بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
والتحالفات المؤقتة والمتعددة التي جعلت منه بعد فترة وجيزة طاغية أوحد أزال خصومه بحذر وأناة مستخدماً لذلك شتى الأساليب السياسية والتصفيات الفردية. ودون تأخير بنى محمد علي جيشاً على الطراز الأوربي كي يخيف الشعب والسلطان وكي يدعم مركزه ويعزز سلطته ومكانة أسرته ثم افتتح عدداً من المدارس العسكرية لتلقي العلوم الحربية الحديثة واستقدم من أجل ذلك الخبراء الأجانب وخاصة من فرنسا ليشرفوا على تدريب الجنود، وإلى جانب هذا افتتح المدارس المهنية والطبيعية ودور الترجمة ثم أوفد البعثات إلى دول أوربية وفي مقدمتها فرنسا. وكي يحكم قبضته على البلاد شقّ الطرق وحفر الأقنية وبنى الترع على نهر النيل وأجبر الفلاحين على العمل فيها بدون أجر كما أجبرهم على زرع المحاصيل التي خصصها واختارها ثم أمرهم بتقديمها إلى الدولة بأسعار حددها لهم ثم احتكر الحبوب وربح بهذا أرباحاً طائلة مذهلة وشجع على زراعة القطن وأقام صناعات نسيجية وألحق جموع الفلاحين بالمعامل بالقوة مما كان له أسوأ الأثر على الزراعة والصناعة معاً فقد كان الفلاح المصري في هذه الآونة من تاريخ مصر يهرب عن أرضه // كما يهرب الإنسان من الهواء الأصفر والموت الأحمر//(5). بفضل هذه النهضة التي اقتضتها ظروف العصر والتي لعب محمد علي فيها دوراً هاماً أصبحت مصر مرهوبة الجانب تتمتع بجيش قوي وإدارة محكمة يشرف عليها أفراد أسرته المالكة والبطانة الألبانية والتركية. ولما كانت فكرة الاحتفاظ بحكم مصر محور سياسة محمد علي في الداخل والخارج أخذ يتطلع إلى جواره بعد أن لمس قوة في جانبه فعرض خدمات على السلطان عجز العثمانيون عن أدائها وكجندي مأجور حارب الوهابيين الذين كانوا يترعون بشكل أو بآخر إلى الاستقلال عن الأتراك والذين كانوا يحملون في دعوتهم المثل العربية الإسلامية التي ترى أن الخلافة يجب أن تكون محصورة في أيدي العرب، وبعد أن كسر شوكتهم، وبعد ذلك بسنتين فقط، وفي عام 1820 قام بعملية عسكرية في السودان أراد منها تشتيت المماليك الذين كانوا قد تجمعوا في الجنوب وأخذوا يتآمرون عليه، وبطلب من السلطان اشترك محمد علي في قمع حركات التحرر عن السلطنة العثمانية في جزيرة كريت وفي شبه جزيرة المورة عام 1824 وبذلك يكون قد رسّخ الاحتلال العثماني واستنزف خيرات مصر وأراق دماء عربية في حروب لا مصلحة للشعب العربي فيها. لقد أريقت دماء في هذه الأحداث ليشتري هيمنة تركية على بلاد غير بلاد الأتراك وبدماء غير دمائهم. ويختتم محمد علي عمره المديد الذي انتهى بالجنون في حروبه في بلاد الشام فلأسباب عديدة سياسية واقتصادية لم تكن وحدوية كما يراها بعض المؤرخين قذف بابنه إبراهيم إلى بلاد الشام في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1831 عن طريق البحر ثم دفع بجيش آخر عن طريق البر فاحتل غزة ثم حيفا وأخضع عكا وأعلن سيطرته على القدس ثم بعد ذلك أخذت المدن الشامية تتهاوى أمامه رغبة منها في الخلاص من آل عثمان مرّة ومخدوعة بمشروعه الوحدوي المزعوم مرّة أخرى والذي انتهى بسقوط كوكب حكم مصر الوراثي في حجره. لم يعد محمد علي صالحاً للحكم وقبيل وفاته تنازل لابنه إبراهيم عام 1848 ويرى المؤرخون أن حكم ولده هذا كان امتداداً لحكمه وفي العام الذي تولى فيه توفي إبراهيم في حياة والده ولمّا يتمّ شيئاً من المشاريع التي تقدم صورة من عهده وبوفاته يكون قد أتاح الفرصة لابن أخيه عباس الأول ابن طوسون حيث ارتقى العرش عام 1848. بدا حكم عباس هزيلاً إذا ما قيس بحكم جده فعلى الرغم مما قيل في حكم الجد يبقى حكماً سعى إلى النهضة والتحضر وحرص على إظهار مصر بمظاهر أوربية حديثة أدخلت النور إلى المجتمع المصري، وعلى ما يبدو لم تكن للحفيد مقومات الجد وشخصيته ذلك لأن عباس كان رجلاً مغلقاً غامضاً وكانت فترة حكمه التي امتدت من عام 1848 حتى عام 1854 مظلمة وغير ذات بال في حياة الشعب المصري ولعل إنشاء الخط الحديدي بين القاهرة والإسكندرية كانت البارقة الوحيدة التي قام بها وما عدا ذلك فقد عمل على إغلاق المدارس وتعطيل الصحف والمجلات التي كانت تصدر في عهد جده وبالإضافة إلى ذلك فقد نفى المفكر الرائد رفاعة الطهطاوي إلى السودان وعرقل الهيئات العلمية والفكرية ورفض أي تحويل جدي في حياة المصريين، وباختصار// كان عهده عهداً رجعياً أعاد البلاد إلى ظلام الجهل والتخلف//(6) ولم يترك من المدارس إلا ما كان يكفي لتخريج العدد اللازم لإدارة مرافق البلاد والتي أصبحت محدودة في الوقت الذي لا يبخل فيه على //المغنين والمهرجين والمنجمين الذين كان يستقدمهم من آسيا الصغرى ليرفهوا عنه//(7). بعد أن عثر على عباس مقتولاً في قصره بمدينة بنها تولّى الحكم بعده عمه سعيد