عودة الی البحر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عودة الی البحر - نسخه متنی

احمد زیاد محبک

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


[IMAGE: 0x08 graphic]
العودة إلى البحر
د. أحمد زياد محبك
العودة إلى البحر
قصص قصيرة
من منشورات اتحاد الكتّاب العرب
[IMAGE: 0x08 graphic]
دمشق-2001
تل أم أحمد
طرقتان واثقتان، ولكن في احترام، ويفتح
باب مكتبي، ويطل عليّ وجه أسمر، بشاربين
كثيفين، وعينين تنبضان ثقة وحباً، ملأ
دخوله وجداني كله، تلقيته بقلبي ومعرفتي
وعواطفي، دفعة واحدة، مثل ضوء يغمر الكون
فجأة، كاليوم الذي أشرفت بي فيه السيارة
على قريته، قرية التل، فرأيتها كلها دفعة
واحدة، ببيوتها الطينية ذات القباب
الدافئة، الملتفة حول تل صغير يتوسط
القرية، رأيتها أول مرة فعرفتها على
الفور، ملكتها كلها، بل ملكتني كلي، كأني
أعرفها، وكأنها تعرفني منذ ألف عام، كأني
رأيتها من قبل في الحلم، ثم رأيتها في
الواقع، كان الفصل ربيعاً، وكل شيء يموج
وينفث عطره الحي الفاغم، وحين دخلتها ملأت
صدري رائحة ترابها، ورائحة الخبز في تنور
تقف أمامه امرأة محمرة الوجنتين
والساعدين، وهي تمد يدها برشاقة إلى داخل
التنور، وتسحب رغيفاً، تقدمه إلي،
فأتناوله منها، وأقول لها: "على العافية"،
وأحس أني قد أصبحت جزءاً من قرية التل، من
نارها وترابها وهوائها، وهذا هو حسين،
لابد أن يكون هو، بل إنه هو.
"هذا أنت يا حسين؟"
وقمت إليه، فتحت له ذراعيّ، وعانقته.
"نعم، هذا أنا يا أستاذي، أراك ذكرتني على
الفور؟!"
"وكيف أنساك يا حسين؟!"
قرية التل هي أول مكان في العالم أرى من
خلاله العالم، كلفت بالتدريس فيها، وأنا
ما أزال طالباً بالجامعة، فكان فيها أول
عهدي بالتدريس والعمل والحياة والناس
والعالم، فيها عملت أول مرة في حياتي،
وكسبت الرزق، وبفضلها لمست يدي أول مرة
نقوداً أكسبها بعرق الجبين، وفيها عرفت
أول مرة حلاوة التدريس وصعوبته، ومتعة
التعرف إلى الناس والاختلاط بهم، وفيها
ذقت أول مرة الخبز الذي لم أذقه في بيتي،
وفيها شربت أول ماء لم أشربه في بيتي، فيها
أكلت خبز الحنطة الخالصة، وشربت فيها
الماء المسحوب من البئر، بما فيه من ملوحة
ورمل وعكر، وفيها عرفت أم أحمد.
"أهلاً يا حسين، أصبحت رجلاً، لاشك أنك
تخرجت من الجامعة"
"سنة أخيرة في كلية الطب"
"عظيم، عظيم جداً يا حسين"
"نحن نتابع أخبارك يا أستاذ، وقد علمنا
بنيلك الدكتوراه، وانتقالك إلى الجامعة"
"أوه، شكراً، شكراً يا حسين"
كانت قرية التل بالنسبة إليّ جمهورية
أفلاطون، أو لعلي هكذا رأيتها، وكان وصولي
إليها يوم سوقها الأسبوعي، ففي يوم من أيام
الأسبوع، وأظنه الاثنين، يعقد فيها سوق
يأتي إليه الفلاحون من كل القرى، يحملون
غلال أرضهم لبيعها، كما يأتي إليها
البائعون من المدينة يحملون حاجات وبضائع
كثيرة مما يحتاجه أهل القرى، ولعل أول ما
لفت نظري في سوقها الجمال، كانت أول مرة
أرى فيها الجمال، وأنا ابن المدينة، طالما
قرأت عنها في الشعر، ولكني رأيتها في السوق
رؤية العين، فسررت جداً برؤيتها، ثم رأيت
باقات البنفسج والنرجس تبيعها الفلاحات،
باقات زكية الرائحة، فاشتريت باقة بنفسج.
في قرية التل حسبت نفسي أمام نموذج مصغر
للعالم كله، والتل الذي رأيته من بعيد،
بدا لي داخل القرية كبيراً، كبيراً جداً،
وكأنه نسر يحميها، وبيوتها تلتف من حولـه،
فأثار خيالي، وبدا لي كأنه مركز الكون
وقطبه، وعلى الفور تاقت نفسي إلى صعوده،
ولم أتردد في سؤال طلابي عن إمكان صعوده

/ 46