تعارف الحضارات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تعارف الحضارات - نسخه متنی

زکی المیلاد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تعارف الحضارات

الاستاذ زكي الميلاد(1)

الغرب على مشارف القرن الحادي والعشرين لم يعد يحتكرالحداثة والتقدم والحضارة، ولم تعد تجريته هي الوحيدة في هذا العالم، فلابدّ أن يعترف بالآخر ويحاوره، فماهو دور المسلمين في هذا الخضمّ الحضاري. هذا ما يريد الباحث أنيستقصيه، من خلال رؤية للواقع ورؤية للقرآن.

تمهيد: الحضارات في ظل ثورة المعلومات

في ظل تعاظم ثورة المعلومات، الحدث الأبرز ذوالمكّون الحضاري للعالم المعاصر، الثورة التي استطاعت أن تقرب المسافات البعيدة بين أطراف هذا الكوكب، وأن يتفوق عامل الزمان على عامل المكان، وأن يتقدم العلم علىالجغرافيا، التي فقدت الكثير من عناصر قوتها الأساسية، فلم يعد للبحار مثلاً، أو حتى الجبال، ذلك الأثر الهام حينما تكون فاصلاً وعازلاً بين مجتمع وآخر، وبين دولةوأخرى.

كما أن المكان لم يعد ذا أهمية كبيرة بالمقاييس الرياضية في جوانب الطول والعرض والمساحة والارتفاع. فقد بات بإمكان الإنسان أن ينتقل بين أطراف العالمالبعيدة في زمن قليل، وبـإمكان كل البشرية أن تعيش على وقع حدث، صغير أو كبير، وفي أي جانب كان، كما لو أنهم جميعاً يعيشون في مكان وزمان واحد.

فالوصفالذي لا يكاد يعترض عليه أحد اليوم هو أن العالم تحول إلى مايشبه بالقرية، لعمق ما حصل في العالم من تداخل وترابط شديدين، يزداد تعمقاً أكثر فأكثر، ونعيشه حسياًوحقيقياً. ثورة المعلومات هذه وتعاظمها، وما يتوقع لها من تطورات متواصلة ومتسارعة سوف يكون لها أكبر الأثر النوعي على أحداث العالم وتحولاته، وعلى بنيته الحضارية،وملامحه ومكوناته، والحقائق التي تتشكل حوله. لذلك فالحديث حول الحضارات في ظل ثورة المعلومات يختلف ويتجدد ويتعمق ، بعد الذي حصل في العالم من تداخل وترابط، يكادالمكان يضيق بهما. فالحضارات أخذت تتحسس نفسها في هذه المرحلة من التاريخ، أكثر من أية مرحلة مر بها التاريخ الإنساني، الإحساس الذي يتولد منه النظرة إلى الذات وإلىالآخر.

كما أن هذه الحضارات أخذت تشكل لنفسها منظوراً عالمياً، وتنظر إلى ما حولها بهذا المنظور، بعد أن أصبح الإحساس والتفكير بالعالم ممكناً وحاضراً، عنطريق الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت)، وقنوات البث الفضائي عبر الأقمار الصناعية، إلى غير ذلك من طرائق بعضها جاري العمل بها، وبعضها الآخر في طور الدراسة والبحثوالتجريب. وإن من الممكن أن يتطور ويتقدم هذا المنظور العالمي من خلال الاستفادة الجيدة من هذه الطرائق وما توفره من معلومات متدفقة، وأفكار حية. هذا الوضع أتاح للأمموالحضارات أن تقف بوعي أكبر على المشكلات والمعضلات ذات الطابع العالمي، والذي يتأثر منها المجتمع الإنساني كافة بتداعيات ومضاعفات متفاوتة في النسبة والتأثير، كمشكلةتلوث البيئة، ونقص المياه،وتدمير الطبيعة، والدفء الكوني، والأمراض الفتاكة، والتزايد السكاني، وتأثير التكنولوجيا والتقنية الحيوية إلى جانب مشكلات انتهاكات حقوقالإنسان، والفوارق الاجتماعية والتعدي على الحريات العامة إلى غير ذلك.

فتوسع إدراك العالم بهذه المشكلات المستعصية، يزيد في إدراكه للمخاطر التي ينتظر منحضارات العالم أن تسهم في رفعها ومعالجتها والتخفيف منها،واللقاء فيما بينها على مواجهة هذه المشكلات والمخاطر، من أجل أن يكون المستقبل مشرقاً للجميع.

فيهذه البيئة من الافكار والمعلومات والتحولات يتأكد الحديث عن العلاقات المفترضة بين الحضارات في هذا العالم، التي لازالت تحتفظ لنفسها بمقومات البقاء والاستعداد للنمووالنهوض.

وفي هذا السياق برزت بعض المقولات التي حاولت أن تقدم رؤية في تفسير حركة التحولات التي تجتاح العالم في مرحلة مابعد الحرب الباردة، وصياغة منظور فيالعلاقة بين الحضارات.. بعض هذه المقولات مزجت بين السياسة والثقافة في تكوين بنيتها الداخلية، وفي نظرتها للعالم الخارجي، وبعضها الآخر أخذت الطابع السياسي، أو هوالطابع الأبرز فيها.

من مقولات النوع الأول وأبرزها، تأتي مقولات 'نهاية التاريخ' و'صدام الحضارات' و'حوار الحضارات'. ومن مقولات النوع الثاني 'النظام العالميالجديد' و'عالم متعدد الأقطاب'. وقد استقطبت هذه المقولات اشتغالات على نطاق عالمي واسع، في ميادين الثقافة والسياسة والاقتصاد والإعلام، وهكذا في ميادين الفلسفة وعلمالأديان والتاريخ. الاشتغالات التي أكدت الطابع الجدلي لهذه المقولات، ولما لها من حساسية وتوجس.

سوف نهتم بمقولات النوع الأول، وبوجه خاص بمقولة 'صدامالحضارات' و'حوار الحضارات' بعدما حصل من تراجع وانكماش وارتداد لمقولة 'نهاية التاريخ'. الذي ضاعف الاهتمام العالمي بمقولات مثل 'صدام الحضارات' أو'حوار الحضارات' هوتنامي النقد تجاه الغرب، الذي سحر العالم بحضارته المادية، وتفوقه العلمي والصناعي لفترة من الزمن، هذا السحر والانبهار الذي أخذ يتقلص وينسحب، وما عاد الغرب اليوم فينظر الأمم والحضارات بذلك الأنموذج الأمثل لتقليده والاقتداء به، بعدما ظهرت عيوبه الفاضحة من داخل حضارته، وأنانيته المفرطة خارج حضارته.

فصورة الغرب أخذتتهتز في الخارج أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً بعدما أعادت بعض الأمم الثقة بقدرتها على صنع التقدم بعيداً عن تجربة الغرب، وأن تكتشف هذه الأمم لنفسها حداثتها ونفوذها إلىالعصر وخلق مكانتها اللائقة لها في هذا العالم. وهذا ما حاول أن يثبته صاحب كتاب 'اليابان هي التي تستطيع أن تقول لا ' وأكده 'فرنسيس فوكوياما' وهو يتحدث عن تراجع صورةالنموذج الأمريكي عند مجتمعات الشرق الأقصى في آسيا، إذ يقول: 'في الكثير من مجتمعات الشرق الأقصى غير الشيوعية، وقبل جيل أو جيلين، لاقى النموذج الأمريكي إعجاباً من تلكالمجتمعات إلى الدرجة التي كان أهلها يتمنَّون أن تصبح مجتمعاتهم في يوم من الأيام نسخة أخرى، وجزءاً من هذا النموذج. ويضيف فوكوياما. يردد الكثيرون في شرق آسيا اليومالانتقادات التي وجهها رئيس وزراء سنغافورا السابق 'لي كوان يو'، إلى أمريكا والتي هاجم فيها الديمقراطية الأمريكية وتركيزها على الحرية الفردية وما نتج عن ذلك من أمراضاجتماعية تفشت وسط المجتمع الأمريكي، حيث يعتقد أن التجربة الامريكية ليست مثالاً يحتذى، وعليه، فعلى الشعوب في تلك المنطقة تجنب الوقوع في شرك تقليده'(2).يأتي هذاالكلام ليكشف عن تراجع عند صاحب مقولة 'نهاية التاريخ' الذي حاول أن يقدم الغرب على أنه المنتصر في نهاية التاريخ بفلسفته الديمقراطية الليبرالية. فالثقة أكبر اليوم علىنقد الغرب وتجربته في الحداثة والتقدم والحضارة، بعد أن كان هذا النقد يرتد على صاحبه في غمرة الانبهار الواسع في أوج تقدم وصعود الحضارة في الغرب.

وقد أخذتيار النقد يتنامى في داخل الحضارة الغربية نفسها، وعلى مستوى شرائح فنية وعلمية مختلفة من قمة مجتمع النخبة في الغرب،هذا التيار الواثق من نفسه ومن آرائه في نقد تجربةالغرب الحضارية وما وصلت إليه من تدهور اجتماعي خطير، وما أفرزته من مشكلات مستعصية على أكثر من صعيد، وهكذا في نقد النشاط السلوكي للغرب في علاقته بالأمم والشعوب غيرالغربية الذي حاول أن يفرض عليها منطق الهيمنة والتبعية والاستعلاء.

وهناك أيضاً من داخل الغرب من أخذ يحذّر من تبني واعتماد النموذج الغربي في الإنماء وصنعالتقدم، ويطالب المجتمعات والأمم غير الغربية بأن تكتشف لنفسها نموذجها الخاص في صنع التقدم من داخل بيئتها وهويتها وخصوصياته، من غير النظر إلى الغرب على أنه النموذجالوحيد للتقدم في هذا العالم.

في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات محذرة من تصدع جبهة الغرب، والذي عبرت عنه بوضوح مستشارة رئيس الوزراء الفرنسي السابق لشؤونالدفاع والاستراتيجية 'مارليسول تورن' في كتابها 'تقلب العالم: جيوبوليتيك القرن الواحد والعشرين' الذي صدر في سنة 1995 حيث تخلص إلى 'أن الغرب لم يعد يكتب التاريخ، فالدولالقومية نفسها باتت متأزمة وبخاصة في أوربا، حيث بدأت تبحث لهاعن هوية لمواجهة التيار الضاغط السريع للعودة. لقدترك تعديل اتفاقية ماستريخت شكوكاً داخلية في الدولالاثني عشر الأوربية وتسارعت الاختلالات من جراء الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. ومع ذلك فإن الأزمة ليست اقتصادية فحسب بل هي أيديولوجية أيضاً. وقد أدى سقوطالشيوعية إلى سيادة المبادئ الديمقراطية، ولكنه أدى أيضاً إلى التشكيك بجدوى كل النماذج السياسية الغربية المطروحة. وأصبحت الديموقراطيات تبحث لنفسها عن هوية إيجابية.وهكذا تدهورت مكانة الديموقراطية الاجتماعية وتبعتها الليبرالية، أما الرأسمالية فلم تعد مبدأً تعبوياً. والأزمة الحقيقية تكمن في الإرث الاستعماري، ومن المؤسف أن دولالعالم الثالث لم تتمكن من تعزيز أواصر التضامن في ما بينها كما فشلت قي تحقيق ذلك من خلال روابط التعاون التقليدية أو الاجتماعية في أفريقيا بشكل خاص. وظهرت في العالمالعربي والإسلامي بقوة هوية دينية متطرفة. كما ظهرت في آسيا الشرقية نماذج اجتماعية خاصة. إن صعودالقوى الجديدة في آسيا والثقل الاقتصادي والديناميكية الديموغرافيةلهذه القوى تترجم جيداً تحول مركز الثقل الدولي. والقوة الكامنة في هذا القارة ليست مادية فحسب، ومن الملاحظ أن الدول الآسيوية الصاعدة تتبنى من الآن نموذج تنظيم سياسيخاص يستوحي الخبرة اليابانية في المحافظة على الأصول، كما يستفيد ما أمكنه من النموذج الديمقراطي الغربي. ولا ريب في أن هذه المظاهر تثبت من جديد أن الغرب لم يعد يكتبالتاريخ'(3).

فالغرب على مشارف القرن الحادي والعشرين لم يعد يحتكر الحداثة والتقدم والحضارة، ولم تعد تجربته هي الوحيدة في هذا العالم، ولا هي الأمثل، ولا هينهاية التاريخ كما ظن سهواً 'فوكوياما'. وإن كانت حضارته إلى هذا الوقت هي الأكثر تقدماً من بين حضارات العالم، وحتى هذا التقدم تحوم حوله شكوك في أن يبقى مالا نهاية في ظلعالم تنبعث منه أكثر من يقظة بين أكثر من أمة..

صدام الحضارات.. تشاؤم وتكريس للصراع

إن ماذهب إليه 'هنتيغتون' في مقولته الشهيرة'صدام الحضارات' التي تعد واحدة من أنشط الأفكار تداولاً ونقداً وسجالاً، ودفعت بـاشتغالات واسعة بين نخبة من المفكرين في حقول مختلفة، وجدوا في هذه المقولة ما يثيرهمويلفت نظرهم في تفسير موجة التحولات العالمية المتسارعة التي هي موضع دراسات وأبحاث على نطاق عالمي واسع، وصفها أحد منتقديه وهو 'جيمس كورت' وهو يجيب عن سؤال حول ماالصراعات السياسية الرئيسية التي سيشهدها المستقبل؟ حيث يقول: 'هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه على الجدل الدائر حول الشؤون الدولية،وقد جاءت أكثر الإجابات شمولاً وإثارةللجدل من جانب 'صمويل هنتيغتون' الذي فجر مفهومه حول تصادم الحضارات صداماً كبيراً بين الكتّاب'(4).

وكان من المؤكد أن يجد 'هنتيغتون' من البواعث ما يشجعه على أنيطور فكرته من المقالة التي نشرها في دورية 'فورين أفيرز' (الشؤون الخارجية) في عام 1993م، إلى كتاب يتوسع فيه ويتعمق في دراسة هذه الفكرة، وقد صدر هذا الكتاب عن 'سايمونأندشوستر' في نيويورك بعنوان 'صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي' سنة 1997م.

وقد لفت نظر من أطلع على الكتاب، أن 'هنتيغتون' حاول أن يرسخ فكرته، ويتوسعفي تدعيمها والاستدلال عليها، من غير أن يعيد النظر فيها ولو جزئياً، بعد أن كان من المتوقع أن يجدد النظر فيها، باعتبارها مجرد افتراض، ولما تعرضت له من نقد معرفي شديدمن أوساط علمية وأكاديمية عديدة، ومن زوايا وأبعاد مختلفة في الغرب والعالم الإسلامي ودول شرق آسيا الأقصى.

وكان من الجدير بهنتيغتون أن يتواضع لهذا النقد،لا أن يضع نفسه في موقف الدفاع الذي يفرض عليه التمسك الشديد، والذي يغلب الجانب النفسي على الجانب العلمي. صحيح أن النقد لا يحمل معه صفة الإلزام ولا يفترض به أن يبعث علىالانصياع، لكن من المفترض أن أي نظرية افتراضية واحتمالية تتعرض إلى نقد بهذا الحجم والكثافة والنوع الذي تعرضت إليه مقولة 'صدام الحضارات' فإن ذلك يستدعي الاهتمام بهذاالنقد، وإدراجه في إطار التفكير في بلورة وتنقيح هذه المقولة، بغض النظر عما ينتهي إليه هذا النقد.. والحقيقة أن ما ذهب إليه 'هنتيغتون' هو صحيح من حيث الواقع الموضوعيالذي عليه العالم اليوم، فنوعية الرؤية التي تعبر عنها كل حضارة من الحضارات المعاصرة عن نفسها، وعن رؤيتها للآخر، ينتهي بهذه الحضارات إلى التصادم، وهو الواقع بالفعلالذي أوصل الحضارات المعاصرة إلى التصادم. فالذي نعيشه اليوم هو تصادم بين الحضارات، ونحن على هذا الحال منذ عدة قرون من الزمان.. والذي اختلف أن وعينا بهذا التصادم اليومهو أكبر وأوسع من السابق، والذي يكبر ويوسع هذا الوعي في أذهاننا هو ما نراه ونلمسه من تداخل شديد بين أجزاء العالم المترامي الأطراف، الذي بات يختزل نفسه في ما يشبهالقرية.

ولعل الذي اختلف هذه المرة، أيضاً هو أن الغرب هو الأكثر إحساساً بهذا التصادم والأكثر تعبيراً وترويجاً له، الإحساس الذي يستبطن بعض المخاوف، وهويرى تقدم وصعود بعض الحضارات في القارة الآسيوية بالذات، التقدم الذي عبر عنه ارتفاع مؤشرات النمو المتزايدة في ميدان التعليم والتقنية والصناعة والاقتصاد، وفي علومالفيزياء والرياضيات التي يقاس عليهما المستوى العلمي كما هو محدد في المعايير العالمية. وهذا التقدم يلحظ بصورة واضحة في دول جنوب شرق آسيا وفي مقدمتهم مجموعة النموالسريع وهي 'كوريا، تايوان، سنغافورا، ماليزيا، أندونيسيا، بالإضافة إلى هونغ كونغ' قبل أن تنظم إلى الصين خلال هذا العام 1997م، وعلى وصف آخر بالتنّينات كما عبر عنهمالباحث الاقتصادي الفرنسي 'جاك أتالي' في كتابه 'ملامح المستقبل أو خطوط الأفق'(5) وعددهم بأربعة 'تنينات' فقط وهم 'كوريا، تايوان، هونغ كونغ، سنغافورا'.

فهناكتوجس في الغرب من أن انبعاث الحضارات وتصاعدها، قد يدفع بهذه الحضارات إذا وصلت إلى مرحلة من التقدم والقوة يمكّنها من الانتقام لما قام به الغرب من تدمير وعدوان ونهبلهذه الحضارات في القرون الماضية وإلى اليوم.

هذا بالتأكيد لا يعني بأي حال من الأحوال التوافق مع هذه المقولة، أو الرضا بها، ولا حتى التبرير لها وإعطائهامصداقية بأي شكل من الأشكال، وإنما الواقع من حيث التوصيف بعيداً عن الاحتمال والافتراض، والرغبة وعدم الرغبة. والمقولة بهذا المعنى ليست جديدة على الإطلاق، فطالماتكررت مقولة 'صراع الحضارات' في الأدبيات الإسلامية وغير الإسلامية من غير أن يتوقف عندها النقاد، لأنها قد تأتي في سياق من الحديث لا يلفت النظر لها، ولا تجد من وسائلالإعلام النشطة من يضخمها ويفتح الحديث حولها على أوسع نطاق.

والجانب الذي أبدع فيه 'هنتيغتون' الذي حمّل هذه المقولة افتراضات حساسة هو في المنهجية التي أخرجبها هذه المقولة، ووضع لها بنية من المعارف التاريخية على قدر من التماسك. فالجديد ليس في المقولة، وإنما في الافتراضات التي يخرج بها، ومن التحليل التاريخي والربطالمتماسك لأجزاء متناثرة من الأحداث والوقائع التاريخية والمعاصرة.

يضاف إلى ذلك الطريقة التي تعاملت بها وسائل الإعلام ومؤسسات النشر الأمريكيةوالأوروبية مع هذه المقولة والتي باستطاعتها أن تكبر (الحبة إلى قبة)، وأن تجعل الجمل يعبر من رأس الإبرة كما لابد أن نشير إلى عامل الوقت، فهذه المقولة جاءت في وقت يعيشفيه العالم زمن التحول والانتقال.

'سايمون أندشوستر' دار النشر التي أصدرت الكتاب في نيويورك، كيف قدمت الكاتب؟ قالت: 'إن 'هنتيغتون' أصبح في أهمية 'جورج كينان'الدبلوماسي والأستاذ الجامعي الأمريكي الذي وضع نظرية احتواء الشيوعية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، قبل حوالي خمسين عاماً، تنبأ بأن القضاء على النازية ليس نهايةالمشاكل العالمية، وأن الشيوعية ستصبح الخطر الجديد، وأنها ستهدد الغرب، ولابد من احتوائها بتأسيس أحلاف عسكرية تحيط بالاتحاد السوفيتي ، ووضع خطط لمنع انتشار الشيوعيةفي الدول الغربية ودول العالم الثالث. وها هو 'هنتيغتون' يقول بأن القضاء على الشيوعية ليس نهاية المشاكل العالمية، وإن حضارات العالم الثالث ستشكل الخطر الجديد علىالحضارة الغربية(6).

والذي ينبغي أن يتوقف عنده بالدراسة والتحقيق، خصوصاً من أطراف مؤرخي العصر الحديث، أن الغرب تاريخياً هو الذي أدخل العالم إلى صراعالحضارات، وكان هو الطرف المصادم للحضارات، في الأزمنة التي كان يشهد فيها تصاعده المتفوق، وكل الأمم والحضارات التي احتك بها الغرب خرجت بموقف ناقم منه، لتوجهاتهالعدوانية، وأما الأمم التي أدخلها الغرب تحت سيطرته فقد أصابها من التدمير في البنى التحتية الأساسية مما شل قدرتها على الإنماء والنهوض لفترة طويلة من الزمن.

و 'هنتيغتون' هو واحد من الذين يؤكدون هذه الحقيقة عندما يقول: 'إبتداء من سنة 1500م بدأ التوسع الضخم للغرب مع جميع الحضارات الأخرى، وقد تمكن الغرب أثناء ذلك من الهيمنةعلى أغلب الحضارات وإخضاعها لسلطته الاستعمارية، وفي بعض الحالات دمر الغرب تلك الحضارات'(7).

وهذا ما حاول أن ينتقده بشدة 'روجيه غارودي' في كتابه الذي يعدوثيقة تاريخية مهمة في موضوعه، وهو كتاب 'من أجل حوار بين الحضارات' ، إذ يقول في مدخل الكتاب: 'إن عصر النهضة، وهو ليس حركة ثقافية وحسب، بل ولادة مواكبة أنجبت الرأسماليةوالاستعمار، قد هدم حضارات أسمى من حضارات الغرب باعتبار علاقات الإنسان فيها بالطبيعة والمجتمع وبالالهي، بدل أن يكون ذروة النزعة الإنسانية. والتاريخ الحقيقي، أيالتاريخ الذي يرغب عن أن يتركز حول الغرب، قد يكون تاريخ فرص أضاعتها الإنسانية بسبب التفوق الغربي الذي لا يرجع إلى تفوق ثقافة بل إلى استخدام تقنيات السلاح والبحرلأهداف عسكرية وعدوانية'(8).

وبتفصيل أكثر مع مزيد من التأكيد لهذه الحقيقة يضيف الباحث الفرنسي المسلم 'عبد الحليم هربرت' بقوله: 'قام الغرب على أساس منطق نفيوتدمير الحضارات الأخرى، وكان قيام إسبانيا وهي أول قوة غربية معاصرة تقوم في أوروبا، كان قيامها حصيلة حرب دامت لأكثر من أربعة قرون، إذ أسفرت في عام 1492 عن تدميرالأندلس كواحدة من أهم نقاط الإشعاع الحضاري. وفي نفس العام أيضاً قامت إسبانيا بغزو القارة الأمريكية، وخلال قرن واحد فقط لم يبقَ من مجموع 100 مليون نسمة وهم السكانالأصليون للقارة عند وصول الأوروبيين سوى 10 ملايين نسمة. فالغزو قد أهلك تسعة أعشار السكان، وتقوم إسبانيا وفرنسا وإنكلترا وهولندا بعد ذلك بتنظيم تجارة العبيد للتعويضعن نقص القوى البشرية في القارة الأمريكية، بعد المجازر التي ارتكبها الأوروبيون ضد سكان القارة الأصليين من الهنود. فتم شراء ونقل 100 مليون أفريقي من القارة السوداء إلىالقارة الجديدة، وقد قامت هذه القوى نفسها إضافة للولايات المتحدة الأمريكية في نهاية القرن التاسع عشر باستخدام الصينيين لبناء قناة بنما وفي نفس الوقت قامت فرنسا فيبدايات القرن العشرين باستيراد العمال من البلاد الإسلامية في شمال أفريقيا للعمل في مناجم فحمها، وترافق الإستعباد الهائل لعموم القارات مع تصميم إجرامي لتدمير بقيةالحضارات'(9). فالسلوك الذي أظهره الغرب منذ القرن الخامس عشر الميلادي تجاه الأمم والحضارات الأخرى كان على درجة من العنف والقسوة لم تظهره أية حضارة من الحضارات التيتحدث عنها 'هنتيغتون'.

ولايزال الغرب بعد كل هذا التقدم الذي لم يحصل مثله في أي فترة من التاريخ الإنساني يمارس هذا السلوك الذي يوصف بالعدائية، وبأدواتجديدة أكثر تقنية، وبأشكال وأنماط متعددة أكثر ضرراً. أما إذا أخذنا الحضارات القديمة للبحر المتوسط والشرق الأوسط ولأوروبا والهند والصين فإنها كانت كلها محلية،وإقليمية في أحسن حال، كما يقول: 'برنارد لويس' في معرض نقده على 'هنتيغتون' والذي يضيف 'المسيحية والإسلام على السواء انفتحا على مهمة عالمية، لكن المسكونية الإسلامية،إذ امتدت على أجزاء كبيرة من آسيا وإفريقيا وأوروبا كانت البادئة في إيجاد حضارة كانت متعددة الأعراق، متعددة الثقافات، وإلى حد ما متعددة القارات، امتدت الحضارةالإسلامية أبعد بكثير من أقصى حدود وصلتها الثقافتان الرومانية والهيللينية، وقدرت بذلك على افتراض عناصر مميزة من حضارات أكثر بعداً في أسيا، ثم تبنّيها وإدماجها'(10).

ويعزو الدكتور 'وليد نويهض' وهو يدرس المرحلة التاريخية للتطور الذي حصل في الغرب بعد اكتشاف أمريكا، إلى أن هذا السلوك من التعايش للحضارة الإسلامية يعزوهإلى 'عقيدة الإسلام وطبيعته حيث مرت العلاقات الدولية في مرحلة من التعايش السلمي واحترام حضارات وثقافات وعادات الشعوب. ولم يعرف عن العالم غير المسلم أنه شهد حالات منالفزع الناجم عن الاضطهاد الديني وعدم تقدير العبادات الأخرى. فالكل يشهد أن مرحلة الإسلام كانت مرحلة تعدد وتنوع وتعايش سلمي بين الأفراد والجماعات والديانات واختلافأنماط الحياة والسلوك والعبادات'(11).

وفي الوقت الذي حاول فيه 'هنتيغتون' أن يوجه أنظار الغرب إلى التحديات الخارجية التي سوف تأتي من حضارات غير غربية، برزتمقولة أخرى من أحد منتقديه وهو 'جيمس كورت' الذي أراد أن يلفت أنظار الغرب إلى أن الصدام الحقيقي سوف يكون في داخل الغرب ومع الغرب نفسه، وهو الاستنتاج الذي خرج به فينهاية مقال كتبه منتقداً فيه 'هنتيغتون' حيث يذهب إلى أن الصدام الحقيقي بين الحضارات لن يكون بين الغرب وطرف أو أكثر من الباقين، بل سيكون صداماً بين الغرب وما بعدالغرب، داخل الغرب نفسه. وقد بدأ هذا الصدام بالفعل داخل عقل الحضارة الغربية، في أوساط طبقة المثقفين الأمريكيين. وهو ينتشر الآن من العقل إلى الكيان السياسي الأمريكي .وتشهد التسعينيات تحولاً آخر كبيراً، يدور هذه المرة في أوساط الحركات الليبرالية والمحافظة اللتين تعدان الكيان الملازم للسياسة الأمريكية، واللتين تؤمنان - بغضالنظر عما بينهما من اختلافات - بالأفكار الحديثة التي تقدمها العقيدة الأمريكية. ففي أوساط الليبراليين، نجد أن مصدر الطاقة السياسية الآن هو الكوادر المؤمنةبالتعددية الثقافية. أما بين المحافظين، فإن مصدرها المتدينون. فالمحافظية لم تعد حديثة، بل أصبحت ما قبل حديثة. وهؤلاء الليبراليون وأولئك المحافظون، كلاهما، لايؤمنون بالحضارة الغربية، فالليبراليون متوافقون مع المجتمع متعدد الثقافات أو ما بعد الحضارة الغربية (بما هي عليه)، بينما يتوافق المحافظون مع النصرانية أو ما قبلالحضارة الغربية. ويثور السؤال حول من في الولايات المتحدة مستقبلاً، سيظل على إيمانه بالحضارة الغربية؟ وبصورة أكثر عملية: من سيؤمن بها بما يكفي لأن يحارب ويقتل ويموتفي سبيلها، عندما تتصادم الحضارات؟'(12).

والخلاصة أن العالم استقبل مقولة 'صدام الحضارات' بتشاؤم كبير، وهو الوصف الذي أطلقته عليها جريدة 'واشنطن بوست' ، لأنهركز على ما يفرق الحضارات لا على مايجمعها كما ذهبت إلى ذلك مجلة 'نيوزويك'.

والعالم ما كان يرغب أن يستمع لمثل هذه الأفكار أو التبشير لها، وهو ينتقل إلى مرحلةمابعد الحرب الباردة التي استمرت مايزيد على أربعة عقود من السنين، وقد استبشر العالم خيراً وهو يضع أوزار هذه الحرب التي وضعت مستقبل البشرية على حافة الدمار الشامل، معانتشار أسلحة الدمار الشامل، والتسابق على أسلحة الردع النووي بين دول المعسكرين الغربي والشرقي. والذي كان ينتظره العالم بعد هذه الحرب، أن تسود الأفكار والمفاهيموالمبادئ التي تجنب العالم الصراعات والنزاعات والحروب بأشكالها كافة، وترفع عن المجتمع الإنساني الكراهية والعنصرية، وترسخ قيم السلام والعدل والمساواة والإخاءوالإنماء والتقدم.

حوار الحضارات.. طموح تفصله مسافات

يذهب الدكتور 'هشام نشابة' إلى أن الدعوة إلى حوار الحضارات، هي من الخصائصالمميزة للنصف الثاني من القرن العشرين. ويضيف: 'فكأنما أدرك العالم أن البشرية لا تستطيع أن تتحمل حروباً عالمية جديدة، بعد أن شهدت ما جلبته الحرب العالمية الأولى،والحرب العالمية الثانية من ويلات، لم ترافقها حلول للمشكلات الكبرى التي ظل يعاني منها المنتصر فضلاً عن المغلوب. كما بقيت الإنسانية تعاني مشكلات الجوع والفقر والجهلوالمرض من جهة، وتردي البيئة وجنون التقدم التكنولوجي والمادية المفرطة من جهة أخرى'(13).

ولعل أنضج طرح اتصف بالانفتاح على الحضارات والجدية وسعة الرؤيةوالاستيعاب التاريخي، هو ذلك الذي قدمه 'روجيه غارودي' في كتابه 'من أجل حوار بين الحضارات' الذي صدر في طبعته الفرنسية سنة 1977م، وفي طبعته العربية سنة 1978م، في هذا الكتابحاول 'غارودي' أن يوجه نقداً قاسياً لسلوك الغرب في تاريخ علاقته بالأمم والحضارات غير الغربية، ويدعو الغرب إلى أن يعيد النظر إلى ذاته وإلى الآخر الحضاري من خارج محيطهالغربي، والانفتاح عليه، وأكثر من ذلك حين يطالب 'غارودي' الغرب بأن يتعلم من الحضارات الأخرى، ويعتبر أن 'من الواجب أن نتعلم من الحضارات الأخرى ، بصورة أساسية، المعنىالحقيقي لعلاقة المشاركة الإنسانية التي تجد كل فاعلية ذاتها وهي تنهض بعبء من أعباء المجتمع المسؤول. إن الحضارات اللاغربية تعلمنا، بادئ ذي بدء أن الفرد ليس مركز كلشيء. وأن فضلها الأعظم يرجع إلى أنها تجعلنا نكتشف الآخر وكل الآخر دون فكرة مبيتّة تضمر التنافس والسيطرة'(14).

كما حاول 'غارودي' أيضاً أن يدفع الغرب إلى رؤيةمختلفة للمستقبل، المستقبل الذي لا يجد الغرب فيه إلا ذاته، وإنما شراكته مع الأمم الأخرى على قاعدة أن يخترع الجميع مستقبل الجميع، وهومشروع الأمل عند'غارودي' الذي عبرعنه بقوله: 'إن من شأن ابتكار مستقبل حقيقي أنه يقتضي العثور مجدداً على جميع أبعاد الإنسان التي نمت في الحضارات والثقافات اللاغربية. وبهذا الحوار بين الحضارات وحدهيمكن أن يولد مشروع كوني يتسق مع اختراع المستقبل. وذلك ابتغاء أن يخترع الجميع مستقبل الجميع'(15).

وإذا كان من الصعب على الغرب أن يقنع برؤية 'غارودي' في هذاالكتاب، فإنه - أي الغرب - بحاجة إلى أن يكون أكثر تواضعاً، وهذا ليس وعظاً، فالغرب ليس هو نهاية التقدم، ولا نهاية العالم، ولا هو نهاية التاريخ كما ظن خطأً 'فوكوياما' .وآخر ما يختم به 'برنارد لويس' كلامه في نقده على 'هنتيغتون' قوله: 'قد كانت هناك حضارات مهيمنة في الماضي، وبدون شك ستكون هناك أخرى في المستقبل. الحضارات الغربية تدمجحداثات سابقة عديدة، بمعنى أنها مثرية بـإسهامات وتأثيرات ثقافية أخرى سبقتها في الزعامة. وهي نفسها ستترك إرثاً ثقافياً غربياً لحضارات أخرى ستأتي'(16).

وكانمن الأجدر والأصلح للنخبة في العالم أن تنشغل بأطروحة 'غارودي' في حوار الحضارات، لا أن تنشغل بأطروحة 'هنتيغتون' في صدام الحضارات. مع ذلك فإن أطروحة 'هنتيغتون' أعادتالحديث من جديد إلى طرح مقولة 'حوار الحضارات' التي جاءت في سياق الاعتراض على الأطروحة، وانقسام الرأي حولها، لكن بزخم أقل منها.

وقد وجد الدكتور 'طه جابرالعلواني' في هذه الطريقة من الاستعادة بالذات في الخطاب العربي والإسلامي، ما ينتقده منهجياً ومعرفياً، إذ يقول: 'لعل ما أثير في الفترة الأخيرة من اهتمام بحوارالحضارات يمثّل حالة بالغة التعبير عن عمق الأزمة التي يعشيها الفكر العربي والإسلامي. وتتجلى هذه الأزمة في حالة التبعيّة الظاهرة المتمثلة في نقل الأطر النظريةوالفكرية وتبنيها بصورة أيديولوجية، أو في التبعيّة الكامنة التي تتمثل في فكر المقاربات والمقارنات. وجوهر الأزمة أن من يحدد الإشكالات، ويثير القضايا ويحدد أجندةالبحث والاهتمام، وأولويّات التفكير، يقع خارج البيئة الفكريّة والاجتماعيّة العربية والإسلامية، ويتحرك في إطار نموذج معرفيّ، ومعطيات اجتماعية وتاريخية، ومصالحاقتصادية وسياسية، وقيم وأهداف مختلفة، إن لم تكن متعارضة متناقضة، مع تلك التي يتحرك في إطارها الباحث والمفكر العربيّ والمسلم. وقد ارتبطت قضية الحوار بين الحضارات فيطرحها الأخير بما أثير حول دراسة 'صموئيل هنتيغتون' ، عن نفس الموضوع، فبدأ العقل المسلم والعربي ينشغل بهذه القضية وتستحوذ على أولوياته، دون أن يكون ذلك نابعاً من ضرورةاجتماعية، أو إشكالية فكرية، أو مصلحة سياسية للمجتمعات العربية والإسلامية، ودون أن ينبع الطرح من داخل هذه المجتمعات، بل جاء من خارجها. وقد حاول هذا العقل أن يقدمإجابات عن سؤال لم ينبع منه ولم يمثل إشكاليّة ملحّة، على الأقل في المرحلة الراهنة لهذه المجتمعات العربيّة الإسلامية، إذا ما قيس بما يواجه هذه المجتمعات من قضاياوتحديات أخرى'(17).

مع ذلك فإن من المبرر أن يعاد طرح مقولة حوار الحضارات مع ما أثارته من جدل لم ينقطع بعد مقولة صدام الحضارات، لأن حوار الحضارات هي المقولةالجاهزة والاعتراضية على المقولة الثانية. لكن هل في مقدورها الحلول مكانها؟ هذا ما يصعب إثباته. قد تستخدم وسيلة اعتراض ونقد، لكن أن تكون هي الأساس في تشكل رؤية الغربللعالم والمستقبل، فهذا محل خلاف لعدم وجود ما يسنده من الأدلة والبراهين والشواهد.

والذي أتوقف عنده: هل إن البيئة العالمية وصلت إلى مرحلة من النضج تتقبلفيه حوار الحضارات بالاستعداد الحيوي والتفاهم المشترك؟! وهل أن الغرب يسمح لنفسه بأن يدخل في حوار مع حضارات لايجد فيها التكافؤ معه، وهو المحكوم بعقلية التوازناتالمادية؟!

وهل أن الحضارات الأخرى كالحضارة الإسلامية والهندية والسلافية والإفريقية وحضارات العالم الثالث أخذت توازنها الطبيعي في الحضارة، واستعادتمقوماتها وقدراتها بما يؤهلها إلى حوار مع الحضارات الكبرى والمتقدمة في العالم؟!

والخلاصة: يبقى أن مقولة حوار الحضارات، هي أصلح وأسبق من مقولة صدامالحضارات على مستوى المعرفة والفكر، لكن الوصول إليها كواقع ومممارسة تقف دونه مسافات طويلة تمتع من أن يتقدم خطوات نحوها.

تعارف الحضارات

المفهوم والمصطلح الذي أحاول نحته، والتأسيس المعرفي له، في هذا السياق، هو مفهوم 'تعارف الحضارات'، والذي أختاره وأفضّله على مصطلحي 'حوار الحضارات' و'صدامالحضارات'. هذا المفهوم يعبر عن رؤية إسلامية نستوحيها من القرآن الكريم في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنأكرمكم عند اللّه أتقاكم إن اللّه عليم خبير)(18).

تحتوي هذه الآية على مضامين مهمة في تشكيل مفهوم التعارف بين الأمم والحضارات، كما أن هذه الآية جاءت لكي تبرزمفهوم التعارف، وتؤكد عليه في مجال العلاقة بين الأمم والحضارات. اختيار الآية لهذا المفهوم إنما يلفت إلى فاعلية هذا المفهوم وأساسيته في الحقل الذي تحدثت عنه. فلم تقلالآية فرضاً ليتعارفوا، أو ليتوحدوا، أو ليتحاوروا، ولا ليتفرقوا، أو يتصادموا، من بين كل هذه المفاهيم يأتي اختيار مفهوم 'ليتعارفوا' لخصوصية جوهرية في هذا المفهوم،ولارتباطه بمقاصد هي من صلب المورد الذي جاءت الآية في سياق الحديث عنه. علماً أن القرآن الكريم - كما التفت إلى ذلك الشيخ 'محمد الصادق' صاحب تفسير 'الفرقان في تفسيرالقرآن'(19) في كل آياته - لم يتحدث عن الشعوب والقبائل إلا في هذه الآية.

ولمعرفة مضامين هذه الآية وأبعادها في هذا المجال الحضاري ندرس مكوناتها تحليلياً: (ياأيها الناس) : الخطاب في سورة الحجرات وهي مدنية كان موجهاً للمؤمنين حيث افتتحت بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا)واختتمت آياتها الأخيرة بقوله تعالى: (إنما المؤمنونالذين آمنوا..) وتغير خطاب السورة في هذه الآية مع قوله تعالى: (يا أيها الناس) وهذا انتقال في الخطاب من الخاص: (يا أيها الذين آمنوا) إلى العام: (يا أيها الناس ) هذا التغيريفسره صاحب 'مجمع البيان' الشيخ 'الفضل بن الحسن الطبرسي' (458 - 548هـ / 1037 - 1127م) من مفسري القرن السادس الهجري، على أن هذه الآية مكية بالرجوع إلى رأي. 'الحسن وقتادة وعكرمة وعنابن عباس أيضاً'(20) من غير أن يناقش هذا الرأي، في نفس الوقت يثبت بالإجماع أن عدد آيات هذه السورة المدنية ثمانية عشر آية. ولم يتوقف الكثير من المفسرين عند هذه النقطةبالتحقيق أو التحليل، أو حتى بالإشارة إليها، وقد مر عليها صاحب 'الميزان' السيد 'محمد حسين الطباطبائي' ( 1324 - 1402 / 1903 - 1981م) أحد أشهر المفسرين المعاصرين، بقوله: 'السورةمدنية بشهادة مضامين آياتها، سوى ما قيل في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)(21).

وقد جاءت هذه الآية بصيغة النداء (يا أيها الناس ) والنداءفي اللغة يراد به الاستماع من صاحب النداء. بالتحليل الصوتي، فإن صيغة النداء تلفت إلى رفع الصوت وإعلائه، من أجل أن يتحقق الاسماع، كما يراد منه الالتفات والإصغاءوالاستماع إلى النداء، وهذا النداء موجه إلى الناس كافة، والناس هو المصطلح الذي استخدمه القرآن الكريم في التعبير عن اسم الجنس الإنساني، وهو المصطلح الذي لا يقبلالتجزئة والثنائية والتقابل، كحال المصطلحات والمفاهيم المتداولة في الفكر السياسي والنظم الاجتماعية كالأمة والشعب والمجتمع والجماهير وغيرها. فالأمّة مصطلح يطلقعلى جماعة من الناس ويقبل الجمع فيقال أمة، ويقال أمم. وكذلك الشعب مصطلح يطلق على جماعة من الناس، وجمعه شعوب، وهكذا مصطلح المجتمع، أما الجماهير فمصطلح يقابله مصطلحالنخبة.

لكن عندما يقول 'الناس' فإنه يطلق على الناس كافة، ولا يقبل التجزئة إلا إذا أدخلنا عليه الإضافة كأن نقول جماعة من الناس، وهذا من بلاغة القرآنالكريم، الذي هو خطاب إلهي إلى الناس كافة، في كل زمان ومكان لأنه الكتاب الذي فيه هدى ورحمة للعالمين.

(إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ، وهذه أول إشارة حول تعينالخطاب إلى (يا أيها الناس).

ناقش المفسرون هذا المقطع من الآية من وجهين: الأول أساسي، والثاني ثانوي. الوجه الأول أساسي لأنه يمثل محور النقاش في هذا الجزء منالآية. ويدور حول رأيين:

الأول: خاص وفي سياق نفي التفاخر بالأنساب، وأن المراد بقوله: (من ذكر وأنثى ) أي من أب واحد هو أدم، وأم واحدة هي حواء.

والثاني: عام وفي سياق نفي مطلق التفاضلات الطبقية والعرقية واللغوية والقومية. والمراد بقوله: (من ذكر وأنثى) أي من مطلق الرجل والمرأة، فكل إنسان خلقه اللّه من ذكروأنثى، وكل الناس يتساوون من الجهة من غير أي تفاضل بينهم في هذه الناحية. والذي توقف من المفسرين في مناقشة هذين الرأيين هو السيد 'الطباطبائي' في كتابه 'الميزان' إذيقول:

'ذكر المفسرون أن الآية مسوقة لنفي التفاخر بالأنساب، وعليه فالمراد بقوله: (من ذكر وأنثى ) آدم وحوّاء، والمعنى: أنّا خلقناكم من أب وأم تشتركون جميعاًفيهما من غير فرق بين الأبيض والأسود والعربي والعجمي، وجلعناكم شعوباً وقبائل مختلفة لا لكرامة لبعضكم على بعض بل لأن تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضاً ويتم بذلك أمراجتماعكم فيستقيم مواصلاتكم ومعاملاتكم، فلو فرض ارتفاع المعرفة من بين أفراد المجتمع انفصم عقد الاجتماع وبادت الإنسانية، فهذا هو الغرض من جعل الشعوب والقبائل لا أنتتفاخروا بالأنساب وتتباهوا بالآباء والأمهات. وقيل: المراد بالذكر والأنثى مطلق الرجل والمرأة، والآية مسوقة لإلغاء مطلق التفاضل بالطبقات كالأبيض والأسود والعربوالعجم والغني والفقير والمولى والعبد والرجل والمرأة، والمعنى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من رجل وامرأة فكل واحد منكم إنسان مولود من إنسانين لا تفترقون من هذه الجهة،والاختلاف الحاصل بالشعوب والقبائل. وهو اختلاف راجع إلى الجعل الإلهي ، ليس لكرامة وفضيلة، وإنما لأن تتعارفوا فيتم بذلك اجتماعكم.

واعترض عليه بأنّ الآيةمسوقة لنفي التفاخر بالأنساب وذمّه كما يدل عليه قول تعالى: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)وترتب هذا الغرض على هذا الوجه غير ظاهر، ويمكن أن يناقش فيه أن الاختلاف فيالأنساب من مصاديق الاختلاف الطبقي وبناء هذا الوجه على كون الآية مسوقة لنفي مطلق الاختلاف الطبقي، وكما يمكن نفي التفاخر بالأنساب وذمه استناداً إلى أن الأنساب تنتهيإلى آدم وحواء والناس جميعاً مشتركون فيهما، كذلك يمكن نفيه وذمه استناداً إلى أن كل إنسان مولود من إنسانين والناس جميعاً مشتركون في ذلك'(22).

الوجه الثاني:ثانوي، لأن الحديث من هذا الوجه كان عرضياً في أبحاث المفسرين وهو يدور حول إشكالية علمية ترتبط فسيولوجياً بالمرأة، نظر إليها بعض المفسرين من ناحية أخلاقية. والكلاممن هذه الجهة يدور حول هل أن تكوّن الإنسان يشترك فيه ماء الذكر وماء الأنثى؟ أم أن الأنثى لا ماء لها، وإنما هي حاضنة لماء الذكر باستعدادها الفسيولوجي لنمو هذه النطفةفي داخلها بيولوجياً!

يستفيد السيد 'محمد تقي المدرسي' من قوله: (من ذكر وأنثى) بصيرة قرآنية تنفي على حد تعبيره الفكرة الجاهلية التي كانت تزعم أن رحم الأممجرد وعاء لنمو نطفة الرجل، وصادروا بذلك حق المرأة في انتساب الطفل إليها.. وهكذا تنفي الآية، كما يضيف السيد 'المدرسي' العنصرية الجنسية التي ابتلى بها الجاهليون العربقبل الإسلام، الذي نادى بالمساواة بين الذكر والأنثى فيما يرتبط بأصل الخلق(23).

(وجعلناكم شعوباً وقبائل) 'وقد اختلف المفسرون في بيان الفرق بين الشعوب جمعالشعب على وزن صعب (الطائفة الكبيرة من الناس) والقبائل جمع القبيلة، فاحتملوا احتمالات متعددة. قال جماعة: إن دائرة الشعب أوسع من دائرة القبيلة كما هو المعروف في العصرالحاضر أن يطلق الشعب على أهل الوطن المعين 'الكبير'. وقال بعضهم: كلمة شعوب هي إشارة إلى طوائف العجم وأما القبائل فإشارة إلى طوائف العرب. وأخيراً فإن بعضهم قال بأنالشعوب إشارة إلى انتساب الناس إلى المناطق 'الجغرافية' والقبائل إشارة إلى انتسابهم إلى العرق والدم. لكن التفسير الأول أنسب من الجميع كما يبدو للنظر!'(24).

والأظهر أن هذه الاحتمالات واختلافها أخذها المفسرون عن كتاب 'مجمع البيان' للشيخ 'الطبرسي' الذي يعد مرجعاً للتفاسير عند الشيعة الإمامية، والذي تطرق لهذه الآراء منذوقت مبكر(25).

والمتفق عليه بين هذه الآراء أن الشعوب، وهي جمع شعب الجماعة الكبيرة من الناس والذي يصدق عليه ما هو متعارف عليه اليوم في تقسيم الأمم والمجتمعاتإلى شعوب. وقبائل جمع قبيلة وهي أصغر من الشعب.

(لتعارفوا) إن الشعوب والقبائل مهما تعددت وتشعبت على امتداد مساحات الأرض المترامية الأطراف، إلا أنها مطالبةبالتعارف، كمبدأ في العلاقات المحلية والدولية، الداخلية والخارجية، كما أن هذا المبدأ يفيد في نفي النزاع والصراع والسيطرة والهيمنة بين الشعوب والقبائل.

(إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم) إن القرآن الكريم لا ينفي مبدأ التفاضل بين الناس وبين الشعوب والقبائل، وإنما ينفي القيم التي كان الناس آنذاك يتفاضلون على أساسها، كقيمالقوم والقبيلة والعشيرة والعرق. وهذه الآية جاءت نقداً ونفياً لمثل هذه القيم، وتدعو الناس إلى التفاضل بالتقوى.

(إن اللّه عليم خبير) 'فرق العلماء بين لفظيالخبير والعليم، فالخبير يفيد معنى العليم، ولكن العلم إذا كان للخفايا الباطنة سمي خبرة، وسمي صاحبه خبيراً'(26)، فاللّه سبحانه وتعالى عليم حينما خلق الناس من ذكر وأنثىوما خلق لهم في هذه الحياة، وخبير حينما جعلهم شعوباً وقبائل وفي كل ما قدّر لهم.

مستخلصات من الآية .. مرتكزات تعارف الحضارات

بعد هذاالتحليل التجزيئي للآية، ندرسها تركيبياً على صور مستخلصات عامة. تشكل لنا هذه المستخلصات مرتكزات أساسية لتعارف الحضارات.

1/ إن القرآن الكريم خطاب إلىالناس كافة، من غير أن يتحيز إلى أمّة بعينها، ولا أن يفضّل أمّة على أمّة أخرى بسبب القوم أو العرق أو اللغة أو اللسان أو غيره، كما أن هذا الخطاب لم يأتِ للناس في زمنآخر، ولا لمكان دون مكان آخر.

2/ وحدة الأصل الإنساني (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) وأن الإنسانية بكل تنوعاتها العرقية والقومية، اللغوية واللسانية، الدينيةوالمذهبية، وبكل مستوياتها في المعايير الاجتماعية والعلمية والاقتصادية إنما ترجع إلى أصل واحد. والقرآن الكريم لايريد أن يقدم هذا اكتشافاً، وإنما يريد أن تعيالإنسانية هذه الحقيقة وتحكمها كمبدأ في نظرة كل إنسان إلى إنسان آخر، ونظرة كل أمة إلى أمة أخرى.

3/ إن القرآن الكريم يريد للناس أن ينظروا لأنفسهم على أنهمأسرة إنسانية واحدة على هذه الأرض، مهما اختلفوا في اللون واللسان، ومهما تباعدوا في الأوطان، مع كل ما بينهم من فوارق واختلافات، إلا أنه ينبغي أن يتعاملوا فيما بينهمبمنطق الأسرة الواحدة التي ترجع في أصلها الإنساني إلى (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ، وأن يكون هذا سعيهم نحو بناء العالم على أساس الأسرة الواحدة. هذا المنطق القرآني الرفيع لا يصح النظر له على أنه مثالية أو سحر بياني، بل هو من عليم خبير، لا يعلو على علمه أحد، وهو الخبير الذي يدرك بواطن الأمور.

4/ أن يتعامل العالم علىخلفية الأسرة الإنسانية المشتركة أو الواحدة، فهذا يعني إزالة كل الأحقاد والعصبيات والعنصريات والكراهية بين الناس، والظواهر التي تقف وراء كل ما يصيب العالم مننزاعات وصراعات وحروب مدمرة. كما أن هذه الخلفية تمثل أعمق المكونات الروحية والأخلاقية في الروابط بين الأمم والشعوب والحضارات.

5/ التنوع والتعدد الإنسانيحقيقة موضوعية يؤكدها القرآن الكريم (وجعلناكم شعوباً وقبائل) لأن اللّه سبحانه وتعالى بسط الأرض بهذه المساحة الواسعة لينتشر الناس فيها، ويعمروها ويستفيدوا منخيراتها. وقد ارتضى الناس لأنفسهم هذا الانتشار بين ربوع الأرض، بين من يعيش تحت قسوة البرد القارس والمتجمد كالشعوب التي توطنت بين القطبين الشمالي والجنوبي، وبين منيعيش تحت قسوة الحر الشديد، كالشعوب التي توطنت تحت خط الاستواء في إفريقيا. وقد تعددت وتنوعت الثروات بين الشعوب حسب إمكانات الأرض وقدراتهم على الاستفادة منها.

6/ إن القرآن الكريم ربط بين وحدة الأصل الإنساني، وبين التنوع الإنساني في هذه الآية، الربط الذي يفهم منه أن وحدة الأصل الإنساني لا تعني إلغاء التنوع بين الناس وأنيعيشوا شعوباً وقبائل، وأن التنوع والانقسام في العيش إلى شعوب وقبائل، لا يعني إلغاء وحدة الأصل الإنساني، أو أن البشرية لا يعنيها هذا الأصل وأنها ترفعت عنه وتجاوزته،أو أنه كان يعبر عن مرحلة تخطتها البشرية حينما تجاوزت عهودها البدائية. ومن بلاغة القرآن الكريم تقديم وحدة الأصل على قاعدة التنوع، لكي يكون التنوع متفرعاً عن الأصل.

7/ استخدم القرآن الكريم كلمة 'الخلق' في هذه الآية حينما قال: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ، وكلمة 'الجعل' حينما قال: (وجعلناكم شعوباً وقبائل)فما هو الفرق بينلفظ الخلق ولفظ الجعل؟ لم يتوقف المفسرون عند هذه النقطة في تفسيرهم لهذه الآية، ومن المحتمل أن بعضهم توقف عندها في آيات غيرها جمعت بين اللفظين. لفظ 'الخلق' لم يستخدم فيالقرآن الكريم إلا فى حق اللّه سبحانه وتعالى، فهو الخالق، خالق كل شيء، ولا يصدق على غير اللّه جل شأنه أنه خالق. وكل الآيات التي ورد فيها لفظ 'الخلق' في القرآن الكريم،جاء اللفظ في سياق الخلق الذي لا يستطيعه إلا اللّه سبحانه وتعالى، كخلق الإنسان والكون والحياة والسماوات والأرض والحيوان والنبات.. وكل ماصدق عليه الخلق في القرآنالكريم فهو من عند اللّه، لأن الخلق يعني الإيجاد ابتداءً ومن العدم، من غير صورة سابقة أو نسخ أو مثال، وهذا لا يجري إلا في حق اللّه جلت قدرته.

والإنسان لايعد خالقاً في كل ما اكتشف واخترع، وكل الذي حققه من تقدم وإنجاز لا يصدق عليه مفهوم الخلق. فالإنسان هو مجرد ناسخ من الطبيعة ومكتشف لقوانينها الرياضية والفيزيائيةوالأحيائية، وهي القوانين التي أودعها اللّه في عالم الطبيعة والكون والحياة والإنسان، والعمل الكبير الذي أنجزه الإنسان أنه اكتشفت هذه القوانين وحولها إلى علوم،وبهذه العلوم استطاع أن يحقق كل هذا التقدم بقدرة وتفوق. أما الجعل فهو التقدير الذي يأتي في تحديد الوظائف والخصوصيات وما يترتب عليه الاقتضاء.

فاللّهسبحانه وتعالى خلق الذكر والأنثى بالعلم لأنه العليم، وجعل الناس يعيشون شعوباً وقبائل، أي قدّر لهم لأنه الخبير. وكل ما خلقه اللّه سبحانه وتعالى فهو بعلم وقدر لكل ماخلق لأنه الخبير. وفي هذا الكلام نفي لما يذهب إليه البعض في حقل العلم والفلسفة، بأن اللّه خلق الأشياء وتركها، وأن البيئة هي التي تقدر للأشياء وظائفها بقدرة هذهالمخلوقات على التكيف واستعدادها له. كما يستفاد من هذه الآية، أن ما يشار فى العالم وعلى نطاق واسع في ميادين الطب والعلم والاجتماع والقانون والأخلاق حول قضيةالاستنساخ البشري، فإن هذه القضية لا يصدق عليها خلقاً، فالمخلوق لا يكون خالقاً على الإطلاق ، وإنما هو إستفادة من قوانين العلم، والذي يخلق الذكر والأنثى هو اللّهسبحانه وتعالى. وحينما جعل اللّه الناس يعيشون شعوباً وقبائل، فإن هذا تقديراً منه جلت قدرته، التقدير الذي فيه المصحلة، ولهذا فإن البشر لا يمكن أن يعيشوا إلا شعوباًوقبائل.

8/ إن القرآن الكريم يؤسس مبدأ التعارف بين الأمم والشعوب والحضارات 'ليتعارفوا' فالتنوع بين الناس إلى شعوب وقبائل، وامتدادهم وتكاثرهم على ربوعالأرض، لا يعني أن يتفرقوا، وتتقطع أواصرهم، ويعيش كل شعب في عزلة عن الشعوب الأخرى، كما لا يعني هذا التنوع أن يتصادموا ويتنازعوا، من أجل الثروة والقوة والسيادة،وإنما ليتعارفوا.

9/ لا يكفي أن يدرك الناس في أممهم وحضاراتهم، أنهم من أصل إنساني واحد وينتهي كل شيء، بل بحاجة إلى أن يتعارفوا، وأن يصل مستوى هذا التعارفكالذي يتحقق بين الأسرة ذات الأصل الواحد. وأن يصل التعارف بالعالم إلى مستوى يعيشوا فيه كما لو أنهم أسرة إنسانية ذات أصل إنساني واحد. وهذا يعني أن ما يريده القرآنالكريم للإنسانية هو مستوى رفيع وعال جداً من العلاقات.

10/ من غير أن يكون هناك تعارف بين الأمم والحضارات، لن يكون هناك حوار ولا تعاون. وأن التعارف هو الذييحدد مستويات الحوار والتعاون، ويثريهما، ويثمرهما. كما أن التعارف له دور في منع النزاع والصدام بين الأمم والحضارات. لهذا فإن إختيار مفهوم التعارف - والذي نستخرج منهمفهوم تعارف الحضارات - هو أكثر دقة، وأحسن تفضيلاً في السياق الذي تحدثت عنه الآية.

11/ إن القرآن الكريم حينما يطرح التعارف فإن هذا المفهوم يستتبع معه مفاهيمالانفتاح والتواصل والسلام ومد الجسور، وعدم الانغلاق والقطيعة والكراهية، التي هي شرائط التعارف من جهة تحققه. ومن التعارف هناك ما يترتب عليه، من جهة المعطياتوالمنافع، وهنا تبرز مفاهيم التعاون والترابط والتبادل. كل هذه المفاهيم تؤكد حيوية هذا المفهوم وفاعليته.

12/ إن المقصود من التعارف هنا، هو المعنى الأعموالأشمل لهذا المفهوم الذي يتجاوز الحدود السطحية المتعارف عليها، إلى ماهو أعمق من ذلك، والذي من أبعاده أن تتعرف كل أمّة وكل حضارة على إمكانات وقدرات وثروات الأمموالحضارات الأخرى، بالإضافة إلى معرفة الظروف والمشاكل والتحديات، وكل ما يتوقف ويترتب عليه التعارف.

13/ لا يلغي القرآن الكريم مبدأ التفاضل بين الناس، وبينالشعوب والقبائل، لأنه يعبّر عن واقع موضوعي لا يتعارض مع مبدأ العدل والمساواة. والذي حاول القرآن أن يغيّره هو مقاييس التفاضل، من مقاييس التفاخر بالأنساب وبالقوموالقبيلة والعشيرة والعرق، إلى مقاييس عليا تربط الأمم والحضارات بالقيم العليا وبأعلى هذه القيم وهو الإيمان باللّه سبحانه وتعالى.

14/ إن الأحقاد والكراهيةوالبغضاء تحصل بين الناس وبين الأمم والشعوب حينما تتمحور معايير التفاضل في إطار عالم الإنسان، وتتحول إلى عصبيات تتعالى فيها معايير القوم والعرق واللغة والقبيلةوالعشيرة، وهكذا حينما يتحول الدين والمذهب، وحتى العلم والثقافة إلى عصبيات وتطرف. وتتعالى الأمم والشعوب عن هذه الأحقاد حينما تخرج معايير التفاضل من عالم الإنسانإلى عالم اللّه سبحانه وتعالى خالق الإنسان. فالأكرمية هي عند اللّه وليس عند الإنسان: (إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم).

15/ شخصية كل أمة في كرامتها، لأن الكرامةهو التعبير الحقيقي لوجدان كل أمة وهي التي تشكل للأمم نظرتها الى ذاتها، وإلى مكانتها وسيادتها وعزتها. وأكثر ما تصاب به الأمم حينما تتأثر كرامتها، حتى قيل إن ألمانيادخلت الحرب العالمية الثانية انتقاماً من الإذلال الذي فرضته عليها دول الحلفاء بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.. فالأمّة لها كرامة، كما الإنسان الفرد له كرامة..

16 / العلاقات والروابط بين الأمم والشعوب والحضارات في المنظور الإسلامي، ليست مجرد مصالح ومنافع، وليست محكومة بالسياسة والاقتصاد فحسب، وإنما هناك القيموالآداب والأخلاق: (إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم). والتقوى هي التي تجمع القيم والآداب والأخلاق وترمز إلى منظومة القيم والأخلاق.

17/ إن العالم لا يستطيع أنيعالج أزماته ومشاكله بالسياسة فحسب، أو بالاقتصاد والعلم فقط، فالسياسة تحولت إلى أداة لجلب المصالح، والاقتصاد محكوم بالمنافع وبقاعدة الربح والخسارة، والعلم انفصلعن القيم. والذي يضيفه الإسلام في هذا المجال، مجال العلاقات الدولية هو ادخال منظومة القيم والأخلاق 'التقوى'. فقد بات من المؤكد أن العالم بأمسّ الحاجة إلى منظومة منالقيم والأخلاق ، لأن من أشد ما يفتقده العالم المعاصر ويتضرر كثيراً بافتقاده هو انعدام العامل الروحي والوجداني والأخلاقي في العلاقات الدولية وبين الأمم والحضارات.

18/ إن التقوى باعتبارها الإطار الجامع للقيم والآداب والأخلاق ترفع العصبيات بكل أشكالها العرقية والقومية والطبقية، والتي هي من أشد العوائق سبباً فيانقسام الأمم والشعوب وتصادمها، هذا من جهة السلب . أما من جهة الإيجاب. فإن التقوى تعطي دفعة قوية للتعارف، وفي توثيقها، والمحافظة عليها، وفي تطويرها وتفعيلها.

19/ أن يرتضي الناس والأمم والحضارات ما يختاره اللّه سبحانه وتعالى لهم من سنن وقوانين وآداب وقيم وأخلاق، في سعيهم لعمارة الأرض وبناء الحضارة، لأن اللّه هو'العليم الخبير' . وإذا كان الناس يأخذون من صاحب العلم والخبرة من البشر، فاللّه سبحانه وتعالى هو أعلم العالمين، وهو الذي أعطى الإنسان العقل والإستعداد على اكتسابالعلم، وهو الذي يهدي إلى سبيل الصواب.

هذه بعض المستخلصات من هذه الآية الكريمة، التي تكوّن لنا مرتكزات أساسية لتعارف الحضارات، وكيف أن هذه الحقائقوالمرتكزات على درجة من الحيوية والأهمية تعطي هذه الرؤية 'تعارف الحضارات' القدرة على التشكل من خلال بنية من المعارف على قدر من التماسك.

تعارفالحضارات.. رهانات الواقع وطريق المستقبل

الملاحظ بصورة عامة أن كل حضارة تشتكي من الحضارات الأخرى أنها لا تُعرف بالشكل الذي ينبغي، أو لا تُعرف إلا من خلالبعض الظواهر العابرة والسطحية والمحدودة، الأمر الذي يؤكد أن هناك جهلاً متبادلاً بين الحضارات. هذا الجهل هو من أشد العوائق تأثيراً في عرقلة حوار الحضارات، ويكونسبباً في أي تصادم يحصل بين الحضارات. ورفع هذا الجهل بين الحضارات هو أحد أبعاد مقولة تعارف الحضارات، والذي ينبغي أن يشترك الجميع في رفعه، لمعرفة الآخر.

والجهد الهام الذي قدمه 'روجيه غارودي' في كتابه 'من أجل حوار بين الحضارات' والذي يعطي الكتاب أهمية خاصة، أنه يحاول أن يُعرّف بين الحضارات، ولعل هذه المعرفة التيكوّنها 'غارودي' لنفسه، هي التي أوصلته إلى ضرورة حوار الحضارات. والذي حاول أن يؤكد عليه الأمير 'تشارلز' ولي عهد بريطانيا، الذي يعبر اليوم عن واحد من أنضج الخطابات فيالغرب في النظر والحوار والعلاقة بالإسلام، أراد أن يؤكد للغرب أن الإسلام لا يمكن أن يعرف من خلال ما يجري في البلاد العربية والإسلامية من تطرف وإرهاب وتدني مستوىالتعليم وانتشار الأمية، وأن يؤكد للعالم الإسلامي أيضاً أن الغرب ليس مجرد إنحلال وقتل واغتصاب وتعاطي المخدرات.. فهذه الصورة تعد ناقصة ومشوشة للطرفين.

ففيمحاضرته التي ألقاها في أكتوبر / تشرين الأول 1993م، في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة اكسفورد، قال فيها: 'إننا ومازلنا نحتاج إلى بذل جهد أكبر لتفهّم كل منا الآخر، وأننتخلص من سموم التفرقة ومن أشباح الخوف والتشكك، وكلما طال مشوارنا في هذا الطريق فإننا نكون قد خلّفنا عالماً أفضل لأطفالنا وللأجيال المقبلة'. والمؤتمرات والندواتالتي نظمتها بعض الحكومات الأوربية في هولندا والسويد وإسبانيا وعدد آخر من هذه الدول، جاءت لتؤكد الشعور المتنامي عند الغربيين بضرورة تعميق المعرفة بالإسلاموالحضارة الإسلامية. كما أن ذات الشعور يتنامى في العالم الإسلامي كاشفاً عن حاجة ملحّة بتوسيع المعرفة وتعميقها بالغرب وحضارته، وفي هذا السياق تأتي دعوات لتأسيس علمللاستغراب، وكلية متخصصة لدراسة الغرب والحضارات الغربية.

وإدراك هذا الأمر يكون أعمق ويأخذ مساحة واسعة إذا كان النظر إلى باقي الحضارات الأخرى، حيث أن نقصالمعرفة والاطلاع والجهل يكون واضحاً بصورة كبيرة.. وقد حاول 'سنغور' أن يدافع عن الحضارة الإفريقية ومشاركتها في الحضارة الإنسانية، في كتاباته حول 'حوار الثقافات' مع ماتتعرض إليه هذا الحضارة من تهميش وتغييب إلى درجة أن 'هنتيغتون' يتردد في أن يضع الحضارة الإفريقية إلى مصاف الحضارات السبع الأخرى وهي الغربية والكونفوشيوسيةواليابانية والإسلامية والهندية والسلافية الارثوذوكسية والأمريكية اللاتينية. على خلاف ماذهب إليه 'مارتن بيرنال' في كتابه 'أثينا السوداء' الذي أراد أن يعيد الذاكرةالإنسانية إلى الدور الذي لعبته إفريقيا في إثراء الحضارات الإنسانية القديمة، وهي التي تستحق الاحتفاء من العالم بدل الإغريق.فالشواهد كثيرة التي تؤكد على الحاجة إلىأن يبدأ العالم التعارف بين الحضارات، ورفع الجهل وتعميق المعرفة بينها، فهذا الذي يمهد السبيل إلى حوار الحضارات، ومن المفترض أن يجنب العالم الصدام بين الحضارات.

أما مدى أن يأخذ هذا المفهوم 'تعارف الحضارات' مكانته من الجدل والنقاش الدائر على نطاق واسع بين النخب والأوساط العلمية ووسائل الإعلام، فهذا راجع إلى ما نقتنع بهنحن في العالم العربي والإسلامي بالأفكار التي نقدمها ونثق بها، ونجد أن من الجدير أن نعطيها من الأهمية ما تستحق، لا أن نكون مجرد مسحورين بالأفكار التي تأتي لنا جاهزةمن الخارج، ومن الغرب تحديداً. فالأمة التي لا تبدع لنفسها أفكارها وتثق بها وتعلي من شأنها، لن تكتشف ذاتها، وطريقها إلى المستقبل!


1- باحث سعودي، رئيس تحرير مجلة 'الكلمة'.

2- الحقوق الفردية. وتأثيرها السلبي على النموذج الأمريكي. فرنسيس فوكوياما مقال نشره في جريدة الشرق الأوسط، لندن،العدد 6092 الخميس 3/8/1995 .

3- قراءة في تقرير فرنسي عن العلاقات الدولية الجديدة!. قيس جواد العزاوي، الحياة، لندن، 10 حيزران، يوليو 1995م.

4- تصادم المجتمعاتالغربية نحو نظام عالمي جديد. جيمس كورت، الثقافة العالمية، الكويت، ملف عالم ما بعد الحرب الباردة، السنة الثالث عشرة، العدد ، 77 ص ، 7 يوليو 1996م، صفر 1417هـ . هذا المقالجزء من دراسة للكاتب وهو أستاذ العلوم السياسية بكلية سوارتمور، نشرها بعنوان 'الصدام الحقيقي' نهاية خريف 1994م.

5- ترجمه عن الفرنسية: أحمد عبد الكرم، دمشق: دارطلاس، 1991م، ص 75 .

6- انظر الحوار الذي نشرته مجلة المجلة مع 'هنتيغتون' لندن، العدد 896، 13 إبريل. نيسان 1997.

7- أنظر مراجعة على كتاب 'صدام الحضارات' عبد اللّهبن علي العليان، الحياة، لندن، العدد، 12547 الاثنين 7 تموز. يوليو 1997م.

8- حوار الحضارات. روجيه غارودي، ترجمة: د. عادل العوّا، بيروت. بارى، منشورات عويدات، إبريل1978م، ص 8 .

9- الحركة الإسلامية ومعالم المنهج الحضاري: زكي الميلاد، بيروت: دار البان العربي، 1991م / ص 130 - 131، نقلاً عن مجلة الطليعة الإسلامية صدرت في لندن وتوقفت.العدد، 15 سنة 1984م.

10- الحضارة الغربية دمج حداثات والإسلام أول من سعى إلى العالمية. برنارد لويس، السفير، بيروت، الجمعة 7/2/1997م، ترجمة: فؤاد حطيط عن دورية 'فورينأفيرز' الأمريكية، كانون الثاني ز شباط. 1997م. وقد اعتبر المترجم أن المقال نقد على هنتيغتون من غير أن يسميه.

11- عصر الغلبة: اكتشاف أميركا والمركزية الأوروبية.وليد نويهض، بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1992م، ص 174.

12- الثقافة العالمية. ملف عالم ما بعد الحرب الباردة، مصدر سابق، ص 21 .

13- فيحوار الحضارات. د. هشام نشابه، ورقة مقدمة لمؤتمر 'المسلمون وحوار الحضارات في العالم المعاصر' الدورة العاشرة للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية. مؤسسة آل البيت.عمان. الأردن 7 - 9 صفر 1416هـ / 5 - 7 تموز ، يوليو 1995م.

14- حوار الحضارات. مصدر سابق، ص 190 - 191 .

15-المصدر نفسه. ص 9 .

16- مقالة برنارد لويس. السفير، بيروت،مصدر سابق.

17- الأبعاد المعرفية لحوار الحضارات. د. طه جابر العلواني، ورقة مقدمة لمؤتمر 'المسلمون وحوار الحضارات في العالم المعاصر' الدورة العاشرة للمجمعالملكي لبحوث الحضارة الإسلامية . مؤسسة آل البيت. عمان - الأردن. 7 - 9 صفر 1416هـ / 5 - 7 تموز -يوليو 1995م.

18- الحجرات / 13 .

19- أنظر الفرقان في تفسير القرآن. الشيخمحمد الصادقي، بيروت: مؤسسة الأعلمي 1978، ج 26. 27، ص 257.

20- أنظر مجمع البيان في تفسير القرآن. الشيخ أبو علي الفضل الحسن الطبرسي، بيروت: دار مكتبة الحياة، ج 6 ، ص 81 .

21- أنظر الميزان في تفسير القرآن. السيد محمد حسين الطباطبائي، بيروت: مؤسسة الأعلمي، 1973م، ج 18، ص 305.

22- المصدر نفسه، ص 326.

23- من هدى القرآن، السيدمحمد تقي المدرسي، بيروت: دار البيان العربي، ج 13، ص 434.

24- الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، بيروت: مؤسسة البعثة، 1992م، ج 16، ص 81 .

25- أنظر مجمع البيان في تفسير القرآن. مصدر سابق. ج 6، ص 96 والجدير بالذكر أن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي نشأت في القاهرة قد اعتمدت هذا الكتاب في تفسيرالقرآن ليكون مرجعاً للسنة والشيعة.

26- موسوعة: له الأسماء الحسنى. د. أحمد الشرباصي، بيروت: دار الجيل، 1981م، ج 1، ص175 .

/ 1