بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وإزاء هذه الكثرة الكادحة ثمة قلة من الأغنياء أو السادة أو الآلهة، أو السراق أو الطغاة: "كانوا كآلهة مقطبة الجباه من الصخور/تمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء/متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء"(450) إنهم: "مترفون.. فجار.. سراة متخمون.... ويسرقون"(451) وتصور القصائد حياة هؤلاء الأغنياء في قصورهم وبذخهم وجورهم.. وما بين هذين القطاعين من المجتمع يكون ثمة التناقض والصراع ويكون عذاب الأكثرية وشقاء الملايين..وصورة هذا الشقاء: هو الجوع والفقر والمرض والكدح والخوف والجهل والانسحاق.ويمثل الجوع الصورة الأكثر اتساعاً في هذه المعاناة.. فيكون التناقض في معنى أن تصنع هذه الأكثرية الخبز وهي جائعة."زرعوا ولم نأكل ونزرع صاغرين فيأكلون"(452) "وقضى عليه بأن يجوع.. والحقل ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء"(453) وبسبب من هذا يكون الرغيف هو رمز المعاناة والتعبير عن الصراع والحاجة:إنه "الخبز العريق/حلم الملايين الجياع من الرقيق"(454) "ومن ألف ألفٍ والحياة عنانها بيد الرغيف/يا أنت هذا الرغيف لكم تخيف"(455).ثم يكون الفقر وما ينجم منه من حرمان وانسحاق ورمز هذه المعاناة هو المال والنضار والثروة والخيرات:"المال شيطان المدينة/رب فاوست الجديد/جارت على الأثمان وفرة ما لديه من العبيد/الخبز والأسمال حظ عبيده المتذللين"(456) "سيظل غاصبها يطاردها وتلفظها البيوت/ستظل مادامت سهام التبر تصفر في الهواء(457)"."في كل عام حين يعشب الثرى نجوع /ما مرَّ عامٌ والعراق ليسَ فيه جوع"(458) "حيث القباب وحيث آبار الزيوت/يتلاقيان على صعيد/ وحولها شعب يموت"(459) ويدرك المتتبع من خلال كل هذا أن الشعراء كانوا يجهدون لتعميق الإحساس بتناقض الواقع، ولكنهم في الواقع لم ينجزوا شيئاً مهماً في هذا المجال فالمعاني التي أشاروا إليها لم تكن تمثل تطوراً مهماً لما تضمنته القصائد التقليدية التي عبر بها الجواهري مثلاً عن هذا الموضوع.ويحتل الفلاحون الرقعة الأوسع من صور الواقع الطبقي في قصائد الشعر الحر، لقد اتجه أكثر الشعراء إلى تصوير ما كان يعانيه الفلاح في الريف تحت ضغط الإقطاع من بؤس وحاجة وكدح، ذاك أن الريف كان بالنسبة لأكثرهم يمثل خبرة ما تزال آثارها عالقة في أذهانهم عدا عن الفلاحين كانوا ـ وما يزالون ـ يمثلون الطبقة الأوسع في المجتمع العراقي، ويمكن أن يضيف الباحث إلى هذا حقيقة أن الريف كان يقدم للشعراء من مفردات الطبيعة ما درجوا سابقاً على اصطناعه في صياغة رومانسية.ومن هنا فلا نكاد نقع على نماذج لشاعر لم تغر بتصوير الريف ولم تتجه إلى معاناة الفلاحين.. ويمكن أن نشير في هذا المجال مثلاً إلى "قصيدة "الحصاد" لعبد الرزاق عبد الواحد "وسوق القرية" و"القرية الملعونة" و"الحديقة المهجورة" لعبد الوهاب البياتي. و"أسبوع في حصان" "لمحمد جميل شلش" ورسالة إلى القرية الجنوبية (لحسن البياتي).. وإلى عدد من قصائد سعدي يوسف في مجموعة "51 قصيدة" كقصيدة "حمدان" و"ميت في بلد السلامة" و"القرية" و"العودة إلى القرية" لموسى النقدي.ويعمد بعض الشعراء إلى جلاء صورة العلاقة بين الفلاحين والإقطاع، فالسياب في "المومس العمياء" مثلاً يقدم لنا صورة الفلاح والد البغي وهو جائع إزاء حقل مفعم بالسنابل، ويرينا أن الجوع دفع بالفلاح لأن يسرق من الحقل الذي كان يعمل فيه لحساب الشيخ، وبأن ذلك أدى بالشيخ إلى قتل الفلاح لأنه "رآه يسرق".