. إن الليبرالية الديمقراطية لم تنتصر فقط، ولكن ببساطة هي الوجود. وهي كل مايمكن أن يكون موجودا. فواقعيا لم يبق هناك مجال للنقاشحول الأصوليات. لقد تحقق مادعاه كوجيف (الدولة العالمية المنسجمة) وهي الليبرالية الديمقراطية . ولانتصارها سببان . الأول هو أن تطور العلوم وقدرتنا المتزايدة للسيطرةعلى الطبيعة، تعني أن المجتمعات المؤثرة تقنيا تسيطر على المجتمعات غير المؤثرة. إن جانبا من تقنية السيطرة على الطبيعة تكمن في التنظيم الجدي (فالسوق، والمؤسسةالرأسمالية، والوسيط الرأسمالي) أثبتت كلها أنها عوامل فاعلة في التنظيم. وينتهي إلى أنه إذا لم تكن هناك مشاريع جديرة بأن نخاطر بحياتنا من أجلها في عملية البحث عنالاعتراف بالخصوصية الذاتية، فإن أبرزما في الحياة الإنسانية يكون قد تم، وهو ما يعنيه بنهاية التاريخ. وقد ثار حول ماقدمه من تصور جدل كبير، مما اضطره إلى تصحيح مايقصد، أو تعديله على الأصح. فقد كتب أنه لا يعني أنه النمط الليبرالي الديمقراطي قد انتصر وانتهى الأمر، ولكنه يعني أنه باندحار الإيديولوجية الشيوعية الروسية، لم يبقفي الساحة العالمية من قدّم نفسه كصاحب إيديولوجية عالمية، تقوم على التعميم، ويمكن أن تؤثر في المتلقين لأطروحاتها. وناقش الذين اعترضوا عليه بأن الصراع لم ينته وأنهيوجد في العالم إيديولوجيات يمكنها أن تأخذها مكانها في الساحة العالمية ليمتد الصراع. رد هذا بأمرين أولهما: أن ماتقوم عليه الحضارة اليوم هو مركب من أمرين الشعوربالمساواة وثانيهما الدمقراطية. على معنى أن الضمير العالمي قد تطور خلال العشرين قرنا الماضية، فانغرس في الضمير الحديث الديمقراطية المساواتية. فهي مكسب دائم أصبحجزءا من طبيعتنا الأساسية كحاجتنا للنوم أو خوفنا من الموت.

ورد ما اعترض به عليه من وجود إيديولوجيات يمكن أن تأخذ زمام القيادة فناقش وضع كل واحدة منها. ويرى أنالأصولية الإسلامية لايمكنها أن تنافس التحررية حتى في بلدان العالم الإسلامي، كما أنها انتصرت عليه في أقطار أخرى، وليست له جاذبية خارج المجموعات التي كانت إسلامية،وهو لا يهدد التحررية الغربية إلا في بعض الدول التي تضم مهاجرين لم ينسجموا مع التحررية. والتفسير الذي ربما يكون معقولا لقوة الأصولية يكمن في أنه يمثل ردة الفعل ضدالجاذبية القوية التي تمارسها التحررية على العالم الإسلامي لما التقيا أول مرة(19).

إن هذا التحليل يمثل التصور الذي اطمأنت إليه الديمقراطية التحررية التيتقودها أميركا. فالعالم الإسلامي قد انتهت مقاومته، ولم يعد يمثل منهجا يمكن أن يؤثر في العالم. وإذا كان كذلك فإن التأثير فيه تأثير يصبح به نسخة من النموذج الأميركي فيتصوره وقيمه وعلاقاته الاجتماعية، هو الذي يمكن للسيطرة الأميركية من التحكم فيما تزخر به أراضيه من ثروات. إنه مادام العالم الإسلامي متشبثا بعاداته وتقاليده، وبنمطترابطه الاجتماعي فإنه يمثل شيئا مغايراً لنمط العولمة التي لا تتحقق إلا بصياغة كل الشعوب في القالب المهيمن زعيم العولمة. ففتحت منافذ التغيير في القيم تحت غطاءالحرية، وكان أهم ما عقدت له المؤتمرات قضايا الأسرة التي تمثل العمود الفقري للترابط الاجتماعي. فتحت غطاء حقوق المرأة وحريتها على أن ينحل نسيج الارتباط بين الزوجين،لينتقل رباط السكن واعتبار كل من الزوجين لباسا لصاحبه، إلى رابطة عقدية فاقدة لروحها . ثم اعتبار الغريزة الجنسية حقا للإنسان له أن يشبعه على الطريقة التي يرضاها معشريكه اتحد الجنس أو اختلف.

واستشرى بواسطة أجهزة الإعلام تحويل المجتمعات إلى مجتمعات تمحض كل همها إلى الاستهلاك. وإلى اللهث وراء الجديد في اللباس والمراكبوالزينة على الطريقة الأميركية. وبما للدولة الزعيمة من القدرات المالية الكبرى، و لقيام الإشهار على دراسات علمية ونفسية ، وبما حصل ويحصل لها تبعا لذلك من قوة مؤثرة فيأذواق وميول الواقعين تحت سلطانها، فإن المآل هو مسخهم وتحويلهم - بعد اقتلاع جذورهم - عبيداً لما يقذف به في السوق، ونفسية العبيد لاتقاوم . ويصحب ذلك أن الهمم تنحرف عنالكمالات إلى تحقيق الرغبات بكل طريقة، ولو على حساب الأمانة والعفاف، وينتشر الفساد والرشوة ومايصحب ذلك من انهيار اقتصادي واجتماعي، وبالتالي قبول الظلم والتسلطوالفقر والمهانة كما يقول أپو الطيب:


ما لجرح بميت إيلام

إن الهيمنة الثقافية كانت هي التي أثارت تحفظ الدول الغربية التي تجري في نسق حضاريواحد مع الولايات المتحدة الأميركية، رغم أن كل عضو من أعضائها قد تنازل عن بعض لوازم السيادة لتحقيق الوحدة الأوروبية، ولكنها أمام الغزو الثقافي الأميركي وقفت تبغيالمحافظة على هوياتها وشعرت بالخطر الذي يذوبها ويقطعها عن جذورها.


العالمية الإسلامية:

الإسلام يبقي بل يحترم الخصوصيات الثقافية مالم تعتدعلى الأصول بالتحريف أو الهدم. لقد دخل في دين الله أفواج من الصين شرقا إلى الأندلس غربا، وما قضى الإسلام على المقومات الثقافية لأي مجتمع من المجتمعات، وماكان يقدمنمطا جاهزا يحمل عليه الداخلين فيه.

العالمية الإسلامية بين المبادئ والواقع

سارت المبادئ الإسلامية مشرقة، يشع بريقها، ويتوهج نورها، تهدي العالمينإلى التي هي أقوم، رابطة بين الدنيا والآخرة .

هي في هدايتها العقدية والتشريعية والفكرية والعملية، منسجمة مع الفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها.وكلما دخلت عوامل الانحراف إلى اختيارات الإنسان تعكس مسار فطرته، وتشوه صورته فَتـُدَسّيها، وتلويه عن التسامي فيهوي إلى المنازل الهابطة، يوقظه الهدي الإسلامي ليربطبينه وبين مقتضيات فطرته، فيجد في ذلك الطريق الأوفق بالطبيعة التي خلقه الله عليها في الحاضر والمآل. ويفوز بالأمن الراضي الذي يعطي للحياة معناها(20).

إن تفريغالعالم من القيم المنسجمة مع الفطرة قد كان باب تعاسة له، كالغريق الموغل في لجج البحر يدفعه تيار عنيف إلى المحيط، وهو يظن أنه يقترب من شاطئ النجاة. غرق العالم فيالانحلال الخلقي، وقامت عصابات المخدرات والجنس، والإرهاب، والسطو على بيوت المال. وفي كل يوم نشرات عن الفساد الذي انحدر إليه كثير من أصحاب السلطة في البلدان القياديةللعولمة. كل ذلك يرفع الإعلان: إن هزيمة العولمة آتية لا ريب فيها، لأنها قامت على عكس الفطرة واعتمدت العنف. وأنها آيلة إلى ماآلت إليه سابقاتها من الحضارات.

نعمإن للقوة المادية، التي تقوم عليها والتي تطورت إلى حد بعيد، صولة وهيجانا، ودويا صاخبا، وهجمة شرسة على مكاسب العالم من المعرفة، ومما أودعه الله فيه من خيرات، ولكنتآكلها من ذاتها بما تزرعه كل يوم في داخل كيانها من قوى الفساد سينخرها نخرا تتهاوى به كالجليد عند ما تذيبه إشراقة وقوة أشعة الشمس. والشمس الساطعة ليست إلا الإسلام؛الدين الذي يقوم على الفضيلة ، ويقرر أن العزة الحق ليس لها طريق إلا طريق واحد هو صراطه المستقيم (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما)(21) ولله العزة ولرسولهوللمؤمنين(22).

ليتمكن الإسلام من تحقيق العالمية يتحتم.

أولا: تغيير مناهجنا من التلقين إلى تحريك العقول لتنفذ إلى الأسرار. ومن عزل علوم الدين عن علومالدنيا إلى الوصل بينهما. وأن لا تقل عنايتنا بتربية العقول عن تربية ال سلوك وتهذيب النفس.

ثانياً: الإصلاح الاجتماعي المبني على تربية الأجيال على حب العدلوالتزامه مما تذوب معه الأنانية الطاغية، حتى يستحي الفرد من الظلم ويمقته في أصغر الأشياء وأعظمها على السواء. ويشمل ذلك الأسرة في حقوق الذكر والأنثى والوالدينوالأولاد والزوج والزوجة. ويشمل ذلك أيضا العلاقات الاجتماعية في المدينة والدولة والملك العام والملك الخاص. لقد تكرر الأمر في القرآن بالعدل وتكرر النهي عن الظلم. وقديخيل لبعض الناس أنه ظلم الحاكم أو رجل القضاء. وهو فهم ساذج. فالله يقول: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى(23).

ويقول رسول الله(ص) أعطواالطريق حقه(24) فالعدل لا يتبع عواطف الحب ولا البغض، والطريق ككل المصالح العامة التي ينتفع بها المواطن يحتم على المستفيد أن لا يظلم فيتجاوز حقه في الاستفادة.

ينوه معظم المفكرين والكتاب بالديمقراطية ، ويعتبرونها السبيل الوحيدة للحق والرفاه. والديمقراطية لها أشكالها المتعددة، بل إن شكل الديمقراطية في البلد الواحد يتطورتطورا كبيرا تكاد معظم ملامحه تتغير مع التقدم الزمني، ولو قارنت أوضاعه الحاضرة مع أوضاعه السابقة لانكشف لك فيه من النقائص والظلم الشيء الكثير. أما إذا نظرت فيتطبيقاته في العلاقات الدولية وجدته لا يختلف عن بقية الأنظمة. يقول الكاتب جوهيا مورافشيك: إن الديمقراطية الحديثة ولدت سنة 1776، في شعب الولايات المتحدة الأميركيةالحر. ولم يكن تعداد السكان يبلغ مليونين. ولم يكن كل المواطنين يتمتعون بحق الانتخاب، ففي بعض الولايات لا ينتخب إلا الرجال، وفي بعضها لا يتمتع بحق الانتخاب إلا من يملكضيعة، ويقول إنه بواسطة انتصارات حركات الدفاع عن الحقوق المدنية سنة 1960 أمكن رأب الشرخ فتمكنت النساء والأقليات بعد الكفاح القوي من المساواة في الحقوق المدنية(25).


فالملونون في الولايات المتحدة ماكان لأولادهم أن يتعلموا في مدارس البيض. وليس لهم حق في الانتخابات إلى سنة 1960.

أما في العلاقات الدولية فإن الاستعمار لمينتشر في العالم إلا عندما أخذت أوروبا بالديمقراطية . والهيمنة القاسية، واستلاب حق الشعوب، والمأساة الإنسانية في فلسطين كلها بغطاء الديمقراطية.

إن العالمالإسلامي لو قدم مثالا للعالم على التزامه بالعدالة واحترامه لها لكان ذلك من أهم العوامل المحققة لعالمية الإسلام . وإن أعظم ما ينفر من الإسلام ، وما يطعن به خصومه فيه،هو الصورة الواقعية للمسلمين الذين بتوالي قبولهم للمظالم المتنوعة هانت نفوسهم، وابتعدوا عن مقاعد العزة. يقول المتنبي:


مالجرح بميت إيلام من يهنيسهل الهوان عليه

ثالثاً التعاون الصادق

لقد قرر القرآن أننا أمة واحدة، وأن رابطة المؤمن بغيره هي رابطة الأخوة، ولا أريد أن أسرد الأدلة فهي معلومة،ضروري معرفتها من أعداء الإسلام وخصومه فضلا عن معتنقيه.

أنا لا أدعو إلى أن تكون الأمة الإسلامية دولة وعلما واحدا على تباعد أقطارها، واختلاف أوطانهاوثقافاتها ولغاتها. فهذا أمر خيالي وتصور بعيد أن يبرز إلى التطبيق الواقعي. والإسلام دين واقعي منهجيا وفلسفيا. ولكن أقول إن واجب الحكومات والقيادات في العالمالإسلامي أن يكون من ثوابتها التي لا تقبل الاجتهاد ولا التأويل ولا الاسترخاص، أن تكون علاقة كل شعب ببقية الشعوب علاقة تكامل في جميع الميادين الاقتصادية والعلميةوالثقافية والعسكرية والدفاعية. يد على من سواهم.

إن عالمية الإسلام تقتضي منا أن يضع أهل الذكر حكماء العالم الإسلامي ميثاقا لعلاقة شعوب العالم الإسلامي يدرسفي جميع مراحل التعليم، ويقرر كبنود في مقدمة الدساتير، وتخصص له الندوات الفكرية، ويقسم كل ولي أمر على احترامه أمام شعبه وأمام العالم. وينتخب مجلس تمثل فيه جميع دولهيقوم على حراسة تطبيقه.




1- ألقيت في المؤتمر السادس عشر للوحدة الاسلامية الذي عقده المجمع العالمي للتقريب بين المذاهبالاسلامية في طهران في 15 ربيع الاول 1424هـ - المصادف 17 ايار 2003م.

2- التحرير والتنوير ج17 ص 170/ 171 بتصرف.

3- في ظلال القرآن ج 17، ص 26/64 بتصرف.

4- الإسلاموالتفاعلات المعاصرة بحث د. محمد بدر المنياوي مجمع الفقه الاسلامي الدورة الرابعة عشرة.

5- غسان الغزي في جذور العولمة ص 46.

6- ظاهرة العولمة كتاب الأمة ص86.

7- سورة النمل آية 79 .

8- سورة النور آية 54 .

9- سورة الملك آية 15.

10- سورة المزمل آية 20 .

11- القواعد ج 2، ص 257.

12 - Bill Mesler ThePentagon,s Radioactve Bullet The Nation 12\10\66.p12\13

13- الدولة الفاسقة ص 140 \ 141 L Etat Voyou

14- نفس المصدر ص 56 / 57 .

15- الدولة الفاسقة ص 140 / 141 L Etat Voyou

16- سورةالإسراء آية 36.

17- سورة الإسراء آية 85.

18- سورة طه آية 114.

19- مجلة الحوار الأميركية العدد الثالث لسنة 90 ، ص 12/ 13 بتصرف Dialogue

20- العالميةوالعولمة بحث آية الله الشيخ محمد علي التسخيري مجمع الفقه الإسلامي الدورة 14.

21- سورة الأنعام آية 161 .

22- سورة المنافقون آية 8 .

23- سورة المائدةآية 8 .

24- فتح الباري ج 13، ص 247.

25- مجلة الحوار العدد 4/ 1991 ص 21/24 Dialogue.Joshua.Muravchik


/ 1