بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ومئونة التِّرْحال، ولفْح السموم، وعقد الطَّرْف ليلا بسُموت النجوم، وتأمُّلِ السَّراب، شَوْقا إلى بَرْد الشَّرَاب، والتمتع بأباطيل الخيال، بدلا من لذيذ محصول الوِصال، وسائر ما يَلْحَقُ جُوَّابَ المَتالِف، من أنواع التكالِف، وربما اقترن بذلك ما أحمدُ الله على كفايتك إياه، من تَلف المُهْجة التي لا يَعْدِلها ثمن، وعابرُ المفازة بذلك قَمَن، فقد قيل: إن المسافر ومَتاعَه لعَلى قَلَتٍ إلاّ ما وَقى الله، وقد قيل: إن تعب السفر، لا يفي به شيء من الظَّفَر، فيالها نِعمةً عميمَةً أوردَك صَفْوَتها، وطُعْمةً جَسيمة مَلَّكك عفوتها، هكذا تنمى الجدود وتسفر عن مطالعها السُّعود، عِشْ بجَدٍّ صاعد، فربَّ ساعٍ لقاعد، ولله درّ أبي الطَّيِّب رَبِّ الأمثال السَّيَّارَة، والأقوال المُستْعارة، قائلا: ولَيْسَ الَّذِي يَتَّبَّع الـوَبْـلَ رَائِداً كمَنْ جاءَهُ في دارِهِ رَائدُ الوَبْلِ وشَرْح ما اجملتُ لك من ذلك: أن بارئنا جلّ وعزّ، لمّا أراد الإحسان إليك، والامتنان بفضله عليك، ألهمه، فأنشأ له همّة ليست ببدْع من هممه، وحكمة ليست ببِكْرٍ من حِكمه، فإنه -وفَّقه الله- مَناطُ كلّ عجيبة، ورباط كلّ فائدة غريبة، وما أولاه أن يُنشَد في ذاتِه، ما قاله أبو الطَّيَّب ذاكرا لصفاته، وهو: إليَّ لَعمرِي قَصْدُ كُـلِّ غَـرِيبَةٍ كأني عجيبٌ في عُيُونِ العَجائبِ وذلك انه -أدام الله مدته، وحفظ على مُلكه طُلاوته وجدتّه- لما جمع العلوم النافعة، من الديانيات واللسانيات، فسلك مناهجها، وشَهَر بمُقدماتها نتائجها، وذلّل من صعابها، وأخضع بفهمه من صِيِد رِقابها، وعلم مُنتهى سِبارها، وميَّز بالتأمُّل اللطيف طبقات أقدارها، وضَح له فضلُ هذا الكلام العربيِّ، الذي هو مادة لكتاب الله جلَّ وعزّ، وحديث النبيّ، صلى الله عليه وسلم "و شرَّف وكرَّم"، فلما وضح له مكانُ الحاجة إلى هذه اللسان الفصيحة، الزائدة الحسن، على ما أُوتِيَه سائر الأمم من اللُّسْن، أراد جمع ألفاظها، فتأمل لذلك كتب رواتها وحفَّاظها، فلم يجد منها كتابا مستقلا بنفسه، مُستغنيا عن مثله، مما أُلِّف في جنسه، بل وجد كل كتاب منها يشتمل على ما لا يشتمل عليه صاحبه، وشلٌ "لا" تعانَدُ عليه وُرًّادُه، وكلأ لا تحاقدُ في مثله روَّادُه، لا تشبع فيه نابٌ ولا فطيمة، ولا تُغنى منه خضراءُ ولا هشيمة. ثم انه لحظ مناظر تعبيرهم، ومسافر تحبيرهم، فما اطَّبَى شيء من ذلك له ناظرا، ولا سلك منه جنانا ولا خاطرا، وذلك لما أُوتيهُ وحُرِمُوه، وأوجده وأُعدِمُوه، من ثَقابة النَّظر، وإصابة الفكر، وكان اكثر ما نقمه -سدّده الله-عليهم، عُدُولُهم عن الصواب، في جميع ما يُحتاج إليه من الإعراب، وما أحوجهم من ذلك إلى ما مُنِعُوه، وإن جل ما أُوتوه، من علم اللغة ومُنِحوه، فإن الكَحَل لا يغني من الشَّنَب، وإنّ الخمر معْنىً ليس في العنب. وأيّ مُوَاقفة أخزى لواقفها، من مقامة أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السِّكِّيت، مع أبي عثمانَ المازنيّ، بين يدي أمير المؤمنين جعفر المتوكل ؟ وذلك أن أمير المؤمنين قال: يا مازنيُّ سَلْ يَعْقوبَ عن مسئلة من النحو، فتلكَّأ المازنيّ، عِلْما بتأخر يعقوب في صناعة الإعراب، فعزم المتوكلُ عليه، وقال: لابدّ لك من سُؤاله، فأقبل المازنيّ يُجهد نفسه في التلخيص، وتنكُّب السؤال الحُوشيِّ العويص، ثم قال: يا أبا يوسف، ما وزن "نكْتَل" من قوله تعالى: )فأرْسِلْ مَعَنا أخانا نَكْتَلْ( ؟ قال له: نَفْعَل، وكان هنالك قوم قد علموا هذا المقدار، ولم يُؤْتَوْا من حظّ يعقوب في اللغة المِعشار، ففاضُوا ضَحِكا، وأداروا من الهُزْء فلكا، وارتفع المتوكِّل، فخرج السِّكِّيتيُّ والمازنيّ، فقال ابن السكِّيت: يا أبا عثمان، أسأتَ عشرتي، وأذويت مَشرتي. فقال له المازنيّ: والله ما سألتك عن هذه، حتى تحققت أني لم أجد أدنى محاولا، ولا اقرب منه متناولا. وأي شيء اذهب لزين، وأجلب لعَبَر عَيْن، من معادلته في كتابه الموسوم "بالإصلاح"، الرَّيْم الذي هو القبر، والفضل، بالرَّيم الذي هو الظَّبي ؟ ظَنَّ التخفيف فيه وَضْعا. ومن اعتقاده في هذا الباب أن الغين، وهو جمع شجرة غَيناء، وأن الشّيْم: جمع أشيم