بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الفرنسي ثم إن الإنكليز أخذوا ينظرون إلى مصر نظرة جديدة ترتكز على سياسة استعمارية معروفة والتي غدت مع قصب السبق مع مثيلتها الفرنسية. وأدرك أن العثمانيين يفقدون قوتهم أمام التحدي الغربي العسكري والحضاري، وأن الشعب المصري أصبح بإمكانه ألا ينصاع لدولة الترك وسلطانها القابع في الآستانة وبدا لمحمد علي أن يستأثر بحكم مصر لنفسه ولأسرته من بعده ثم يعود حفيده إسماعيل للتفكير في هذه المسألة ذاتها عندما حصر الحكم في أكبر أبنائه ليستقل عن الدولة العثمانية ثم ليتجه بمصر نحو الغرب لو لم تباغته الثورة العرابية بشعارها العظيم: مصر للمصريين. كان على أرض مصر بعد خروج الفرنسيين ثلاث قوى متناحرة؛ قوة الوالي العثماني والقوة الألبانية تلك الفرقة التي قدمت مع الجيش العثماني لتقاتل في صفوفه وكان من كبار زعمائها طاهر باشا ومحمد علي باشا، وثمة قوة المماليك التي أرهقها التناحر والتفكك وأصبحت وبالاً على الشعب المصري. وبحق كان محمد علي قد استوعب ذلك وفهمه وبعد أن ثبت لديه أن الأرض خصبة عمل ما في وسعه كي يبقى في مصر ومنذ البدء اعتنق سياسة غفل عنها الكثيرون لا تكترث بالوسائل والأساليب ثم بعد ذلك أخذت الحوادث تتطور دون أن يكون بعيداً عن كل حدث أو مفصل فيها، ففي عام 1803 ثار الألبان على الوالي العثماني وطردوه وقد آزرهم في ذلك المماليك وأصبح الزعيم الألباني طاهر باشا الرجل القوي، غير أن الأحداث كانت له بالمرصاد وتجري حوله بما لا يتوقع إذ سرعان ما اغتيل ليفسح بموته الطريق أمام محمد علي وزعامته الصاعدة منذ ذلك الحين أخذ نجمه يتألق فشرع في استثمار النتائج واستغلالها وهو أقرب الناس إلى حادث الاغتيال ذاك. وفي عام 1804 أرسل العثمانيون والياً اغتاله المماليك ولمّا تطأ قدماه السواحل المصرية وبذلك يصبح الألبان والمماليك فرقتين تنفردان بأرض مصر تتربص كل منهما بالأخرى ولكن الخوف من الدولة العثمانية كان يؤجل الانفجار بينهما ولو إلى حين. أخذ محمد علي يبحث عن الحلفاء، فإلى جانب الفرقة الألبانية التي كسب ودها اتخذ الدولة العثمانية والتي كان يمثلها الوالي الجديد حليفاً ليضفي على مشروعه تبريراً شرعياً وليغطي أهدافه لأن الخليفة ما زال الأب الروحي لعموم طبقات الشعب على الرغم من تمزق هيبة الدولة، ثم اقترب من الشعب وهو يخفي في أعماقه مطامعه المادية في أكبر عملية تضليل عرفها القرن التاسع عشر، هذه المطامع التي لم تعرف الشبع أو الارتواء ولا غرابة في ذلك فقد كان هذا الرجل// عبقرية عثمانية بذاتها في المناورة وأساليب الالتواء والغدر والمكر//(1) وبالفعل استطاع أن يصل إلى السلطة عام 1805 عن طريق الزعامة الشعبية التي كان يمثلها عمر مكرم. ومنذ البداية وعلى مدى ست سنوات أخذ يرسخ دعائم حكمه، فقاوم الإنكليز الذين احتلوا الإسكندرية آزره في ذلك المماليك، وبعد ذلك وما بين عامي 1811-1812 التفت إلى حلفاء الأمس فأباد أمراءهم في مذبحة شهيرة ذكرها المؤرخون كثيراً ولم يتوان عن مطاردتهم إلى جنوب البلاد وخارجها ثم صادر أراضيهم ووضع يده على ممتلكاتهم. لم يبق أمام محمد علي إلا الشعب المصري فاندار عليه وقلّص نفوذ زعمائه وعلمائه وأذاب أدوارهم وأغرى من استطاع إغراءه منهم ونفى من استعصى عليه وممن ثبت على موقفه وعلى رأسهم عمر مكرم الذي انتزع محمد علي منه منصب نقيب الأشراف ويسجل التاريخ لهذا الرجل الشعبي موقفه الشريف من المستبد الناشئ فقد آثر مكرم المنفى //دون أن يلين أو يتراجع//(2) وبذلك يكون محمد علي قد ابتعد عن الشعب // مما سهّل على الغرب احتواءه//(3). وكي لا يفقد دعائم حكمه حرص على رضى السلطان وشرعيته وأعطى بطانته أرضاً شاسعة معفية من الرسوم وسعى إلى تكوين طبقة موالية له ولأسرته تستمد// مكانتها من ارتباط مصالحها بحكومته لا من جذورها//(4) ومن هذه الحاشية نشأ كبار الملاكين من ذوات مصر ومن بينهم سوف تظهر شخصيّات لعبت أدواراً كبيرة في حياة البلاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومع الزمن أخذت البنية الاجتماعية تتغير وكذلك البنية السياسية وأخذ الأوربيون يزحفون إلى البلاد من كل جنس ولون ومشرب وخاصة من الإنكليز يستثمرون وينهبون ما لا طاقة للفلاح المصري باحتماله ومن هنا فقد أصبح الإنكليز حلفاء لهذه البطانة يحرصون على مصالحها ويدعمون حكمها وبدا ذلك واضحاً في عهد الخديوي توفيق. بعد أن تغيرت البنية السياسية في مصر أصبح محمد علي واحداً من أكبر الملاكين المغامرين الذين استغلوا الفرص واقتنصوها بعد أن توصل إلى الحكم عن طريق الدسائس