بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
د. بدر الدين عامود علـم النفــس في القرن العشرين دراســة ( الجزء الثاني ) من منشورات اتحاد الكتاب العرب [IMAGE: 0x08 graphic] دمشق - 2003 الجزء الثاني القسم الخامس المقدمات الأساسية لظهور علم النفس في روسيا تمهيد لعل الحديث عن علم النفس في روسيا خاصة، والاتحاد السوفيتي عامة يضطرنا أكثر من أي موقع آخر للتذكير بمبدأ وحدة الفكر الإنساني، مع ما يمليه هذا المبدأ من عرضٍ وتحليل تاريخيين لمراحل تطور الفكر العلمي فيهما وعلاقته ببيئته المحليّة والعالمية. وما ذلك إلا لأنه لم يصلنا من هذا الفكر، ولا سيّما السيكولوجي منه إلا القليل. وأن هذا القليل ـ رغم قلته، وربما بسببه ـ لم يحمل لنا نحن قراء العربية إلا صورة ضحلة عن ماضي هذا الفكر وحاضره. فبعد مضي أكثر من قرن على استقلال علم النفس لم يقدر للمهتمين بهذا العلم من العرب، بل والغربيين أيضاً إلى حد كبير، الاطلاع على إسهامات العلماء السوفيت فيه. واقتصرت معارفهم في هذا الميدان على أسماء عدد ضئيل من هؤلاء العلماء مع بعض الإشارات الخاطفة إلى بعض أعمالهم. وقد أدى هذا الوضع بالكثيرين إلى عهدٍ قريب إلى أن يقرنوا علم النفس هناك ببعض دراسات سيجينيف وبافلوف وبختيرف وتطبيقاتها في ميدان التربية والتعليم، وبالتالي إلى إنكار أي وجود لهذا العلم هناك. ولقد عزا الباحثون الغربيون سبب غياب علم نفس "حقيقي" في الاتحاد السوفيتي إلى تدخل السلطة هناك والحظر الذي فرضته على الباحثين والعلماء لوقف نشاطهم والحؤول دون الاستمرار في الدراسات النفسية، وهم، بذلك، يشيرون إلى القرار الذي اتخذته القيادة السوفيتية بشأن وقف العمل ببعض طرق البحث السيكولوجي، مدعين بأن هذا الإجراء إنما يشمل ميادين علم النفس كافة، ويضع حداً للقيام بأي نشاط في أيِّ منها. ولهذا، وحسب زعمهم، فإنه لا مجال للحديث عن دراسات نفسية على نحو ما هو قائم في دول الغرب. ولكن الواقع يظهر بطلان هذا الإدعاء، ويكشف عن الموقف السلبي لأصحابه تجاه المنحى الذي اتخذته الدراسات السيكولوجية في الاتحاد السوفيتي عقب قيام السلطة السوفيتية. فالمراكز المختصة بهذه الدراسات كانت تتزايد هناك، ويتزايد معها عدد المشتغلين فيها. كما كان حضور الوفود السوفيتية إلى المؤتمرات والندوات السيكولوجية الدولية مستمراً، ومشاركتهم في أعمالها إيجابية وفعّالة. وإلى ذلك يُضاف ما هو أهم في دلالته ومغزاه، ونعني اهتمام العلماء السوفيت، والروس في المرحلة السابقة، بكل ما يجري على ساحة علم النفس في الغرب، ومتابعتهم لنشاطات زملائهم هناك، واطلاعهم على ما ينشرونه بلغته الأصلية أو بعد ترجمته إلى الروسية، الأمر الذي مكنهم من تكوين صورة كاملة ودقيقة عن مختلف الاتجاهات والتيارات والنظريات السيكولوجية الغربية ومقارنتها بعضها ببعض، وتحديد جوانب الاتفاق والاختلاف بينها، ومواطن القوة والضعف فيها. بينما لم يُعر علماء النفس الغربيون أي اهتمام بما كان يقوم به زملاؤهم في الاتحاد السوفيتي، بل إنهم كانوا ينفون وجود ما هو جدير بالمتابعة في ميدان علم النفس هناك. وإذا وجد نشاط سيكولوجي ما، فإن الغرض منه، في اعتقادهم هو محاباة السلطة في البلاد ومسايرة نهجها السياسي والأيديولوجي. ويصح في هذا المقام أن يكون ما أعرب عنه بياجيه من أسف لعدم تمكنه من الإطلاع على نقد فيغوتسكي (أحد علماء النفس البارزين في الاتحاد السوفيتي) لآرائه في تطور الكلام والتفكير عند الطفل إلاّ بعد عقود من الزمن دليلاً واضحاً على حرص العلماء السوفيت على متابعة نشاط زملائهم الغربيين والإطلاع عليه في الوقت المناسب من ناحية، وعلى مقاطعة العلماء الغربيين لهم ولنتاجهم العلمي من ناحية أخرى. فقد كتب بياجيه في خاتمة كتاب فيغوتسكي "التفكير واللغة" يقول: "مما يبعث على الحزن والأسى أن يكتشف مؤلف بعد خمسة وعشرين عاماً من نشر زميل وافته المنية في نفس الوقت الذي تضمن فيه ذلك العمل نقاطاً كثيرة ذات أهمية مباشرة له ينبغي أن تناقش شخصياً وبالتفصيل. وبالرغم من أن صديقي (أ. لوريا) قد أحاطني بموقف فيغوتسكي التعاطفي وحتى النقدي لأعمالي، إلا أنني لم أكن قادراً أبداً على قراءة كتاباته (التشديد لنا ـ ب. ع.) أو حتى مقابلته شخصياً. وإذ أعكف على قراءة كتابه اليوم، فإنه يراودني الأسف لذلك بعمق لأننا كنا سنتوصل إلى فهم لعدد من القضايا". (فيغوتسكي، 1976، 305).