تعدد المذاهب، والتقریب ، و الوحدة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تعدد المذاهب، والتقریب ، و الوحدة الاسلامیة - نسخه متنی

محمد علی التسخیری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تعدد المذاهب، والتقريب ، والوحدة الاسلامية

أ. الشيخ محمد علي التسخيري

الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد النبي الامين وآله الطاهرينوصحبه الكرام وبعد،

نشوء المذاهب الاسلامية

من الواضح انه لم يكن هناك شديد حاجة للاجتهاد في عصر الرسول(ص) بعد ان كانت الاحكام والمفاهيم توخذمباشرة منه، وربما اجتهد بعض الصحابة فاقرهم الرسول على ذلك(1).

وكان الاختلاف بسيطا، وعندما اتسعت الرقعة الاسلامية نزلت آية النفر التي قررت واقعا، وشرّعتاساسا للاجتهاد وحجية خبر الواحد فقال تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهميحذرون) (2).

ولكن وتيرة الاجتهاد ارتفعت بطبيعة الحال بعد وفاة الرسول(ص)، وهكذا استمرت بشكل اشد في عصر التابعين، الا ان المذاهب لم تظهر بشكل واضح محدد المعالمالا بعد هذا العصر.

ويرى الاستاذ السياس ان العالم الاسلامي شهد منذ اوائل القرن الثاني وحتى منتصف القرن الرابع 138 مدرسة ومذهبا فقهيا، حتى ان الكثير من البلدانكان يمتلك مذهبا خاصا به(3) ، في حين ذكر الاستاذ اسد حيدر انها كانت تزيد على الخمسين(4).

وكانت هذه المذاهب التي ظهرت بعد طبقة التابعين كما يرى بعض العلماء مذاهبفردية لم تتبن من قبل اتباع اصحابها، ولذلك انقرضت بانقراض اتباعها، واخرى جماعية نضجت في ظل ما دونه اصحابها واتباعهم في مجموعات متكاملة. (5)

ومنالمذاهب البائدة.

1 ــ مذهب الحسن البصري (23 ــ 110هـ).

2 ــ مذهب ابن ابي ليلى (74 ــ 148هـ).

3 ــ مذهب الاوزاعي (88 ــ157 هـ).

4 ــ مذهب سفيان الثوري(97 ــ 161هـ).

5 ــ مذهب الليث بن سعد (توفي عام 175هـ).

6 ــ مذهب ابراهيم بن خالد الكلبي (توفي عام 240هـ).

7 ــ مذهب ابن حزم داوود بن علي الاصبهانيالظاهري (202ــ270هـ).

8 ــ مذهب محمد بن جرير الطبري (224ــ 310هـ).

9 ــ مذهب سليمان بن مهران الاعمش (توفي عام 148هـ).

10 ــ مذهب عامر بن شرحبيل الشعبي(توفي عام 105هـ).

وغيرهم كثير.

اما المذاهب التي استمرت مع الزمن وحتى اليوم فهي:

1 _ المذهب الامامي الاثنا عشري وقد وسع معارفه الامامالباقر والامام الصادق من اهل البيت(ع).

2 _ المذهب الزيدي.

3 _ المذهب الحنفي.

4 _ المذهب الشافعي.

5 _ المذهب المالكي.

6 _ المذهبالحنبلي

7 _ المذهب الاباضي.

ولسنا في صدد البحث عن مقدمات نشوء المذاهب ولا عن عوامل الانقراض او الانتشار، وهي عوامل علمية وشخصية وعوامل سياسيةواجتماعية وغير ذلك، الا ان الاهم من ذلك في بحثنا هذا هو ذكر النقاط التالية:

اولا : لقد كان ظهور المذاهب تعبيرا عن تطور في العقلية الاسلامية سدا لفراغ غيابالرسول الاعظم(ص) وانقطاع الوحي من جهة، وتوسع الحاجات، وكثرة الحوادث، وتعقد المجتمعات من جهة اخرى، وربما لتراكم المعارف الفقهية وانطراح الفروع المتصورة من جهةثالثة. فهي اذن حالة طبيعية صحية حضارية.

ثانيا: وهذه المذاهب تشكل ثروة فكرية غنية للحضارة الاسلامية لايستهان بها ، كما تمنح الحاكم الاسلامي كما الفرد المسلممساحة للاختيار الافضل في مجال عملية تطبيق الشريعة في الحياة الفردية (خصوصا اذا لم يتعين تقليد الاعلم) والاجتماعية؛ باعتبار ان الرأي الذي ينتج عن عملية اسلاميةمعترف بها وهي الاجتهاد تصح نسبته الى الاسلام، وحينئذ ينفتح امام الحاكم الشرعي مجال واسع للمناورة وانتخاب الاصلح من الآراء مما يحقق المصالح (حتى لو لم يتفق الحاكم معالرأي في اجتهاده الشخصي) بل يمكنه ان يقوم بعملية توفيق وتركيب بين الآراء للوصول الى النظرية والمذهب الاجتماعي الاصلح؛ مما يعبر اصدق تعبير عن المرونة الاسلامية. (6)

ثالثا: هذه المذاهب _ كما قلنا _ شكلت غنى للحياة الاسلامية وحالة طبيعية كان الوصول اليها متوقعا، الا ان الذي حول هذه الظاهرة الطبيعية الى ظاهرة سلبية على المسيرةالاسلامية هو ما نسميه بالتحول الى الطائفية الضيقة، حيث سعت هذه الروح الطائفية للابتعاد عن الحوار الذي دعا اليه القرآن الكريم، ونسيان حالة التسامح والمداراةالاسلامية، والخوض في جدال عقيم في بعض الاحيان وممقوت اخلاقيا. ورحنا نشهد فترات مريعة واساليب لا اسلامية من التكفير والتفسيق والتبديع _ كما يعبر الشيخ القرضاوي(7) مماادى بعد ذلك الى نزاع عريض، سالت على اثره انهار من الدماء والدموع، مما مزق الامة وازالها عن موقعها الحضاري المطلوب. (8)

ومن هنا فنحن ندعو بجد لاعادة الحالةالمذهبية الى وضعها الطبيعي عبر اشاعة روح الحوار الاسلامي البناء، والتآلف القلبي، والبحث عن المساحات المشتركة، وهو ما نعبر عنه بـ(حركة التقريب بين المذاهبالاسلامية).

حركة التقريب بين المذاهب الاسلامية

ان ما اطلق عليه اسم (حركة التقريب) في العقود الاخيرة يمتلك جذورا تمتد الى اقدم العصورالاسلامية، لانها تستمد اصالتها وحيويتها من اصول الشريعة الغراء، وتتوضح ضرورتها كلما اتسع نطاق مسؤولية هذه الامة في صنع الحضارة الانسانية، او الاسهام الفاعل فيهاعلى الاقل .

لقد وضع علماء وشخصيات كبيرة في اواخر الاربعينات من القرن الميلادي الماضي اللبنات الاولى لهذه الحركة المباركة، وجاهدوا حقاً في تبيين معالمها،وكتبوا العديد من المقالات لترسيخها في النفوس ، بعد ان اصّلوها وبينوا جذورها الشرعية وضرورتها المتنامية.

ونحن سعداء حقاً اذ نجد هذه البذرة قد نمت وتحولت الىشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها.

الاسـس

اننا نعتقد ان الايمان بمسألة (التقريب) يتأتى بكل منطقية اذالاحظنا الاسس التالية، التي تؤمن بها كل المذاهب الاسلامية دون استثناء وهي:

اولا: الايمان باصول الاسلام العقائدية الكبرى وهي: التوحيد الالهي (في الذاتوالصفات والفعل والعبادة) وبالنبوة الخاتمة لرسول الله(ص) والقرآن الكريم الذي جاء به ومافيه ، والمعاد يوم القيامة .

ثانياً: الالتزام الكامل بكل ضرورياتالاسلام واركانه من الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.

ثالثاً: الالتزام الكامل بان الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة هما المصدران الاساسيان لمعرفة رايالاسلام في شتى الامور: المفاهيم (عن الكون والحياة والانسان: ماضيه وحاضره ومستقبله في الحياتين)، والاحكام والشريعة التي تنظم حياته وسلوكه الفردي والاجتماعي. اماالاصول والمصادر الاخرى كالعقل والقياس والاجماع وامثالها فهي لا تملك اية حجية الا اذا استندت الى ذينك المصدرين الكريمين واستمدت مصدريتها منهما.

فاذا ثبتعدم الاستناد في الاصل اليهما فضلا عما اذا ثبتت مخالفة الرأي او المنقول عنهم للكتاب والسنة فانهما يرفضان لامحالة.

وقد صرح ائمة المذاهب جميعا بهذه الحقيقةبوضوح وانهم يستقون من هذين المصدرين لاغير.

فقد وردت روايات كثيرة عن اهل البيت(ع) تؤكد ذلك من قبيل قول الامام الصادق:

(كل شيء مردود الى الكتاب والسنة)(9).

ويقول الامام مالك بن انس:

'انما انا بشر اصيب واخطىء فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة'(10).

ويصرح الشافعي بما يقرب من هذا. (11)

رابعاً: الالتزام بان الاسلام سمح لعملية الاجتهاد باعتبارها عملية (پذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي من مصادره) ان تكون هي الموصلة لمعرفة الاسلام. كما انها تلعبدورها في تأكيد مرونة الشريعة وقدرتها على استيعاب التطورات الحياتية طبقاً لمعايير وضوابط معينة. وهذا يعني بالضرورة امكان ايجاد الصلة بين مختلف النتائج التي ادىاليها الاجتهاد، وبين الاسلام حتى لوكانت مختلفة ومتضادة فيما بينها، وذلك لاختلاف الافهام وزوايا النظر والقناعات (وهو مايدرس في العلوم الاسلامية تحت عنوان: اسبابالخلاف).

واننا نرى ان الاسلام اذ سمح بذلك فلانه دين واقعي فطري فلا طريق لمعرفة اية شريعة ممتدة على مدى العصور ينقطع وحيها ويموت معصومها الا طريق الاجتهاد،رغم ان هذا الطريق يبتلى احياناً بالذاتية، ويفرز اراء متخالفة قد لا يطابق بعضها واقع المراد الاسلامي في علم الله تعالى.

كما اننا نجد ان هذا الاسلوب المنطقييعم استنباط كل الامور كالعقائد، والمفاهيم (وهي تصورات تقوم على اساس العقائد من جهة، وتتصل بالواقع مباشرة من جهة اخرى . من قبيل مفهوم الخلافة الانسانية لله تعالى)والاحكام بل وحتى المواقف الاسلامية من بعض القوانين الطبيعية.

خامساً: ان مبدأ (الوحدة الاسلامية) يعبر عن خصيصة مهمة من خصائص هذه الامة المباركة، وبدونها لايمكن لها ان تدعي اكتمال هويتها. وقد وضع الاسلام خطة متكاملة لتحقيق هذه الوحدة، بانياً لها على اساس الاعتصام بحبل الله المتين (وهو كل سبيل معصوم يوصل الى الله)ومؤكداً على وحدة الاصل والخلق ووحدة الهدف ووحدة الشريعة والمسير، داعيا اياها للدخول المجموعي في اطار التسليم الكامل لله، ونفي خطوات الشيطان، ومذكراً بآثارالوحدة، وغارساً الاخلاقية وعناصر التضحية بالمصالح الضيقة في سبيل الهدف العام، حاذفا كل المعايير الممزقة كاللغة والقومية والوطن والعشيرة واللون، مركزاً علىالمعايير الانسانية كالعلم والتقوى والجهاد، ومؤكدا على لزوم تحري نقاط اللقاء وداعيا الى استخدام المنطق السليم؛ منطق الحوار الهادئ الموضوعي، الى ما هنالك من عناصرآثرنا الا نذكرها ولا نستشهد لها لوضوحها ولئلا يطول بنا المقام.

ان الايمان بهذا المبدأ له مقتضياته التي سنشير اليها ان شاء الله تعالى فيما بعد ولكنه يعد منركائز حركة التقريب.

سادساً: مبدأ الاخوة الاسلامية: وهو جزء من الخطة التي اشرنا اليها اعلاه ولكنا، آثرنا التركيز عليه لانه اهم جزء، ولانه ينظم مجمل العلاقاتالاجتماعية في الاسلام، ولاننا نعتقد ان آثاره لا تقتصر على الجوانب الاخلاقية فحسب بل تتعداها الى الجوانب التشريعية، وتترك أثرها الكامل على عملية الاجتهاد نفسها،لكي لا نشهد في هذه الساحة احكاما تتناقض معه.

هذه الاسس الستة هي اهم مايمكن ان تبتني عليه حركة التقريب فيكاد التصديق بالاسس يؤدي بشكل منطقي عفوي للايمان بهذهالحركة.

ومن هنا فنحن نعتقد ان التقريب لا يقتصر على الجوانب الاخلاقية او الجوانب الشعارية، ولا يتحدد بالجوانب التشريعية ايضا، بل يعبرها الى مختلف الجوانبالفكرية والحضارية. وينبغي ان تشترك فيه كل النخب المفكرة الفقهية والفكرية، بل يجب بشكل كامل وربما بشكل اولى ان تعبر النخبة الى الجماهير، فيبدأ تثقيفها بثقافةالتقريب. لأن الاسلام ان كان يسمح بالاختلاف الفكري غير المخرب والطبيعي فانه لا يسمح مطلقا بأدنى خلاف في الموقف العملي من القضايا المصيرية الداخلية والخارجية، ولذلكيعتبر الراد على الحاكم الشرعي (وهو الجهة التي يفترض بها ان تكون الموحدة للموقف العملي للامة) راداً على الله بعد ان اقترنت طاعته بطاعة الله ورسوله.

المبادئ والقيم التي ينبغي ان يلتزم بها التقريبيون

وبناء على تلك الاسس وتبعاً لما أعلنه العلماء والدعاة التقريبيون، فاننا ندعو للقيم التالية، معتبريناياها خطوطا عامة للسياسات التي ينبغي ان يراعيها الخط التقريبي ليحقق اهدافه المرجوة:

الاول: التعاون في ما اتفقنا عليه

والمتفق عليه في مختلفالمجالات كثير جدا. فللمذاهب الاسلامية مساحات مشتركة كثيرة سواء كانت في الاصول العقائدية او في المجالات التشريعية (والتي يصل بها بعض العلماء الى اكثر من 90% من المساحةالعامة) او في المجالات الاخلاقية؛ حيث التوافق يكاد يكون كاملاً، وكذلك في مجال المفاهيم والثقافة الاسلامية، وحتى في المسيرة التاريخية والحضارية، طبعا في مفاصلهاالرئيسية، رغم الاختلاف في تقييم المواقف المعينة. اما المواقف العملية فهم يتفقون جميعا على لزوم توحيدها عبر التكاتف والتكافل الاجتماعي، وعبر وحدة القرارالاجتماعي، الذي تتكفله جهة ولاة الامور الشرعيين. ولاريب ان التعاون في المشتركات الفكرية يعني التعاضد في تركيزها في الاذهان، وتجنب كل مايؤدي الى نقضها، وبالتالي تعميقها في مجمل المسيرة. اما التعاون في المجالات المرتبطة بالسلوك الفردي والاجتماعي والحضاري فواضح، وتنضوي تحته المجالات الحياتية المختلفة، من قبيل:

تطبيق الشريعة الاسلامية، تعظيم الشعائر الالهية كالجمعة والحج، وتحقيق خصائص الامة الاسلامية كالوحدة وهكذا.

وهنا نشير الى ان حركة التقريب يجب ان تبذل قصارىجهدها لاكتشاف المساحات المشتركة هذه، وتوعية الجماهير واحيانا نضطر الى توعية النخبة ايضا بها ، كما نعمل على توسعة نطاق هذا الجانب المشترك عبر الاشارة مثلا الى كونالنزاع والخلاف لفظياً لا جوهريا، او عبر التوعية باسلوب ثالث يشترك في، المختلفات.

الثاني: التعذير عند الاختلاف

فمادمنا نؤمن بانفتاح بابالاجتهاد، وهي الحالة الطبيعية التي لا يمكن اغلاقها بقرار، ومادامت اسباب اختلاف النتائج الاجتهادية قائمة وطبيعية، فمعنى ذلك الرضا باختلاف الآراء والفتاوى، ومنالجدير بالذكر هنا اننا لا نجد نهياً اسلامياً عن الاختلاف في الاراء، وانما ينصب النهي على التنازع العملي المذهب للقوة، والتفرق في الدين، والتحزب الممزق وامثال ذلك.وهذا يعبر عن عقلانية الاسلام ومنطقيته.

وعليه فيجب ان يوطن الفرد المسلم عالماً او متعلماً، مجتهداً كان او مقلداً على تحمل حالة المخالفة في الرأي وعدم اللجوءالى اساليب التهويل والتسقيط وامثالها. وحينئذ يكون الخلاف اخوياً وودياً (لا يفسد للود قضية).

ونشير هنا الى ورود نصوص كثيرة تدعو المؤمن للصبر والمداراة وسعةالصدر، ويمكن عكسها على واقعنا الحالي. ونحن نذكر هنا هذا النص عن الامام الصادق(عليه السلام) حيث جرى ذكر قوم فقال الراوي: انا لنبرأ منهم، انهم لا يقولون مانقول، فقالالامام: يتولّونا ولا يقولون ماتقولون، تبرأون منهم؟ قلت: نعم قال: هو ذا عندنا ماليس عندكم فينبغي لنا ان نبرأ منكم - الى ان قال - فتولوهم ولا تبرأوا منهم: ان من المسلمينمن له سهم، ومنهم من له سهمان .... فليس ينبغي ان يحمل صاحب السهم على ماعليه صاحب السهمين...'(12).

وتعامل أئمة المذاهب فيما بينهم مثال رائع على هذه الحقيقة. وسيطولبنا الحديث لو تعرضنا لما يرويه التاريخ عن ذلك(13).

كما اننا نجد هؤلاء الامة لايسدون باب الاجتهاد على غيرهم بل يحرّمون اتباع رأيهم لو ثبت لدى احدٍ دليل علىخلافه.

وسنكتفي بذكر الاقوال التالية:

عن الامام مالك بن انس:

'انما انا بشر اصيب واخطىء فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة'

ويقولالامام الشافعي:

'اذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط'.

ويقول الامام ابو حنيفة:

'هذا رأيي وهذا احسن ما رأيت فمن جاء برايٍغير هذا قبلناه ، حرام على من لم يعرف دليلي ان يفتي بكلامي'.

ويقول الامام احمد بن حنبل:

'من ضيق علم الرجال ان يقلدوا الرجال'.

وهذا بالضبط ما اكدعليه العلماء الكبار بعد ذلك. (14)

الثالث: تجنب التكفير والتفسيق والاتهام بالابتداع

ونحن نعتبر مسألة التكفير من المصائب التي ابتلي بها تاريخنا فرغمالنصوص الشريفة التي تحدد المسلم من جهة وتمنع من التكفير للمسلم من جهة اخرى(15)، لاحظنا سريان هذه الحالة، التي حجرت على العقل اي ابداع او مخالفة، حتى اننا شاهدنا منيؤلف كتاباً ويرى ان مخالفة حرف واحد فيه تؤدي الى الكفر وهذا امر غريب(16).

ومن هنا فنحن ندعو الى التحول بالمسألة من (الايمان والكفر) الى مرحلة (الصواب والخطأ)متحلين في ذلك بروح القرآن التي تدعو الى الموضوعية، حتى في النقاش مع الكفار الحقيقيين، حينما يخاطب الرسول ان يقول لهم (وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين) (17).

الرابع: عدم المؤاخذة بلوازم الرأي

من المنطقي ان يحاسب الانسان على رأيه، ويناقش بكل دقة واناة. الا اننا اعتدنا على مناقشات تبتني على لوازمالآراء، وبالتالي يأتي التكفير والاتهام بالابتداع في حين ان صاحب الراي قد لا يقبل تلك الملازمة. وكمثال على ذلك نجد البعض ممن يؤمنون بمسألة التحسين والتقبيح العقليينيصفون من لا يقبلون بهما بانه أمر يغلق باب الايمان بصدق النبي استنادا الى أن مايدفع احتمال كذب النبي الآتي بالمعجزة هو حكم العقل بقبح اجراء المعجزة على يد الكاذبعقلاً ، فاذا فرضنا عدم وجود اي تقبيح عقلي فمعنى ذلك اننا اغلقنا باب الايمان بالنبوة، وهكذا يقال بالنسبة لمسألة طاعة الله تعالى فان الملزم لنا باطاعته تعالى هو العقللاغير.

وعلى هذا الغرار نجد البعض الآخر يتهم القائلين بالتوسل، او الشفاعة، او القسم بغير الله بالشرك لانه لازم لهذا القول وهلم جرا.

ان المناقشةالعلمية الهادئة امرٌ مطلوب. ولسنا مع اغلاق باب البحث الكلامي مطلقا، بل المنطق يقتضي فتحه، ولكننا ندعو للمناقشة المنطقية، فلا ننسب للآخر مالم يلتزم به، ومادام لايؤمن بالملازمة بين رايه والراي الآخر فاننا نلتمس له العذر. وبهذا نستطيع ان نغلق بابا واسعا من الاتهامات الممزقة .

الخامس: التعامل باحترام عندالحوار

ذلك اننا نعلم ان الحوار هو المنطق الانساني السليم في نقل الفكر الى الآخرين، وان القرآن الكريم طرح نظرية رائعة للحوار المطلوب تناولت مقدمات الحواروظروفه واهدافه ولغته بشكل لا مثيل له، وكان مما تناوله مسألة الاستماع للآراء واتباع احسنها، ومسألة عدم التجريح، حتى ان الآية الشريفة تقول: (قل لا تسألون عما اجرمناولا نسأل عما تعملون) (18)، في مجال توجيه حوار الرسول مع غير المؤمنين بالاسلام وابعاده عن مسألة اثارة حزازات الماضي والاتهامات المتبادلة فيه والتوجه لمنطقية الحوارنفسه، وهي تراعي حتى التعبير فلم تقل ولا نسأل عما تجرمون ، احتراما للطرف الآخر، مع ان السياق اللفظي كان يتناسب معه. فكيف بنا ونحن نتحاور كمسلمين متفقين على المبادئالتي اشرنا اليها في اشارتنا لأسس عملية التقريب.

هذا وقد جاء في الحديث: (بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم).(19)

السادس: تجنب الاساءةلمقدسات الآخرين

والحقيقة هي ان هذا الامر يتبع المبدأ السابق بل هو في الواقع اولى منه، لأنه يخلق جواً عاطفيا معاكساً، ويفقد الحوار توازنه المطلوب. وقد رايناالقرآن ينهى عن هذه الحالة فيقول تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل امة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون)(20).بهذه الروح الانسانية يوجه الله(تعالى) المؤمنين في تعاملهم بعد ان يوضح لهم وظائفهم الدعوية لا التحميلية وفرض الراي على الآخرين حتى لو كانوا مشركين (ولو شاء الله مااشركوا و ما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل) (21).

والنصوص الاسلامية في النهي عن السب واللعن معروفة. فاذا كان هذا هو الحال مع المشركين ، فكيف يكون الامروالحال ان المفروض هو الحوار بين مسلمين اخوين يعملان لهدف واحد ، ويشعر كل منهما بالام الآخر وآماله فان الموقف لا يتحمل مطلقاً احتمال الاهانة ، وخصوصاً للأمور التييؤمن الآخر بقدسيتها لا رتباطها بمعتقداته الاصيلة.

السابع: الحرية في اختيار المذهب

ذلك اننا بعد ان اعتبرنا المذاهب نتيجة اجتهادات سمح بهاالاسلام، علينا ان نعدها سبلاً مطروحة للايصال الى مرضاة الله تعالى. وحين تختلف فان من الطبيعي ان يدرس المسلم هذه المذاهب وينتخب الافضل منها وفق معاييره التي يؤمنبها، والتي يشخص من خلالها انه ابرأ ذمته امام الله وادى امانته وعهده. وحينئذ فليس لأحد ان يلومه على اختياره، حتى ولو لم يرتح لهذا الاختيار. كما أنه لا معنى لاجبار احدعلى اختيار مذهب ما ، لأن ذلك مما يرتبط بالقناعات الايمانية ، وهي امر لا يمكن الوصول اليه الا بالدليل والبرهان.

وهنا أؤكد ان لكل مذهب الحق في توضيح آرائهودعمها دونما تعد على الآخرين او تهويل او تجريح ، فلا ندعو الى اغلاق باب البحث المنطقي السليم في العقيدة او الفقه او التاريخ ، وانما نرفض محاولات الاستغلال السيء،والاستضعاف ، والجدال العقيم، وفرض الراي وامثال ذلك.

ونحن نعتقد ان ماجرى من تعد خلال تاريخنا الطويل ناشيء من عدم الالتزام بقواعد الحوار المطلوبة، ونسيانحقيقة ان جميع المذاهب تعمل لاعلاء كلمة الاسلام وفق تصورها عن هذه الكلمة.

الاسس المشتركة في الثقافة عموماً

واذا كانت الاسس الماضية تؤديبطبعها للتقريب بين المذاهب الإسلامية فانها بطبعها ايضا تصوغ نفسية المسلمين جميعا وتشكل الارض المناسبة الواحدة لثقافتهم. ولذا لاتجد بين المسلمين - اينما كانواومهما اختلفت قومياتهم ومناطقهم وخلفياتهم التاريخية ولغاتهم وعاداتهم المحلية فرقا في الثقافة العامة.

ان الثقافة العامة يمكن تلخيصها - كما يقول المفكرالاسلامي (مالك بن نبي) في مطلع كتابه (مشكلة الثقافة) - بانها (لا تضم في مفهومها الافكار فحسب، وانما تضم اشياء اعم من ذلك كثيرا تخص اسلوب الحياة في مجتمع معين من ناحيةكما تخص السلوك الاجتماعي الذي يطبع تصرفات الفرد في ذلك المجتمع من ناحية اخرى).

ووفق هذا التصور نستطيع القول بان الثقافة هي (الفكر والعمل الفردي والاجتماعي)وهما امران يصوغهما الاسلام ويطبعهما بطابع عالمي انساني لا يتغير الا بتفاصيله. ومن هنا نجد:

اولا: ان الفكر الاسلامي اينما كان يتميز بالالهية والاتجاه نحوالله تعالى في كل الحالات، والتوكل عليه، واستمداد الهدى منه.

ثانيا: ان الحياة الفردية والاسرية والاجتماعية للمسلم تتشكل بمقتضى التعاليم القرآنية حتى انكلتجد المسلم العادي في مختلف احواله وبمستوى ثقافته يتمتم بالاية الكريمة او الحديث الشريف ليفسر وضعه الذي يعيشه من نعمة او بؤس او فرح او حزن.

ثالثاً: ان الحياةالتعبدية بالمعنى الخاص للعبادة واحدة في الشكل والمضمون واللغة - وان اختلفت اللهجات .

رابعاً: وحدة المشاعر والاحاسيس والعواطف تجاه المفاهيم والحوادث.

خامساً: وحدة الطرق العامة للعيش، المأكل والملبس والسلوك الفردي والاجتماعي، وان اختلفت التفاصيل.

سادساً: الشعور العام لدى المسلمين بالترابط الكونيوالتشريعي فالظلم نتيجته الانهيار الحضاري، والشكر نتيجته الرخاء والعزة مثلاً.

سابعاً: التوازن العام في الشخصية لدى المسلم فلا هو جبري، ولا هو تفويضي بل هويدرك - مهما كان ساذجاً - انه مسؤول عن مايفعل فهو حر، ولكنه يدرك ايضا دور الارادة الالهية في مسيرته العامة.

ثامناً: الايمان الفردي بالواجبات الاجتماعية تجاهالمسلمين جميعاً والايمان الاجتماعي تجاه كرامة الفرد وحديثه.

تاسعاً: الايمان بالفطرة الانسانية وتميز الانسان عن الحيوان والجمادات، مما ينتج مقولات انسانيةكالحق والخلق والعدالة ويفرزها عن الحياة الحيوانية.

وهكذا نستطيع ان نستمر في تعداد هذه المشتركات الثقافية. وليس ذلك الا لوحدة الاسس المعرفية لدى المسلمين.

فلنعمل على تقوية الاسس، وتوضيح ما ينبثق منها، وتركيزه في نفوس المسلمين. ولنوضح هذه الثقافة الانسانية للآخرين.

دور العلماء والمفكرين في عمليةالتقريب

لاشك ان العبء الاكبر من العملية يقع على عاتق هؤلاء في مجال التقريب، ذلك لأنهم من جهة ورثة الانبياء وحملة الدعوة وبناة الجيل، وهم من جهة آخرى اعلمبالاسس التي يعتمدها التقريب ، واكثر اثرا في توحيد الصفوف وتحقيق خصائص الامة.

واذا اردنا ان نقترح باختصار الادوار التي يجب ان يقوموا بها اقترحنا مايلي:

1- ضرورة التعمق في اسس هذه الحركة وقيمها، وتأصيلها في نفوسهم، وعكسها في بحوثهم ودراساتهم وكتاباتهم، بل واخذها بعين الاعتبار في استنباطاتهم الفقهية والفكريةوملاحظتها كأصل توجيهي ومصلحة مرسلة مهمة، تقدم في مجال التزاحم على الاحكام الاقل اهمية بمقتضى قواعد التزاحم المعروفة في اصول الفقه. ومن هنا فقد دعونا في بعضالمؤتمرات الدولية الى دعم حركة (التقريب الفقهي) ومحاولة التركيز على تقريب الاراء الفقهية، وكثيرا ما نجد ان بعض النزاعات الفقهية بعد التأمل فيها تحول الى خلافاتلفظية ناتجة عن اختلاف زوايا النظر او اختلاف في المصطلحات، كما نجد الامر كذلك في بعض البحوث الاصولية؛ كالبحث عن القياس احياناً والاستحسان وسد الذرائع وامثالها. وهواتجاه نلاحظه في بعض الكتب الاصولية من قبيل (اصول الفقه) للمرحوم العلامة الشيخ محمد رضا المظفر والمرحوم العلامة السيد محمد تقي الحكيم وقد وفقنا الله للتتلمذ علىيديهما.

وهنا لابد ان اشير الى كثير من الكتابات المغرقة في تعميق الخلاف واعطائه ابعاداً متخيلة توحي للقارئ ان اللقاء مستحيل، وان الخلاف يستشري في كلالمجالات ، بحيث لا معنى لتصور اية عملية تقريب بينها. واني لا ظن انها كتابات تجافي الحقيقة وتتناسى وحدة المنابع ووحدة الاساليب والملاكات ووحدة الهدف.

2- العملالمنسق على توعية الامة والانتقال بثقافة التقريب الى المستوى الجماهيري فلا يشعر الفرد المسلم تجاه الآخر الا بشعور الاخوة الصادقة والتعاون، رغم الاختلاف المذهبي،وتتسع الصدور للممارسات والتعددية المذهبية، وتنتفي المشاحنات العاطفية والترسبات التاريخية والموروثة التي خلفت وراءها صوراً لا تطاق دونما مبرر، فالاختلاف في حكمشرعي، والتفاوت في تقويم موقف تاريخي، والافتراق في سلوك اجتماعي: كلها امور يمكن تبريرها وتحملها مادامت في الدائرة االاسلامية العامة وناتجة من الاختلاف في الاجتهاد.

نعم اذا خرج السلوك في راي المجتهدين جميعا عن الدائرة تم العمل على نفيه بافضل اسلوب.

3- السعي المشترك المتظافر لاتخاذ المواقف الوحدوية النموذجية في كلالقضايا المصيرية من قبيل:

أ - تطبيق الشريعة الاسلامية.

ب - تحقيق نظام السيادة الشعبية في الاطار الديني.

حـ - مواجهة العدو وخططه في محو وجودالامة وهويتها.

د - صيانة وحدة الامة ونبذ التفرقة.

هـ - تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة.

4- تشجيع ايجاد المؤسسات التقريبية من قبيل:

أ- اقسام الدراسات التقريبية المقارنة.

ب - النوادي الاجتماعية المشتركة.

حـ - المعسكرات التقريبية في مختلف الشؤون.

د - ايجاد جماعات التقريبفي شتى اماكن تواجد المسلمين .

اما المراكز بل والحكومات الاسلامية فيمكنها ان تقوم بدور هام في هذا المجال من خلال تشجيع حركة التقريب واقامة المؤتمرات وتنفيذالمشروعات واعتماد الاعلام المسؤول، ونفي مظاهر التفرقة وعناصرها، ونشر ثقافة التسامح المذهبي وامثال ذلك.



1 - كما فيحديث معاذ عندما بعثه رسول الله (ص) الى اليمن وقال له: بما تقضي اذا لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله قال معاذ (اجتهد رايي ولا آلو) وان ناقش بعض العلماء في ذلك(راجع اصول المظفر ج 3 ص 166).

2 - التوبة 123 .

3 - تاريخ الفقه الاسلامي ص 86.

4 - الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج 1 ص 160.

5 - طبقات الفقهاء: القسمالثاني من المقدمة ص 57.

6 - وهذه بحوث علمية قمنا بطرحها في مجامع فقهية رفيعة المستوى ونشرناها من قبل ولاداعي هنا للتفصيل (تراجع تقريرات المؤلف عن بحوث مجمعالفقه الاسلامي وقد بلغت لحد الآن اربعة مجلدات).

7 - مجلة رسالة التقريب العدد 36 ص 210.

8 - راجع كتاب قصة الطوائف للانصاري ص 155 _ فما بعد.

9 - وسائلالشيعة ج 18 ص 79 وهناك الكثير مما يشابهه.

10 - جلاء العينين للآلوسي نقلا عن الشيخ ابن تيمية ص 107.

11 - جلاء العينين للآلوسي نقلا عن الشيخ ابن تيمية ص 107.

12 - وسائل الشيعة طبعة مؤسسة اهل البيت(ع) ج 16، ص 160 .

13 - يراجع بحث الشيخ واعظ زاده حول الموضوع في كتابه (دراسات وبحوث) ج 1 ، ص 545.

14 - وهناك الكثير منالاقوال نقلت في الكتب المتنوعة منها كتاب (جلاء العينين) للآلوسي ص 107 و (تلبيس ابليس) لابن الجوزي ومن الكتب المتاخرة (الامام الصادق والمذاهب الاربعة) ج 1 ص 175.

15 -يمكن مراجعة احاديث كتاب (الايمان) في الصحاح وكتب الحديث مثل (جامع الاصول) لابن الاثير الجزري الجزء الاول .

16 - الشواهد لدينا مسجلة ولا نرغب في عرضها .

17- سبا: 24 .

18 - سبأ: 25 .

19 - رواه مسلم عن ابي هريرة في حديث مطول.

20 - الانعام: 108 .

21 - الانعام: 107 .


/ 1