" أيتها الأمة المتحيّرة بعد نبيّها أما لو قدَّمتم من قدّم الله، وأخَّرتم من أخَّر الله، وأقررتم الولاية والوراثةَ في اهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ".
ما معنى الاختيار الالهي الذي أشار له ابن عباس؟
وما معنى التقديم الالهي الذي ذكره ابوذر إذا كانت دعوتهم رأياً شخصياً؟
إنّ الاختيار الالهي هو الذي نطق عنه الرسول (ص) حينما استخلف علياً وهو الذي كان يقصده الشيعة. وكان سلمان الفارسي يقول:
" بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له "(2).
وكان ابو سعيد الخدري يقول: " أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة. ولما سئل عن الأربع، قال: الصلاة والزكاة والصوم والحج. فقيل: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب "(3).
وهناك محاورة فيها تصريح بفكرة النص، جرت بين عمر وابن عباس.
لقد سأله عمر يوماً عن علي،
____________
1- عبد الله بن سبأ: 76.
2- خطط الشام.
3- بحار الانوار: ج 43.
الصفحة 20
هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قال: نعم.
قال: أيزعم انّ رسول الله نصَّ عليه؟
قال ابن عباس: قلت: وأزيدك، سألت ابي عمّا يدعي ـ من نص رسول الله عليه بالخلافة ـ فقال: صدق، فقال عمر: كان من رسول الله في أمر ذرو، من قول لا يثبت حجة، ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعته من ذلك(1).
إذن فالقضية قضية نص، واستخلاف، هكذا كان يطرحها علي والعباس وسائر رجال الشيعة. وهكذا فهمت عنهم حتّى أن عمر يسأل: أيزعم ان رسول الله (ص) نصَّ عليه؟! وانه ليعلم بهذا الزعم!
وحتّى الذين امتنعوا عن بيعة أبي بكر من غير قريش، والذين رفضوا اعطاء الزكاة الاّ لعليّ، هؤلاء أيضاً كانوا ينطلقون من فكرة النص عليه بالخلافة من قبل رسول الله (ص).
ففي حوار طويل جرى بين مبعوث الخليفة وبين الحارث ـ من سادات بني ذهل ـ فسمع عبد الله بن عجرفة وهو يرد على مبعوث الخليفة حينما دعاه لبيعة أبي بكر من حيث قد اختاره المهاجرون والانصار.
قال عبد الله (وما المهاجرون والانصار بأنظر لهذه الأمة من نبيّها محمد (ص) وآله)(2).
فاختيار المهاجرين والأنصار لا يقدّم على اختيار الرسول (ص) وما هم أحقّ منه بالاختيار ولا أعرف، وقد اختار (ص) علياً للخلافة كما أن كثيراً جداً من
____________
1- المراجعات: المراجعة 106.
2- بن سبأ، 2: 294، عن معجم البلدان مادة حضرموت.
الصفحة 21
النصوص ورد فيها التعبير بـ (الوصي) و (ولي العهد) على ألسنة رجال الحركة وخطبائهم