بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید د. عبد الملك مرتاض التحليل السيمّائيّ للخطاب الشعريّ [تحليل بالإجراء المستوياتيّ لقصيدة شناشيل ابنة الحلبيّ] مدخل النص الأدبيّ بما هو حقل للقراءة إن من المكابرة الزّعمَ أنّ المعاصرين اليوم، وحدهم، هم الذين اهتدّوُا السبيلَ إلى إشكالية القراءة السّيمائية بكل إنجازاتها اللسانياتيّة، وبتعدّد حقول تأويلاتها المستكشَفة، والتي ليس لآفاقها حدود. لقد اجتهد كثير من محلّلي النصوص من العرب القدماء في أن يركضوا في بعض مضطربات التأويلية التي هي فرع من فروع السيمائية؛ وذلك على الرغم من أن هذه الأعمال التحليلية التي اتخذت لها التأويلية إجراء كانت تُعنَى، خصوصاً، بتعددية القراءة على أساس من تأويل المعنى اللغويّ، أو على أساس من تخريج القراءة النحوية؛ إلاّ أن ذلك لم يمنع من وجود ملامح ترقى إلى ما فوق ذلك هنا وهناك... كما أنّ تطوير الكتابات التأويليّة ـ التفسير الذي ينهض على تأويلية الإجراء ـ التي وقعت من حول نصّ القرآن العظيم أفضت إلى تطوير سيمائية التأويل، والوثب بها إلى أبعد التصوّرات العقلية والجمالية والدلالية التي لا حدود لها. وأيّاً كان هذا الذي يأتي إلى نص أدبيّ ما فيكتب من حوله تحليلاً، فإنه لا يُفلت من صنف القرّاء، كما أن مسعاه لا يفلت من مفهوم القراءة. بيد أن هذه القراءة تختلف اختلافاً بعيداً بين محلل ومحلل من وجهة، ودارس ودارس من وجهة ثانية، وبين قارئ عاديّ وقارئ محترف آخر من وجهة أخرى؛ مما يجعل من مفهوم القراءة إشكالية لسانياتية سيمائيّة نقدية جميعاً. فالنقد قراءة؛ مجرد قراءة شخص محترف لنص أدبيّ ما. والأدوات التي يصطنعها في فهم هذا النص، أو قراءته، أي تمثّل تأويله على نحو ما؛ هي التي تحدد معالم التحليل الذي ينشأ عن مسعاه الأدبي. وفي كلّ الأطوار يعسر على أيّ قارئ محترف (لنقل: ناقد) أن يأتي إلى نصّ فيقبل عليه بأدوات أحادية المنظور، أحادية التقنيات. ولأوضّح ما أريد قوله أكثر: إنّ من السذاجة أن نزعم أننا نبلُغ من النص الذي نودّ قراءته منتهاه إذا وقفنا، من حولـه، مسعانا على منظور نفسانيّ فحسب، أو منظور بِنَويّ فحسب، مثلاً... من أجل ذلك تجنح التيارات النقدية المعاصرة إلى ما يُطْلَق عليه في اللغة النقدية الجديدة: "التركيب المنهجي"؛ وذلك لدى إرادة قراءة نص أدبيّ ما، مع الاجتهاد في تجنيس التركيبات المنهجية حتى لا يقع السقوط في التلفيقية. وقد كنا ألفينا بعض المفكرين الغربيين، وخصوصاً قولدمان، حاول المزاوجة بين النزعتين البنوية والاجتماعية بتحويلهما إلى تركيبة منهجية، بل معرفية أيضاً، جديدة هي "البَنويّة التكوينية". وكأنه إنما رمى من وراء ذلك إلى إنقاذ البِنَوية (ونحن لا نقول "البنْيويّة" لأنها محض لحن) والاجتماعية معاً؛ ذلك بأن البنوية وحدها من حيث نزعة شكلانية خالصة تغتدي هشّة فِجّة؛ بسقوطها في الميكانيكية الشكلية التي تجرد الأدب من وظيفته الاجتماعيّة، وفعاليته الإنسانية، وتأثيره الجماليّ؛ وتجعل منه مجرد صدى فارغ لعمل اللغة من حيث هي كائن خارج إطار التاريخ. ولا يقال إلا نحو ذلك في المنهج الاجتماعيّ التقليديّ الذي كان يصرّ على عدّ المضمون هو أساس الإبداع، وهو العلة في إيجاده، والذريعة في كتابته؛ إذ لا شيءَ أخطل من هذا الاتجاه الذي ينفي عن الأدب جماليته، ويجنح به نحو الإدْيولوجيا المقيتة الخالصة... وقد دأبنا نحن في تعاملنا مع النصوص الأدبية التي تناولناها بالقراءة التحليلية على السعي إلى المزاوجة، أو المثالثة، أو المرابعة، وربما المُخامسة بين طائفة من المستويات باصطناع القراءة المركّبة التي لا تجتزئ بإجراء أحاديّ في تحليل النصّ؛ لأنّ مثل ذلك الإجراء مهما كان كاملاً دقيقاً؛ فلن يبغي من النص المحلِّل كلّ ما فيه من مركّبات لسانيّة