بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ومن كبار المقربين إلى أحمد عرابي، وفي هذه المرحلة لخص الوطنيون مطالبهم بنقطتين أساسيتين: إسقاط حكومة رياض وإنشاء نظام دستوري. لم يستمر البارودي في وزارته طويلاً حيث أقاله الخديوي لكبح جماح الحركة الوطنية وعيّن بدلاً منه داوود يكن أحد أفراد الأسرة المالكة ومن الموالين للإنكليز، ومنذ بداية عهده أراد يكن أن يشتت الجيش وكان الضباط العرب بدورهم قد أدركوا ذلك فقرروا القيام بمظاهرة عسكرية في ميدان عابدين لعرض مطالب الأمة ورغباتها في الدستور وإسقاط حكومة رياض باشا. كان يوم عابدين يوماً مشهوداً في التاريخ العربي الحديث هيأت له الحركة الوطنية المصرية وتوجّهت فيه إلى الشعب فأشركته بمجموع فئاته وطبقاته لينقذ البلاد وبرز أحمد عرابي في هذا اليوم قائداً جديراً بقيادة أمة استوعب أهدافها ومطالبها وأعلن أنه يريد أن تكون تظاهرة سلمية، وبفطنة وذكاء دعا الناس إلى انتشال البلاد والوقوف معه وطلب المحافظة على الهدوء والأمن وأبلغ رئيس الوزراء والخديوي أن قطع الجيش ستتوافد إلى ميدان عابدين، وكي لا يستغل الإنكليز هذه التظاهرة أنبأهم بنواياه ومطالبه //وأن لا خوف على رعاياهم فإنها ستكون مظاهرة سلمية تقتصر على أحوال البلد الداخلية//(22)، وفي التاسع من أيلول لعام 1881 امتلأت ساحة عابدين بقطع الجيش يحيط بها الشعب وكانت أول مواجهة عسكرية بين الحركة الوطنية وبين الخديوي توفيق الذي انحدر من قصره ليعالج الموقف بشخصه يرافقه القنصل البريطاني العام، وبعد مجادلة كلامية بين عرابي والخديوي واجهه عرابي بكلمته التي تناقلتها كتب التاريخ //لقد خلقنا أحراراً ولم نخلق تراثاً وعقاراً فو الله الذي لا إله إلا هو لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم//(23) وعندما احتدم النقاش بينهما خشي القنصل على حياة الخديوي فطلب منه أن يعود إلى قصره ثم ليوافق على طلبات الأمة بعد مداولات قصيرة وعلى الفور سقطت حكومة رياض وتشكلت وزارة جديدة بناء على رغبة الحركة الوطنية برئاسة شريف باشا جاء البارودي وزيراً للحربية فيها وكانت وزارة وطنية استبشر الشعب بها وأيّدها. تعاظم التيار القومي واتسع ولم يعد في مقدور أحد كبح جماح الضباط العرب لذلك كان من غير المفاجئ أن يستعدي الخديوي الدولة العثمانية فأبرق إلى السلطان يخبره عن الحشد العسكري في ميدان عابدين ثم أبرق مرة ثانية وأخبر الآستانة بعدم قدرته السيطرة على الوضع وفي برقية ثالثة قال: إن التمرد قد انتهى وعلى أثر هذه البرقيات الثلاث كلّف السلطان عبد الحميد لجنة تقوم بدراسة الحالة الراهنة في مصر. وصلت اللجنة إلى القاهرة وأبلغت الخديوي تأييد السلطان له ورغبتها في مساعدته، غير أن فرنسا وبريطانيا احتجتا عليها وزعمتا أنها تجاوزت حدودها وصلاحياتها لأنها طافت في معسكرات الجيش وثكناته من غير أن يكون ذلك من مهامها، وكي يتلافى السلطان غضب الدولتين أصدر أمراً بعودة اللجنة فعادت إلى الآستانة بنفس الباخرة التي قدمت عليها إلى مصر من غير أن تحقق شيئاً. بموافقة من الخديوي شرع شريف باشا بإنشاء مجلس نيابي افتتحه توفيق بخطاب العرش جاء فيه قوله //سيكون جمعية تأسيسية تضع الدستور للبلاد//(24) وطلب من المصريين أن يكونوا يداً واحدة، وبعد ذلك قدّم شريف باشا إلى المجلس مشروع الدستور في الثاني من كانون الثاني من عام 1882 وقد تضمن النقاط التالية: توسيع نظام الشورى والعمل على حماية المصالح العامة وأن يراعي المجلس خير البلاد والحكومة وألا تفرض ضريبة إلا بعد موافقة مجلس النواب عليها وأن تشكل لجنة تدرس مشروع الدستور. لم ترض فرنسا وبريطانيا على قرارات المجلس وأرسلتا مذكرة مشتركة في السابع من كانون الثاني من العام نفسه عن طريق وزير خارجية كل منهما جاء فيها //إن الحالة الراهنة تهدد الخديوي وتحد من سلطته وسوف تمنعان الأخطار عن حكومته//(25)، ثم وجهت الدولتان مذكرة أخرى تطلبان فيها أن يؤجل المجلس النيابي معالجة المسألة المالية. وعند ذلك تفاقمت الأزمة، فقد رأى النواب في خطاب كل من فرنسا وبريطانيا تدخلاً في شؤونهم الداخلية واعتبروا المذكرة وسيلة تحث الخديوي على إلغاء النظام الدستوري الجديد وبداية تدخل عسكري في البلاد وأمام إصرار النواب هذا رضخ رئيس الوزراء ولمّا لم يلق موقفه أذناً صاغية منهم قدّم استقالته في الثالث من شباط من العام نفسه وكان هذا أول انقسام في صفوف الحركة الوطنية. في الوزارة الجديدة التي شكّلها البارودي جاء فيها أحمد عرابي وزيراً للحربية وللبحرية معاً، وبعد أيام من تشكيلها قدّم الضباط العرب احتجاجاً إلى الخديوي على موقف فرنسا وبريطانيا من مجلس النواب