تحریر و التنویر من التفسیر جلد 16

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تحریر و التنویر من التفسیر - جلد 16

محمد الطاهر ابن عاشور

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


صفحة : 3750
والدأب: العادة والعمل الذي يدأب عليه
عامله، أي يلازمه ويكرره، وتقدم في قوله
تعالى )كدأب آل فرعون( في أول آل عمران
وانتصب )مثل دأب قوم نوح( على عطف البيان من
)مثل يوم الأحزاب( ولما كان بيانا له كان ما
يضافان إليه متحدا لا محالة فصار الأحزاب
و الدأب في معنى واحد وإنما يتم ذلك بتقدير
مضاف متحد فيهما، فالتقدير: مثل يوم جزاء
الأحزاب. مثل يوم جزاء دأب قوم نوح وعاد
وثمود، أي جزاء عملهم. ودأبهم الذي
اشتركوا فيه هو الإشراك بالله.
وهذا يقتضي أن القبط كانوا على علم بما حل
بقوم نوح وعاد وثمود، فأما قوم نوح فكان
طوفانهم مشهورا، وأما عاد وثمود فلقرب
بلادهم من البلاد المصرية وكان عظيما لا
يخفى على مجاوريهم.
وجملة )وما الله يريد ظلما للعباد(
معترضة، والواو اعتراضية وهي اعتراض بين
كلامية المتعاطفين، أي أخاف عليكم جزاء
عادلا من الله وهو جزاء الإشراك.
والظلم يطلق على الشرك )إن الشرك لظلم
عظيم(، ويطلق على المعاملة بغير الحق، وقد
جمع قوله )وما الله يريد ظلما للعباد( نفي
الظلم بمعنييه على طريقة استعمال المشترك
في معنييه.
وكذلك فعل يريد يطلق بمعنى المشيئة كقوله
)ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج(، ويطلق
بمعنى المحبة كقوله )ما أريد منهم من رزق(،
فلما وقع فعل الإرادة في حيز النفي اقتضى
عموم نفي الإرادة بمعنييها على طريقة
استعمال المشترك في معنييه، فالله تعالى
لا يحب صدور ظلم من عباده ولا يشاء أن يظلم
عباده. وأول المعنيين في الإرادة وفي
الظلم أعلق بمقام الإنذار، والمعنى
الثاني تابع للأول لأنه يدل على أن الله
تعالى لا يترك عقاب أهل الشرك لأنه عدل،
لأن التوعد بالعقاب على الشرك والظلم أقوى
الأسباب في إقلاع الناس عنه، وصدق الوعيد
من متممات ذلك مع كونه مقتضى الحكمة
لإقامة العدل.
وتقديم اسم )الله( على الخبر الفعلي
لإفادة قصر مدلول المسند على المسند إليه،
وإذ كان المسند واقعا في سياق النفي كان
المعنى: قصر نفي إرادة الظلم على الله
تعالى قصر قلب، أي الله لا يريد ظلما
للعباد بل غيره يريدونه لهم وهم قادة
الشرك وأئمته إذ يدعونهم إليه ويزعمون أن
الله أمرهم به قال تعالى )وإذا فعلوا فاحشة
قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها
قل إن الله لا يأمر بالفحشاء(.
هذا على المعنى الأول للظلم، وأما على
المعنى الثاني فالمعنى: ما الله يريد أن
يظلم عباده ولكنهم يظلمون أنفسهم باتباع
أئمتهم على غير بصيرة كقوله تعالى )إن الله
لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم
يظلمون( وبظلمهم دعاتهم وأئمتهم كما قال
تعالى )وما زادوهم غير تتبيب(، فلم يخرج
تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في
سياق النفي في هذه الآية عن مهيع استعماله
في إفادة قصر المسند على المسند إليه
فتأمله.
)ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد[32]يوم
تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن
يضلل الله فما له من هاد[33]( أعقب تخويفهم
بعقاب الدنيا الذي حل مثله بقوم نوح وعاد
وثمود والذين من بعدهم بأن خوفهم وأنذرهم
عذاب الآخرة عاطفا جملته على جملة عذاب
الدنيا.
وأقحم بين حرف العطف والمعطوف نداء قومه
للغرض الذي تقدم آنفا.
و)يوم التنادي( يوم الحساب والحشر، سمي
)يوم التنادي( لأن الخلق يتنادون يومئذ:
فمن مستشفع، ومن متضرع، ومن مسلم ومهنئ،
ومن موبخ، ومن معتذر، ومن آمر، ومن معلن
بالطاعة، قال تعالى )يوم يناديهم(، )أولئك
ينادون من مكان بعيد(، )ونادى أصحاب الجنة
أصحاب النار(، )ونادى أصحاب النار أصحاب
الجنة(، )يوم ندعوا كل أناس بإمامهم(، )دعوا
هنالك ثبورا(، )يوم يدعوا الداعي إلى شيء
نكر( ونحو ذلك.
ومن بديع البلاغة ذكر هذا الوصف لليوم في
هذا المقام ليذكرهم أنه في موقفه بينهم
يناديهم ب)يا قوم( ناصحا ومريدا خلاصهم من
كل نداء مفزع يوم القيامة، وتأهيلهم لكل
نداء سار فيه.

/ 262