بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين. وبعد: فهذه الدروس التي تلقيتها من أعلام النجف، حين ما اقصيت مع الوالد - مد ظله - من تركيا إليه، ولجهات مختلفة كنت أحضرها جميعا، وأضبطها مع ما أرى فيها من القصور والفتور: الدرس الاول ما ألقاه السيد الشاهرودي حول جريان الاصول في أطراف العلم الاجمالي والذي ظهر لي منه: هو أن الاصول العملية لا تجري، لا لما قيل من لزوم المخالفة العملية، بل لاجل المناقضة في الجعل، لان الاصلين مجعولان عرضا وجمعا، لا طولا أو تدريجا، وعند ذلك تلزم المناقضة بين العلم الاجمالي ومفادها. نعم، إذا كان الاصل من قبيل الاصول اللبية أو اللفظية غير المتكفلة للجمع في الجعل، فإنه - حينئذ - لا يلزم الاشكال المزبور، ومن تلك الاصول الاستصحاب. وتوهم الفرق بين الدليل المتكفل للاصل الذي يكون من قبيل العمومات، وبين ما هو من قبيل المطلقات، في غير مقامه، لان مقدمات الحكمة تقوم مقام ألفاظ العموم على ما تقرر في محله. ثم تعرض لمثال في المسألة، وهو المثل المعروف المشهور بينهم وهو: أنه لو خرج البلل المشتبه المردد بين البول والمني، ولم تكن الحالة السابقة معلومة، فإنه لا تجري أصالة عدم البولية، لعدم الاثر لها، ضرورة أن البول مع احتمال الحدث الاكبر، مشكوك الاثر، بخلاف المني، فإنه مع احتمال الحدث الاصغر ذو أثر، كما لا يخفى. وفيما ذكره - مع أنه ببيان مني - مجال للنظر، فإن الاصول تجري في أطراف العلم الاجمالي حتى الاستصحاب، وقد تقرر منا جواز ارتكاب مجموع الاطراف تدريجا، لتقدم أدلة الاصول على أدلة الاحكام الواقعية - ملاكا وخطابا ولحاظا - على ما تقرر منا (1). هذا، وما توهم من الجمع في الجعل، غير تام، ضرورة أن القوانين الكلية تكون من القضايا الحقيقية في الاعتبار، وتنحل حسب صغرياتها، فلا يكون جعل مستقل في عرض الجعل الاخر، بل جعل واحد على عنوان كلى، ينحل حسب المصاديق الطولية والعرضية، الجمعية والتدريجية، فكل واحد من الترخيصين، لا يلاحظ عند الترخيص الاخر حتى يتوهم التنافي. مع أنه لو سلمنا ذلك فالاختلاف في العنوانين يكفي، لان محرمية 1 ـ تحريرات في الاصول 6: 185 وما بعدها. الخمر لا تنافي محللية مشكوك الخمرية بما هو مشكوك، من غير دخالة الخمر الواقعي في الترخيص. والتفصيل في مقام آخر (1)، وهذا هو التحقيق لاجراء الاستصحاب والاصول المحرزة في أطراف العلم. وما قاله سيدنا الاستاذ - مد ظله -: من عدم جريان أصالة عدم البول، لتقومها بعدم الجنابة في الاثر في بعض صور المسألة، إن كان يرجع إلى نفي جريانها فهو ممنوع، لان العلم بعدم الاثر غير حاصل، واحتمال الاثر لا يورث عدم الجريان ثبوتا وإن لا يثمر جريانها إثباتا. وأما التفصيل في المسألة فيعرف من الكتب الفرعية الاستدلالية، وربما تبلغ الصور إلى أزيد من أربع صور، كما لا يخفى. 1 ـ نفس المصدر. الدرس الثاني ما ألقاه الوالد - مد ظله - حول التمسك بحديث السلطنة لتصحيح المعاطاة وهو: أن التمسك بعموم قوله: الناس مسلطون على أموالهم (1) لاجل تصحيح المعاطاة غير تام، لان غاية ما يمكن أن يقال تحريرا: هو أن مقتضى إطلاق السلطنة على الاموال سراية الحكم إلى الملازمات واللوازم العرفية، وعلى هذا يكون جعل السلطنة ملازما للحكم التكليفي والترخيص الوضعي، وهو جواز التصرفات تكليفا ووضعا، أي نفوذ النقل والانتقال الملازم لانفاذ الاسباب والعقود، ونفي صحة المعاطاة ينافي دعوى إطلاق قاعدة السلطنة. 1 ـ عوالي اللالي 1: 222 / 99، و 2: 138 / 383، بحار الانوار 2: 272. وإن شئت قلت: القاعدة تورث السلطنة لكل أحد على كل أمواله سلطنة مطلقة، ومقتضى