المتون والشروح والحواشي والتقريرات في التأليف النحوي
التعريف بالبحث : يتناول هذا البحث ظاهرة المتون والشروح والحواشي والأسباب التي أدت إلى بروزها ، وقد بدأ البحث بلمحة موجزة عن عصري المماليك والعثمانيين ، لأنهما أبرز عصرين اشتهرا بهده الظاهرة التأليفية . ثم تناول البحث تعريفاً بمفردات العنوان ( التن ، والشرح ، والحاشيه ، والتقرير ) بعد ذلك تطرق البحث إلى تاريخ المتون ، متى ظهرت ؟ وما أنواع المتن ؟ ثم أشهر المتن المنظومة وأشهر علمائها ، وبعد ذلك عرض لأشهر المتون النحوية المنثورة وأبرز علمائها . ثم جاء العنصر الأهم بالموضوع وهو ذكر الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة في الدرس النحوي والدوافع التي دفعت العلماء إلى الاختصار فيما يسمى بالمتون مما اضطرهم بدوره إلى الشروح التي استدعت ظهور الحواشي . وقد ناقش البحث بدقة العيوب التي أخذت على هذه الظاهرة مناقشة موضوعية بعيدة عن الحماس . ودافع الباحث عن هذه الظاهرة وبين أنها تشكل جزءاً كبيراً من تراثنا الخالد الذي لا يستغني عنه الدارس مهما علا كعبه في العلوم والمعارف . تقديم كانت كتب النحويين المتقدمين تؤلف لتتضمن ما اهتدوا إليه من حقائق نحويه ، وحرص أصحابها على استيفاء البحث في كل مسألة بذكر جميع ما يتصل بها ، ولو كان ذلك على سبيل الاستطراد أو لأدني ملابسه ، حتى اكتمل وضع علم النحو ، ونضجت أبحاثه وتمت مسائلة . وحينما جاء من يريد أن يضيف جديداً لم يجد زيادة لمستزيد ، اللهم إلا شرح كتب من سبقوه ، وتوضيح ما عسى أن يكون فيها مما يصعب فهمه ، وإضافة ما ظهر من خلاف طارىء بين النحاة ، وما عرضوه من علل وتأويلات وشواهد ، فازدادت التآليف اتساعاً ، وتشعبت الأبواب النحويه ، وكثرت المسائل الخلافيه ، وتنوعت العلل والتأويلات العقلية . وقد دفع هذا كله إلى ظهور فريق ثالث سعى إلى اختصار الأبواب وتقريب المسائل من أذهاب المتعلمين ، فألف المتون المنظومة التي برزت في القرن السابع الهجري ، حتى باتت تشكل ظاهرة متميزة في منظومة التأليف النحوي أدت إلى ظهور شروح لها أكثر اتساعاً ، ثم بروز حواشٍ وتقريرات على هذه الشروح أوجبتها ظروف التوضيح والتبيين . وقد رأيت أن أدرس هذه الظاهرة باحثاً عن بدايتها التاريخية وأسباب ظهورها ، مبيناً أشهر علمائها وقيمتها العلمية مبتدئاً بعرض مفصل عن عنصري المماليك والعثمانيين ، لبروز هذه الظاهرة التأليفية المزدهرة فيهما مستعرضاً المآخذ عليها ، ثم مناقشاً ما قيل عن هذا النمط التأليفي سلباً وإيجاباً ، والله الموفق . نبذه تاريخية موجزة عن عنصري المماليك والعثمانيين : لعل من المناسب أن أتحدث ابتداءً عن عصر المماليك وعصر العثمانيين أو عصورهم من الوجهة التاريخية قبل أن أخوض في الحديث عن ظاهرة المتون والشروح والحواشي والتقريرات في النحو والصرف خاصة ، وفي سائر العلوم على وجه العموم . فبعد احتلال بغداد أصبحت المكتبات العربية فيها خاوية بسبب مصيبة ( هولاكو ) ، وبعد النكسات التي سببها زوال سلطان العرب عن الأندلس , أصبح القطران - مصر والشام - الملجأ الوحيد للعلماء من جميع الأقطار الإسلامية , وترسخت قيمة هذا الملجأ بعد انتصار قطز وبيبرس في عين جالوت وبعد دحر المغول . وكانت ( شجرة الدر ) قد وضعت قبيل هذا أساس سلطنة المماليك , وهي من جواري الملك الصالح نجم الدين أيوب , اشتراها أيام أبيه , وحين ولدت له ابنا أعتقها وتزوجها , وكانت قوية الشخصية , تدير الملك عند غيابه , ولما مات مقتولا سنة (647هـ ) أخفت أمر موته , لأن المعارك مع الإفرنج كانت ناشبة ، وقد حكمت ثمانين يوما , ثم تنازلت بعدها لوزيرها وزوجها الثاني عز الدين أيبك , وبذلك بدأ الحكم المملوكي في سنة (648هـ) . وينقسم المماليك إلى قسمين : مماليك بحرية حكموا من سنة (648هـ) إلى سنة ( 784هـ ) , وأصل هؤلاء من الحرس الذين اشتراهم الصالح الأيوبي وأسكنهم في ثكنات بجزيرة الروضة في النيل , وكان أكثرهم من الترك والمغول . أما القسم الثاني فهم المماليك البرجية , وهؤلاء جيء بهم إلى مصر بعد المماليك