بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وكانوا يركبون البحر. وركوب البحر يحتاج الى علم بالنجوم وبتقلبات الجو كما كانت ديانتهم تقوم على أساس تقديس النجوم. ولهذه الملاحظات لا بد أن يكون لأهل اليمن وغيرهم من أهل العريية الجنوبية علم بالأنواء وقد يعثر في يوم ما على نصوص مدونة بلهجاتهم فيها شيء ما من أمر هذا العلم. والنوء عند الجاهليين هو النجم إذا مال للغروب، أو هو سقوط النجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه، وهو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق. وانما سمي نوءاً لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع، وذلك الطلوع هو النوء. وبعضهم يجعل النوء هو السقوط. وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها، فتقول مطرنا بنوء كذا. قال الشاعر: ينعى امرءاً لاتغا الحيّ جفنتـه إذا الكواكب أخطا نوءها المطر وذكر أن من طلوع كل نجم إلى طلوع رقيبه، وهو النجم الاخر الذي يليه ثلاثة عشر يوماً، وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة، ما خلا الجبهة، فإن لها أربعة عشر يوماً، فتقضي جميعها مع انقضاء السنة. وذلك لتكمل السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً. وذكر بعض العلماء أن العرب لا تستنيء بالنجوم كلها، إنما يذكر في الأنواء بعضها. وقال "ابن الأعرابي": "لا يكون نوء حتى يكون مطر معه، وإلا فلا نوء". وقد زعموا إن لكل نوء أثر في هذا الكون وفي الإنسان. فإذا حدث شيء ووقع أمر نسبوه إلى نوئه. وفي جملة ما نسبوا أثره إلى الأنواء: حدوث المطر، فإذا أمطرت السماء نسبوا المطر إلى أثر النجم الطالع في ذلك الوقت. فيقولون مطرنا بنوء كذا. وقد ذهيوا إلى إن الأنواء "28" نوءاً أو نجماً اعتقدوا انها علة الأمطار والرياح والحر والبرد. وقد ذكروا الأنواء الممطرة ومواسم المطرْ. ونظراً إلى أن السنة أربعة أجزاء، لكل جزء منها سبعة أنواء، لكل نوء ثلاثة عشر يوماً، إلا نوء الجبهة فإنه أربعة عشر يوماً، فيكون مجموع أيام السنة "365" يوماً، وهو المقدار الذي تقطع الشمس فيه بروج الفلك الاثني عشر. ونظراً لأهمية المطر في حياة جزيرة العرب، اهتموا بمراقبة مظاهر الأنواء وألوان السحب، وقد علمتهم تجاربهم إن السحب البيضاء لا تكون ممطرة، وان السحب السوداء تكون هطلة، تهطل الأمراض وتغيث الناس. هذا وتجد للسحب أسماء كثيرة من حيث ترتيبها وأوصافها وقربها أو بعدها عن الأرض ومن حيث لونها واحتمال وجود الغيث فيها. وفي كثرة هذه الأسماء دلالة على شدة اهتمام العرب بالسحاب لما له من أثر في حياتهم، لا سيما بالنسبة إلى نزول الغيث. فقد كانوا يستسقون بالنوء،ويرجعون سبب سقوط المطر إليه. ولتعارض عقيدة الجاهليين هذه مع عقيدة الإسلام في الخلق والأسباب، جاء النهي عنها في الإسلام. ورد في الحديث: "من قال سقينا بالنجم، فقد آمن بالنجم وكفر بالله". وجعلت الأنواء من الأمور الثلاثة التي عرفت بالجاهلية والتي نهى عنها الإسلام: الطعن في الأنساب والنياحة والأنواء. وكانوا يكرهون نوء السماك، ويقولون فيه داء الإبل،. فال الشاعر: ليت السماك ونوءه لم يخلـقـا ومشى الأفيرق في البلاد سلما والسماك، سماكان: الأعزل والرامح وهما نجمان نيران: وسمي أعزل لأنه لا شئ بين يديه من الكواكب، كالأعزل الذي لا رمح معه. ويقال لاْنه إذا طلع لا يكون في أيامه ريح ولا برد، وهو أعزل منها. وهو من منازل القمر، والرامح ليس من منازله، ولا نوء له، وهو إلى جهة الشمال. والأعزل من كواكب الأنواء وهو إلى جهة الجنوب. وهما في برج الميزان، ويقول الساجع: إذا طلع السماك، ذهب العكاك، فأصلح قتاك، وأجد حذاك، فإن الشتاء قد أتاك. وقد تخصص قوم بالنوء، ورد أن "عمر بن الخطاب" "نادى العباس: كم بقي من نوء الثريا ? فقال: إن العلماء بها يزعمون انها تعترض في الأفق سبعاً بعد وقوعها. فوالله ما مضت تلك السبعُ حتى غيث الناس". وكانوا إذا أرادوا الوقوف على ظواهر الجو لجأوا الى العالمين بالأنواء، وكانوا إذا أرادوا التعبير عن خبير بها، قالوا مثلاً: "ما بالبادية أنوأ منه، أي أعلم بالأنواء منه". وذكر أهل الأخبار أن "الحارث بن زياد بن ربيع"، لم يكن في الأرض عربي أبصر منه بنجم. واعتقاد راسخ مثل هذا في الكواكب والنجوم، لا بد أن يحمل الجاهليين على تتبع ما ورد عند الأمم الأخرى من علم