يمكن اعطاء المفهوم الصحيح للتشيّع بالعبارة التالية:
إنّ التشيّع هو المدرسة التي تبنَّت زعامة أهل البيت (ع) فكرياً وسياسياً، ومن زاوية تأريخية هو الحركة التي ناضلت من أجل هذه الزعامة بوصفها القيادة الإسلامية الصادقة والمستوعبة، وبوصف اهل البيت (ع) الممثّلون الحقيقيون للإسلام.
فقد افترق المسلمون بعد عصر الرسول (ص) إلى اتجاهين:
الاتجاه الموالي فكرياً وسياسياً لأهل البيت (ع);
والاتجاه الذي لا يحمل هذا الولاء، ولا يعترف بالقيمومة المطلقة لمدرسة أهل البيت، وقد أخذت أصول هذا الاتجاه الثاني تتكامل بالتدريج، حتّى كان القرن الثاني فتكاملت أصوله، ومثلَّث مدرسة متكاملة يمكن أن نعطيها ـ من حيث جوهر افتراقها عن مدرسة أهل البيت ـ عنوان مدرسة الصحابة.
والتشيع هو الذي يمثل الاتجاه الأول سواء في مجال الفكر أو السياسة، فالائمة من أهل البيت (ع) هم القيّمون على الرسالة وعلى مسيرتها.
الصفحة 8
غير أن هناك تصوراً شائعاً يقول: إنّ التشيّع ذو منطلق سياسي خالص.
والتشيع في بدايته التأريخية رأى في مسألة سياسية محضة يتلخص بالأيمان بأحقية علي بن أبي طالب (ع) بالحكم.
فهو إذن سياسي النشأة، ومن هنا تعتبر كل المواقف والتصورات الفكرية التي احتواها التشيع فيما بعد دخائل واعراض على جوهر التشيع، التشيع ـ في منطق هذا القول ـ لا يمثل مدرسة فكرية أصيلة، وإنّما الظروف والأحداث، وطبيعة الوضع السياسي هي التي أملت على العقلية الشيعية من الأفكار والتصورات ما يناسب تلك المرحلة، ويتلائم مع طبيعة الوضع السياسي، وبتراكم هذه التصورات، وضَمّ بعضها إلى بعض، استطاع التشيع أن يكوّن له استقلالية فكريّة.
انّ مفهوم العصمة، ومفهوم التقية، ومفهوم الغَيبة، ومفاهيم أخرى التزم بها الشيعة لم تكن الاّ ردود افعال تعكس صورة الظروف الحرجة والرهيبة التي عاشها الشيعة وجملة منها افكار مستوردة من اتجاهات اُخرى غير اسلامية!! وهذا المجموع الخليط هو الذي كوّن التشيع في جانبه الاعتقادي الفكري. أما بالأساس فليس التشيع سوى موقف سياسي وإنّما " تكوّنت هذه العقائد في ظل إظطهاد سياسي وفكري "(1).
وما يهمنا في هذا التصور سؤالان:
أولا: هل صحيح ان التشيّع سياسي النشأة؟
ثانياً: وهل صحيح ان التأخر الزمني لظهور جملة من الأفكار والتصورات دليل على عدم اصالة المذهب، وعلى عدم وجود وحدة مدرسيّة متكاملة ومتناسقة مع أصولها لديه!