بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
د.حورية محمّد حموحركة النقد المسرحي في سورية1967 - 1988* دراســــــــة *المقدمةلقد كثرت الدراسات التي تتناول المسرح والنصوص المسرحية بالنقد والتحليل، ولم يظهر حتى الآن دراسة تتناول تلك الكتب بالنقد، لذلك رأيت أن أختار هذا البحث.آملة أن يكون عملي مشكلاً نقطة بدء سواء من ناحية الدفع إلى إكمال تلك الاتجاهات وإنضاجها، أو من ناحية إضافة أبعاد جديدة تدخل المسرح المجلات الحيوية التي لاقاها فن الشعر والرواية والقصة.ولهذا فإن الخطوات التي اتبعتها في البحث كانت على الشكل التالي:1- في مدخل هذا البحث ألقيت نظرة سريعة على المرحلة السابقة للفترة التي تمّ تناولها، وبدأت مع بدايات تأسيس المسرح العربي على يد "أبو خليل القباني" الذي تفرغ للفن المسرحي تأليفاً وإخراجاً، وظهرت البذور النقدية التنظيرية واضحة في بعض مقولاته، وتابعت مسيرة هذا الفن بما طرأ عليه من جمود وتطورات إلى أن وصل إلى ما قبل حزيران 1967، إذ كان النقد المسرحي في تلك الفترة في معظمه مجرد مقالات متفرقة في الصحف والمجلات، وما قدّمه أدهم الجندي وشاكر مصطفى ما هو إلا تأريخ لبدايات هذا الفن على يد "مارون النقاش" و"أبو خليل القباني" وتلامذته من بعده.2- كانت نكسة حزيران مرحلة تحويل خطيرة، بالنسبة إلى الوطن العربي بشكل عام والقطر العربي السوري بشكل خاص سواء على صعيد الواقع الاجتماعي والسياسي أو على صعيد الفنون والآداب وخصصت بالذكر النقد الذي أسهم إلى جانب النشاطات السابقة في تشكيل صورة النقد المسرحي بأسلوب مباشر أو غير مباشر.3- لقد أدرك النقاد دور المسرح في الحياة الاجتماعية، مما دفعهم إلى الاهتمام بفاعليته عن طريق النقد الذي يرفده، ويدفع بعجلة المسرح والنص المسرحي خطوات، فتفرعت النصوص النقدية وتعددت أنواعها، فمن النقد التأريخي إلى النقد الاجتماعي إلى النقد الفني فالنقد الاعتقادي ثم النقد التحليلي، وقد اعتمدت في استخراج هذا الأنواع على الكتب المؤلفة فحسب، دون الاعتماد على ما صدر من مقالات نقدية في الدوريات.4- على أن نقادنا لم يكتفوا بذلك بل كانت نظرتهم أكثر شمولاً حين عالجوا قضايا تتعلق بالمسرح بشكل عام، سواء على صعيد المضمون أو على صعيد الشكل، فقد تناولوا بالبحث قضايا اللغة والحوار المسرحي، وعلاقة المسرح بالواقع ومدى اتصاله بالتراث وإفادته من المسرح الغربي.5- وتأخذ الرؤية النقدية بالاتساع لتضم الناحية التنظيرية، التي تتجسد في الرؤية المستقبلية للمسرح والأدب المسرحي، والتي تقوم على البحث عن الشخصية العربية للمسرح، وتبيان هويتها من خلال التعرض لعدة مشكلات: معرفة العرب للمسرح في العصور القديمة أو عدم معرفتهم، وطبيعة العلاقة في العصر الحديث مع المسرح الغربي، والطرق المساعدة على صنع مسرح عربي يرتبط بواقع المجتمع ويعالج قضاياه.- وفي خاتمة هذا البحث استعرضت أهم ما توصل إليه من نتاج تجلت في الحاجة إلى التخصص في المسرح وملاحظة إن كان النقد المسرحي قد واكب العروض المسرحية أو قصر عنها، وكيف تعامل نقادنا مع المصطلحات النقدية ولاسيما المستوحاة من النقد المسرحي في الغرب.- ومما لا شك فيه أن مصادري الأولى هي المؤلفات النقدية في المسرح التي ظهرت للكتاب السوريين ما بين عام 1967- 1988 بالإضافة إلى المقالات المنشورة في الدوريات.وقد كان تناولي لها تناولاً شمولياً، حاولت فيه وضع كل عمل نقدي في مكانه من التطور التاريخي، كما حاولت أن أتبين أبرز الملامح الخاصة لكل عمل نقدي، وعلى ذلك فإنّ منهجي في البحث كان تأريخياً نقدياً.وعلى الرغم من أن النقد المسرحي لم يحظَ حتى الآن بتأريخ شامل فلابد من الإشارة إلى أنني أفدت بصورة خاصة من بعض المصادر المتميزة في هذا المجال، وأبرزها مؤلفات "عدنان بن ذريل" و"أحمد سليمان الأحمد" و"رياض عصمت" و"فرحان بلبل" و"عبد الله أبو هيف" و"أحمد زياد محبك".آملةَ أن يكون عملي هذا لبنة متواضعة في بناء صرح النقد المسرحي في سورية.والله ولي التوفيقد. حورية حمو- 1991م.المدخلبدايات النقد المسرحي في سورية1- منذ أبي خليل القباني وحتى عام 19182- بين الحربين العالميتين.3- بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1967.1- منذ أبي خليل القباني وحتى عام 1918:يعود الفضل في نشأة فن المسرحية في سورية، إلى فنان موهوب، كان يجيد الغناء، ونظم الأشعار، وحبك القصص، هو أبو خليل القباني (1833- 1902) الذي ولد في دمشق، من أصل تركي يتصل بأكرم آقبيق ياور السلطان "سليمان القانوني" ولقب في عهده بالقباني، لأنه يملك قبان باب الجابية نسبة إلى القبانيين، التي كانت في ذلك التاريخ ملكاً لفريق من العائلات، في كل حي من أحياء دمشق().وقد سخر القباني حياته لخدمة هذا الفن إذ "قيل له إن في الغرب فناً هذه صورته فقلّده، وقيل إنه شهد روايةً واحدةً مُثلت أمامه في إحدى المدارس الأجنبية، ولمّا كانت عنده أهم أدوات التمثيل وهو الشعر والموسيقا والغناء، ورأى أنه لا ينقصه إلا المظاهر والقوالب، أوجدها وأجاد في إيجادها"().وقد ازدهر مسرحه في زمن الوالي مدحت باشا (1878- 1879) الذي شهدت البلاد في فترة حكمه تقدماً وتطوراً لم تشهدها من قبل، فقد عُرف عنه حبه للإصلاح والتقدم والتنوير، إضافة إلى حبه للفن المسرحي والعمل على نشره، فقدم المساعدات المادية والمعنوية للفنان "أبو خليل القباني" إذ أمر بصرف مبلغ من المال()، وكلّفه بتمثيل رواية ليشاهدها فكانت تلك المرحلة نقطة تحول حاسمة في حياة القباني؛ فعندما لقي التشجيع أكرى مرسحاً وألف فرقة، وبدأ مسرحه يظهر إلى النور.إلا أن محاولة القباني لم تعمر طويلاً (1878- 1884) فقد أجهضت في مهدها وتوقف عن العطاء بأمر من (الأستانة) بعد احتجاج رجال الدين، زاعمين أن هذا الفن منافٍ للأخلاق، وبعيد عن الدين، وقد جاء في شكواهم ما نصه حرفياً: (إن وجود التمثيل في البلاد السورية مما تعافه النفوس الأبية ونراه على الناس خطباً جليلاً ورزءاً ثقيلاً لاستلزامه وجود القيان ينشدن البديع من الألحان بأصوات توقظ أعين اللذات في أفئدة من حضر من الفتيان والفتيات فيمثل على مرأى من الناظرين ومسمع من المتفرجين أحوال العشاق، فتطبع في الذهن سطور الصبابة والجنون وتميل بالنفس إلى أنواع الغرام والشجون والتشبه بأهل الخلاعة والمجون، فكم بسببه قامت حرب الغيرة بين العوازل والعشاق وكم سلب قلب عابد، وفتن عقل ناسك، وحل عقل زاهد)().- لا شك أن هذه الحجة هي السبب الظاهر للقضاء على مسرح "أبو خليل القباني" لكن السبب الحقيقي يكمن في القضاء على رسالته، ومحاربة غاياته في تنوير الأذهان، ونشر الفضيلة() ومحاولة إصلاح المجتمع في زمن كان فيه العرب ينهضون محاولين الخلاص من سيطرة الأتراك، وبذلك يكون نشاط القباني الفني قد ترافق مع نشاط الأحرار العرب، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أثر المسرح بين باقي المؤثرات كالكتاب المطبوع، والقصة القصيرة، والمقالة، فالمسرح هو امتداد للواقع، وهو أداة اتصال مباشرة مع الجمهور، باختلاف انتماءاته الطبقية والثقافية.- لكن وإن أجهضت محاولة القباني الأولى في دمشق، فقد كانت له محاولة أخرى في بلد عربي آخر ليكمل رسالته التي بدأها، فتوجه إلى مصر العربية، وازداد قوةً وصموداً، وعزماً على التضحية في سبيل إتمام مسيرته الفنية، وإيمانه بقدرة المسرح على تنوير الأذهان، وصحوة العقول.تآليفه:لقد كان القباني ملحناً وممثلاً، فقد أجاد في الموسيقا، وأبدع في فنون رقص السماح والإيقاع، وكان ضليعاً بالتأليف المسرحي، إذ جادت قريحته بتأليف ثمان وستين رواية عرف منها ناكر الجميل- والشاه محمود- والسلطان حسن- وأسد الشرى- ولوسيا- وعنترة- وهارون الرشيد وأنس الجليس ومتريدات وعفيفة وملتقى الحبيبين وأسما وسليم وديك الجن الحمصي وولادة.- أما المصادر التي استقى منها موضوعات مسرحه، فقد كانت مأخوذة من التراث العربي، ومن الواقع المعيش آنذاك، ومن المسرح الغربي.لقد أدرك القباني منذ البداءة أن النتاج الفني الذي يريد غرسه في التربة العربية هو فن غريب عنها، لذا فقد اختار الموضوعات التراثية لتسهيل عملية التخاطب مع الجمهور العربي، وتيسير عملية التوصيل التي يمكن أن تتمّ من خلال محادثة الجمهور العربي عبر ذاكرته التاريخية والحضارية، فكانت موضوعات مسرحه تعتمد في أكثرها على حكايات ألف ليلة وليلة التي استقى منها مسرحية (أبو حسن المغفل) التي رويت في الليلة الثالثة والخمسين بعد المئة ومسرحية (هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب) ومسرحية (هارون الرشيد مع أنس الجليس) ومسرحية (الأمير محمود نجل شاه العجم) أما مسرحية (مجنون ليلى) ومسرحية (ديك الجن الحمصي) ومسرحية (عفة المحبين أو ولادة) فقد استقاها من التراث الأدبي واستقى مسرحية (يزيد من عبد الملك مع جاريته حبابة وسلامة) من التاريخ العربي، واستقى من السير الشعبية مسرحية (عنترة) ومسرحية (عفيفة).- إلا أن القباني في اعتماده على التراث كان ناقلاً أكثر منه مبدعاً؛ إذ حافظ في أكثر رواياته المستوحاة من التراث العربي على أسلوب الحكاية الأصلية، ومعالجتها للحوادث، والشخصيات، ولعله هدف من وراء ذلك إلى نقل موضوع (حكاية) قريبة من الجمهور، لاستمالته ومحاولة تحقيق عملية التوصيل.- أما المسرحيات المقتبسة فهي مسرحية (لباب الغرام أو الملك متريدات) لمؤلفها راسين ومسرحية (الخل الوفي) لمؤلفها الفردوي موسية وقد ترجمها إلى العربية محمد المغربي ومسرحية (عايدة) التي ترجمها سليم النقاش عن الإيطالية، وتعدّ هذه المسرحيات قليلة قياساً إلى المسرحيات المعتمدة على التراث، ذلك أن القباني حاول أن يبتعد عن تمثيل المعربات، بسبب نشأته الدينية وثقافته العربية الإسلامية() أو ربما لأن موضوعات هذه المسرحيات تنتمي إلى مجتمع غريب عن المجتمع العربي وعن البيئة المحلية، وهو الذي حاول أن يقرب هذا الفن من المجتمع العربي عند غرسه البذرة الأولى، لذا فقد قدم هذه المسرحيات بعد أن ألبسها لبوساً عربياً، ففي مسرحية (لباب الغرام) حافظ القباني على أسماء الشخصيات الأصلية وعلى الحدث المحوري، إلا أنه أدخل عليها الشعر والغناء والموسيقا والرقص، وتصرف أحياناً ببنائها الفني.- إلا أن اعتماد مسرح القباني على التراث لم يلغ ارتباطه بالواقع، والاستمداد منه، فالمتتبع لمسرح القباني يلاحظ أن ملامح البيئة المحلية قد انعكست في رواياته ومثلت المجتع، وربما جسدت معاناة الإنسان من خلال ما قدمه من صور وحوادث، فمن قبيل ذلك ما رآه بعض الدارسين من أن صورة السجن لم تغب عن مسرح القباني، ففي كل رواية لابد من منظر وراء القضبان، والسجن هو (الأزمة الرئيسية دوماً عنده، ولعل القباني يعكس فيها واعياً أو غير واعٍ سجن مجتمعه في تقاليده أو سجن بلاده وأمته تحت الإرهاب الحميدي أو سجن الأفكار الحرة في الناس أمام الكابوس الرجعي)().- ولعل الانطلاق من واقع الجمهورالعربي، ومحاولة التأثير فيه، هي التي جعلت القباني ينطلق في مسرحه من البيئة المحلية، وهذا يعدّ إيجابية متقدمة، قياساً إلى عصره، ذلك أن قضية الانطلاق من واقع الجمهور العربي، ومن البيئة المحلية، وتقديم الأعمال المسرحية بما يتناسب مع نفسية الجمهور، بهدف الإيقاظ والوعي والتغيير هي الدعوة التي انطلق منها بريخت في مسرحه، وهي الأفكار نفسها التي طرها ونوس في بياناته().وظيفة المسرح عند القباني ودوره:لقد أكد القباني أن ما يقدمه ليس لهواً ولا تسلية وإنما هو عظة وعبرة، يستفيد الرائي ويتعظ، من خلال عرض قصص الأجداد، وما أحرزوه من أمجاد، وقد جمع أفكاره تلك في مجموعة من الأبيات الشعرية وضعت في مقدمة مسرحية (هارون الرشيد مع أنس الجليس)() إذ يقول:مراسح أحرزت تمثيل من سلفواوعظاً وجاءت لنا عنهم كمرآةنمثل اليوم أحوال الألي سبقوامن طيبات لهم أو من إساءاتعسى يكون لنا فيمن مضى عبرتجدي ونعلم أنا عبرة الآتيعسى نكون كراماً إذ يشخصنامن بعدنا أو فيا طول الفضيحاتفالحر إن مات أحيته فضائلهوالوغد إن عاش مقرون بأمواتهذا هو المقصد من تمثيل من عبروالا اللهو والزهو والإعجاب بالذاتولعل مضمون هذه الأبيات لم يبتعد كثيراً في معناه عما قدّمه القباني من ردٍ على ما طعنه به بعض المتعصبين عندما قال: (التمثيل جلاء البصائر ومرآة الغابر ظاهرة ترجمة أحوال وسير وباطنه مواعظ وعبر، فيه من الحكم البالغة والآيات الدامغة ما يطلق اللسان ويشجع الجبان ويصفي الأذهان، ويرغب في اكتساب الفضيلة، وهو أقرب وسيلة لتهذيب الأخلاق ومعرفة طرق السياسية، وذريعة لاجتناء ثمرة الآداب والكياسة)().- إن التمثيل عند القباني هو عملية تنوير بالدرجة الأولى، وتصوير للماضي بما عليه من تجارب جاهزة، لبث العبرة والموعظة التي يقدمها للمشاهد بطريقة غير مباشرة عن طريق التمثيل أو التشخيص.والمسرح عنده منبر أخلاقي، يدعو من خلاله إلى تهذيب الأخلاق وتهذيب النفس والتمسك بالفضيلة، وهو مرآة للواقع المعيش عندما يسلط الأضواء على الفساد الذي يسوس البلاد، بهدف دفع الجمهور للقيام بعمل ما لتغيير هذا الواقع، وبناء واقع أفضل.- وقد حاول القباني على الصعيد التطبيقي أن ينفذ تلك الأفكار التنظيرية، ويحقق وظيفة المسرح عن طريق بث الوعظ والإرشاد والعبر في رواياته؛ إذ دعا إلى الأخلاق العامة، وإلى التمسك بالفضيلة، وسعى إلى تقديم العبرة وتصوير المثل الأعلى في الحب والعزة والإباء، هادفاً إلى الوعظ والإرشاد وإثارة الهمم، وحفزها إلى الفضائل.- أما فيما يخص الجمهور فإن القباني قد حاول أن يرضي الذوق العام ليس باختياره نصوصاً تعتمد على التراث أو تستقي من الواقع فحسب، بل مزج بين الغناء والتمثيل (في وحدة متكاملة يلتقي فيها الرقص مع النشيد الفردي والجماعي مع الشعر، مع التراث القصصي والمغزى الاجتماعي)() فالشعر والموسيقا والغناء أسس دخلت في نسيج العمل المسرحي عند القباني، وهذا ما كانت تتقبله النفوس، وتستوعبه. العقول، ولعل معرفة القباني وعلمه بالموسيقا والغناء فسحتا المجال لإبراز موهبته التمثيلية المعتمدة على الغناء الشعبي والرقص والموسيقا والغناء هما دعامتا الفن المسرحي الذي أتى بهما "النقاش".- إلا أن ما يؤخذ على مسرح القباني أنه أكثر من دواعي الرقص والموسيقا، ولعل محاولة تأصيل هذا الفن، وتقريبه من نفس الجمهور وذوقه، جعلت الأغنية غير المرتبطة بالحدث المسرحي تطغى على أكثر أعماله المسرحية.- نخلص إلى أن القباني كان في تجربته المسرحية، مؤسساً للمسرح العربي تنظيرياً وتطبيقياً وواضعاً بصورة واعية حيناً، وغير واعية حيناً آخر، أصول المسرح العربي، ففي التطبيق اختار موضوعاته من حكايا ألف ليلة وليلة ومن السير الشعبية، وقدم الرقص والغناء، وفي التنظير دافع عن المسرح بكونه يقدم العبرة والموعظة ويحفز الهمم، ويقوم بعملية التنوير.- يضاف إلى ذلك أنه ضرب مثلاً فذاً للفنان الذي يضحي بماله من أجل فنه، ويتعاون مع جوق التمثيل، ثم لا يستسلم حين يُمنع من التمثيل بل يهاجر إلى قطر عربي آخر، ليؤكد إيمانه القوي برسالته الفنية، والأهم من هذا وذاك أن القباني حقق ما لم يستطع تحقيقه أكثر المسرحيين في عصرنا، وهو الاختصاص، فقد تفرغ لخدمة هذا الفن طوال حياته، ولم يثنه عن عمله ما لاقاه من صعوبات مادية ومعنوية وتجدر الإشارة إلى أن القباني كان يستخدم مصطلح الرواية بدلاً من مصطلح "المسرحية".2- بين الحربين العالميتين:لقد رجع الأدباء في سورية، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى التراث لإثبات وجودهم وترسيخ كيانهم في وجه التيارات الثقافية الوافدة.وبرز في الساحة الأدبية أولئك الرواد الذين ساهموا عن طريق المجمع العلمي العربي، ونشاط جمعية الرابطة الأدبية التي تألفت فيها لجنة للنقد الأدبي بترسيخ اللغة العربية الفصحى وتعريب دواوين ومؤسسات الدولة، والبدء بإحياء التراث العربي().إلا أن القيام بهذه الأعمال حجّم فعاليتهم النقدية، وجعل حدودها مقصورة على امتدادات النقد العربي القديم، فانصب جلّ اهتمامهم النقدي على الشعر دون الأجناس الأدبية الأخرى، والسبب في ذلك هو سيادة الشعر في التراث العربي.وهكذا فقد عدمنا- في فترة العشرينيات- وجود نقد مسرحي، على الرغم من وجود المسرح وربما يكون السبب في ذلك نظرة أولئك السلفيين إلى المسرح خصوصاً ما شاع عنه، بأنه فن غربي مستحدث، وأنه بدعة تنافي الدين والأخلاق والتقاليد.- ومع بداية الثلاثينيات برز جيلٌ جديدٌ تتلمذ على يد الرواد الأوائل وتلقى تعليماً عالياً منظماً، وتأثر بالثقافة الأجنبية ولاسيما الفرنسية، لكنه في النهاية التقى الأدباء السلفيين لأنه حاول تجديد دماء الأدب العربي، دون أن يملك الخلفية الفكرية والقواعد المنهجية().لكن الذي يحمد لهؤلاء الأدباء أنهم نبّهوا على العلاقة القائمة بين الأدب والمجتمع إضافة إلى تقرير الأجناس الأدبية الجديدة من قصة ورواية ومسرحية عن طريق المقالات والمساجلات والحوارات التي نشرت في الصحف والمجلات.- لكن مما يلاحظ أن النقد المسرحي- في هذا الجو النقدي والأدبي- ظل باهتاً ضعيفاً. إن لم يكن معدوماً، خلا تلك المقالات التي عرفت بالمسرح وقدمت له والتي نشرت في الصحف اليومية، ويمكن أن نرجع سبب ضعف النقد المسرحي إلى عوامل عدة:آ- ضعف النقد الأدبي بصورة عامة، واقتصاره على الشعر دون غيره من الأجناس الأدبية.ب- غياب الثقافة المسرحية التي تمكن الناقد الأدبي من ممارسة النقد المسرحي، لأن المسرح ما زال فناً جديداً لم تترسخ أصوله بعد.جـ- اضطراب المصطلح: إذ كان مفهوم المسرح غائماً، وإنشاء المسرح لم يتم على نمطٍ معلوم. وقد أدى هذا بدوره إلى التردد في قبول هذا الفن لأنه يعدّ بدعة تنافي الدين والأخلاق والتقاليد.د- معظم الذين حاولوا ممارسة النقد المسرحي كانوا من الأدباء ونقاد الأدب، أي: إنهم انتقلوا من النقد الشعري بصورة خاصة إلى النقد المسرحي، لذلك كان نقدهم ضعيفاً.هـ- إن المجلات الأدبية والصحف هي التربة التي قُدمت على صفحاتها قضايا النقد الأدبي عامة والنقد المسرحي خاصة، فجاءت المقالات النقدية قصيرة وسريعة لم تستوف حقها.وإذا ما حاولنا أن نتتبع النقد المسرحي في الفترة المذكورة فإننا يمكن أن نحصره في نقاط محددة:- رأي وموقف:في الخطبة التي ألقاها "محمد كرد علي" والتي درجت تحت عنوان "نحن والفنون الجميلة() 1925، حاول أن ينصف الفن المسرحي الذي رجع القهقري بعد القباني، فأعلن على الملأ أن هذا الفن فن مستحدث، لا جذور مسرحية له في التربة العربية، فقد أخذ الجنس السامي فن التمثيل عن الحنس الآري، الذي اشتهر به، وقد خلف للعرب كتاب، "ألف ليلة وليلة" الذي يعدّ اختراعاً آرياً (فارسياً) فيه شيء من التمثيل، كما يرى.ويضيف أن العرب في الجاهلية والإسلام تقاعسوا عن اقتباس هذا الفن، فالعرب لم يأخذوا عن الأمم الأخرى إلا ما اشتدت حاجتهم إليه، إضافة إلى أنهم قد رأوا أن مجلس الأمير أو الوزير، لا يمثل فالقباني- كما يرى- هو أول من أدخل فن التمثيل على بلاد الشام وهو من المبرزين في الموسيقا المشهود لهم بالإجادة، فقد أنشأ داراً للتمثيل وعرض فيها الروايات الوطنية من تأليفه ونظمه وتلحينه.- وتابع "محمد كرد علي" مسيرة هذا الفن بعد القباني، فوجد أنه لم تؤسس جوقة تمثيل وطنية تمثل مواقف الفضيلة والأدب فالتمثيل عند كرد علي مدرسة تلعب دوراً كبيراً في بناء المجتمع، إذ يقول "وتتهذب في مدرسة التمثيل اليومية عقول الكبار، كما تتهذب في الكتاتيب عقول الصغار، فقد قال فولتير: إن المرء يتعلم بالتمثيل أحسن مما يعمله إياه كتاب ضخم"().- ليس هذا فحسب بل إن "كرد علي" وجد أن الإبداع يكمن في التأليف والوضع لا في النقل والاحتذاء وإن عدّ الناقل صاحب فضل، ذلك لأنه رأى أن "مارون النقاش" قد عرّب في سنة (1848) بعض الروايات التمثيلية المأخوذة من إحدى اللغات الأوربية، ومثلها أمام الجمهور.- وهذا الرأي مخالف لرأي بعض النقاد، ومنهم "محمد يوسف نجم" الذي رأى أن النقاش لم يقتبس أو يعرّب أو يترجم مسرحية "البخيل" لموليير" وأن مسرحيته "البخيل" (1847) مؤلفة من ألفها إلى يائها، فهو يقول: "زعم كثيرٌ من الباحثين أن مسرحية البخيل لمارون، هي اقتباس أو ترجمة للمسرحية المعروفة بهذا الاسم، التي كتبها المسرحي العظيم موليير، والحقيقة التي لا يرقى إليها شك أن هذه المسرحية مؤلفة من ألفها إلى يائها، بيد أن النقاش ألفها بعد قراءته للمسرحية المولييرية، واستيعابه لبعض شخصياتها، ولمقومات الإضحاك فيها، إلا أنه لم يقتبس شيئاً من المادة (الموضوع) أو التنسيق الفني بنوعيه الخارجي والداخلي، والأمر الجدير بالملاحظة هو أن صدى بخيل موليير يُسمع أحياناً في جوانب بخيل النقاش في بعض الحوار أو في العلاقات التي تربط بين بعض الشخصيات(). فالدارس هنا يعترف بفضل الوضع والتأليف للنقاش إلا أننا - كما يرى- نسمع صدى بخيل موليير في جوانب بخيل النقاش.- يضاف إلى ذلك "أن محمد كرد علي" قد قرن رقي سائر الفنون، ومنها فن التمثيل بتقدم أساليب الثقافة، وعندما قارن بين فن التمثيل وخيال الظل وجد أن التمثيل أنفع من خيال الظل، وأجدى على الجيل الناشىء من الحكواتية، فلعل الناقد أدرك قيمة واقعية المسرح، عندما يقوم بالأدوار أناس من لحم ودم، ومدى تأثير ذلك في عامة الجمهور، في الإدراك والفائدة.وقد أنصف "محمد كرد علي" هذا الفن في زمن كان ينظر إليه بأنه منافٍ للأخلاق والتقاليد وذلك عندما أعلن أنه ليس من العار التلبس بهذه الفنون، ودعا كل من وجدت عنده موهبة التمثيل ألا يعمد إلى التقية، وعندما تساءل عن كيفية ارتقاء هذه الفنون ومنها الفن المسرحي، وجد أن الحل يكمن في القيام بجهودٍ خاصةٍ، إذ لابد من:آ- الرحيل إلى الغرب لدراسة هذه الفنون.ب- العودة إلى الوطن لإحياء ما اندثر من الصناعات النفيسة، ثم نشرها على النظام الغربي بصورة مقبولة لتكون الأساس الذي ترتكز عليه الأجيال القادمة.جـ- بعد الاختصاص لابد من السعي لنشر هذا الفن الذي اختص به، ولن يتم ذلك إلا من خلال التآلف مع الاختصاص أولاً والمعرفة ثانياً.().مما تقدم نلاحظ أن هذا المؤلف قد وقف موقفاً إيجابياًمن الفن المسرحي ودعا لبذل الجهود في سبيل انتشار هذا الفن لما لمسه فيه من فوائد معنوية يمكن أن تسهم في إنارة العقول وتفتح الأذهان، فالمسرح- عنده- بما يملكه من واقعية الشخوص قد يؤثر في المشاهد، فيحثه على القيام بعمل ما.- وربما يكون "محمد كرد علي" قد فضّل فن المسرح بسبب تأثره بآراء ومفكري الغرب ومستشرقيهم، فبالإضافة إلى دراسته العميقة للحضارة العربية، فقد اطلع على آراء مفكري الغرب، وزار الدول الأوروبية مرات عديدة وتأثر بآرائهم إلى حدٍ ما(). ويمكن أن نلمس ذلك في إعلانه عن تفوق الجنس الآري؛ إذ استقى الفكرة من نظرية "رينان" المعروفة والتي تقول بتفوق الجنس الآري على الجنس السامي من حيث التركيب البيولوجي ومن ثم بتفوق الأور بيين العقلي وبأحقيتهم في حكم من هم دونهم عقلياً من الشعوب().- ومما يلحظ أيضاً استخدام "محمد كرد علي" لكلمة رواية بدلاً من مصطلح المسرحية، وهذا ما درج استخدامه في تلك المرحلة.- النقد الصحفي:إن المتتبع لحركة النقد الصحفي في المرحلة المذكورة يلاحظ بوضوح وجود بعض المقالات النقدية المسرحية، إلا أن هذه المقالات لم تتجاوز حدود التعليق والوصف للنشاط المسرحي بل إنها مجرد تعريف، بما يعرض على المسارح، وقد حوت في بعض جوانبها دعوة إلى حضور هذه العروض، وربما هدفت من وراء ذلك إلى:آ- تشجيع هذا الفن المستحدث عن طريق تشجيع مؤلفيه وممثليه من خلال ذكر المحاسن والسكوت في أكثر الأحيان عن ذكر المساوىء.ب- نشر هذا الفن بين الجماهير ليضمن له البقاء والاستمرار والازدهار، لأن عمر المسرح مرهون باقبال الجمهور عليهومن خلال استقراء تلك النصوص النقدية استطعنا أن نقسم النقد الصحفي المسرحي إلى قسمين، نقد للنصوص- ونقد للعروض.- في نقد النصوص وجدنا بعض المقالات التي قدّمت لبعض المسرحيات المنشورة من قبل الكتاب المسرحيين أو الشعراء، على صفحات الجرائد بكلمة تعريف "بالكاتب وتعريف" بالعمل المسرحي، مع ذكر الهدف والغاية من تأليف هذا العمل، وربما حاولتْ فك بعض الرموز التي تبدت بين السطور، فمن قبيل ذلك مسرحية لعمر أبي ريشة نشرت في جريدة الأيام- 1935- وعنوانها في الأيام "هذه البشرية الطوفان" فقدمتها الجريدة بكلمة تعريف، وبينت ما قصده الشاعر من وراء هذه المسرحية، إذ هدف منها إلى تصوير هذه الحياة فكانت الحانة مثاله على هذا العالم بما يحمله من خير وشر ومن ألم وأمل().- وشبيه بهذه المقالات، تلك المقدمات التي كتبت في مقدمة المسرحيات المطبوعة فقد كان يقوم المقدِّم بكتابة كلمة يعرّف فيها بالمسرحية، ويقدمها إلى القارىء موضحاً ما غمض منها، ومقرظاً كاتبها، ومبيّناً نوع الرواية مع تفصيل الجو العام لهذه الرواية مرّكزاً على بعض القضايا التي تهمه، أو ربما تهم القارىء فمن قبيل ذلك ما كتبه (خليل مطران) في مقدمة مسرحية "فتح الأندلس" للشاعر: فؤاد الخطيب" ذلك أن "خليل مطران" بعد أن تحدث عن فتح الأندلس قال: -(على أن ما ضاق به التاريخ من معجز فتح الأندلس قد وسعته رواية شعرية، عنونت باسمه وفتح الله على ناظمها، بوحي، سلسل فيها الحوادث كأحسن ما يستحب تسلسلها، وبشعر وافق لغة أولئك الأبطال في ذلك العصر أحمل موافقة، فلا يستطيع من يقرأها إلا أن يقول تلقاء هذا الفتح، كما قال أشهاد ذلك الفتح الحربي: الله أكبر)()- لقد جعل العمل المسرحي قمماً للحادثة التاريخية إضافة إلى ما قدمه من ثناء ووصف لبعض المشاهد والأحداث.- أمّا في نقد العروض، فإننا سنتمثل ذلك من خلال ما كتبه سامي الشمعة من مقالات تصدّرت صفحات جريدة القبس الدمشقية.وسامي الشمعة من الصحفيين الذين كان لهم باع، في التعريف بالمسرح وتسجيل ما يعرض من أعمالٍ مسرحية في فترة ما بين الحربين، فقد كانت أعماله النقدية مجموعة مقالات نشرت في صحف متفرقة تتحدث عن فن التمثيل وتقدم ما يعرض لجمهور القراء معرّفاً بالمسرحية حيناً، وبالممثلين حيناً آخر، وداعياً لحضور هذا العمل، فمن قبيل ذلك ما قدّمه سامي الشمعة للتعريف بمسرحية "النسر الصغير" لمؤلفها أدمون روستان، وعرّبها الأستاذان عزيز عيد والسيد قدري، وقام بدور البطولة فيها الممثلة فاطمة رشدي وعزيز عيد إذ يقول:(وإننا لنرجو أن يقبل الشباب على روايات فاطمة رشدي العظيمة وهي فرصة لا يجدر بهم إضاعتها وهم يرون فيها أميرين من أمراء الفن)().- لقد كانت مقالات سامي الشمعة بمنزلة الصدى لما يقدم على خشبات المسارح في تلك الآونة، نذكر على سبيل المثال تعليقه على الروايات التالية: عنترة، القبلة القاتلة، ملك الحديد، السلطان عبد الحميد، النسر الصغير، غادة الكاميليا، بحد السيف، فرقة غبريل روبين والكسندر().- أمّا النهج الذي اتبعه في كتاباته تلك، فقد كان يقوم بتلخيص موجز للرواية، بعد أن يحدد نوعها، تاريخية، اجتماعية، عاطفية، ومن ثم يستعرض من قام بالأدوار، فمن قبيل ذلك حديث الناقد عن رواية (النسر الصغير) إذ يقول: ("النسر الصغير.. رواية تاريخية مؤثرة ألفها أدمون روستان ومثلتها سارة برنار للمرة الأولى وهي من تعريب الأستاذين عزيز عيد والسيد قدري والرواية تسير بهدوء واتقان عظيمين فتصور لك حياة النسر الصغير محاطاً بالجواسيس في قصر شامبرون في النمسا، وكيف تنتهي حياة هذا المسكين بالموت وهو لما يبلغ العشرين بعد جهود عظيمة وإقدام غريب للصعود إلى عرش فرسه..")().- لقد اقترب الشمعة من النقد الفني، فهو يركز على الديكور، وبعض الهفوات الفنية، ويهتمّ بالتمثيل ومدى إتقان الممثل لعمله، مبيناً آراءه في ذلك كله.فالتمثيل- عنده-درسٌ بليغ لابد من تشجيعه والسعي إلى نشره() وأهم شروطه العلم والثقافة الواسعة، فقد رأى صعوبة في اجتياز المركز الثانوي إلى المركز الأول، إذا لم يكن الممثل متعلماً واسع الثقافة، والموهبة التي حباها الله للممثل لا تكفي لأن التمثيل- عند الشمعة- علم كباقي العلوم(). إلا أنه قصر هذه الصفة على المسرح الغربي، وهدفه أن يقدم تعريفاً بهذا المسرح ولاسيما أنه خصّ المسرح الأوربي بمقالات متعددة من خلال تعريفه بفرقة "غبرييل روبين والكسندر"() وانطلق إلى تقديم آخر ما توصل إليه المسرح الغربي.فقد رأى أن فن الدراما والتراجيديا والكوميديا قد لحقه التطور (فسار من طور إلى طور وأصبح اليوم كما صرّح "بول غرالدي" لمحرر جريدة "فراي بريسي" الألمانية أقرب شيء إلى المذهبين "الطبيعي" و"الحقيقي".. بعد أن كان قبل القرن التاسع عشر بعيداً جد البعد عن ذين المذهبين"().ويؤكد "الشمعة" أن هذا النوع من المسرح سيحياً زمناً طويلاً نقلاً عن ج ركسل لأن الجمهور قد تجاوب مع هذا النوع ويقصد بذلك الكوميديا إذ إنها انتشرت في أوربا لأنها تلائم رغبة الجمهور، وميله إلى الهزل النفسي().- ومما يلاحظ أن الناقد قد أدرك العلاقة القائمة بين الجمهور والمسرح، فالمسرح الطبيعي في أوروبا سيعمر طويلاً لأنه جاء ملائماً لذوق الجمهور، ولاقت الكوميديا إقبالاً لأن الجمهور ملّ الحزن والألم().- وهو في ذلك كله ينظر نظرة تقديس وإعجاب إلى المسرح الغربي، بل إنه يصرّح بأن المسرح العربي (المصري) لن يرقى إلى مستوى المسرح الأوربي لسببين اثنين:آ- صعوبة تمثل الشخصيات الطبيعية.ب- المرور بمراحل التطور الطبيعي ذلك أن فن التمثيل فن مستحدث في الشرق، ولم يمر بمراحله الطبيعية، كما هو حال المسرح الغربي، فلابد لكل فن من أن يسير درجة درجةوبسبب تأثر الشمعة. بالثقافة الغربية، وخصوصاً الفرنسية التي شاعت في ذلك العصر، وانبهاره بالمسرح الفرنسي، فقد أعلن أنه من العسير الإتقان والروعة بالتأليف المسرحي، دون أن يتدرب الكاتب على الترجمة كما حصل في أوربا، ويحصل في مصر إذ بدأ الكتّاب بالترجمة والاقتباس إلا أن هذه المرحلة هي مرحلة أولى ليقوم بعدها الكاتب بالتأليف، وقد أدرك الناقد أهمية التأليف لأنه يترك أثراً في نفوس النظارة، وينطلق من الواقع فيعبر عن عادات الجمهور ويرتبط بشيء من تاريخهم().- النقد الفني عند سامي الشمعة:ويقصد بالنقد الفني هنا، كل ما قدمه سامي الشمعة من انتقادات وملاحظات تخص تجهيزات المسرح من أثاث وضوء، أو ما يخص الممثلين من حركات وأصوات وانفعالات..- لكن لابد أن نشير إلى أن الشمعة في نقده الفني كان كلاسيكياً "تقليدياً" إلى حدٍ ما، ففي حديثه عن الديكور المسرحي لا يرى أهمية في أن تؤدي تجهيزات المسرح الدور المطلوب في كونها وسيلة لتحقيق هدف ما، بل إن مقياس الكمال- عنده- في التجهيزات الفخمة والأثاث الملكي الارستقراطي فمن قبيل ذلك حديث الناقد عن الديكور في رواية "النسر الصغير" إذ يقول: (يدهشنا جداً أن نرى أن هذا الاستعداد العظيم في مسرح فاطمة رشدي فقد بلغت زينة رواية (النسر الصغير) لا حد الإتقان فقط بل حد الكمال، فقد كنا ننتقل من بهو إلى بهو، في قصر شامبرون، فنرى كل شيء ملكياً (إلا المقاعد) وكل شيء يفتن الناظر وينقله إلى عالم العظمة والجلال)().- ونظرة الناقد الارستقراطية هذه تنسحب على تحديد نوع الرواية أيضاً عندما يقول:(فالرواية فنية وتاريخية جداً، ولا تمثل إلا للطبقة الراقية، وهذا أكبر دليل على ثقة فاطمة رشدي، من رقي محيطنا)() وكأن الناقد يؤمن بطبقية المسرح، فهناك مسرح للخاصة وهناك مسرح للعامة.- والناقد في حديثه عن التقنيات المسرحية يتعرض إلى بعض الهفوات الفنية فمن قبيل ذلك حديثه عن التجهيزات الفنية في رواية "ملك الحديد" لمؤلفها جورج أوهينه وقد عرّبها الممثل "فتوح نشاطي"، إذ يقول فيما يخص الإنارة (فإن سوزان قد فتحت النافذة في الفصل الرابع، ودخل النور بعد دقيقتين تقريباً مع أن سرعة النور كما هو معلوم، أسرع مما يتصور الإنسان)().- أمّا اهتمام الناقد بالممثل، ورصد حركاته وانفعالاته فقد بدا واضحاً، فمقياس نجاح الممثل- عند الشمعة- هو مدى تقمص الممثل للشخصية التي يمثلها ففي حديثه عن مسرحية (عنترة) التي ألفها حبيب جاماتي يقول:(انتظرنا.. وأخيراً قدر لنا أن رأينا من قالوا: (أين أنت أيها الأستاذ وأين تمثيلك؟ وها هو قد ظهر عليهم بالأمس فكان (عنتراً) في دوره (عنتراً) في هيئته (عنتراً) في حركاته)(). فإعجاب الناقد بشخصية "أبيض" الذي قام بدور عنترة، نبع من قدرته على تمثل شخصية عنترة، (وجه عبوس عند الشدة، باسم عند القبلة، حزين عند النكبة، حركات "عنترية" ولهجة" فروسية" تلك هي التي شاهدناها بالأمس على المسرح، وفي شخصية الأستاذ أبيض.. وشخصية عنترة..)().يضاف إلى ذلك، أن براعة الممثل- عند الشمعة- تتجلى في قدرته على تغيّر الأدوار، فلا يطبع الممثل بطابع واحد في كل الأدوار المسرحية، فلم لا ينتقل من الجد إلى الهزل- على حد تعبيره- ففي حديثه عن مسرحية (القبلة القاتلة) التي عرّبها فتوح نشاطي يقول (وقد قام الأستاذ يوسف وهبي بك بدور الطبيب "مونروا" فكان هادئاً ساكناً رزيناً، بعد أن كان في سابق رواياته ثائراً صاخباً حقوداً وإن هكذا ليكفي أن يريك براعة الممثل في تنويع حركاته ومواقفه وعدم سيره على وتيرةٍ واحدة لا ينتقل إلى سواها)().- وقضية حفظ الأدوار وإتقانها أخذت حيزاً واسعاً في مقالاته فقد ركز على ضرورة حفظ الدور المسرحي واستيعابه من قبل الممثل وإلا آل الأمر إلى السقوط().- وللحركات أهمية كبرى في التمثيل، بل يعدها الشمعة أصعب ما فيه ولابد للممثل أن يكون طبيعياً في كل حركة من حركاته، ويبدو أن الناقد قد تأثر بآراء الممثلة "سارة برنار" في التمثيل والمسرح الطبيعي، واستند إلى أقوالها().- وما دام الناقد قد تأثر بالمسرح الكلاسيكي فطبيعي أن يؤكد ضرورة وجود الجدار الرابع الذي يفصل بين الجمهور والمسرح. أو أن إعجابه بالفن المسرحي الفرنسي هو الذي جعله يؤكد هذه الحقيقة، ذلك أنه رأى فرقة "غبرييل روبين والكسندر" لا علاقة لها بالجمهور فهو يقول: (فقد شاهدنا رواية "الماريونيت" وكان التمثيل طبيعياً إلى درجة أستطيع أن أصفها لك بكلمة صغيرة، فأنت إذا نظرت من ثقب الباب إلى حجرة فيها أشخاص يتحدثون ويتحركون دون أن يروك، تنظر إليهم تكون كمن شاهد رواية "الماريونيت" و"البراز" و"الهرب" التي مثلتها فرقة الكسندر فإن ممثلي هذه الفرقة يمثلون دون أن يهتموا أقل اهتمام بالجمهور وهكذا يجب أن يكون التمثيل)().فالناقد في هذا كله يتحدث عن المحاسن التي تتصف بها الرواية المعروضة، أمّا المساوىء فلا ذكر لها في الرواية المستحسنة، فعنده إما أن تكون الرواية ناجحة، ونجاحها ينسحب على كل شيء فيها، وإما أن تكون هابطة، وهذا ينسحب على كل شيء فيها أيضاً. ومقياس استحسان الرواية أو استهجانها هو الذوق والانطباع العام، وهذا هو التيار السائد في النقد في تلك الفترة.ويبدو ذلك واضحاً في تقييمه لكل الروايات التي قدمها وتناولها بالنقد فهو ينقل الانطباع الذي تركته الرواية في نفس الجمهور، ففي حديثه عن رواية "النسر الصغير" يقول: (من لم يرّ فاطمة رشدي بالأمس، فقد أضاع فرصة يأسف عليها.. فهي قد قامت بدور (النسر الصغير) فأجادت في دورها إجادة أطلقت الألسنة بالإعجاب والعيون بالعبرات.. والحقيقة فإن كل من شهد رواية أمس فُتن بهذا الإبداع ودهش بذلك التفنن)()، فإذا قلنا إنّ الناقد يبدو بين سطوره أنه يدعو لحضور هذه الرواية فإنّه في تقييمه لرواية أخرى يقول:(ونحن لا نستطيع مهما حاولنا وصف المواقف الطبيعية، وما تركته في نفوس النظارة الذين كانوا بين ضحك وبكاء، ضحك لما يتخلل الرواية من مواقف هزلية لباريه وبكاء لموقف الزوج الكسندر والزوجة روبين)().- ولعل الشمعة وجد في الكوميديا تسلية وترويحاً عن النفس فهو يقول في حديثه عن شخصيات مسرحية "القبلة القاتلة": (أمّا مختار أفندي عثمان، فصدقني أني أكتب اسمه الآن، ولا أملك نفسي من الضحك، والضحك كثيراً، لمجرد ذكر اسمه، حركات مضحكة، نبرات مضحكة، وكل شيء مضحك في مختار عثمان حتى صخبه وثورته وتوعده، فله عظيم تهانينا على هذا النجاح الكبير)().- مما تقدم نلاحظ أن النقد في هذه الفترة اقتصر على رأي لمحمد كرد علي ونقد صحفي مثله سامي الشمعة. ومن ذلك نرى أن سامي الشمعة بما قدمه من نقدِ فني لم يكن غير تعريفٍ بالعمل المسرحي، موضوعاته، شخصياته، بهدف تقديمه إلى القارىء ولم يبلغ في نقده ذلك العمق في الدراسة والتحليل، إضافة إلى أنه ابتعد عن الموضوعية، فانحاز إلى المسرح الغربي، وأعجب به، وعذره في ذلك أن كل ما عرض على المسارح آنذاك كان مترجماً أو معرباً باستثناء مسرحية "عنترة" وهذا ما جعله تقليدياً في نقده، ولاسيما أنه نظر إلى المسرح الغربي بأنه المثل الأعلى للمسرح.- ومع ذلك فإن الشمعة التفت إلى بعض القضايا النقدية التي باتت القيمة الإيجابية الكبرى في العمل المسرحي فيما بعد، وهي العلاقة بين المسرح والجمهور وتأييده لتلك المسرحيات التي اتسمت بالواقعية الطبيعية في موضوعها، والواقعية الطبيعية في تصرفات شخصياتها، ذلك أنها أقرب إلى نفس الجمهور.وإضافةً إلى التزامه بالنقد الفني، وبالمسرحية المجسدة أمام الجمهور واهتمامه بالممثل وبقدرته على رفع مستوى العمل المسرحي، فان مقالاته اتسمت بالإيجاز والوصف السريع، وغلبت عليها المبالغة، ولعل السبب في ذلك انفعاليته والتزامه النقد الانطباعي.المهم أن الشمعة قد غطى هذه المرحلة، ذلك أن صوت النقد المسرحي قد ضعف وأصبح باهتاً أكثر مما كان. وقد كان لدخول الفن السينمائي الأثر الأكبر في ذلك كله إذ أصبح الاهتمام موجهاً إلى هذا الفن الجديد، وبات شغل الصحافة الشاغل. وما زال استخدام مصطلح الرواية قائماً مكان مصطلح المسرحية، في النقد والفن المسرحي.3ً- بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1967:هنالك علاقة جدلية بين الفن والنقد، فالنقد لابد أن يؤثر في العمل الفني والأدبي، ويتأثر به، وهما يتأثران بالواقع الذي يتغذيان منه، ويتفاعلان معه، ولا يمكن لنقد ما أن يزدهر ويتطور دون وجود نص أدبي، أو عمل فني يدعمه ويقويه، وإذا كانت حركة المسرح في سورية قد لاقت اهتماماً نقدياً في فترة الستينات بسبب نشاط الحركة المسرحية، فإنها قبل ذلك كانت جهوداً فردية لم يسمع لها صدى نقدي، خلا تلك الآراء المتناثرة، والتعليقات البسيطة في الدوريات، وعلى هذا الأساس يمكن أن نقسم هذه الفترة إلى مرحلتين:1- المرحلة الممتدة ما بين 1945- 1959:لم تخلُ هذه الفترة من نشاطٍ مسرحي تبدى من خلال جهود الفرق الفنية والمسرح الحر الذي أسس عام (1956) في دمشق وقدّم بعض العروض الفنية من مسرحيات شعرية ونثرية، ذات موضوعات اجتماعية انتقادية().إلا أن هذه المحاولات، على ما يبدو، بقيت بدائية أولية تميزت بالضعف والفتور ولم يسمع لها صدى في النقد آنذاك، ولم تواكب بنقد يلمّ بها، وربما نرجع الأسباب إلى عوامل متعددة نذكر منها:1- عدم استقرار الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.2- ضعف النقد الأدبي عامةً، بسبب ركود الحياة الأدبية وخلوها من الانتاج الحر في جميع الأنواع الأدبية().3- عدم وجود فئة تحترف الفن المسرحي والنقد المسرحي().4- انشغال الكاتب المسرحي بقضايا ذهنية فكرية، وعدم وعيه لواقعه()، إضافة إلى أن المسرحية كتبت بهدف المتعة الأدبية والفنية، لا بهدف العرض والتجسيد.5- عدم وجود المحرِّض الذي يجذب الكاتب إلى المسرح. فلا المسرح موجود ولا الفرق قائمة ولا إرث مسرحي عربي يستند إليه، وينطلق منه().6- اعتماد أكثر الكتاب المسرحيين على المسرحيات المترجمة.7- اهتمام المجمع العلمي العربي بالتراث، إذ كان يمثل قوة النقد الفعالة في تلك الفترة، لكنه وجه اهتمامه إلى التراث، وتناول بالتحليل والدراسة الكتب التي كانت تهدى إليه.لكننا في غمرة هذا الواقع، لا يمكننا أن ننكر جهوداً شغلت فراغاً في حركة النقد المسرحي، وشكلت أساساً يرتكز عليه كل دارس لبدايات المسرح في سورية تلك الجهود هي ما قدمه "أدهم آل الجندي" و"شاكر مصطفى" من دراسة المسرح في بلاد الشام.- أدهم آل الجندي:ولد أدهم الجندي عام (1902) في مدينة حمص وتلقى الأدب والفن على يد فطاحل المتفننين- على حد تعبيره- وعمل في السلك الحكومي بعد تخرجه من مدرسة دار المعلمين في دمشق، زار عدداً من الدول الأجنبية والتقى فيها عدداً من المغتربين العرب من أدباء وفنانين()، وكان حصيلة أعماله كتاباً ضخماً مؤلفاً من جزأين قدم فيه ترجمة لأعلام الأدب والفن، وأطلق عليه (أعلام الأدب والفن).- وفي ترجمة للأعلام، انطلق من البيئة الجغرافية وجمع من ترجم لهم في كل بلدٍ في حلقة، فكان كتابه في جزأيه مؤلفاً من مجموعة من الحلقات، ففي الجزء الأول المؤلف (1954) ترجم فيه لأعلام الشعر والفن في بعض المناطق السورية وفلسطين، أمّا الجزء الثاني والمؤلف عام (1958) فكان لأعلام الأدب في سورية، وفي بعض البلدان العربية الأخرى، إذ عثرنا على ترجمة للأدباء في حلب وحمص، والعراق، ولبنان، ومصر، والسودان، والمملكة العربية السعودية.ولم يكتف الجندي بالترجمة للشعراء والأدباء فحسب، بل خصص جزءاً لترجمة الشاعرات والأديبات العربيات، وهو في ذلك كله يذكر اسم الأديب أو الفنان، مولده، نشأته، فنه، رحلاته، مؤلفاته، ثم وفاته.- أمّا المصادر التي استقى منها معلوماته فقد شرحها بنفسه قائلاً: (فأنا في كتابي هذا لم أكن ناقلاً ولا مقتبساً عن المؤرخين الأقدمين، بل كنت واضع أسس كونتها لنفسي وهي ثمرة البحث الطويل والاستقصاء الجدي. ومن البديهي أن المؤرخ ومواضيع بحثه ليست ابتكار فكرة أو استحداث خيال، فمن الخطل الاستسلام إلى التخيلات ولذلك فقد لزمت جادة العدل والإنصاف وانتزعت من الوقائع الحية حيثيات سيرهم، فلم أبالغ في الوصف ولم أغمط حق أحد)().- وقد عثرنا في هذا الكتاب على ترجمة لأعلام الفن التمثيلي في بلاد الشام فقد رأى الجندي أن بلاد الشام هي المهد الذي نشأ فيه فن التمثيل() وممثلوا هذا الفن هم: مارون النقاش- وأبو خليل القباني- واسكندر فرح.- لقد أدرك الجندي أهمية النص في العمل المسرحي، فجعل تاريخ كتابة النص المسرحي باللغة العربية، على يد (مارون النقاش) هو تاريخ ولادة المسرح العربي، إلا أنه أكد أن هذه الولادة كانت نتيجة اتصال النقاش بالغرب، عن طريق الرحلات التي قام بها إلى أوربة، إذ حمل معه بعض الروايات التي عرّبها وتصرف بها بما يتلاءم مع الذوق العربي، وقام بتمثيل بعض الروايات وهي (البخيل) و(أبو الحسن المغفل) و(الحسود السليط) وللتقريب بين الجمهور العربي والمسرح، أدخل النقاش الألحان والتواشيح التي كانت سائدة في زمانه().ويضيف الجندي، بأن النقاش أوصى بتحويل المسرح الذي بناه إلى كنيسة بعد مماته ولم يعلق على هذه الوصية، في حين يرى أكثر النقاد أن النقاش أوصى بتحويل المسرح إلى كنيسة إيماناً بقدسية هذا الفن، بينما نرى أن النقاش ربما قد أدرك في داخله كما كان يقين أكثر الناس في ذلك العصر، أن ممارسة فن التمثيل إثمٌ يٌعاقب عليه، فكانت هذه الوصية لتشفع له بالرحمة والغفران بعد مماته.وتابع الجندي مسيرة هذا الفن، بعد النقاش، فترجم لأديب إسحق الذي أكمل ما بدأه النقاش، فعرّب روايتي (أندروماك، وشارلمان) عن اللغة الفرنسية وجمع الجندي بين النقاش واسحق لاعتقاده بأن النقاش عرّب وترجم فسار اسحق على طريقه().- ورأى الجندي أن المسرح قد فُرض عليه التقليد، وحكم عليه بالتبعية لأن المسرح الغربي قد غزا الشرق العربي، وسبق فن التأليف العربي الأصيل بمراحل، ذلك أنه عندما تم افتتاح قناة السويس في مصر (1869) على يد الخديوي إسماعيل، الذي بنى داراً للأوبرا، أبعد المسرح عن الأصالة وفرض عليه التبعية().- إلا أن العبقرية التي غرست فن التمثيل في سورية، بل في الوطن العربي- عند الجندي- هي عبقرية "أبو خليل القباني" الذي يعدّ فنه تجربة أصيلة؛ إذ صدر في موضوعاته عن التاريخ العربي والأساطير الشعبية، وحكايات ألف ليلة وليلة()، وبالمقابل فإن النقاش- عنده- مترجماً ناقلاً لا مبدعاً.- لقد كان الجندي في دراسته مؤرخاً مترجماً، أكثر منه باحثاً وناقداً فقد تحدث عن النقاش ومن تبعه، ثم تحدث عن القباني، أصله، ثقافته، رحلاته، موته، وقدم ترجمة لكل من شارك القباني في تمثيله، أو أولئك الذين آثروا البقاء في دمشق بعد رحيله إلى مصر، أو الذين انضموا إلى فرقته.- إلا أن الجندي في بحثه لم يتعمق بالدراسة والتحليل، وعذره في ذلك أن كتابه كتاب تراجم لا كتاب نقد، ثم إن دراسته اقتصرت على التعريف بأعلام الفن التمثيلي وتعداد مؤلفاتهم أو معرباتهم، دون التعرض إلى ما حوته تلك المؤلفات والمعربات من مضامين، وإعراضه عن ذكر العروض المسرحية كان واضحاً، لكن مما يلحظ أن مصطلح "المسرحية" بدأ يتداول جنباً إلى جنب مع مصطلح "الرواية".ومهما يكن من أمر فان كتاب أدهم الجندي يبقى الأصل والمنهل الذي استقى منه دارسو المسرح ومؤرخوه.- شاكر مصطفى:ولد شاكر مصطفى في بداية هذا القرن، وفي الرابعة عشرة من عمره كان عنصراً في حزب (عصبة العمل القومي) وهو أول حزب دعا إلى الوحدة العربية، وكان شعاره وتحيته (تحيا العروبة) ثم صار اسمه (حركة الإحياء العربي) وفي شبابه كان هاوياً للرسم محباً للأدب دارساً للتاريخ. كتب مجموعة قصصية ومقالات في الأدب، نُشرت في مجلات عربية، منها الآداب "البيروتيه" والنقاد "الدمشقية".درس التاريخ في مصر، وكان الأدب والفن عنده يسيران معاً في خط واحد، إذ عمل ناقداً لمعارض الفنون التي شهدتها سورية آنذاك.وقد حصل على شهادة الدكتوراة من جنيف، وأتقن العديد من اللغات الأجنبية وثم عمل أميناً عاماً للجنة التخطيط الشامل للثقافة العربية، التي كانت الكويت مقراً لها()، وعند افتتاح كلية الآداب في جامعة دمشق عمل مدرساً فيها.- لقد قدّم شاكر مصطفى دراسة للقصة في سورية، نشأتها وتطورها والكتاب في أصله مجموعة من المحاضرات التي ألقاها على طلاب معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية بالقاهرة، وقد خصص جزءاً من هذا الكتاب لدراسة نشأة المسرح في سورية، ففي معرض حديثه عن القصة في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، درس المسرح السوري. وكأن مفهوم المسرح لم يكن واضحاً في ذهنه، عندما دمج القصة بالمسرحية أو ربما فعل ذلك لاحتواء المسرحية على قصة، وهذا ما يوضحه قوله: "إنما أوردنا أمثلة على النشاط القصصي في سورية الذي اتجه إلى المسرحية أكثر مما اتجه إلى القصة الأدبية وإذا استطعنا أن نعدّ من المسرحيات ما يزيد عن /160/ قطعة فإننا لا نستطيع أن نعد عشر هذا العدد من القصص"().إلا أن شاكر مصطفى في دراسته للقصة السورية بين الحربين (1918- 1939) لم يخص المسرحية بجزء من هذه الدراسة. وهذا يعني أن الاحتمال الأقوى، لمزج القصة بالمسرحية في البدايات هو أن عدم وجود القصة في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى شكل فراغاً، حاول أن يغطيه بدراسته للمسرحية، وهذا ما لمسناه واضحاً في الجملة الأخيرة في كلامه المذكور سابقاً.- انطلق شاكرمصطفى في دراسته للمسرحية من بدء تعرف سورية على المسرحية فوجد أنها تعرفت على هذا الفن عن طريق الاحتفال بختان نجل والي سورية (1868) الذي كلّف إبراهيم الأحدب في بيروت أن يعلم رواية (اسكندر المقدوني) لفرقة من الممثلين، ليقوم بتمثيلها في دمشق، وأيضاً عن طريق أخبار مسرح النقاش الذي أقيم في لبنان سنه (1847) أضف إلى ذلك الحفلات التي كانت تقيمها مدارس الإرساليات في ختام كل سنة دراسية() ويضيف أن هذه الروايات والأخبار قد لاقت صدى في نفس أبي خليل القباني فتفرغ للتأليف والتلحين والتمثيل.- إلا أن "شاكر مصطفى" في دراسته لمسرحيات القباني لم يأت بجديد، فقد ردد آراء محمد يوسف نجم "الموضوعة في كتاب المسرحية في الأدب العربي الحديث" فمن قبيل ذلك تلك المآخذ التي أخذها "شاكر مصطفى" على مسرحيات القباني ومنها: أولاً: يرى "شاكر مصطفى" أن القصة عند القباني كانت تأتي بالدرجة الثانية فالعمل عنده امتداد لحلقة الرقص وجوقة الغناء، ومن ثم فإن ذلك أدى إلى ركاكة الأسلوب، فالقصة عنده رابط يربط بها مشاهد الرقص وألوان الغناء().ويرى محمد يوسف نجم أن القباني لا يقيم (فرقاً كبيراً بين المسرحية والقصة ولا نشعر أن القباني بذل جهداً مذكوراً في سبيل جعل المسرحية خلقاً مسرحياً يخرج عن محيط التمهيد للأغاني والموشحات..ثانياً: يرى شاكر مصطفى أن انشغال القباني بالألحان والموشحات جعله غير مهتم بالتنسيق الفني لحوادث مسرحياته فجاءت حبكته ضعيفة، وحواره ساذجاً متكلفاً().ويرى محمد يوسف نجم أن أسلوب القباني (كما هو في مسرحياته عامة يقوم على السجع الثقيل الممجوع، ويعتمد على الشعر المأثور والأمثال السائرة والحكم الشعبية الشائعة)().ثالثاً: يرى شاكر مصطفى أن روايات القباني، قد ابتعدت عن الواقع وعلته في ذلك أن القباني استقى مصادره من حكايات ألف ليلة وليلة، وهي حكايات خيالية تبتعد عن الواقع وتجافيه().- ويرى نجم أن مسرحية "الأمير محمود نجل شاه العجم" لمؤلفها القباني لا تختلف "عن غيرها من مسرحيات القباني من حيث مجافاتها للواقع والمعقول في تطور الحوادث)().رابعاً: يرى شاكر مصطفى أن شخصيات روايات القباني لم تكن عميقة، إضافة إلى أن القباني لم يستطع أن يخرج من الحوادث القصصية الجزئية إلى الموقف الإنساني الكامل().ويرى نجم أن القباني "(أظهر لنا الشخصيات دمى هزيلة تتحرك دون وعي أو تفكير وعجز عن تقديم فني سليم من حيث إعداد الحوادث وسردها وربطها بالشخصيات في مشاهد متآلفة متكاملة)().لكن في الوقت الذي يرى فيه نجم أن الرجعية هي التي وقفت ضد مسرح القباني وساهمت في القضاء عليه()، يرى شاكر مصطفى أن مسرح القباني نشأ بتشجيع الولاة والطبقة الحاكمة التي قدمت له المساعدات المالية، وعندما تخلت عنه عضته الفاقة، ودليله في ذلك أن شخصيات القباني لم تكن سوى شخصيات الأمراء والملوك، ويضيف أن القيم والمفاهيم التي عبّر عنها هي قيم ومفاهيم المجتمع الإقطاعي.- والحقيقة إن شخصيات القباني كانت متنوعة ومن بيئات متعددة، فمنها الملك والأمير ومنها العبد والجارية، أضف إلى ذلك أن القباني لو كان في رواياته معبراً عن الطبقة الاقطاعية لما تخلت عنه ولا قدرة لرجال الدين على مخالفة السلطة فالإقطاع ورجال الدين كانا متحالفين متعاضدين إلا أن الذي أوغر صدور رجال الدين- الذين هم ممثلو الإقطاع آنذاك- هي حركة التنوير التي قام بها القباني.- يضاف إلى ذلك أنه رأى "أن القباني في فنه كان متبعاً لا مبتدعاً؛ إذ أخذ القالب الغربي للمسرحية، وصب فيه() موضوعات استقاها من الواقع ومن التراث الشعبي، وكأن العمل الفني عند الناقد شكل فحسب، مع أن القباني عندما أخذ الشكل الغربي، قد طور فيه وأدخل الغناء ورقص السماح، وصدر في موضوعاته عن التاريخ العربي، والأساطير العربية، وحكايات ألف ليلة وليلة، ويبدو أن شاكر مصطفى كان متآثراً بالمذهب الكلاسيكي في النقد ففصل بين الشكل والمضمون . والمسرح ليس شكلاً فحسب، بل إنه شكل ومضمون.- وشاكر مصطفى في دراسته لم يكتفِ، بالتأريخ للقباني بل تابع دراسة المسرحية من خلال مدرسة القباني وتلامذته، ورأى أن الخيط الذي يجمعهم في مدرسة واحدة هو النهج الذي اتبعه القباني في إدخال عنصر الغناء في المسرحية، وأضاف أن اسكندر فرح "خرج عن هذه القاعدة في المرحلة الثانية من أعماله، فقدم روائع المسرح العالمي دون الاعتماد على الغناء، إذ لم يعدّه عنصراً أساسياً في العمل المسرحي().إلا أن نقطة التحول من مسرح القباني كانت على يد "أديب اسحق" (دمشق 1856- بيروت 1885) الذي خرج عن مدرسة القباني وحوّل المسرح من التأليف إلى التعريب إلا أنه لم يتخلّ عن الغناء(). كما يرى شاكر مصطفى.- وهكذا نلاحظ أن شاكر مصطفى فيما قدّمه، حاول أن يؤسس لنقدٍ مسرحي متطور، سار فيه على نهجٍ واضحٍ وحقق منه عدة أغراض:1- التعريف بالأشخاص الذين ساهموا بترسيخ فن المسرح.2- الالتفات إلى النتاج المسرحي ودراسته وهذا ما لم نعهده من قبل.3- التصنيف إلى اتجاهات ومدارس.4- التأريخ للمسرح، نشأته، ومتابعة اتجاهاته في المرحلة الأولى من نشأته.5- بروز النقد الفني في المسرح، من خلال ما قدمه من دراسة لتطور المسرحية.6- تطويره لآراء "محمد يوسف نجم" ومحاولته التوسع فيها.وهكذا فان "شاكر مصطفى" في عمله هذا يشكل خطوةً متقدمة نسبة إلى أدهم الجندي، إضافة إلى أن مصطلح المسرحية بات استخدامه متداولاً أكثر من مصطلح الرواية.2- الفترة الممتدة ما بين 1960- 1967:لقد أدى ظهور بعض المؤثرات في الفن المسرحي إلى نشاط ملحوظ في الحركة المسرحية، والنقد المسرحي اللذين كان لهما الفضل الأكبر في التمهيد للفن المسرحي الذي نشط بعد مرحلة حرب حزيران ويمكن أن نذكر من تلك المؤثرات، بعض المساهمات الفردية والجماعية التي جمعت في نقاط متعددة:1- تبني الدولة للمسارح: إذ أحدثت وزارة الثقافة والإرشاد القومي "المسرح القومي" في عام (1959) وقد نصت المادة الأولى من القرار الرسمي الذي أصدرته وزارة الثقافة على ما يلي: "ينشأ في وزارة الثقافة والإرشاد القومي ثلاثة مسارح يتألف كل منها من فرقة فنية أو أكثر، الأول للتمثيل ويدعى (المسرح القومي) والثاني للفنون الشعبية ويدعى (فرقة أمية للفنون الشعبية) والثالث للعرائس ويدعى (مسرح العرائس)().- وانشىء المسرح العسكري في عام (1960) وأصبح تابعاً لإدارة التوجيه المعنوي في قيادة الجيش، إلا أن التجربة الأولى له كانت في عام (1959) عندما قدّم مسرحية "حكيم بالزور" لمؤلفها موليير التي أعدها محمود جبر().- وأسس مسرح العرائس للأطفال في صيف (1960) برعاية وإشراف وزارة الثقافة وتسلم إدارته الفنان عبد اللطيف فتحي() بينما تمّ إحداث فرقة أمية للفنون الشعبية في عام (1960) وظلت قائمة على جهود الهواة حتى عام (1964) إذ انتقلت الفرقة إلى مرحلة الاحتراف وقدمت لوحات شعبية مستمدة من التراث العربي، ولوحات قومية تعبّر عن نضال الشعب العربي وآماله.- أمّا مسرح الشعب في حلب فقد أسس في (25/6/1967) عندما أصدر وزير الثقافة قراراً برقم (350) نصت المادة الأولى فيه على ما يلي "ينشأ في مدينة حلب مسرح للتمثيل يدعى مسرح حلب القومي، يرتبط بالمركز الثقافي العربي بحلب ويكون تابعاً لمسارح الوزارة وفرقها الفنية"().2- إصدار كتب خصصت للحديث عن المسرح: وتجلى ذلك من خلال نشاط "عدنان بن ذريل" في كتابيه (فن المسرحية) 1963 و(الأدب المسرحي في سورية) ويرجح أنه صدر في عام (1965) ونشاط عادل أبو شنب في كتابيه (مسرح عربي قديم) 1963 و (حياة الفنان عبد الوهاب أو السعود) 1973.3- اهتمام الدوريات بالمسرح: فقد خصصت مجلة المعرفة السورية الصادرة عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي العدد /34/ الذي صدر في كانون الأول عام (1964) للحديث عن المسرح، جزءاً خصص للحديث عن المسرح السوري، وجزءاً آخر خصص للحديث عن المسرح العربي، وجزءاً ثالثاً خصص للحديث عن المسرح العالمي.4- تزايد اهتمام الكتاب بالمسرح: إذ تحول بعض الكتّاب من كتابة القصة والشعر إلى الكتابة المسرحية، نذكر منهم، علي كنعان، ومحمد الماغوط، ووليد إخلاصي، وعلي الجندي، واسكندر لوقا، وصدقي اسماعيل، ومراد السباعي.- إضافة إلى بعض الكتاب الذين جذبتهم أضواء المسرح، فاتجهوا إليه مباشرة ومنهم سعد الله ونوس، وغسان ماهر الجزائري.- ويرى عرسان أن أهم الأسباب التي أدت إلى هذا التحول وهذا الاهتمام هي: (-إحداث وزارة الثقافة وإنشاء فرقة مسرحية رسمية في القطر، ترعاها الدولة وتنفق عليها وتخطط لها، هي فرقة المسرح القومي مما أبرز حاجة هذه الفرقة للنص المحلي وجعلها تبحث عنه وتعتبره أحد مبررات وجودها الرئيسية.- تقديم مواسم مسرحية ثابتة ومتنوعة الأمر الذي لفت نظر الأديب العربي إلى دور المسرح وجماهيريته وفعاليته، وربطه أيضاً بحركة التأليف المسرحي العالمية، ووضعه أمامها في مواجهة تحريض على الإنتاج وإثبات الذات.- تشجيع الدولة لحركة التأليف المسرحي، وشعور الكتّاب بوجود سوق لهذا النوع من الأدب.- انعكاس نشاط حركة التأليف المسرحي في القطر العربي المصري في كتاب القطر.- نمو النشاط المسرحي بصورة عامة وارتفاع سويته الفنية ومستوى زيادة الجماهير له)().- والدارس لهذه المرحلة يلاحظ بوضوح ازدياد نسبة المسرحيات المؤلفة، فمن خلال إحصاء النصوص المسرحية الذي قدّمه الدكتور "أحمد زياد محبك" في مجلة الموقف الأدبي (1986) نجد أن المسرحيات المؤلفة من عام (1945- 1959) قد بلغ عددها ( 47) مسرحية بينما بلغت (59) مسرحية في الفترة الممتدة ما بين (1960- 1967) () وهذا يعني أن عدد المسرحيات المؤلفة قفز إلى أكثر من الضعف، ذلك أن الفترة الأولى كانت على امتداد (14) عاماً بينما انحصرت الفترة الثانية في (7) سنوات.5- عودة رفيق الصبان وشريف خزندار من فرنسا؛ إذ تلقيا التعليم على يدي (جان لوي بارو) و(جان فيلار) وراحا يقدمان نماذج من المسرح العالمي، ساعيين إلى وضع أسس لثقافة مسرحية واعية.6- نشاط النقد الأدبي بسبب نشاط الحركة الأدبية عامة، إلا أن النقد المسرحي ظل أضعف أنواع النقد مساهمة في دفع عجلة المسرح، ذلك أنه اقتصر في أغلب نقده على وضع القواعد والأسس التي تستند إليها حركة مسرحية يراد لها التطور والاستمرار، ويمكن أن يلاحظ الدارس عدة أنواع من النقد المسرحي منها:النقد التنظيري- والنقد التطبيقي- والنقد التاريخي.1- النقد التنظيري:أدرك الناقد المسرحي حالة التخلف والضعف التي يعيشها المسرح العربي عامةً والمسرح السوري خاصةً، فانطلق من دراسة هذا الواقع للبحث عن العقبات التي تعيق حركة تقدم المسرح وتجعله بعيداً عن الكاتب والجمهور.لذا فقد عمل النقاد على تمهيد الأرضية الصلبة، ووضع القواعد الأساسية التي تسمح ببناء حركة مسرحية متطورة، فصوروا المعاناة واستندوا إليها في طرح الحلول، إذ طالبوا بتحقيق بعض القضايا المادية والمعنوية، فمن هذه القضايا:1- ضرورة الانطلاق من الواقع المحلي، ذلك أن رياح الواقعية الاشتراكية التي هبت في الخمسينيات قد شملت النقد المسرحي في بداية الستينيات من خلال الدعوة إلى الاهتمام بالمسرحية المعبّرة عن الواقع المحلي، وذلك عن طريق خلق الكاتب المسرحي الواعي، المدرك لمسؤوليته في بناء الحياة، وتطوير النضال الفكري الثوري().2- نشر الثقافة المسرحية وتعميقها عن طريق تمثل شوامخ الإنتاج المسرحي العالمي والإطلاع على التيارات المسرحية المعاصرة().3- خلق الممثل المسرحي الجيد، ورفد الحركة المسرحية بالعنصر النسائي عن طريق إحداث معهد للفنون المسرحية().4- إصدار سلسلة من التراجم ومحاولة الاستفادة من المدارس والجامعات في التربية المسرحية()، إضافة إلى إقامة مهرجانات سنوية على الصعيد العربي().يضاف إلى ذلك بعض المساهمات النقدية التي نظّرت للحركة المسرحية الجديدة وذلك عن طريق البحث في مدى معرفة العرب القدماء للمسرح، ونظرة المسرحيين العرب إلى المسرح الغربي، ومن ثم البحث في تأصيل المسرح العربي وتأكيد هويته العربية.- ففيما يخص قضية العرب والمسرح نلاحظ أن بعض النقاد التفتوا إلى التراث العربي، وراحوا يبحثون عن جذور مسرحية فيه، محاولين إثبات وجود المسرح في مصر وبلاد الحثيين قبل وجوده عند اليونان، إذ رأوا أن المسرح اليوناني هو مرحلة ناضجة ومتطورة عن مسرح قديم، وهذا المسرح ولد في مصر وبلاد ما بين النهرين بين الألف الثاني والنصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد().والحقيقة أن قضية كهذه لا يمكن أن تحسم، وما من شك في أنّها تعدّ المشكلة الأكثر تعقيداً في عالم المسرح، وهي ما تزال موضع أخذٍ وردٍ في مجالس النقاد والدارسين.بينما يرى آخرون أن عدم وجود النص المسرحي عند العرب القدماء، لا يعني عدم وجود هذا الفن، فالتمثيل حاجة أولية من حاجات المجتمعات البشرية، والتاريخ العربي المكتوب، لم يخلُ من بعض المناظر المسرحية التي لم تستمر، ولم تتطور لتصبح تمثيلاً أو مسرحاً، وإنما ظلت ظواهر مسرحية فحسب().- إلا أن بعض المنظرين المسرحيين نفوا وجود مسرح عربي قديم أو وجود بذور مسرحية عربية() وبين الإيجاب والنفي يتفق الطرفان في تحديد العوامل التي أدت إلى عدم تطور هذه الظواهر أو عدم وجودها إذ حُصرت في أسباب متعددة:- أسباب سياسية: فقد وجد أصحاب هذا الرأي أن عدم استقرار العرب القدماء بسبب تفرق كلمتهم والجور السياسي الذي لاقوه، والسيطرة الأجنبية عليهم، كل ذلك حال دون اهتمام العرب بالمسرح، والابتعاد عنه() لكن مما يلاحظ أننا لم نعدم وجود فترات طويلة من الاستقرار في التاريخ العربي، وذلك في القرن الثالث والرابع، وفي عهد الدولة الأموية في الأندلس.- أسباب دينية: ويتفق الطرفان على أن إحجام العرب القدماء عن ترجمة المسرحيات اليونانية يعود إلى:آ- أن مضمون المسرحيات اليونانية يقوم على تعدد الآلهة، وهذا ما يتنافى مع مبادىء الإسلام الأساسية وهي الوحدانية().ب- أن مضمون المسرحيات اليونانية، يقوم على الصراع بين الآلهة والإنسان، والدين الإسلامي قائم على الخضوع لله، والاستسلام لمشيئته().- أسباب ذاتية: ذلك أن بعض النقاد قد رأوا:آ- أن المسرح فن جماعي اجتماعي والإنسان العربي قد مال إلى الفردية في الفن والحضارة، فالشعر نما وازدهر لأنه يعتمد على الفردية().ب- أن المسرح يعتمد في بعض جوانبه على الخيال، والعربي تميز بواقعيته وإيمانه بالمعقول والممكن، وهذا ما جعله يبتعد عن تصوير الآلهة وأنصاف الآلهة().- أسباب اجتماعية: ورأى آخرون أن حجاب المرأة من العوائق التي منعتها من المشاركة بالتمثيل() إلا أن ما يدحض هذا الرأي إمكان استبدال المرأة بالشباب المرد، وقد حدث هذا في المجتمعات القديمة عندما كانت الأعراف الدينية تمنع مشاركة المرأة في التمثيل ولنا في تجربة "أبو خليل القباني" خير مؤيدٍ حينما استعاض عن النساء بالشبان المرد في تأدية أدوارهم، وحتى في عهد الإغريق وفي عهد شكسبير، كان الممثلون يقومون بأدوار النساء.ومن الأسباب الاجتماعية الأخرى التي أوجدها النقاد، والتي حالت دون اقتباس الفن المسرحي كون المسرح يحتاج إلى تحليل العواطف، وهذا ما لم يكن يسمح به الوضع الاجتماعي في تلك العهود().إلا أن "خليل الهنداوي" وجد أن العامل الرئيسي الذي حال دون معرفة العرب لهذا الفن، هو خنق الفن في تقاليدنا، كالتصوير والنحت والفنون، وهذه الفنون مرتبط بعضها ببعض().لكن تاريخ العرب الفني ما زال ماثلاً أمام أعيننا يحدثنا عما توصل إليه أجدادنا في فن العمارة والذوق الرفيع، فالمساجد التي بُنيت تدل على ذلك، والأندلس ما زالت تتحدث عن الآثار العربية الفنية إلى يومنا هذا.- مما تقدم نلاحظ أن هذه الأسباب تعود إلى كوابح في الحضارة العربية الإسلامية، وإلى أسباب نرى عند دراستها أنها ليست جوهرية وأساسية. وهي إن لم تكن ثانوية في التأثير على إهمال المسرح، فهي ليست بهذه الدرجة من الأهمية والخطورة لتمنع ظهور هذا الفن وتطوره عند الشعوب.- وفيما يخص القضية الثانية، وهي نظرة العرب إلى المسرح الغربي، ذلك أن أكثر النقاد المسرحيين والدارسين، وجدوا أن المسرح فن دخيل، لا جذور له في الأرض العربية، لذا فقد نظروا إلى الأصل نظرة انبهار وإعجاب، ولمّا كان المسرح الغربي هو الأصل فقد لجؤوا إلى التقليد والنقل لمجاواة الحضارة أولاً، والوصول إلى الكمال ما داموا قد وجدوه في المسرح الغربي ثانياً.والدارس لهذه المرحلة يلاحظ بوضوح، طغيان العروض المسرحية الأجنبية على خشبات المسارح السورية، ويلاحظ أيضاً أن الكتّاب في تعاملهم مع المسرح الغربي قد نهجوا طرقاً متعددة، بعضهم لجأ إلى الترجمة، وغالباً ما كانت تلك الترجمة غير أمينة، وبعضهم الآخر لجأ إلى الاقتباس أو المطابقة في الفن والإخراج وغالباً ما اقتبسوا المناحي الفنية الغربية في كافة اتجاهاتها ومذاهبها وأساليبها.لكن مع هذا التيار، تصاعدت أصوات، تنادي بتنسيق العمل المسرحي واختيار ما يناسب ذوقنا وشعبنا، إلا أنّ الاختلاف بات في اختيار ما يناسب الذوق العام؛ إذ رأى بعض الدارسين أن المسرحية الكلاسيكية التي تدعو إلى تقديم روائع المسرح العالمي هي الأنسب، ووجد بعضهم الآخر أن جذب الجمهور في العملية المسرحية هو الأهم، وذلك عن طريق محاكاة المسارح الشعبية الغربية.ومما يلاحظ أن هذه الأصوات، لم تبتعد عن روح التقليد، ومجاراة المسرح العالمي، وهكذا فقد وقع مسرحنا في التبعية للمسرح الغربي، وابتعد عن روح الإبداع والابتكار.- ولعل هذا ما لفت نظر الكتاب المسرحيين إلى البحث في القضية الثالثة وهي قضية التأصيل ذلك أن الكاتب المسرحي أدرك أهمية المسرح كظاهرة اجتماعية، تعبر عن البيئة المحلية، وبدا ذلك واضحاً في ترجمته للمسرح الغربي، عندما بدّل أسماء الشخصيات، وأسماء الأمكنة، وأضاف إلى المسرحيات المترجمة، فصولاً ومشاهد مقتبسة من الواقع المحلي.لكن وإن كانت هذه المحاولات عفوية، لا تنم عن وعي لحاضر المسرح العربي واستشراف مستقبله، فإننا يمكن أن نعدّها خطوة أولية بدائية، ساهمت في إعطاء المسرح ملامح عربية تعبّر عن بيئته وواقعه.ومع تقليد المسرح الغربي وفي جو الشعور "بمركب النقص" تجاه المسرح الغربي سمعنا أصواتاً باهتةً تنادي بتأصيل المسرح العربي، وغرسه في التربة العربية، لينمو نمواً طبيعياً عربي الوجه والقلب واللسان، وهذه الأصوات وجدت ضالتها في منحيين:- منحى خارجي: عندما دعت إلى هضم الاتجاهات، والأساليب العامة، التي هي إرث إنساني عالمي، ومجاراتها، مطاوعة للفكر العربي.- منحى داخلي: عندما وجدت أن أصالة الشعب العربي مستمدة من آدابه، وتاريخه، وتقاليده، فدعت إلى دراسة مصادر الفن الشعبي العربي المسرحي المتمثلة في الطقوس والحفلات التقليدية الشعبية والدينية وفي التجارب المسرحية السابقة، التي نشأت مع ولادة المسرح العربي إلى يومنا هذا، ومن التراث الأدبي العربي والشعبي بما حواه من مقامات وسير وحكايات.ومع أن هذه الأصوات بقيت في حدود التنظير، ولم تلقَ من يترجمها إلى واقع إلا أنها كانت الجنين الذي نما وترعرع ولاقى الحضانة والعناية، بعد نكسة حزيران التي هددت الوجود العربي، وزعزعت كيانه، فتحول الصوت الفردي إلى صرخةٍ جماعية، تبحث عن هوية عربية، لمسرح عربي يمثل الواقع، ويعبّر عن هموم العرب وآمالهم وآلامهم.2- النقد التطبيقي:في النقد التطبيقي وجدنا النقاد المسرحيين قد ركزوا على قضيتين هامتين وهما، اللغة والحوار المسرحي، وعلاقة المسرح بالسياسة.آ- اللغة والحوار المسرحي:الحوار المسرحي من القضايا التي شغلت النقاد، نظراً لأهميته في التعبير عن الشخصية وعن الفكرة ومن ثم القدرة على التواصل مع الجمهور. عن طريق الأفكار والموضوعات التي يراد التعبير عنها، ويتناول الحوار عندهم بناء الجملة ويعبر من خلاله عن الشخصية بسلاسة وسهولة ولابد أن يختار الألفاظ المعبرة الموحية،() فهو وسيلة التخاطب والتفاهم بين الممثلين، ووجد "ابن ذريل" أن هناك أجزاءً متممة للحوار المسرحي، وعدّها جزءاً منه، وهي الحديث الفردي الذي يعبّر عن المواقف، والحديث السردي، الفردي والجماعي، الذي يعبر عن الأحداث والتطورات التي تحدث وراء الخشبة، فهو يقول: (ويشترط في الحوار البساطة والحيوية، وكذلك يشترط في الحديث الفردي البساطة والحيوية، خاصةً وأنه كثيراً ما يضطر المؤلفون فيه إلى البوح والمكاشفة وغالباً ما يكونا معقدين ووجدانيين، ولا شك في أن (الحديث الفردي) أقل حيوية من الحوار إلا أن قيمته في ما يكسب العمل المسرحي من حيوية ورونق)().لقد ركز الدارس على أهمية كون الحوار سلساً بسيطاً لا تكلف فيه ولا تصنع، حرصاً منه على مساهمته في تطوير العمل المسرحي نحو الحل.- واكتفى النقاد فيما يخص الحوار المسرحي بالوقوف عند هذا الحد، إذ وصفوه وركزوا على ضرورة البساطة والحيوية فيه، إلا أن القضية التي استغرقت تفكيرهم هي قضية الفصحى والعامية، ويبدو أن الصراع بين الفصحى والعامية الذي شغل الساحة المصرية في تلك الآونة، قد انعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على كتابنا ونقادنا؛ إذ أدرك الناقد والكاتب المسرحي أهمية الجمهور المتلقي للعمل المسرحي فلا مسرح بلا جمهور، وهكذا فقد جهدا في البحث عن مسرح ينفعل به الجمهور يظل قريباً منه، ومعبِّراً عنه، وراحا يبحثان في قضايا متعددة، ربما كان أهمها عملية التواصل مع الجمهور والتوصيل.وفي محاولة الاختيار بين الفصحى والعامية برزت الروح القومية واضحة: إذ رأى بعض النقاد أن العامية قد تكون أصدق لهجة في التعبير عن الشخصيات وأقرب إلى الواقع، فدعوا إلى استخدامها في الملهاة وبعض المسرحيات الاجتماعية بينما خص بعضهم الفصحى بالدراما وبعض المسرحيات التاريخية() إلا أن "خليل الهنداوي" الذي وجد في العودة إلى العامية رجوعاً إلى الواقع وجد أيضاً أن استلهام هذا الواقع سيجعل لكل بلدٍ عربي مسرحه الخاص، وهذا ما يتنافى مع الواقع القومي الذي يقوم على الفصحى، لكن هل يعني ذلك أن "الهنداوي قد طالب بضرورة استخدام اللغة الفصحى في الكتابة المسرحية؟- ربما يكون الهنداوي بدافع من قوميته قد وجد الحل في محاولة (التوفيق بين اللهجتين، فلا ننحدر في عاميتنا ولا نغرب في فصحانا)()، وعلة ذلك أن المسرح هو لقاء حي بين ممثل ومتلقي، وعملية التوصيل والتواصل يمكن أن تتحقق عن طريق استخدام اللغة الفصحى المبسطة، ولعل الرأي القائل في التوفيق بين اللهجتين هو الرأي الذي ساد في تلك الآونة، فسلمان قطاية عندما عالج قضية الفصحى والعامية قال: (ولا يزال المسرح العربي في حاجة قصوى وبالغة إلى لغة مسرحية، تجمع بين الفصحى ومتانتها وعراقتها ووجهها الحضاري وإلى مرونة العامية وحيويتها وسلاستها، مع مراعاة الضرورات التقنية المسرحية والبناء الدرامي)().- وهذه اللغة هي اللغة الثالثة أو اللغة الوسطى التي نادى بها توفيق الحكيم في مصر؛ إذ رأى أن استخدام الفصحى في القراءة يجعل المسرحية مقبولة ومفهومه، أما في حالة التمثيل والتجسيد فإنها تستلزم الترجمة، وفي كلتا الحالتين لا يُركن لا إلى الفصحى ولا إلى اللهجة العامية، لذا فلابد من استبدالها بلغة تتراوح بين الفصحى والعامية، وهي ما أطلق عليها مصجطلح (اللغة الثالثة) ويقصد باللغة الثالثة، لغة لا تجافي الفصحى، وهي في الوقت نفسه ما يمكن أن ينطق به الأشخاص بما يتناسب مع طبائعهم وجو حياتهم().- وقد توخى من وراء هذه التجربة نتيجتين اثنتين: (أولاهما السير نحو لغة مسرحية موحدة في أدبنا، تقترب بنا من اللغة المسرحية الموحدة في الأداب الأوربية، وثانيهما وهي الأهم التقريب بين طبقات الشعب الواحد، وبين شعوب اللغة العربية، بتوحيد أداة التفاهم على قدر الإمكان، دون المساس بضرورات الفن)().وقد حاول توفيق الحكيم أن يطبق ما قدذمه على لغة مسرحية (الصفقة) 1956 إلا أن تجربته لم تنجح؛ إذ كانت لغة المسرحية مزيجاً من الفصحى والعامية وأدرك توفيق الحكيم ذلك ولم يكرر المحاولة، وكتب بعدها مسرحية (السلطان الحائر) (1960) بلغة فصيحة بليغة.ب- علاقة الفن المسرحي بالسياسة:مع نشوء المسرح القومي (1959) سعى النقاد والدارسون المسرحيون إلى تأسيس مسرح ينطلق من قاعدة أساسية هي الجمهور، وأدركوا أن لكل عمل فني هدفاً، وأن الدور الذي يلعبه المسرح لا يقل أهميةً عن الدور الذي تقوم به المؤسسات الثقافية والتعليمية، لذا فقد دأب المسرحيون في هذه المرحلة، محاولين البحث عن مسرح يعي حركة الواقع ويساير حركة التقدم، فالمسرح لم يعد أداة تسلية، بل غدا أداة سياسية واقتصادية واجتماعية، وأضحى انتشاره واستمراره مرهوناً بمعالجته لقضايا الشعب، وهمومه وتطلعاته؛ إذ يقول أحد الدارسين: (المسرح أداة سياسية بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن يجد مبرراً لوجوده إذا ابتعد عن معالجة القضايا السياسية والاقتصادية النابعة من العصر..)().- في مرحلة البحث عن المسرح السياسي وجد بعضهم الحل في محاولة خلق الكاتب الواعي (المدرك لمسؤوليته الفنية في إبداع الحياة، وتطوير النضال الفكري الثوري، وفهم المجتمع فهماً صحيحاً وجعله الينبوع لكل فن)() وهذه دعوة صريحة للصدور عن الواقع العربي، والاستمداد منه، والتعبير عنه؛ إذ لا يجدينا أن نستعير ثياب الآخرين- على حد تعبير الهنداوي.- إن المسرح السياسي- عند أولئك الدارسين، هو المسرح الواقعي الذي يصور الواقع في حركته وتطوره، في تركيزه على القضايا المصيرية في حياة الإنسان العربي، القضايا التي تبعث على تطوير النضال الفكري والثوري، ولعل سلمان قطاية في دعوته إلى المسرح الشعبي، قد أدرك أهمية المسرح السياسي فكان مسرحاً اجتماعياً سياسياً.- المهم أن دارسو هذه المرحلة أدركوا أن المسرح كان دوماً وسيلة من وسائل النقد السياسي والاجتماعي، وأنه يحمل رسالة ويسعى إلى هدف، وهذا ما حدا بـ"شريف خزندار" أن يطرح فكرة المسرح التوجيهي ويدعوا إليه عندما قال: (.. يجب أن نتوجه بعنايتنا إلى فرض المسرح الموجه المسرح ذي الرسالة، المسرح التاريخي، المسرح السياسي، المسرح الاجتماعي، المسرح النقدي، وبكلمة واحدة المسرح الشعبي)().إلا أن هذه الدعوات والطروحات لم تنطلق من دراسة ميدانية، بل كانت مجرد تصورات تنظيرية، اعتمدت على نماذج من المسرح العربي القديم والمسرح العالمي، لكننا لانستطيع أن ننكر أهميتها في أنها كانت تؤسس لمسرح يحاول أن يتجاوب مع الواقع، ويعبّر عنه ، ولاسيما أن المجتمع العربي كان يتهيأ للدخول في مرحلة حاسمة، غيّرت مفاهيمه وزعزعت كيانه، يضاف إلى ذلك أنه كان يمر بمرحلة البناء الاشتراكي ، لذا فقد وجد فريق من النقاد والباحثين المسرحيين في مسرح بريخت وأفكاره ، الوسيلة الأنسب التي تلائم مرحلة البناء والتقويم التي تعيشها الأمة العربية آنذاك .3- النقد التاريخي:يمكن أن نتمثل النقد التاريخي، من خلال الكتاب الذي قدمه "عدنان بن ذريل" تحت عنوان "الأدب المسرحي في سورية" إذ رصد فيه حركة التأليف المسرحي في سورية منذ أبي خليل القباني إلى تاريخ تأليف الكتاب، ويرجح أنه صدر في عام (1965) ويتألف من (176) صفحة من القطع المتوسط.- قسّم ابن ذريل كتابه إلى مقدمه وأربعة فصول، واحتوى كل فصل بابين.- تحدّث الكاتب في الفصل الأول عن المسرحية العربية الغنائية السورية، إذ تحدث عن تجربة ابي خليل القباني . فنه وأدبه المسرحي . وأشار إلى جهوده في تأسيس المسرحية العربية الغنائية وتأليف المسرحية النثرية الشعرية() ثم تحدث في الباب الثاني عن تلاميذ القباني وتابع تطور المسرحية الغنائية، فوجد أن بريقها قد خفت، لكنها حافظت على الأصول العربية في اختيار الموضوعات، ورأى أن الفترة الممتدة من مطلع القرن العشرين إلى الحرب العالمية الأولى هي فترة المسرح الغنائي والتأليف والترجمة الاقتباس.().- وفي الفصل الثاني تحدث ابن ذريل عن الخضرمة والتجديد في الفترة الممتدة من ما قبل الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية؛ إذ خصصّ الباب الأول للحديث عن "معروف الأرناؤوط" كاتباً وروائياً ومسرحياً، وعن "عبد الوهاب أو السعود" الذي أسهم في تطوير الأدب المسرحي نحو البساطة والواقعية، واكتسب ثقافته المسرحية عن طريق جورج أبيض في مصر (1911) ومن ثم أسهم في فترة ما بين الحربين العالميتين في تطوير النوادي الفنية.- وخصّ الدارس الباب الثاني من هذا الفصل، للحديث عن النوادي الفنية وأثرها في تطوير المسرح؛ إذ احتلت مكان الصدارة في فترة ما بين الحربين العالميتين في سورية، وهما على التوالي (نادي الكشاف الرياضي) 1928 و(نادي الفنون الجميلة) 1930 الذي حرص على العناية بالفنون كافة "من موسيقا ورسم وتمثيل" ونادي (دار الألحان والتمثيل) 1932 الذي لم يدم أكثر من سنوات معدودة.- وقد ربط الكاتب بين تطور المسرحية الرومنطية والواقعية والظروف التي عاشتها سورية في تلك الفترة، ذلك أن الرومنطقية ظهرت في أدب معروف الأرناؤوط وأنور العطار وعدنان مردم بك، بينما ظهرت الواقعية في كتابات "عبد الوهاب أبو السعود"، يضاف إلى ذلك أن الكاتب قد خصّ بواكير التأليف المسرحي بوقفة متأنية في الباب الثاني من هذا الفصل() عندما استعرض مجموعة من المسرحيات التي كتبت في فترة ما بين الحربين، الشعرية منها والنثرية وتناولها بشيء من التحليل.- أما الفصل الرابع() فقد خصص بابه الأول للحديث عن الاتجاهات الذهنية التي عدّها امتداداً لفترة سبقتها، مع حدوث بعض التطورات التي طرأت عليها، وأكد أن هذا التطور هو جزء من تطور عام شمل الأدب ونتج عن الاتصال المباشر بالثقافة الغربية وتابع في الباب الثاني الحديث عن الاتجاهات الحديثة (الواقعية والنفسية والوجودية والماركسية) التي وجد في كل عمل مسرحي تطبيقاً لها.- نخلص مما تقدم أن "ابن ذريل" في كتابه وقف وقفة المؤرخ الراصد السارد، على الرغم من أن الكاتب كان يتوقف بين الفينة والأخرى ليعلق على بعض الأراء، يقرّها أو ينكرها، وبدا ذلك واضحاً في الفصل الأول من الكتاب.أما في القسم الثاني، وتحديداً عندما تحدث عن المسرحيات المؤلفة منذ عام 1929 فقد كان نقدة تأريخياً تحليلياً؛ إذ لخصّ المسرحية وحدد موضوعها، وعيّن الشخصيات فيها، وقاس الزمان والمكان بمقياس المسرحية الكلاسيكية، وأشار إلى اللغة المسرحية إن كانت قد أدت الوظيفة المطلوبة أم لا.- لقد كان ابن ذريل في نقده سطحياً، لم يتعمق في تحليله، وكان نقده انطباعياً، ولا عجب في ذلك فالنقد الانطباعي هو النقد السائد في تلك الآونة، إلا أن عمل ابن ذريل كان أقرب إلى التعريف بالعمل المسرحي، ومحاولة تقديمه إلى القارىء، لكن الذي يحمد لابن ذريل في هذا الكتاب أنه حاول أن يستخلص المذاهب الفنية الحديثة من المسرحيات المدروسة.- ولما كان عنوان الكتاب (الأدب المسرحي في سورية) فطبيعي أن يحوي في مضمونه دراسة المؤلفات المسرحية، لا العروض الفنية، علماً بأن الكاتب قال في مقدمته: (في هذا الكتاب صورة صادقة، وأمينة لجانب هام، وشيق، من جوانب الحياة الفنية والأدبية السورية، والعربية، وهو المسرحية السورية فناً وأدباً)().- إلا أن ابن ذريل استدرك هذا النقص في كتاب آخر هو (المسرح السوري منذ أبي خليل القباني إلى اليوم)() 1971 فاهتم بالعروض المسرحية، وبهذا يكون قد أدرك أن المسرح هو فن وليس نصاً فحسب.- وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف لم يخصص كتابه للحديث عن الفن المسرحي في العاصمة فحسب، وإن كان هو الغالب، بل أشار إلى إنتاج بعض المؤلفين في حمص وحلب وحماه وقدّم إحصاء للمسرحيات المؤلفة، إلا أنه لم يكن إحصاء دقيقاً؛ إذ أهمل بعض المسرحيات ولم يقف عندها، فمن قبيل ذلك مسرحيتا (طلسم الحياة)() 1941 و(ثورة العبيد)() 1937 لمؤلفها عبد الرحمن أبو قوس.- أما المصادر التي استقى منها دراسته فهي الكتب الأدبية السورية، والمسرحيات المتوفرة ومقدماتها، والمجلات والصحف التي نشرت في مطلع هذا القرن مثل (المقتبس والشرق والعرفان والمقتبس (الجريدة) والأيام، والقبس والاستقلال والناقد وغيرها..) يضاف إلى ذلك المقابلات الشفهية التي أجراها مع الفنانين الممثلين والملحنين والمؤلفين.- إلا أن ما يؤخذ على "ابن ذريل" في هذا الكتاب استخدامه اللغة الخطابية وكثرة المبالغة فيها، وتكراره للأوصاف، لكن مع هذا- لا نستطيع أن ننكر قيمة هذا الكتاب، وأهميته في كونه أول كتاب يؤرخ ويقيّم تراثنا المسرحي، وإن كان قد سبقه في ذلك عادل أو شنب في كتابه (حياة الفنان عبد الوهاب أو السعود)() 1963 إلا أن أبو شنب أرخ لكاتب مسرحي واحد، بينما أرخ ابن ذريل للمسرح على مسيرة أكثر من نصف قرن تقريباً.- علماً بأن دراسة "أبو شنب" كانت أقرب إلى التأريخ للسيرة الذاتية؛ إذ تناول شخصية "عبد الوهاب أبو السعود" ودرسها دراسة مفصلة، وتعرض لكل جوانبها، حياة الفنان وبيئته والمؤثرات في فنه، وتكوينه، ومحاولاته الأولى، ونشاطاته التدريبية، وموهبته في التمثيل والرسم وقسّم مسرحياته إلى أربعة أقسام:1- مسرحيات المناسبات.2- المسرحيات المترجمة.3- المسرحيات التاريخية من التاريخ العربي والإسلامي.4- المسرحيات الشعبية.***- نخلص إلى أن النقد المسرحي في هذه المرحلة، اتسم بالصفات التالية:آ- عدم مواكبة النقد للعروض المسرحية.ب- غلبة النقد الانطباعي في الفن والأدب.ج- كان النصيب الأكبر من النقد للنقد التنظيري، أكثر من النقد التطبيقي.د- تمركز النقد في أيدي عدد "قليل" من النقاد هم عدنان بن ذريل ورفيق الصبان وسلمان قطاية وشريف خزندار وخليل الهنداوي وعادل أبو شنب وغالباً ما كانت كتاباتهم النقدية ذات نفس قصير. والأهم من هذا وذاك أن النقد في هذه المرحلة افتقد النظرة النقدية المنهجية والموضوعية.الفصل الأولالمؤثرات في النقد المسرحي1- متغيرات الواقع.2- المسرح الغربي ونقده.3- نشاط الحركة المسرحية في سورية.1- متغيرات الواقع:لقد أحدثت حرب حزيران (1967) تحولاً في تاريخ الأمة العربية؛ إذ كشفت حقيقة التناقضات التي كان يعاني منها الواقع العربي، وأكدت الحاجة إلى ثورة تحقق الرد على النكسة، فالهزيمة العسكرية كانت تعبيراً عن هزيمة العديد من الأبنية السياسية والاجتماعية والثقافية().- وقد انصب اهتمام الأدب بعد الخامس من حزيران على موضوع النكسة حاول تحليلها ومعرفة أسبابها، ونتائجها، وأثرها في المجتمع، ولما كان المسرح- أكثر من أي فن آخر- فناً اجتماعياً له حضوره البشري فقد عاش مرحلة النكسة، حاول تقصيها وأطلق صيحات الاحتجاج على الواقع المدان، ومع ظهور بوادر الوعي والالتزام رُفع شعار إعادة النظر في رسالة الأديب العربي() وفي رسالة المسرح بكافة مجالاته وأساليبه، من ناحية التأليف المسرحي، والعمل الفني، ومن ثم النقد المسرحي.آ- التأليف المسرحي:لقد كان الخامس من حزيران بمنزلة الشرارة التي فجرت القدرة الكامنة عند الكاتب العربي عامةً والكاتب المسرحي خاصةً، فتوجه للاتصال مع الجمهور بطريقة مباشرة وحاول أن يلتفت إلى الواقع، وينطلق منه، ويعبّر عنه؛ فاتجه إلى تصوير الخلفيات التي أدت إلى النكسة لمواجهتها وتجاوزها، ونهج في ذلك أساليب متعددة.1- ردة الفعل العفوية والتلقائية:التي يمكن أن نلمسها من خلال ما قدمته مسرحية "السيل"() 1968 لمؤلفها علي كنعان الذي حاول عن طريق الرمز أن يرسم طريق الخلاص، فالسيل يرمز إلى الغزو الصهيوني الذي اجتاح البلاد عام (1948) ثم عام (1956) ولما لم يحسب الشعب له حساباً، ولم يحتط الاحتياطات اللازمة، اجتاح المنطقة عام (1967) وهدّم وخرّب، وقد جعل المؤلف الحل في التغلب على هذا السيل عن طريق بناء سد منيع يقي العواقب، ويأمن الشعب نفسه وأرضه، من الطوفان.- إن المسرحية لم تهدف إلى الكشف عن أسباب الهزيمة بقدر ما كانت تحاول رسم طريق الخلاص، فهي تمثل الرفض التام والردة الانفعالية للنكسة، وكيفية نفض الغبار عن كاهل العرب، وذلك عن طريق تسخير كل القدرات المتاحة لتجاوز مرحلة النكسة والردّ عليها، والتصدي لها ومجابهتها بنصر حقيقي مؤكد.2- تصوير الواقع السياسي والاجتماعي:لجأ الكاتب المسرحي إلى تصوير الواقع العربي بماعليه من تناقضات سياسية واجتماعية، وحاول الكشف عن الأصيل والمزيف في هذا الواقع بعد خلخلته وتفكيكه، فكانت مسرحية (حفلة سمر من أجل 5 حزيران)() 1970 لمؤلفها سعد الله ونوس، ومسرحية (الدراويش يبحثون عن الحقيقة)() 1970 لمؤلفها مصطفى الحلاج.- لقد غاص سعد الله ونوس في الواقع العربي، وحاول أن يضع يده على عوامل الهزيمة، بيّن أسبابها وربط السبب بالنتيجة، وذلك عندما رصد الواقع العربي بمختلف جوانبه، فأظهر التمزق والتشتت وأتيح له (أن ينقل الوضع العربي في اللحظة التاريخية التي تلت الهزيمة جملةً إلى مسرحيته التي لم تكن في نهاية الأمر إلا صورة هذا الوضع العام بمختلف جوانبه السياسية والتاريخية والاجتماعية والفكرية)() فالخسارة والنكسة لم تكن مصادفة، وإنما كانت نتيجة طبيعية للواقع العربي، لقد وضع ونوس مرآة أمام الشعب العربي والأنظمة العربية، لترى الحقيقة، فتواجهها وتجابهها.- أما مسرحية "الدراويش يبحثون عن الحقيقة" فقد بحثت الواقع العربي من خلال مشكلة "الحرية والالتزام" فالحقيقة التي يبحث عنها الدروايش هي حقيقة واقعية واجتماعية وإنسانية.- لقد أدرك الحلاج أن الواقع ما دام قائماً، فلابد من التصدي له، ذلك أن العدو لا يفرق بين عربي وعربي، وانطلق من الواقع المحلي ليعبر بشمولية أكبر تعمّ الوطن العربي بأثره، لذا فقد كانت رؤيته بالغة النضج على المستويين الفكري والفني (لأزمة الإنسان العربي في التاريخ المعاصر لا في ضوء الهزيمة وحدها وإنما في ضوء المؤامرة الكبرى على الوطن العربي، تلك التي تؤلف الهزيمة إحدى حلقاتها)().3- اللجوء إلى التراث:لقد ارتبط وعي التراث بمرحلة الهزيمة، فكان بمنزلة العودة الثقافية التي عكست قلق الإنسان العربي وتصدعه، فراح الكاتب المسرحي يبحث عن الهوية المفقودة، وقد وجد ضالته في استلهام التراث، والاستعانة بما يحمله من حوادث وشخصيات تاريخية، ويوظفها بشكل يفسر الظاهرة ويدعو إلى التغيير، ومحاولة تجاوز النكسة، وقد تعددت المسرحيات التي قدمت تفسيراً للنكسة عن طريق استلهام التاريخ وتنوعت؛ إذ اختارت أحداثاً معينة وأسقطت عليها الأحداث الراهنة، فوجهت بعض الانتقادات إلى السلطة العربية والشعب المحكوم.- لقد حاولت بعض هذه المسرحيات تفسير الظاهرة عن طريق الحادثة التاريخية، وجعلت الشعب هو المسؤول الأول، لأنه لم يتحمل مسؤولية الواقع، فمن قبيل ذلك مسرحية "رأس المملوك جابر"() 1971 لمؤلفها سعد الله ونوس الذي حاول أن يقدم تفسيراً لنكسة حزيران، من خلال تفسير حدث ماضٍ، وهو سقوط بغداد، وقد أرجع الكاتب هزيمة بغداد إلى تقصير الشعب في تحمل المسؤولية، لذا فقد أكدت المسرحية ضرورة اهتمام الشعب بالواقع، والعمل على تفهمه، ودعا إلى المشاركة في تغييره، وتحمل مسؤولية ما يستجد فيه من متغيرات، وضرورة الاهتمام بالقضايا السياسية وعدم المبالاة بها بحجة الخوف والاكتفاء الذاتي بتأمين حاجات الحياة الضرورية()، لأن الشرخ الذي يحدث بين السلطة والشعب بسبب ابتعاد الشعب عن السلطة ومراقبتها، يجعل السلطة تتصرف واضعة نصب عينيها مصلحتها الشخصية لامصلحة الشعب والأمة.- وقد وجهت مسرحيات أخرى بعض الانتقادات إلى السلطة الحاكمة، وأوضحت دورها في النكسة، إلا أن لوم السلطة لا يعني تبرئة الشعب كليةً في تخليه عن مسؤولياته، ويمكن أن نتمثل ذلك من خلال مسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب)() 1972 لمؤلفها ممدوح عدوان ومسرحية (المهرج)() 1973 لمؤلفها محمد الماغوط ومسرحية (كيف تركت السيف)() لمؤلفها ممدوح عدوان أيضاً.- لقد استمدت مسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) أحداثها من التاريخ العربي وتحديداً من جو سقوط بغداد، لتعبر عن الحاضر، ففسرت النكسة بواسطته؛ إذ صورت الشعب مقصراً، وأظهرته بموقف الجبن والتردد، متخلياً عن مسؤوليته، وعن المسؤولية العامة، وأرجع السبب في ذلك إلى طغيان السلطة الحاكمة.- أما مسرحية (المهرج)، فقد صورت حالة التمزق والتخلف التي مُني بها الوطن العربي، فما كان من (عبد الرحمن الداخل) إلا أن امتشق سيفه لإعادة الكرامة للوطن بعد أن علم بحاله، وما وصل إليه من أوصال متقطعة، إلا أنه أوقف على الحدود العربية، وأسر بوصفه مجرماً كان قد غزا أرض اسبانيا، وتم التفاوض عليه مع ممثل حكومة (اسبانيا) وسلم للحاكم الاسباني مقابل عدة أطنان من مواد غذائية ثمناً لم.- قدمت المسرحية انتقاداً للواقع، بل للشعب الذي يتسكع على أرصفة المقاهي يجذبه الفن الرخيص ويفتقد الوعي السياسي()، ومثلت إحدى المسرحيات التي اهتمت بالحاكم، ودوره الانهزامي في قيادة الشعب بعد نكسة حزيران، لقد ركز الماغوط على الشخصية التراثية الثائرة، وهذه تعدّ ظاهرة من ردات الفعل الطبيعية لما خلفته الهزيمة من آثار في الوجدان العربي، فكان التراث مطيةً لطرح فكرة الصراع الاجتماعي والعدل والتحرر.- ولعل هذا ما لمسناه واضحاً في مسرحية (كيف تركت السيف) لمؤلفها ممدوح عدوان؛ إذ طالب الكاتب بالعمل الثوري والممارسة الحقيقية، والابتعاد عن التنظير، ودعا دعوة صريحة إلى حمل السيف لأن الزمن زمن الفعل، لا زمن الكلمة، لذا فقد استلهم شخصية (أبو ذرٍ الغفاري) وحاول تثويرها على المستوى النظري لأن أبا ذرٍ حارب الاستغلال والاحتكار بلسانه في عهد "عثمان بن عفان" إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى نتيجة لهذا فإن السؤال ظل يطارده في المسرحية "أين تركت السيف"().4- الاتجاه نحو المسرح السياسي:- لقد كان المسرح الاجتماعي هو السائد قبل الخامس من حزيران، إلا أنه بعد النكسة أخذ يضمحل ليحل محله المسرح السياسي، نتيجة رد فعل مباشر وحاسم على النكسة.- إلا أننا لا نستطيع أن نقول: إن المسرح السياسي هو ابن الخامس من حزيران لأن المسرح العربي كان سياسياً منذ نشأته الأولى إلا أنه اتسع وانتشر بعد النكسة، فنقطة التحول كانت بسبب الحرب الحزيرانية، والإحساس بوطأة التجزئة وكثرة الضغوط على الوطن العربي.وربما تكون نقمة الكاتب إثر النكسة على الواقع العربي لها الأثر الأكبر في هذا التحول؛ إذ وقف المسرح مجابهاً للسلطة وألقى اللوم عليها، وأدان عدم اكتراث الشعب بتسيير أموره وإحجامه عن تقرير مصيره، وقيادة دفة الحكم.ففي مسرحية (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) لمؤلفها سعد الله ونوس التي عدّها بعض الدارسين البداية الواعية لمسرح اليسار السياسي() نجد أن الممارسة المسرحية قد امتزجت بالممارسة السياسية، فالمسرح عند ونوس أصبح تجمعاً سياسياً تطرح فيه القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية لمناقشتها.- إلا أن ما يؤخذ على المسرح السياسي إجمالاً في ذلك الوقت أنه:آ- لم يقدم رؤية متكاملة لهزيمة حزيران والواقع العربي.ب- ظل عاجزاً عن إيجاد مفهوم جديد للمسرح يتجاوز المفهوم السائد.ج- افتقر إلى النضج السياسي والفكري عندما تصدى لأزمة لها جذورها في التاريخ العربي المعاصر، ولها جذورها في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي().ب- العمل الفني:- إذا كان الكاتب المسرحي بعد حزيران، عاد إلى التراث واستلهم منه الحوادث والشخصيات يقيناً منه أن التراث هو الأرث الذي يحمل معنى البطولة والأمجاد لترميم الواقع المهزوم، وللبحث عن الهوية العربية، فطبيعي- وللأسباب نفسها- أن يبحث الفن المسرحي عن صيغ جديدة تبعده ولو بشكل جزئي عن التقليد والتبعية.- ولمّا كان المسرح لقاءً جماهيرياً، يسعى إلى التأثير بشكل أو بآخر، فقد لجأ بعض المسرحيين إلى استخدام صيغ مسرحية جديدة، حاولوا توظيفها بشكل يؤدي إلى تغيير طبيعة المسرح وتبديل وظيفته، لذا فقد خرجوا عن أصول الدراما وذلك عن طريق خرق الجدار الرابع، ونفي الإيهام المسرحي ليتمّ التواصل بين الخشبة والصالة، خصوصاً بعد ما لمسوا وجود غربة قائمة بين الممثل والمتفرج، وأيقنوا أن أهم أسبابها هو شعور الجمهور بابتعاد الفن المسرحي عنه، لأنه لا يمثل واقعه، ولا ينتمي إلى بيئته.- وقد كان خروج الفن المسرحي في بعض جوانبه عن أصول الدراما الأرسطية ضرورة لابد منها بسبب تغيير مهمة المسرح بعد النكسة؛ إذ انتقل من الدور التنفيسي إلى الدور التحريضي خصوصاً أن قاعدة الجمهور قد اتسعت، وأصبح مركز استقبال جميع الفئات والطبقات، وربما قد تأثر المسرح بما فرضته البرجوازية الصغيرة المثقفة من شكل مسرحي جديدة، لتحقق حلمها، وتصل إلى هدفها عن طريق الجدل والمماحكة().- وقد يعود السبب في خروج المسرح في فترة ما بعد النكسة من أصول الدراما إلى تقليد المسرح الغربي، ذلك أن المسرح الغربي راح يحطم أصول الدراما منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إلا أن رياح التغيير لم تصل إلى مسارحنا إلا في الستينات من هذا القرن عندما أخذ المسرح يبحث عن صيغ جديدة تتلائم مع التغيرات الحاصلة ليقوم بعمله كعضو فعّال في تغيير المجتمع.- ويمكن أن نعدّ مسرحية (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) لمؤلفها سعد الله ونوس خير أنموذج لما قدمنا؛ إذ أصبح المسرح في هذا العمل المسرحي سياسياً وبلا أبطال متميزين، وبلا خشبة، وغدا تجمعاً سياسياً تطرح فيه القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية وتناقش.- ولم يكتفِ المسرحيون بالخروج عن أصول الدراما، بل أخذوا يستلهمون الصيغ الشعبية في بعض الأعمال المسرحية، ذلك أن البحث عن صيغة جديدة لمسرح عربي قد شكّل الركيزة الأساس في البحث عن الهوية العربية لمسرح عربي جديد يعي دوره في بيئته وواقعه، لذا فقد لجأ بعض الكتاب المسرحيين إلى التراث العربي واستعانوا بالعناصر المسرحية فيه، فالتراث هو منبع ثقافة الأمة، والمأثور الذي يحمل مكونات الحضارة والفكر.- وقد يكون في طرح مهمة جديدة للمسرح أو في تغيير طبيعة الجمهور المسرحي سبب مباشر في الاتجاه إلى التراث واستلهامه وهذا ما عبّر عنه سعد الله ونوس عندما قال: (إننا نريد مسرحاً للجماهير، أي للطبقات الكادحة من الشعب.. إننا نرفض القوالب الجاهزة لأن المهم ليست هي القوالب.. إننا نصنع مسرحاً لأننا نريد تغييراً.. وتطوير عقلية، وتعميق وعي جماعي بالمصير التاريخي لنا جميعاً)().- وحاول ونوس أن يطبق أفكاره تلك، فلجأ إلى التراث، واستلهم جو المقهى الشعبي في مسرحية "مغامرة رأس الملوك جابر" واعتمد فيها على شخصية الراوي الذي يكمل ذلك المكان الشعبي الذي اختاره، وبنيت المسرحية بناء تركيبياً، إذ تألفت من قسمين ودارت حوادثها في مكانين وفي زمانين، واعتمدت أسلوب المسرح داخل المسرح.- لقد صورت المسرحية الحكواتي، وهو يقرأ قصة الخلاف بين الخليفة ووزيره في مقهى شعبي، ثم يقوم ثلاثة أشخاص يرتدون الزي العباسي بتمثيل مشاهد متقطعة لما يقوله الحكواتي، وهو في الوقت ذاته، يقطع هذه المشاهد بين الحين والآخر، ليقرأ من كتابه، ويشاهد الجمهور رواد المقهى وهم يتابعون الحكاية ممثلة ومحكية، وقد يكون ونوس قد حقق بهذا الأسلوب تنبه الجمهور، وأثار وعيه، وأبعده عن الوهم وساعده في عملية الفهم ومنحه فرصة للتفكير والحكم() وقد اقترب ونوس في هذا الاتجاه من مسرح بريخت في التغريب وإثارة الوعي.- لقد اعتمدت مسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" على طبيعة الفرجة في بلادنا، ولعل الهدف الذي توخاه هو تحقيق التواصل مع الجمهور العربي، ولاسيما أن العربي مشغوف بالقصّ والحكاية الشعبية، وقد كان ونوس في عمله هذا وفي أعمال أخرى يسعى إلى تأصيل المسرح العربي، ومحاولة تحقيق التأثير في الجماهير العربية بهدف تنويرها وتغييرها.- وقد جمع كتّاب مسرحيون آخرون بين تقنيات المسرح العالمي، وتقنيات الفرجة الشعبية الاحتفالية في بلادنا، فمن قبيل ذلك مسرحية "كيف تركت السيف" لمؤلفها ممدوح عدوان؛ إذ اعتمدت المسرحية على السيرة الشعبية والرواية، وتداخل الأزمنة، وهذا ليس مستغرباً ذلك أن تطوير أشكال البناء المسرحي لم تعتمد على التراث واستلهام أساليبه فحسب، وإنما استفادت من أشكال البناء الفني في المسرح العالمي.ج- تغيير طبيعة النقد المسرحي:- النقد الأدبي والفني جزء لا يتجزأ من نشاط الفكر العام أو الوضع الثقافي للمجتمع يتأثر به ويؤثر فيه سلباً أو إيجاباً، والنقد يقوم على الأدب والفن، وما لم يوجد الأدب والفن، لا يمكن أن يوجد النقد.- ولما كان التغيير الذي فرضته المرحلة قد شمل المسرح، وذلك عندما أخذ يبحث عن صيغ جديدة تناسب الطبيعة العربية فناً وتأليفاً، فطبيعي أن يشمل النقد المسرحي؛ إذ غيّر مساره، واتجه اتجاهاً آخر، وذلك عندما انتقل من مرحلة التعريف بالمسرح الغربي، وبأعلامه، ومحاولة تبيان اتجاهاته، إلى تقديم دراسة تنظيرية وتطبيقية لواقع المسرح العربي، وأضاف إلى المقالات والدراسات النقدية ذات التعليق المباشر على المسرحيات المترجمة والمعربة، دراسات تشمل المسرح المحلي والعربي.- وإذا كانت مرحلة حزيران، مرحلة تطوير طبيعي في المسرح على الصعيد التأليفي والفني، فإنها كانت في النقد المسرحي على الصعيد التنظيري والتطبيقي صرخة نادت بمفاهيم جديدة، وفرضت أساليب حديثة، وإذا ما توخينا الدقة فإننا نستطيع أن نرسم خطاً واضحاً للنقد المسرحي بعد النكسة ونحدده بالسمات التالية:1- علاقة المسرح بالمجتمع:أدرك النقاد أهمية المسرح وفاعليته في الدفع الثوري، وبدؤوا يتساءلون عن طبيعة المجتمع العربي، وآلية نموه، ليدركوا طبيعة الشكل المسرحي، ويصلوا إلى شكلٍ مسرحي عربي ملائمٍ للمسرح العربي، وأيقنوا خطورة كون المسرح حركة شكلية لا علاقة لها بالواقع العربي، ومن هنا فقد كانت دعوة سعد الله ونوس في "بيانات لمسرح عربي جديد" تقوم على فهم طبيعة العمل المسرحي ودوره الاجتماعي والفني، عندما أعلن أن (أي تنظير للمسرح لا ينبع من الممارسة الفعلية للعمل المسرحي، ومن الانغماس الواعي في الظاهرة المسرحية، يظل مجرد جهدٍ ذهني قاصرٍ. لا يستطيع أن يستكشف جوهر هذه الظاهرة، وطبيعتها المركبة كظاهرة اجتماعية ثقافية() إنه ينظّر لمسرح عربي يعي دوره في بيئته، ويرى السبيل إلى هذا الوعي من خلال الجمهور.فالمسرح هنا حدثٌ اجتماعي، والجمهور عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه وهذا أمر بدهي في عالم المسرح، إنما الجديد الذي طرحه ونوس، في العصر الحديث هو الانطلاق من طبيعة الجمهور المتفرج، تحديد هويته، وتمييز تركيبه الاجتماعي والثقافي، ومن ثم تحديد مضمون الأعمال المسرحية والأفكار المطروحة، وإيجاد القالب الذي ستقدم من خلاله هذه الأفكار والمضامين، كل ذلك يقدم فيما تعود عليه هذا الجمهور ليكون أقرب إلى الفهم والإدراك، ليخطو بعدها الخطوة الإيجابية التي يسعى إليها المسرح وهي القدرة على التغيير والفعل، فهو يقول: (لأن تحديدنا جمهورنا يتضمن بشكل أو بآخر موقفنا من هذا الجمهور، وما نريد أن نحمل له من خلال فهمنا لحاجاته، ووعينا بقدرات المسرح على التغيير والفعل، إننا إذ نختار الجمهور، إنما نتخذ موقفاً فكرياً واجتماعياً هو بالذات الذي سيملي علينا مضمون أعمالنا، والأفكار التي نريد التبشير بها)().- لقد أفاد ونوس "من تجربة بريخت في تحديده لمهمة المسرح، ذلك أن بريخت أراد من المسرح أن يغيّر العالم لا أن يفسره، وأفاد أيضاً من تجربة روادنا الأوائل، ومنهم النقاش، عندما وعى طبيعة المتفرج العربي، واختار له مسرحاً يناسب هذه الطبيعة، فقدّم الأوبرا لأنها أحب من التراجيديا عند قومه وعشيرته() وأفاد من تجربة القباني عندما اختار موضوعاته من التراث العربي() لأن هذا التراث يعيش في وجدان الإنسان العربي.- ولعل قضية الانطلاق من الجمهور، والارتباط بواقعه جعلت المسرحيين العرب يركزون على المسرح الطليعي، وطليعة المسرح تعني الثورية، وتكمن قدرته في مدى ارتباطه بالجماهير، والتعبير عن همومها وقضاياها.- فالمسرح الطليعي هو مسرح ملتزم بقضايا الجماهير، ومرتبط بالواقع يعبّر عن المجتمع وينفذ إلى أعماقه، وقد تحدث أحد الدارسين في الندوة التي عقدت في مهرجان دمشق الثالث للفنون المسرحية (1971) عن هدف المسرح الطليعي ورأى أن قدرته تكمن في أن نتعمق ذواتنا وواقعنا، وأن نتبين أشكالنا، جرحنا مأساتنا، وأن نحسن التعبير عنها تعبيراً يتيح لها الجماهيرية والفعل والتأثير والتحريك والقدرة على تجديد الإنسان لمواجهة أعبائه ومسؤولياته().- لذا فقد سعى النقاد المسرحيون جاهدين إلى الدعوة إليه، والحث على تحقيقه؛ إذ وجدوا فيه مسرحاً يتجاوز المألوف (يفجر أطراً قائمة ليبدع وليخلق أطراً جديدة وموضوعات جديدة، إنه مشارك ومعبّر عن حركة الجماهير عن ديالكتيك الإنسان بالضبط يضاف إلى ذلك أن المسرح الطليعي لا يهدف إلى إيقاظ التأمل() عند الإنسان بقدر ما يهدف إلى تحريك الإنسان ليشارك في تحقيق ما يصبوا إليه.- إن المسرح الذي نظّر له النقاد، ودعوا إليه، هو المسرح الثوري الذي يبني الإنسان، ويحثه على الثورة، بعد أن ينطلق من واقعه الذي يعيشه، ويهدف إلى بناء مستقبل أفضل، يتجاوز فيه التخلف والتمزق، ويسعى إلى لقاء الإنسان بأخيه الإنسان.- وحاول "بدر الدين عرودكي" أن يقدم دراسة للظاهرة المسرحية بعد الخامس من حزيران، فرأى أن المسرح، لم يقدم رؤية سياسية واضحة للواقع، فلما وقعت فوجىء وصرخ وكأن كارثة هبطت من السماء، ويضيف أن المسرح شارك في الخديعة لأنه لم يتطرق إلى الأسباب التي أدت إلى النكسة().- وحاول "عرودكي" أن يثبت أن حزيران، بدا حداً فاصلاً بين مرحلتين تاريخيتين، وتساءل إن كان قد أحدث تغييراً عميقاً في تحديد وظيفة المسرح وعلاقته بالواقع من خلال دراسة بعض الأعمال التي جاءت بعد نكسة حزيران، إلا أنه أثبت في نهاية بحثه أن حزيران على مستوى الظاهرة المسرحية لم يكن سوى حدث عابر لم يتغلغل في الواقع إلى أساس المسرح العربي().- ولكن الحقيقة التي لابد أن تقال: إن حزيران قد نقل المسرح العربي نقلة نوعية، وأثر تأثيراً كبيراً فيه، ويكفيه أنه نقل الفن المسرحي من مرحلة التخبط والتشتت في التقليد الأعمى، والتبعيه العشوائية، إلى مرحلة البحث عن الذات القومية، ومحاولة إيجاد الهوية المسرحية العربية.2- تلمس الذات القومية وتوضيح هويتها:إن المواجهات الاستعمارية على الوطن العربي، جعلت إنسان هذا الوطن يفكر في تكوين شخصية مستقلة في الأدب والفن والفكر، وقد تنبه الرواد المؤسسون إلى غربة المسرح بشكله الغربي عن الجمهور، فحاولوا تأسيس مسرح عربي أصيل عند غرسهم البذرة الأولى، إلا أن هذه المحاولات التأصيلية، والمحاولات التي جاءت بعد المرحلة الأولى من تأسيس المسرح، نجحت حيناً وتعثرت أحياناً، إلى أن جاءت نكسة حزيران (1967) فبدأت محاولات جدية واعية، فرضتها المرحلة التاريخية، لخلق هوية متميزه للمسرح العربي.- والهوية هي التميّز، هي التفرد بميزات وخصائص تنبع من الذات العربية ومن الواقع العربي، ومن التراث العربي ومن اللغة العربية، والتأصيل في المسرح يعني ربط الظاهرة المسرحية بالمجتمع العربي، وتعبيرها عنه، وتكوينها ظاهرة تحمل سمات المجتمع العربي، وتمثل هويته، في اللغة والتاريخ والتكوين الفكري والحضاري والروحي.- لذا فقد أدرك المسرحيون العرب أن ضرورة الاهتمام بالتراث، وإقامة جسور بينه وبين الواقع يمكن أن يعدّ خطوة إيجابية في البحث عن الذات القومية، ذلك أن العودة إلى التراث هدفت إلى الكشف عن روح الأصالة في أمتنا، من أجل متابعة مسار التقدم الذي تحتمه حركة التاريخ الدائبة.- وقد يكون اللجوء إلى التراث، والاستعانة به، أحد الردود على رفض الفكر الاستعماري، الذي حاول طمس الشخصية العربية، لذا فإن الدعوة إلى استلهام التراث لم تقتصر إلى الاستعانة بالحدث التاريخي، وإنما تعدت ذلك إلى استلهام الشخصيات التراثية والصيغ الاحتفالية فيه، وبهذا تكون الدعوه واضحة إلى استبدال العلبة الإيطالية بمسرح جديد يستجب لمتطلبات الجمهور العربي، ويحقق عملية التواصل.- إلا أن هذا لا يعني أن نفرغ إلى التراث دون الحاضر، بل لابد أن نتمثل ذلك التراث في الموضوعات التي لها مساس بالواقع العربي، وأدركوا قيمة التفاعل الحي مع التراث أي إحياء ما كان حياً، وما يبشر بإمكانية استمرار الحياة().-وهكذا فإن تلمس الذات القومية وتوضيح هويتها جعلت المسرحيين العرب يبحثون عن طريقة مميزة في مخاطبة الجمهور وهذه الطريقة يمكن أن تتم عن طريق محادثته بأمور صادرة عن حضارته، وذلك بخلق نص مسرحي عربي ترتسم فيه شخصيات عربية، ويحوي مواقف عربية قادرة على أن تتغير وتغير، تتفاعل وتفعل، وتمتثل فيه الروح العربية، من ناحية التأليف والعرض المسرحيين، وهذه دعوة صريحة إلى ضرورة الاستفادة مما وجد في حياتنا الاجتماعية وآدابنا وتراثنا من خصوصية فنية.- ولعل محاولة البحث عن طريقة مميزة في مخاطبة الجمهور، لتحقيق عملية التواصل على صعيد النقد والممارسة، جعلت النقاد والدارسين المسرحيين يدعون إلى التجريب المستمر، للوصول إلى الإبداع والابتكار، وللوصول أيضاً إلى شكل مسرحي ملائم (فالتجريب ليس هو المغامرة لكنه محاولة لاكتشاف الذات)().إن التجريب الدائب المستمر، قد يحقق الهوية العربية عن طريق تمثل الواقع العربي وتجاوز مرحلة التعريب، وهو تجريب يُقام بقصد تطوير الصيغة المسرحية، وبقصد إيجاد الذات العربية الاجتماعية، للوصول إلى المسرح العربي الأصيل شكلاً ومضموناً.2- تأثير المسرح الغربي ونقده:لقد كان للفن المسرحي الغربي باتجاهاته المتنوعة، التأثير الأكبر في الفن المسرحي الغربي ونقده؛ إذ لم يخلُ قلم ناقدٍ مسرحي من التأثير بالنقاد الغربيين، وبالطروحات الفكرية النظرية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.- وقد يعود السبب في ذلك إلى انعدام الثقافة المسرحية العربية، وانقطاع جذورها في التربة العربية، لذا فإننا لا نستغرب دعوة بعض الدارسين المسرحيين() إلى ضرورة تمثل شوامخ المسرح العالمي كمرحلة أولى تليها مرحلة الخلق والإبداع، والهدف من وراء ذلك هو التدريب على الفن المسرحي، والمساهمة في تنمية ذوق الجمهور وتربيته.- لقد تعددت مصادر التأثر بالمسرح الغربي وتنوعت ويمكن أن نحصرها بالنقاط التالية:آ- البعثات العلمية إلى دول أوربا الغربية والشرقية لتلقي علوم المسرح وفنونه، علماً بأن التأثير لم يقتصر على المبعوثين إلى الدول الأجنبية فحسب، بل شمل أولئك الذين تلقوا تعاليمهم المسرحية في مصر العربية، ذلك أن المسرح المصري قد هضم مقولات أرسطو في المسرح، وتمثلها في أكثر أعماله المسرحية، يضاف إلى ذلك استيعابه المقولات البريختيه، ولاسيما أنه لاقى الظروف المواتية لذلك، تقول فريدة النقاش: (في حين فتحت هذه العروض الباب أمام مناقشة واسعة لأسس المسرح الملحي كما طرحها بريخت فبرز الكورس والأداء البريختي والمعلومات وروجت لترجمات نصوص كثيرة من كتاباته، وكتابات بسكاتور، طورت بسرعة فائقة أدوات العرض المسرحي وأشكاله، وحدثت تغيرات في أشكال الأداء من الإضاءة، في استخدام الخشبة وفي العلاقة مع الجمهور، وكانت أرض الواقع ممهدة لتقبل كل هذه الظواهر، والاستجابة لها بقدر ما كانت هي نفسها تعبيراً عن التغيرات المحسوسة وأهمها على الإطلاق أنها مثلما استمعت إلى صوت القوى الاجتماعية الجديدة، فقد جاءت بممثلين لهذه القوى إلى المسرح لم يكن باستطاعتهم أبداً أن يدخلوه، وكان ذلك نتيجة مباشرة للسياسة الثقافية للدولة التي عبأت أجهزتها الإعلامية المناخ الأيديولوجي كله بشعارات الاشتراكية)().- إن انتشار المسرح الأوربي في مصر عن طريق العروض المسرحية، وعن طريق البعثات العلمية، أدى إلى تمثله في المسرح العربي المصري، ومن ثم أدى إلى تأثر المسرح السوري بهذا المسرح عن طريق التبادل الثقافي، وتجدر الإشارة إلى أن الأوضاع التي مرت بها البلاد ساهمت في تحديد نوع هذا التأثير، فالمؤثرات غالباً ما تكون مرتبطة بالتغيرات الحاصلة، والولادة الجديدة لمسرح جديد، ومفاهيم نقدية مسرحية، انبثق في أرض حبلى بالمتغيرات.ب- وفرة الترجمات المطبوعة من كتب ومسرحيات، وقد ساهمت سلسلة المسرح العالمي المصرية، وسلسلة من المسرح العالمي الصادرة عن وزارة الإعلام في الكويت بالقدر الأكبر منها، إضافة إلى ما قدمته الدوريات على صفحاتها من مقالات نقدية مسرحية مترجمة، ومن مسرحيات مترجمة أيضاً.ج- الدراسات الأدبية والنقدية؛ إذ شهدت البلاد بوادر تغيرات في الواقع السياسي والاجتماعي، فالانفتاح على العالم الخارجي، أدى إلى تفاعل بين الثقافة العربية والثقافة العالمية، وظهرت التجمعات الأدبية، فمن قبيل ذلك رابطة الكتاب السوريين (1954)() التي خلقت جواً من الصراع الفكري بينها وبين الاتجاهات الأخرى، وجعلت الدوريات مجالاً لها.- إن الفلسفة الوجودية التي برزت في فرنسا وبلاد أوربا، والتي جعلت الأدب القصصي والمسرحي وسيلة للتعبير عن أفكارها، كانت مصدر تأثر للثقافة العربية في الخمسينات من هذا القرن.- كما أن احتكاك العرب بالبلدان الاشتراكية في سورية في أواسط الخمسينيات بدا أكثر عمقاً؛ إذ دخل في نسيج المرحلة سياسياً وعسكرياً وثقافياً، ومع أن الصوت الماركسي بدأ يتراجع مع قدوم الستينات، إلا أن (ترجمة النصوص الأدبية والسياسية والفلسفية وسواها، ذات التوجه الماركسي، أخذت منذ الفترة تتواتر وتفعل مع ما سبقها فعل الخميرة، الذي سيبدأ عطاءه الثقافي في المرحلة التالية، حيث عاد الخطاب الماركسي إلى الساحة بصيغ أخرى أكثر تنوعاً وتجذراً وامتلاءً)().- وما قلناه عن فترة الخمسينيات ينسحب على فترة الستينيات إلا أن ملامح التيارات الفكرية والفنية من وجودية وماركسية وفرويدية وقومية قد تبلورت، واطلع النقاد العرب على النقد الغربي باتجاهاته كافة. فقد كثر الحديث عن (إليوت ولوكاتش وغارودي وفرويد وكامو ويونغ وسارتر) فهذه التيارات بما مثلته من انتماءات متباينة كانت المنابع التي أغنت الحركة النقدية.- وهكذا فإن المتتبع لمؤثرات الفن المسرحي الأجنبي في الفن المسرحي العربي في سورية، يرى بوضوح أن التأثير كان عن طريق مدرستين لعبتا دوراً بارزاً في تكوين جوهر المخيلة الدرامية للنص المسرحي والنقد المسرحي.- لقد شكلت المدرسة الكلاسيكية بأصولها وفروعها وتقاليدها ونظرياتها الهاجس الأول لدى المسرحيين العرب في سورية، وهي تلك المدرسة الممتدة بجذورها إلى الشكل اليوناني مروراً بشكسبير وراسين، وانتهاء بالكتاب المحدثين أمثال تشيخوف وآرثر ميلر وغيرهما، والحقيقة فإن النظرية الأرسطية في المسرح لم تفارق المسرحيين العرب في سورية كتّاباً ونقّاداً؛ إذ أصرّ معظم المسرحيين على ضرورة المحافظة على أصول البناء الدرامي الأرسطي، وراح النقاد المسرحيون يقيسون الأعمال المسرحية وفق مقاييسها، وجعل المنظرون المسرحيون الدراما الأرسطية هي المثل الأعلى، فانطلقوا منها، وحافظوا عليها.- أما المدرسة الثانية فكانت في ثورة بريخت على القواعد الكلاسيكية للمسرح. ومما ساعد على تقبل أفكار بريخت هو تلك التغيرات التي حلت بالأمة العربية، خصوصاً في سورية، ولاسيما أنها كانت تسير في مرحلة البناء الاشتراكي، لذا فقد حظيت آراء بريخت بالقسم الأوفر في الانتشار، ففي أكثر المحاولات الفنية والنقدية، التطبيقية والتنظيرية، كان بريخت ماثلاً إما في كونه مفكراً أو مسرحياً، وتجدر الإشارة إلى أن تعريب بريخت لم يكن (مهمة فنية مسرحية فحسب، بل هو أيضاً تعبير عن طموح كبير للمجتمعات النامية لتحقيق ذاتها وتجسيد مشاكلها من خلال الفن المسرحي().- ولعل القضية الأهم في مسرح بريخت التي تلقفها الناقد المسرحي، هي تحديد مهمة المسرح إذ يقول: (أردت أن استعمل على المسرح الجملة القائلة بأن المهم ليس تفسير العالم بل تغييره)()؛ إذ لم تعد وظيفة المسرح هي التطهير، بل التحريض والتغيير.والحديث عن "التغيير" يقود إلى الحديث عن مساهمة النقاد في القدرة على تحويل الفن المسرحي إلى أداة تحريض فالمسرح عند ونوس (لا يستطيع أن يغيّر الأوضاع، لكن المهم جداً أن يطرح المشاكل الموجودة في هذا المجتمع بشكل صحيح، وبصورة يمكن أن تفتح إمكانية التغيير أمام المتفرج)() فالقدرة على التغيير يمكن أن تنتج عن طريق تحريض عقل المشاهد، ومن ثم دفعه إلى عمل ما.- فبريخت في مسرحه يريد أن يحقن المشاهد بقدرة ما، ليكون بعدها قادراً على تغيير واقعه، وهذه الوظيفة للمسرح، قد نظر إليها أكثر المسرحيين على أنها المهمة الأساس، وقد عبّر عن ذلك (فرحان بلبل) عندما رأى في المسرح العربي قدرة على تغيير واقع التجزئة والتخلف التي يعاني منها الشعب العربي؛ إذ يقول: (وأمتنا العربية في كل قطر من أقطارنا تواجه خطراً كبيراً واحداً، هو التخلف والاحتلال والتجزئة، وكل الأسلحة يجب أن تنصب لمحاربة هذا الخطر الثلاثي، والجماهير هي الأداة الفعالة لدرء الخطر، والمسرح هو السبيل الأمثل لتوعيتها وتحريضها)().- وقد شاعت في أوساط النقد المسرحي كثير من المصطلحات النقدية المستمدة من مسرح بريخت فمن قبيل ذلك مصطلح التغريب، و(إن تغريب حادثه ما أو شخصية ما يعني أولاً وببساطة نزع البدهي والمعروف والواضح عن هذه الحادثة أو الشخصية وبالتالي إثارة الاندهاش والفضول حولها)()؛ إذ تكمن قيمة التغريب في قطع الاندماج الحاصل عند المتفرج وتحريك عقله وذهنه بشكل دائم.- والخروج عن المسرح الأرسطي، وتحطيم الجدار الرابع الذي عُرف من مسرح بريخت، شغف به المسرحيون والنقاد، فالبحث عن وسيلة للاتصال مع الجمهور، والتأثير فيه كانت الدافع الأكبر لتحطيم الجدار؛ إذ يقول سعد الله ونوس (.. ثم إن هذه الحركة باعتبارها أنها تنطلق من واقع الجمهور، وتريد أن تحقق أعلى درجة من الاتصال به، والتأثير فيه، فإنها مضطرة إذن للقيام ببحث جاد ويومي عن تجربتها الخاصة في التعبير المسرحي، عن أسلوب ولغة وشكل..)().- والعلاقة بين الممثل والجمهور قد استهوت "سلمان قطاية" على الرغم من أنه يرى الجمهور في العمل المسرحي عنصراً لا ضرورة له، إلا أن الشعب العربي كما يرى، لا يستطيع كتم عواطفه فيتجاوب مع الأحداث التي تجري على الخشبة() لذا فإن الجدار الرابع هو جدار وهمي لا حاجة لنا به.- ولعل الانطلاق من واقع الجماهير والتوجه إليها، بعد تحديد نوعها، من القضايا الهامة التي شغلت بعض الدارسين المسرحيين والمؤصلين، أولئك الذين قصروا جمهورهم على الطبقة الكادحة من عمّال وفلاحين وبقية القوى من الفقراء والمسحوقين() وانطلاق المسرح من الطبقة العاملة والمنظمات والهيئات مثل جزءاً كبيراً من دعوات بريخت وتنظيراته.- ولم يقتصر التأثير على المسرح الكلاسيكي والمسرح البريختي فحسب بل إن أفكار ستانيسلافسكي التطبيقية والنقدية قد لاقت صدى في نفوس مسرحينا، ففواز الساجر لم يكتف بتطبيق أفكار ستانيسلافسكي في أعماله المسرحية بل نادى بتمثيلها، ووضح أهميتها في إنشاء العمل المسرحي، ابتداءً من التركيز على أهمية النص المسرحي، وجعله الحجر الأساس لبناء العمل والتركيز على القراءة الأولى وأهمية الانطباع الأول إلى أن يصبح النص عملاً مسرحياً جاهزاً للعرض().- وتجدر الإشارة إلى أن فوازاً في مسرحه قد مزج بين اتجاهبين مختلفين هما الاتجاه النفسي الكلاسيكي لفن الممثل (ستانيسلافسكي) والاتجاهات التجريبية كالتغريب والمسرح المرتجل (بريخت وميرهولد) وهذا أمر شائع ومشروع في مسرحنا العربي.- نخلص إلى أن النقد المسرحي قد تأثر بالنقد المسرحي الغربي إلى حدٍ ما فمن المسرح الكلاسيكي إلى المسرح البريختي، إلى نظرية ستانيسلافسكي في الممارسة والتطبيق، لكن وللإنصاف نقول، إن نقدنا المسرحي لم يكن ناتجاً عن هذه المؤثرات فحسب، بل هناك بعض القضايا التي لمسها الناقد المسرحي في المسرحي الغربي قد وجدت في التراث العربي، وهناك قضايا أخرى لم تكن نتيجة للمؤثرات وإنما كانت وليدة ظروف البيئة المحلية بما حملته من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذا ما سيحاول البحث إثباته.3- نشاط الحركة المسرحيّة في سوريّة:بدأ المسرح السوري رسم معالمه الفنية، في الستينيات وبداية السبعينيات، من هذا القرن، وسجل نهوضاً واضحاً على صعيد الشكل والمضمون، ولعل نكسة حزيران (1967) كان لها الأثر الأكبر في مسيرة المسرح، فكان من المستحيل ترك الظاهرة المسرحية تستمر في وضعها الذي كان قبل الفترة المحددة.- وما دمنا نتحدث عن واقع المسرح في سورية، فلا يمكننا أن نعزل الأدب المسرحي عن العمل المسرحي، لذا فإن المتتبع للحركة المسرحية يلاحظ تغييراً واضحاً، بل تطوراً ملحوظاً في الفن المسرحي على جميع الأصعدة، على صعيد النصوص المسرحية المؤلفة وتأسيس المسارح وما قدمته من عروض، والمهرجانات المسرحية، وإحداث معهد للفنون المسرحية، ونشاطات أخرى، سنقوم بتبيانها مستخدمين الإحصاء حيناً، والنتيجة حيناً آخر، لنصل بعدها إلى رسم صورة واضحة المعالم، تحكي قصة المسرح وتبيّن واقعه، في الفترة المخصصة للبحث.- النصوص المسرحية:من خلال الإحصاء الذي قدمه الدكتور "أحمد زياد محبك" للنصوص المسرحية في سورية()، نلاحظ أن مجموع النصوص المسرحية المؤلفة من عام (1945) حتى عام (1985) قد بلغ (342) نصاً مسرحياً، ففي الفترة الأولى بلغ العدد (96) نصاً مسرحياً بينما بلغ عدد النصوص المسرحية من عام (1967) لغاية (1985)-(246) نصاً مسرحياً أي ما يعادل الثلاثة أضعاف إلا قليل، هذا إذا علمنا أن الفترة الأولى كانت على مدار (23) عاماً بينما الفترة الثانية كانت على مدى (18) عاماً.ومما يلاحظ أن بعض الكتاب المسرحيين، الذين كتبوا قبل النكسة، توقف عطاؤهم بعد هذا التاريخ مثل خليل الهنداوي، وزهير ميرزا، وأحمد الشيباني، وسعيد حورانية، وفاضل السباعي، ونسيب الاختيار، وسعد صائب، وكمال حريري، وأكرم الميداني، ونديم خشفة، و... كتاب آخرون...وبالمقابل فإن كتاباً آخرين استمروا في عطاءاتهم، نذكر منهم مصطفى حلاج، ومراد السباعي، وسعد الله ونوس، وأحمد سليمان الأحمد، ومحمد الماغوط، وكتاب آخرون....إضافة إلى ذلك فقد سطعت أسماء كتّاب جدد في عالم المسرح السوري إذ جذبهم المسرح بأضوائه بعد عام (1967) نذكر منهم ممدوح عدوان، نواف أبوالهيجا، عدنان مردم بك، سليمان العيسى، جان الكسان، الدكتورعمر النص، وليد إخلاصي، رياض عصمت، عادل أبو شنب، علي عقلة عرسان، وكتّاب آخرون...ومما يثير الانتباه أن سعد الله ونوس الذي استمر في الكتابة بعد حزيران، قد بلغ عدد النصوص المسرحية التي كتبها قبل هذا التاريخ(7) نصوص بينما تراجع في المرحلة الثانية إلى (5) نصوصٍ مسرحية، ونضيف أن ونوس قد توقف عن الكتابة المسرحية منذ عام (1977) عندما كتب مسرحية "الملك هو الملك" المهم أنه لم يقدّمْ عملاً مسرحياً واحداً بعد هذه الفترة، وحتى انتهاء المدة المخصصة للبحث.ومما يلاحظ أيضاً أن العدد الأكبر لصدور النصوص المسرحية كان في عام (1972) إذ بلغ عدد النصوص المسرحية (39) نصاً، وقد غطى الجزء الأكبر من هذا العدد الكاتب محمد حاج حسين، إذ بلغ عدد نصوصه المسرحية (25) نصاً، من المجموع العام، علماً أنه لم يعد إلى الكتابة المسرحية بعدها.أما باقي الأعوام، فقد بلغ أقصى حد (25) نصاً مسرحياً، وذلك في عام (1970) ولوحظ أيضاً أن عدد النصوص المسرحية المؤلفة في السبعينات قد استغرق القسم الأكثر من النصوص، بينما تراجع ذلك العد في بداية الثمانينات.- المسارح والعروض المسرحية:لعل من أسباب نشاط التأليف المسرحي في سورية بعد فترة عام (1967) يعود إلى إنشاء الفرق المسرحية الرسمية التي رعتها الدولة، أو الجامعة أو المنظمات الشعبية... ومن ثم تقديم المواسم المسرحية، أضف إلى ذلك ما قدمته الدولة من مساهمات لتشجيع التأليف المسرحي، ورعاية المسارح ورعاية العاملين فيها.- وسنحاول في دراستنا أن نقدّم جداول موثقةً، تبيّن عدد العروض المسرحية التي قُدمت على خشبات مسارحنا، إضافةً إلى تبيان عدد الرواد، ونقصد بذلك المسارح العامة لا الخاصة، أي تلك التي وضعت تحت إشراف مديرية المسارح والموسيقى.- المسرح القومي:بيان بعدد المسرحيات والرواد التي قدمها المسرح القومي منذ عام 1967 ولغاية عام 1987رقمزمن العرضاسم المسرحيةالمؤلفالمخرجعدد العروضعدد الرواد11967دخان الأقبيةيوسف مقدسيأسعد فضة13334021967ترويض شرسةويليام شكسبيريوسف حرب17635131968بين ساعة وساعةوليد مدفعيعبد اللطيف فتحي19731541968المأساة المتفائلةفشينفسكيعلي عقلة عرسان15437551968التننينيجفيني شفارتسأسعد فضة15427161968زواج فيجاروبورماشيهمحمد الطيب16399571968الرجل الرابعسيمونوففيصل الياسري12173081968الشيخ والطريقعلي عقلة عرسانعلي عقلة عرسان14544191968صابر أفنديحكمت محسنعبد اللطيف فتحي2718370101969السيلعلي كنعانأسعد فضة156435111969حكاية حبناظم حكمترفيق الصبان145316121969وفاة بائع جوالآرثر ميلرمحمد الطيب143200131969الملك العارييجفيني شفارتسأسعد فضة167341141970المدنسةبينا بنيتيعلي عقلة عرسان194350151970أغنية على الممرعلي سالممحمد الطيب14751161970الغريبمحمود ديابأسعد فضة162031171971زيارة السيدة العجوزدورنماتعلي عقلة عرسان216341181971جان داركجورج برناردشومحمد الطيب214444191971السعدأحمد الطيب العلجأسعد فضة269466201971الخطا التي تنحدرأحمد يوسف داودعلي عقلة عرسان143201211971الزيز سالمالفريد فرجرفيق الصبان197330221972الملك ليرويليام شكسبيرعلي عقلة عرسان218485231972الغرباء لا يشربون القهوةمحمود ديابفردوس أتاسي142304241972اضبطوا الساعاتمحمود ديابحسن عويتي151230251972الزوبعةمحمود ديابحسين ادلبي153315261972أيام سلمونصدقي اسماعيلأسعد فضة258351271973أوديبسوفوكليسعلي عقلة عرسان218431281973احتفال ليلي خاصمصطفى الحلاجعلي عقلة عرسان184300291973كفر قاسمجان الكسانمحمد الطيب174315301974أيها الإسرائيلي حان وقت الاستسلاممصطفى الحلاجعلي عقلة عرسان173345311974الهوراسيون والكورياسيونبرتولد بريختيوسف حرب143310231974الغرباءعلي عقلة عرسانعلي عقلة عرسان174355331974أبو خليل القبانيسعد الله ونوسأسعد فضة3217356341975دمشق انتظرناك والحب جاءمجموعة معدينأسعد فضة19123340351975البخيلمولييرحسين ادلبي175346361975بنتيجونجان أنويعلي عقلة عرسان144365371975زواج على ورقة طلاقالفريد فرجمحمد الطيب143201381976برج المدابغنعمان عاشورمحمد الطيب143627391976الممثلون يتراشقون الحجارةفرحان بلبليوسف حرب142438401976لعبة الحب والثورةرياض عصمتحسين ادلبي143419411976الأشجار تموت واقفةاليخاندروكاسوناعلي عقلة عرسان197341421976سيزيف الأندلسينذير عظمةأسعد فضة2311346431977جونو والطاووسشوف اوكيزيحسين ادلبي164339441977الملك هو الملكسعد الله ونوسأسعد فضة219368451978هملت يستيقظ متأخراًممدوح عدوانمحمود خضور214437461978عريس لبنت السلطانمحفوظ عبد الرحمنحسين ادلبي214531471978راشوفوناكوتاجوامحمد الطيب195431481978دون كيشوتفيشرمانمحمود خضور153438491979الرجل الذي رأى الموتفيكتور افتيميوحسين ادلبي182325501979الكوميديا السوداءبيتر شافرمحمود خضور183337511979مكبثشكسبيرعلي عقلة عرسان521979المفتاحيوسف العانيأسد فضة33 (عرضين)14351531980موت بائع جوالأرثر ميللرمحمد الطيب173231541980مقام ابراهيم وصفيةوليد إخلاصيمحمود خضور175340551981القضيةغوبليند. شريف شاكر176340561981حرم سعادة الوزيرنوشتيشأسعد فضة4923365571982كانون الثانيرادثيشكوفوليد قوتلي132300581982سلام على الغائبينأديب النحويمحمد الطيب143340591983عزيزي مارات المسكينأربوزوفمحمود خضور153201601983أفول القمرجون شتافيبكحسين ادلبي153010611984زيارة الملكةممدوح عدوانمحمود خضور2411350621984الزيز سالمالفريد فرجنائلة الأطرش198341631984التنكةبشار كمالمحمد الطيب197925641984المفتش العامغوغولد. شريف شاكر196334651985حفلة على الخازوقمحفوظ عبد الرحمنمحمد الطيب219350661985حكاية بلا نهايةأسعد فضةأسعد فضة2718351671985الخادمةممدوح عدوانمحمود خضور219435681986ليالي الحصادمحمود ديابجواد الأسدي198361691986النيزكدورنماتحسين ادلبي197340701986كاليغولاالبيركاموجهاد سعد279340711986المهندس وامبراطور آشورغرناناندو آربارعماد عطواني214351721987الزواجغوغولطلال الحجي217360731988العرسعبد الفتاح قلعجيمحمد الطيب2411352741988توبازمارسيليوسف حنا216445- أسس المسرح القومي في عام (1959)، وقدّم حتى عام (1967) (23) عرضاً مسرحياً، بينما بدأ عروضه في عام (1967) بإقبال شديد من قبل الرواد المتفرجين.ومن خلال إطلاعنا على هذه العروض، وعدد الرواد يمكننا أن نسجل النقاط التالية:آ- بلغ عدد العروض المسرحية (75) عرضاً مسرحياً وذلك على مدى عشرين عاماً، وقد تراوح بين عروض مأخوذة عن نصوص مترجمة، وأخرى مأخوذة عن نصوص عربية، وبلغ عدد العروض الأجنبية (35) عرضاً مسرحياً بينما ازداد عدد العروض العربية فبلغت (40) عرضاً مسرحياً.ب- أن عدد العروض المسرحية بدأ يتراجع منذ عام (1980) وما بعدها، وذلك أن المسرح القومي اكتفى بعرض عملين مسرحيين أو ثلاثة في العام الواحد بينما نجد أن عدد عروضه في فترة ما قبل الثمانينات قد تراوحت بين (5-7) عروض مسرحية وبلغت أقصى حد لها(ثمانية) عروض في عام (1971).جـ- أن عدد رواد المسرح مشى على وتيرة واحدة في السبعينات والثمانينات.وهكذا فإننا نلحظ أنه على الرغم مما يقال عن فتورالمسرح القومي، وموقفه من التغيرات السياسية والاجتماعية()، فإن المسرح القومي كان بمنزلة موجة ثقافية مسرحية، نشرت المسرح، وجعلته ميداناً من ميادين الفن والثقافة يقول أحد الدارسين (وأثبتت الحركة المسرحية، وفي أكثر من مجال، أهمية المسرح القومي كضابط لإيقاع الفعل المسرحي في سورية عموماً، وبتعبير أدق، برزت رعاية الدولة للثقافة، ولاسيما المسرح بعد عام 1970، فاتسعت الرقعة التي ينتشر فن المسرح على امتدادها من تكوين الجمهور إلى استشراف الآفاق السياسية والاجتماعية لحياتنا الجديدة..)().- اذن فإن المسرح القومي ساهم منذ تأسيسه في تكوين الجمهور، وفي استنبات التقاليد المسرحية، وفي انتشار الثقافة المسرحية، وتابع مسيرته بجدية بعد (1967).- مسرح العرائس:بيان بعدد المسرحيات التي قدمها مسرح العرائس منذ عام 1967 ولغاية عام 1987الرقماسم المسرحيةالمؤلفالمخرجعدد العروضعدد الروادزمن العرض1الطفيليجان أوزباليوسف حرب41732519712حكاية نصر الدينيوسف حربيوسف حرب22231519723الحمار الشارديوسف ذهنييوسف ذهني51835519704الأوتاد الحمراءعرفان بعد النافععرفات عبد النافع541331319735مغامرات ريماعرفان عبد النافعتيسير هلال الدين24398719746رسول الأحلامتيسير هلال الدينتيسير هلال الدين61587419767حلم حطابتيسير هلال الديندورينا43289119758طيف النبلاءتيسير هلال الديندورينا32391219769الأيديغازي الحمدسلوي الجابري715943197710حكاية بيضاءتيسير هلال الدينسلوى الجابري7117357197811الحسناء والنائمةغازي الحمدسلوى الجابري7319522198012الكنزدلال حاتمسلوى الجابري8423450198413الكلب الأزرقحسام يوسفسلوى الجابري ما زالت تعرض حتى الآن- اسس مسرح العرائس في سورية للأطفال عام (1960) إلا أن الوزارة تسلّمت في عام (1969) بالتعاون مع وزارة التربية، المقر الخاص في معهد الحرية بدمشق وأخذت تقدم العروض لكل الأطفال، إذ كان المسرح يقوم بجولات داخل القطر وخارجه.ومسرح العرائس (ليس فناً خالصاً شأن الدراما، بل تكمن قيمته أساساً في فاعليته التربوية، إن مسرح العرائس تعليمي أولاً، وفي قلب تجويده الفني وحرصه على عاطفيته وخصائصه يضيء المعنى التربوي فيه فناً يلبي حاجة وينمي أملاً في التغيير)().فمسرح العرائس، مسرح تعليمي تربوي، ومن خلال الجدول الذي بين أيدينا نلاحظ أن مسيرته متعثرة، ذلك أنه عاود نشاطه بعد انقطاع في عام (1970) وأخذ يقدم عرضاً مسرحياً واحداً في كل عام، ماعدا عام (1976) إذ قدم عرضين مسرحيين، إلى أن وصل الى الثمانينات، فقدم ثلاثة عروض مسرحية عام (1980- 1984- 1987).ومما يلاحظ أيضاً أن العروض كلّها تقريباً من تأليف كتّاب عرب ما عدا مسرحية واحدة، وأن عدد الرواد تفاوت بين عرض مسرحي وآخر.- مسرح الشعب:"مسرح الشعب بحلب"بيان بعدد المسرحيات التي قدمها المسرح القومي بحلب منذ تأسيسه عام 1967 وحتى نهاية عام 1987الرقماسم المسرحيةالمؤلفالمخرجعدد العروضعدد الروادزمن العرض1هبط الملاك في بابلدورنماتحسين ادلبي16234519682انتصار الطبجول رومانبشار القاضي15398619683الأيام التي ننساهاوليد إخلاصيحسين ادلبي17345119694علي جناح التبريزيالفريد فرجحسين ادلبي19495319715سهرة ضاحكة مع تشيخوفتشيخوفبشار القاضي21273419726سمك عسير الهضمعمائيل جالميتشكريكور كلش18351519727بونتيلا وتابعه ماتيبريختحسين ادلبي20263719738مآساة فيغارامعين بسيسوحسين ادلبي18351519729الملوك يدخلون القريةعلي سالمحسين ادلبي174373197410الديبوليد إخلاصيحسين ادلبي152591197411قبل أن يذوب الثلججواد فهميبشار القاضي192204197512كيف تصعدون تقعوليد إخلاصيبشار القاضي163456197513حليب الضيوفالطيب العلجفواز الساجر154748197714يوم أسقطنا طار الوهموليد إخلاصيمحمود خضور173929197815الأرض والذئابالطيب العلجمحمود خضور194071197916حذاء أبو قاسمستندبرنجكريكور كلش213584198017الزنزانةالسيد الشوربجيايليا قجميني183793198118عنترة هذا الزمانالفريد فرجايليا قجميني202602198319المدينة المليونيرةايليا قجميني1543101986